وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الاِعْتِدَاءِ : الْمُجَاوَزَةُ فِي الشَّيْءِ حَدَّهُ.
﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ يَقُولُ : إِنَّا إِنْ كُنَّا اعْتَدَيْنَا فِي أَيْمَانِنَا، فَحَلَفْنَا مُبْطِلَيْنِ فِيهَا كَاذِبَيْنِ، ﴿لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾، يَقُولُ : لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، وَيَقْتَطِعُ بِأَيْمَانِهِ الْفَاجِرَةِ أَمْوَالَ النَّاسِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾.
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ :﴿ذَلِكَ﴾ : هَذَا الَّذِي قُلْتُ لَكُمْ فِي أَمْرِ الأَوْصِيَاءِ إِذَا ارْتَبْتُمْ فِي أَمْرِهِمْ وَاتَّهَمْتُمُوهُمْ بِخِيَانَةِ الْمَالِ مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِمْ مِنْ حَبْسِهِمْ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَاسْتِحْلاَفِكُمْ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا ادَّعَى قِبَلَهُمْ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ. ﴿أَدْنَى﴾ لَهُمْ ﴿أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا﴾ يَقُولُ : هَذَا الْفِعْلُ إِذَا فَعَلْتُمْ بِهِمْ أَقْرَبُ لَهُمْ أَنْ يَصْدُقُوا فِي أَيْمَانِهِمْ، وَلاَ يَكْتُمُوا، وَيُقِرُّوا بِالْحَقِّ، وَلاَ يَخُونُوا. ﴿أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾، يَقُولُ : أَوْ يَخَافُوا هَؤُلاَءِ الأَوْصِيَاءُ إِنْ عُثِرَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانِهِمْ بِاللَّهِ، أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانُهُمْ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمُ الَّتِي عُثِرَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَذِبٌ، فَيَسْتَحِقُّوا بِهَا مَا ادَّعَوْا قِبَلَهُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ، فَيَصْدُقُوا حِينَئِذٍ فِي أَيْمَانِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ مَخَافَةَ الْفَضِيحَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَحَذَرًا أَنْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ مَا خَانُوا فِيهِ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ وَوَرَثَتَهُ.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ، نَحْنُ ذَاكِرُو الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ.