وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ : نُصِبَتْ لاَمُ ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ لِأَنَّ مَعْنَى كِتَابٍ كَأَنَّهُ قَالَ : وَاللَّهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ.
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ غَايَةً، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلاَمِ حِينَئِذٍ : لَيَجْمَعَنَّكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي لاَ رَيْبَ فِيهِ لِيَنْتَقِمَ مِنْكُمْ بِكُفْرِكُمْ بِهِ.
وَإِنَّمَا قُلْتُ : هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ إِعْمَالِ كَتَبَ فِي ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿كَتَبَ﴾ قَدْ عَمِلَ فِي الرَّحْمَةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ عَمِلَ فِي الرَّحْمَةِ أَنْ يَعْمَلَ فِي :﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، لِأَنَّهُ لاَ يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ :﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ أَنَّهُ بِفَتْحِ أَنْ ؟
قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ إِذْ قُرِئَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ (أَنْ) بَيَانٌ عَنِ الرَّحْمَةِ وَتَرْجَمَةٌ عَنْهَا، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلاَمِ : كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنْ يَرْحَمَ مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ بَعْدَ اقْتِرَافِ السُّوءِ بِجَهَالَةٍ وَيَعْفُو، وَالرَّحْمَةُ يُتَرْجَمُ عَنْهَا، وَيُبَيَّنُ مَعْنَاهَا بِصِفَتِهَا، وَلَيْسَ مِنْ صِفَةِ الرَّحْمَةِ ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ فَيَكُونُ مُبَيَّنًا بِهِ عَنْهَا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ يُنْصَبَ بِنِيَّةِ تَكْرِيرِ كَتَبَ مَرَّةً أُخْرَى مَعَهُ، وَلاَ ضَرُورَةَ بِالْكَلاَمِ إِلَى ذَلِكَ فَتَوَجَّهَ إِلَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي ظَاهِرٍ.