مَا لَمْ يُعْثَرْ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ عُثِرَ قَامَ آخَرَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنَ الْخَصِمِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ الأَوَّلاَنِ الْمُسْتَحْلَفَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ : لَشَهَادَتُنَا عَلَى تَكْذِيبِكُمَا أَوْ إِبْطَالِ مَا شَهَدْتُمَا بِهِ، ﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذَنْ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمُ﴾، الآيَةَ.
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَ عَبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ مِنْ عُدُولِ الْمُؤْمِنِينَ أَوِ اثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ فِي الْكَلاَمِ صِفَةُ شَهَادَةِ مُؤْمِنَيْنِ مِنْكُمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : صِفَةُ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، أَوْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ.
فَإِذْ كَانَ لاَ وَجْهَ لِذَلِكَ فِي الْكَلاَمِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ صَرْفُ مُغْلَقِ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ إِلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ.
وَقَدْ دَلَّلْنَا قَبْلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ.
وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ بِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ إِنَّمَا هُوَ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ.