وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَى سَامِعِهِ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَاهُ حَذَفَ الصَّاحِبَ وَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْحَانُوتِ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :(مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ)، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ فِيهِمْ خِيَانَتُهُمَا، فَحُذِفَتِ (الْخِيَانَةُ) وَأُقِيمَ (الْمُخْتَانَانِ) مُقَامَهَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْمَحْذُوفِ وَلَوْ ظَهَرَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿عَلَيْهِمْ﴾ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا : فِيهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾، يَعْنِي : فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَكَمَا قَالَ :﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ فَـ (فِي) تُوضَعُ مَوْضِعَ (عَلَى)، وَ (عَلَى) فِي مَوْضِعِ (فِي)، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُعَاقِبُ صَاحِبَتَهَا فِي الْكَلاَمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :

١٣٠٢٤- مَتَى مَا تُنْكِرُوهَا تَعْرِفُوهَا عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ
وَقَدْ تَأَوَّلَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :(﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ﴾) أَنَّهُمَا رَجُلاَنِ آخَرَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ رَجُلاَنِ أَعْدَلُ مِنَ الْمُقْسِمَيْنِ الأَوَّلَيْنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
١٣٠٢٥- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحٍ، فِي هَذِهِ الآيَةِ :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾، قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ. فَإِنْ جَاءَ رَجُلاَنِ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلاَفِ شَهَادَتِهِمْ، أُجِيزَتْ شَهَادَةُ الْمُسْلِمَيْنِ وَأُبْطِلَتْ شَهَادَةُ الآخَرَيْنِ.


الصفحة التالية
Icon