يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ : كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا يَعْبُدُ مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِ مَا أَرَادَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ السُّوءِ، وَغَيْرَ قَادِرٍ عَلَى صَرْفِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْهَلاَكِ ؟ بَلِ الإِلَهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي لَهُ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِيَدِهِ تَصْرِيفُ كُلِّ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ وَقَدْ ذَكَرَ السَّمَوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلَمْ يَقُلْ : وَمَا بَيْنَهُنَّ، لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَمَا بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الأَشْيَاءِ، كَمَا قَالَ الرَّاعِي :.

طَرَقَا فَتِلْكَ هَمَاهِمِي أَقْرِيهِمَا قُلُصًا لَوَاقِحَ كَالْقِسِيِّ وَحُوَّلا
فَقَالَ : طَرَقَا، مُخْبِرًا عَنْ شَيْئَيْنِ، ثُمَّ قَالَ : فَتِلْكَ هَمَاهِمِي، فَرَجَعَ إِلَى مَعْنَى الْكَلاَمِ.
وَقَوْلُهُ :﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ يَقُولُ : جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وُيُنْشِئُ مَا يَشَاءُ وَيُوجِدُهُ، وَيُخْرِجُهُ مِنْ حَالِ الْعَدَمِ إِلَى حَالِ الْوُجُودِ، وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ تَدْبِيرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَتَصْرِيفَهُ وِإِفْنَاءَهُ وَإِعْدَامَهُ، وَإِيجَادَ مَا يَشَاءُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلاَ مُنْشَأٍ، يَقُولُ : فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ سِوَايَ، فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَيُّهَا الْكَذِبَةُ أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ، وَهُوَ لاَ يُطِيقُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ عَنْ أُمِّهِ، وَلاَ اجْتِلاَبِ نَفْعٍ إِلَيْهَا، إِلاَّ بِإِذْنِي.


الصفحة التالية
Icon