وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلاَمِ : وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾، فَبَيِّنٌ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ كَرِهَ مِنْهُمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَمُرَاجَعَةِ الإِيمَانِ مِنْ قِيلِهِمْ ذَلِكَ، وَالإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ مِنَ الأَخْبَارِ. وَقَدْ قَالَ عِيسَى لَهُمْ عِنْدَ قِيلِهِمْ ذَلِكَ لَهُ اسْتِعْظَامًا مِنْهُ لِمَا قَالُوا :﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، فَفِي اسْتِتَابَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَدُعَائِهِ لَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قِيلِهِمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتِعْظَامِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَتَهُمْ، الدَّلاَلَةُ الْكَافِيَةُ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ بِالْيَاءِ وَرَفْعِ الرَّبِّ، إِذْ كَانَ لاَ مَعْنَى فِي قَوْلِهِمْ لِعِيسَى لَوْ كَانُوا قَالُوا لَهُ : هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْأَلَ رَبَّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ؟ أَنْ تُسْتَكْبَرَ هَذَا الاِسْتِكْبَارَ.
فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ لَهُ إِنَّمَا هُوَ اسْتِعْظَامٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مَسْأَلَةَ آيَةٍ، فَإِنَّ الآيَةَ إِنَّمَا يَسْأَلُهَا الأَنْبِيَاءَ مَنْ كَانَ بِهَا مُكَذِّبًا، لِيَتَقَرَّرَ عِنْدَهُ حَقِيقَةُ ثُبُوتِهَا وَصِحَّةُ أَمْرِهَا، كَمَا كَانَتْ مَسْأَلَةُ قُرَيْشٍ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَوِّلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَيُفَجِّرَ فِجَاجَ مَكَّةَ أَنْهَارًا مَنْ سَأَلَهُ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ، وَكَمَا كَانَتْ مَسْأَلَةُ صَالِحٍ النَّاقَةَ مِنْ مُكَذِّبِي قَوْمِهِ، وَمَسْأَلَةُ شُعَيْبٍ أَنْ يُسْقِطَ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ كُفَّارِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ.