وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الأَمْصَارِ، صَحِيحٌ مَعْنَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. فَمَنْ قَرَأَ :﴿أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ بِفَتْحِ الأَلِفِ مِنْ أَنْ فَمَعْنَاهُ : لاَ يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ أَجْلِ أَنْ صَدُّوكُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ. وَمَنْ قَرَأَ : إِنْ صَدُّوكُمْ بِكَسْرِ الأَلِفِ، فَمَعْنَاهُ : لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ إِنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذَا أَرَدْتُمْ دُخُولَهُ، لِأَنَّ الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَدْ حَاوَلُوا صَدَّهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الصَّادِّينِ. غَيْرَ أَنَّ الأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْتُ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الأَلِفِ أَبْيَنُ مَعْنًى، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ لاَ تَدَافُعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّدُّ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الصَّادِّينَ مِنْ أَجْلِ صَدِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿أَنْ تَعْتَدُوا﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنْ تُجَاوِزُوا الْحَدَّ الَّذِي حَدُّهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي أَمْرِهِمْ.


الصفحة التالية
Icon