الحج رجل منها نويس فاجتازوا بديار مصر وتحفظوا ممن كان بها من المقرئين شيئا يسيرا من حروف القراءات السبع، وكان المقرئون الذين كانوا إذ ذاك بمصر لم يكن لهم روايات متسعة، ولا رحلة إلى غيرها من البلاد التي اتسعت فيها الروايات كأبي الطيب بن غلبون وابنه أبي الحسن طاهر وأبي الفتح فارس بن أحمد وابنه عبد الباقي وأبي العباس ابن نفيس، وكان بها أبو أحمد السامري وهو أعلاهم إسنادا.
وسبب قلة العلم والروايات بديار مصر ما كان غلب على أهلها من تغلب الإسماعيلية وقتل ملوكهم للعلماء، وكان من قدماء علمائنا من حج ورحل أبو عمرو الطلمنكي مصنف كتاب "الروضة" فأخذ بمصر شيئا يسيرا من القراءات السبع وكان قد رحل من القيروان للحج أبو محمد مكي بن أبي طالب، فأخذ عن ابن كدي وعن أبي الطيب بن غلبون أيضا يسيرا من حروف السبعة، ورحل أيضا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن الخزرجي المعروف بالأستاذ مؤلف كتاب "القاصد" ثم رحل أبو عمرو عثمان بن سعيد القرطبي المعروف بالداني لطول إقامته بدانية، فأخذ عن ابن خاقان وفارس بن أحمد وطاهر بن غلبون وصنف كتاب "التيسير" وغير ذلك. وأقام الطلمنكي بغرب الأندلس يقرئ بتصنيفه كتاب "الروضة" وقدم مكي بن أبي طالب الأندلس وأقام بقرطبة يقرئ بكتاب "التبصرة" من تأليفه وأقام الداني بشرقي الأندلس يقرئ بكتاب "التيسير" وأقام صاحب "القاصد" بقرطبة يقرئ الناس بكتابه فقرأ الناس على هؤلاء ورحلوا إليهم إذ لم يكن ببلادهم من يضاهيهم -واشتهر هؤلاء بالأندلس وتصانيفهم هذه وفي بعضها ما يخالف بعضا ولم يقع أحد من العلماء ولا من قضاة الإسلام هنالك إنكار لشيء من ذلك بل رووا ما رووا من ذلك.
ثم تتابع الناس إلى الحاج منهم أبو عبد الله محمد بن شريح مؤلف كتاب "الكافي" وأبو الحسن يحيى بن أبي زيد المعروف بابن البيار وأبو بكر محمد بن المفرح الأنصاري وغيرهم فقرأوا بمصر، وأبو محمد عبد الوهاب صاحب كتاب "الفتاح". ودخل بعض هؤلاء الشام وأخذوا على الأهوازي، ورحل بعضهم إلى حران وبعضهم إلى بغداد فاتسعت رواياتهم قليلا. ورحل أيضا أبو القاسم يوسف بن جبارة الأندلسي فأبعد في المشقة، وجمع بين طرفي المغرب والمشرق، وصنف كتاب "الكامل" إلى أن قال: وقد أقرأ القرآن بقراءة يعقوب أبو عمرو الداني، وكان قد قرأ بها بمصر. ثم سرد بعض من أقرأ بغير السبع إلى أن قال: وتلخص من هذا كله اتساع روايات غير أهل بلادنا، وأن الذي تصمنه التيسير والتبصرة والكافي وغيرها من تأليف أهل بلادنا إنما هو قل من كثر


الصفحة التالية
Icon