وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذَا، وَجَّهَ تَأْوِيلَ الآيَةِ إِلَى :﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ فِي الدُّنْيَا، وَأُعَذِّبُهُ أَيْضًا فِي الآخِرَةِ، ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ السُّدِّيِّ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ذَلِكَ لِعِيسَى حِينَ رَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ الْخَبَرَ خَبَرٌ عَمَّا مَضَى لِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ (إِذْ) إِنَّمَا تُصَاحِبُ فِي الأَغْلَبِ مِنْ كَلاَمِ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْمَلِ بَيْنَهَا الْمَاضِيَ مِنَ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَدْخُلُهَا أَحْيَانًا فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ عَمَّا يَحْدُثُ إِذَا عَرَفَ السَّامِعُونَ مَعْنَاهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ فَاشٍ وَلاَ فَصِيحٍ فِي كَلاَمِهِمْ، فَتَوْجِيهُ مَعَانِي كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الأَشْهَرِ الأَعْرَفِ مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيلُ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهَا إِلَى الأَجْهَلِ الأَنْكَرِ.
وَالأُخْرَى : أَنَّ عِيسَى لَمْ يَشُكَّ هُوَ وَلاَ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ لِمُشْرِكٍ مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَى عِيسَى أَنْ يَقُولَ فِي الآخِرَةِ مُجِيبًا لِرَبِّهِ تَعَالَى : إِنْ تُعَذِّبْ مَنِ اتَّخَذَنِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِكَ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا كَانَ وَجْهُ سُؤَالِ اللَّهِ عِيسَى :﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، وَهُوَ الْعَالِمُ بِأَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ؟
قِيلَ : يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنَ التَّأْوِيلِ.