نقله وتلقاه الأئمة بالقبول كما انفرد به بعض الرواة، وبعض الكتب المعتبرة أو كمراتب القراء في المد ونحو ذلك، فهذا صحيح مقطوع به أنه منزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحرف السبعة كما نبين حكم المتلقي بالقبول، وهذا الضرب يلحق بالقراءة المتواترة، وإن لم يبلغ مبلغها كما سيجيء. وضرب لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض؛ فالذي يظهر من كلام كثير من العلماء جواز القراءة به والصلاة به، والذي نص عليه أبو عمرو بن الصلاح وغيره أن ما وراء العشرة ممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة كما سيأتي. وقال شيخنا قاضي القضاة أبو نصر عبد الوهاب بن السبكي في كتابه "جمع الجوامع" في الأصول: ولا تجوز القراءة بالشاذ، والصحيح أن ما وراء العشرة فهو شاذ، وفاقا للبغوي والشيخ الإمام. قلت: يعني بالشيخ والده مجتهد العصر أبا الحسن علي بن عبد الكافي السبكي.
والقسم الثاني من القراءة الصحيحة ما وافق العربية وصح سنده، وخالف الرسم كما ورد في صحيح من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى، ونحو ذلك مما جاء عن أبي الدرداء وعمر وابن مسعود وغيرهم، فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة؛ لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه، وإن كان إسنادها صحيحا فلا تجوز القراءة بها لا في الصلاة، ولا في غيرها. قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه "التمهيد": وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوما شذوا لا يعرج عليهم. قلت: قال أصحابنا الشافعية وغيرهم: لو قرأ بالشاذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالما، وإن كان جاهلا تبطل صلاته، ولم تحسب له تحسب له تلك القراءة، واتفق علماء بغداد على تأديب الإمام ابن شنبوذ، واستتابته على قراءته وإقرائه بالشاذ، وحكى الإمام أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يجوز أن يصلي خلف من يقرأ بها. وأما ما وافق المعنى والرسم أو أحدهما من غير نقل، فلا تسمى شاذة بل مكذوبة يكفر متعمدها.
وأجاب الإمامان الحافظ أبو عمرو بن الصلاح وأبو عمرو بن الحاجب عن السؤال الذي ورد دمشق من العجم في حدود الأربعين وستمائة وهو: هل تجوز القراءة بالشاذ أو يجوز أن يقرأ القارئ عشرا كل آية بقراءة ورواية؟ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: المجتهد المقيد في ذلك العصر ما صورته يشترط أن يكون المقروء به قد تواتر نقله عن