وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مُجَاهِدٍ : إِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ لاِحْتِمَالِهِ أَنْ تَعْتَدُوا الْحَقَّ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مَنْسُوخٌ، إِلاَّ بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ :﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ وَلْيُعِنْ بَعْضُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْضًا عَلَى الْبِرِّ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْعَمَلِ بِهِ ﴿وَالتَّقْوَى﴾ هُوَ اتِّقَاءُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّقَائِهِ وَاجْتِنَابِهِ مِنْ مَعَاصِيهِ.
وَقَوْلُهُ :﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ يَعْنِي : وَلاَ يُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى الإِثْمِ، يَعْنِي : عَلَى تَرْكَ مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِفِعْلِهِ. ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ يَقُولُ : وَلاَ عَلَى أَنْ تَتَجَاوَزُوا مَا حَدِّ اللَّهِ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ، وَفَرَضَ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي غَيْرِكُمْ.
وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلاَمِ : وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا، وَلَكِنْ لِيُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالأَمْرِ بِالاِنْتِهَاءِ إِلَى مَا حَدَّهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِي غَيْرِهِمْ، وَالاِنْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ أَنْ تَأْتُوا فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ وَفِي سَائِرِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَلاَ يُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ.
وَبِمَا قُلْنَا فِي الْبِرِّ وَالتَّقْوَى قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :.
١١٠٦٥- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ :﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ الْبِرُّ : مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَالتَّقْوَى : مَا نُهِيتَ عَنْهُ.