وأعظم الفرية على الله تعالى وظن بالصحابة خلاف ما هم عليه من الورع والتقى. قلت: كأنه يشير إلى كونهم كتبوا بالإمالة في المصاحف نحو يحيى وموسى وهدى ويسعى والهدى ويغشيها وسويها وجليها وآسى وآتيكم وما أشبه ذلك مما كتبوه بالياء على لغة الإمالة وكتبوا مواضع تشبه هذا بالألف على لغة الفتح منها قوله عز وجل في سورة إبراهيم: ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الآية: ٣٦] حتى إنهم كتبوا ﴿تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الآية: ٢٧٣] في البقرة بالياء و ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ [الآية: ٢٩] في الفتح بالألف. وأي دليل أعظم من ذلك؟ قال الهذلي: وقد أجمعت الأمة من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا على الأخذ والقراءة والإقراء بالإمالة والتفخيم. وذكر أشياء ثم قال: وما أحد من القراء إلا رويت عنه إمالة قلت أو كثرت. إلى أن قال: وهي -يعني الإمالة- لغة هوازن وبكر بن وائل وسعد بن بكر.
وأما تخفيف الهمز ونحوه من النقل والإدغام وترقيق الراءات وتفخيم اللامات فمتواتر قطعا معلوم أنه منزل من الأحرف السبعة ومن لغات العرب الذين لا يحسنون غيره، وكيف يكون ذلك غير متواتر أو من قبيل الأداء وقد أجمع القراء في مواضع على الإدغام كـ ﴿مُدَّكِرٍ﴾ و ﴿أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ﴾ [الأعراف: ١٨٩] و ﴿مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ١١] وفي مواضع على تخفيف الهمز نحو ﴿آلْآنَ﴾ [يونس: ٩١] ﴿آللَّهُ﴾ [النمل: ٥٩] ﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] وفي الاستفهام وفي مواضع على النقل نحو ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ [الكهف: ٣٨] و"يرى" و"نرى" وعلى ترقيق الراءات في مواضع نحو "فرعون" و"مرية" وعلى تفخيم اللامات في مواضع نحو اسم الجلالة بعد الضمة والفتحة. وأجمع الصحابة رضي الله عنهم في كتابة الهمزة الثانية من قوله في آل عمران ﴿أَؤُنَبِّئُكُمْ﴾ [الآية: ١٥] بواو. قال الحافظ أبو عمرو الداني وغيره: إنما كتبوا ذلك على إرادة تسهيل الهمزة بين بين. ا. هـ. وكيف يكون ما أجمع عليه القراء أمما عن أمم غير متواتر؟ وإذا كان المد وتخفيف الهمز والإدغام غير متواتر على الإطلاق، فما الذي يكون متواترا أقصر "آلم" و"دابة" و"أولئك" الذي لم يقرأ به أحد من الناس أم تخفيف همزة "آلذكرين" "الله" الذي أجمع الناس؟ على أنه لا يجوز وأنه لحن إظهار "مدكر" الذي أجمع الصحابة والمسلمون على كتابته وتلاوته بالإدغام فليت شعري من الذي تقدمه قبل بهذا القول فقفي أثره، والظاهر أنه لما سمع قول الناس إن التواتر فيما ليس من قبيل الأداء ظن أن المد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه من قبيل الأداء فقال غير مفكر فيه وإلا فالشيخ أبو عمرو لو فكر فيه لما أقدم عليه أو لو وقف على كلام إمام الأصوليين من غير مدافعة القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني في كتاب الانتصار حيث