فَإِذْ كَانَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ وَجْهَ لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلاَّ بِخَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، إِمَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِذَلِكَ، فَأَمَّا وَلاَ خَبَرَ بِذَلِكَ، وَلاَ يَدْفَعُ صِحَّتَهُ عَقْلٌ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاسْمَعُوا وَعْظَهُ إِيَّاكُمْ وَتَذْكِيرَهُ لَكُمْ، وَاحْذَرُوا يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ. ثُمَّ حَذَفَ (وَاحْذَرُوا) وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ :﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾ عَنْ إِظْهَارِهِ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ :
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا | حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا |
وَأَمَّا قَوْلُهُ : مَاذَا أُجِبْتُمْ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : مَا الَّذِي أَجَابَتْكُمْ بِهِ أُمَمُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِي وَالإِقْرَارِ بِي وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِي وَالاِنْتِهَاءِ عَنْ مَعْصِيَتِي ؟ ﴿قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا﴾.