وَأَوْلَى الأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ مِنْ أَجْلِ إِكْثَارِ السَّائِلِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ، كَمَسْأَلَةِ ابْنِ حُذَافَةَ إِيَّاهُ مَنْ أَبُوهُ، وَمَسْأَلَةِ سَائِلِهِ إِذْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ : أَفِي كُلِّ عَامٍ ؟ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ، لِتَظَاهُرِ الأَخْبَارِ بِذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَوْلٌ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ، وَلَكِنَّ الأَخْبَارَ الْمُتَظَاهِرَةَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِخِلاَفِهِ، وَكَرِهْنَا الْقَوْلَ بِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ كَانَتْ فِيمَا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي كَرِهَ اللَّهُ لَهُمُ السُّؤَالَ عَنْهَا، كَمَا كَرِهَ اللَّهُ لَهُمُ الْمَسْأَلَةَ عَنِ الْحَجِّ، أَكُلَّ عَامٍ هُوَ أَمْ عَامًا وَاحِدًا ؟ وَكَمَا كَرِهَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ مَسْأَلَتَهُ عَنْ أَبِيهِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، فَأَخْبَرَ كُلُّ مُخْبِرٍ مِنْهُمْ بِبَعْضِ مَا نَزَلَتِ الآيَةُ مِنْ أَجْلِهِ وَأَجَّلَ غَيْرَهُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّ مَخَارِجَ الأَخْبَارِ بِجَمِيعِ الْمَعَانِي الَّتِي ذُكِرَتْ إِصْحَاحٌ، فَتَوْجِيهُهَا إِلَى الصَّوَابِ مِنْ وجُوهِهَا أَوْلَى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِينَ نَهَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهُ مِنْ فَرَائِضَ لَمْ يَفْرِضْهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، @