تكلمنا عن هذا في المرة الماضية. لو قال إياك نعبد ونستعين معناه نخصّك بإجتماع هذين الأمرين ولا نشرك أحداً سواك بإجتماعهما (نعبد ونستعين) مفهوم المخالفة عند ذلك أنه ممكن أن نعبد غيرك لكن لا نستعين به أوممكن أن نستعين به لكن لا نعبده. لو جمعهما (إياك نعبد ونستعين) إياك حصرت معنى العبادة والإستعانة، يعني هذان الأمران مجتمعين ينحصران بك لكن منفردين يمكن أن يكونا لغيرك. لغة عربية لو قال: إياك نعبد ونستعين تعني أعبده وأستعينه لكن ممكن أن أعبد غيره من غير إستعانة فإذن أنا غير مخالف أو أعبده وأستعين بغيره إذا أنا غير مخالف. فإذن حتى ينتفي اللبس تكررت إياك (إياك نعبد وإياك نستعين) فيكون هناك حصر.
*هل يمكن القول: الله نعبد والله نستعين؟
هناك شيء آخر : أكان يمكن أن يقال في غير القرآن (هذه الإحتمالاات نقول في غير القرآن لأن القرآن لا مجال فيه للإقتراحات) الله نعبد والله نستعين؟
هذا هو البيت، كل منهم يبني بيت مؤقت لأسرته، هذه البيوت كأنما طُلِب إليهم أن يجعلوا إتجاهها أي إتجاه الفتحة فيها بإتجاه القبلة، (واجعلوا بيوتكم) الآن الكلام مع موسى وهارون، الآن التفت إلى بني إسرائيل وموسى وهارون أي أنتم جميعاً يا بني إسرائيل إجعلوا بيوتكم قبلة. وقف العلماء عند كلمة قبلة هنا ما المراد بها: قسم قالوا بعضها مقابل بعض، وقسم قال: إجعلوا بيوتكم التي كانت في الشام قِبلة صلّوا إليها، قسم قال: مساجد، صلّوا فيها، صلوا في هذه المساجد. العرب تسمي التوجه إلى الكعبة قِبلة، إلى الآن في العامية المصرية يقولون: هذا قِبلي أو بحري، قِبلي أي بإتجاه الكعبة. هل كانت قبلة موسى - عليه السلام - الكعبة؟ الجواب نعم. قبلة إبراهيم - عليه السلام - ومن وراءَه وقِبلة موسى - عليه السلام - كانت الكعبة لكن يبدو أنه بعد ذلك في بعض أنبياء بني إسرائيل حدث نسخ وتحولوا إلى بيت المقدس، غالباً لأنها صارت موطناً للأصنام فما عاد يُتّجه إليها لأنها كانت موضع أصنام، أو لسبب آخر، المهم أن إبراهيم - عليه السلام - لما رفع القواعد من البيت إتجه إلى الكعبة وذريته تتجه إلى الكعبة وهي القِبلة الحقيقية لعباد الله الصالحين وكان التحول عنها لغرض معين في أول الإسلام ثم عادوا إلى القِبلة.
(وأقيموا الصلاة) يستدل العلماء منها باتجاه المعنى أنه إجعلوا بيوتكم متجهة إلى الكعبة وصلّوا.
والآن إلتفت إلتفاتاً آخر (وبشر المؤمنين) أن البشارة إنما تكون من الرسول لأن يكون لها وقع أعظم من أن تكون من هارون أو منهما، فنجد أنه مرة ثنّى للإشتغال بشؤون الناس ومرة جمع لأن الأمر عام ورجع فأفرد لأن البشارة من الرسول تكون أوقع وأعلى منزلة بخلاف لو جاءت البشارة من شخص معه. هارون كان نبياً لأن الرسول هو صاحب الرسالة، النبي يكون مع الرسول أو بعد الرسول يبلّغ رسالة الرسول ويبشر برسالة النبي فإذن كل رسول هو نبي ولكن ليس كل نبي رسول.
* ما دلالة كلمة (استيئس) في سورة يوسف(١١٠)؟(د. فاضل السامرائى)
أحياناً الفعل استفعل يأتي بمعنى الثلاثي لكن يُراد فيه المبالغة مثل استيأس بمعنى يأس لكن فيه الشدة والمبالغة في الفعل كما في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) يوسف) أي بلغوا درجة أكثر من اليأس. استفعل لها عدة معاني من الطلب وأمور كثيرة ومنها أن يكون بمعنى الثلاثي لكن يُراد به المبالغة والشدة والكثرة.
*ما الفرق بين استعمال جاء وأتى في القرآن الكريم؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى (فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ﴿٦١ الحجر﴾) وقال تعالى (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ﴿٤٣﴾مريم) وقال تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ﴿١﴾ الإنسان).
إذا نظرنا في اقلقرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.
فى آية سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴿١٠٣﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴿١٠٤﴾). نلاحظ استخدام كلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو، وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا ولم يقل يعمل صالحاً، والإحسان هو الإتقان في العمل وليس العمل العادي. في اللغة لدينا: فعل وعمل وصنع. أما الفعل فقد تقال للجماد (نقول هذا فعل الرياح) وقد يكون للعاقل وغيره والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع وأغلب ما يكون للعاقل وقلّما يُستعمل للحيوان، أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة وهو دقة العمل واتقان العمل كما في قوله تعالى (صُنع الله الذي أتقن كل شيء) والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل باتقان وإحسان.
إذن آية سورة الكهف جاء فيها سعي وإحسان وصُنع ومُضِلّ فكيف لا يكون الأخسر؟ لذا استوجب أن يؤتى بكلمة الأخسرين أعمالاً ومن الملاحظ أنه في القرآن كله لم يُنسب جهة الخُسران للعمل إلا في هذه الآية. ففي القرآن يستعمل كلمة الأخسرين ولم ترد الأخسرين أعمالاً إلا في هذه الآية لأنها الآية الوحيدة التي وقعت في سياق الأعمال من أولها إلى آخرها (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
والأخسرين إسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران، يوجد خاسرون كُثُر سواء الكفرة والفَسَقة والظّلَمة بعضهم خاسر وبعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.
*ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د. فاضل السامرائى)
ثم إستوى إلى السماء) المفسرون يقولون إستوى أي عمد إلى خلقها. ثم عمد إلى خلق السماء بإرادته سبحانه وتعالى (الإستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب). ثم عمد إلى خلقها وهذا نوع من التأويل المقبول الآن نحن بحاجة إليه لأننا نترجم التفسير القرآني إلى الآخرين. يقول السماء لفظها لفظ الواحد وكل ما علاك فهو سماء. لكن معناها معنى الجمع ولذلك قال (فسواهن سبع سموات) إشارة إلى تفصيلاتها.
*لِمَ قال تعالى (فسواهنّ) ولم يقل خلقهنّ ؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لأن التسوية خلقٌ وبناءٌ وتزيين أما كلمة خلق فهي تدل على الإيجاد والبناء ولو تأملت السموات لرأيت بدعة الخلق ودقّته ونظاماً لا يختلُّ ولا يغيب.
آية (٣٠):
*ما دلالة الصيغة الإسمية فى الآية(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (٣٠) البقرة)؟(د. فاضل السامرائى)
معلوم كما هو مقرر في البلاغة وفي اللغة أن الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والإسم أقوى من الفعل، هناك فرق بين أن تقول هو متعلم أو هو يتعلم وهو يتثقف وهو مثقف، هو يتفقه وهو فقيه، هو حافظ أو هو يحفظ من الثوابت في اللغة أن الإسم يدل على الثبوت في اللغة حتى لو لم يقع. في البلاغة عموماً يذكر أن هذا أمر ثابت تذكره بالصيغة الإسمية قبل أن يقع، تسأل مثلاً هل سينجح فلان؟ فتقول: هو ناجح قبل أن يمتحن لأنك واثق أنه ناجح كما قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (٣٠) البقرة) (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (٣٧) هود) لم يقل سأغرقهم. هذا في التعبير أقوى دلالة من الفعل. الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد. فإذن في سورة الحديد قال (فالذين آمنوا) صيغة فعل وفي الإسراء (ويبشر المؤمنين) فالصيغة الإسمية أقوى.
ثم قال (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٦٤)) مع كل هذه الأشياء والحجج التي ألزمتكم فيها أءله مع الله؟ يقولون نعم، فيقول (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) إإتوا بالدليل بعد أن ألزمتكم الحجة، أنا ذكرت البرهان فإتوا برهانكم إن كنتم صادقين. كل الأسئلة في الآيات السابقة تدل على عجزهم إذن أقام الحجة عليهم. ثم قال (أإله مع الله) قالوا نعم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) ص) فقال إذن هاتوا برهانكم، نحن ذكرنا الأدلة وألزمناكم الحجة لما تقولون به فاتوا ببرهانكم. تغيرت الخاتمة، ذكر الأحكام فيهم وصفاتهم أولاً بأول ثم نزّه نفسه عما يفعل ثم ذكر إءله مع الله؟ قالوا نعم، قل هاتوا برهانكم على ما تقولون، ما برهانكم على ما تقولون به. الله تعالى أثبت صنيعته لعباده وأثبت رد فعلهم (بل هم قوم يعدلون، أكثرهم لا يعلمون، قليلاً ما تذكرون) ثم نزه نفسه عنهم وطالبهم بالإتيان بالحجة.
* ما الفرق بين (وألقينا فيها رواسي)و(وجعلنا فى الأرض رواسى) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل؟ (د. فاضل السامرائى)
*ما الفرق بين قوله تعالى على سيدنا موسى (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴿٨﴾ النمل) وفي القصص (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ ﴿٣٠﴾ القصص) وأيضاً هناك (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ ﴿٩﴾ النمل) وفي القصص قال (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٣٠﴾ القصص)؟(د. أحمد الكبيسى)
كلمة أتى تعني من بعيد وسيدنا موسى لما رأى النار وتوجه إليها ووضع قدمه على أول الوادي في جبل الطور قال (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾ طه) هو من بعيد كلمة أتى في اللغة الذي يأتي من بعيد إذا كنت تنتظر زائراً ولاح لك من بعيد يقال أتى، سيدنا موسى قال (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ﴿١١﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾ طه) سيدنا موسى خلع نعليه ثم مشى مشى مشى إلى أن وصل إلى النار قال (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴿١٤﴾ طه).
*ما الفرق بين ذلك وذلكم في الاستعمال القرآني وما دلالة استعمال (ذانك)؟ (د. فاضل السامرائى)
حيث ورد المسيح في كل السور سواء وحده أو المسيح عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم لم يكن في سياق ذكر الرسالة وإيتاء البيّنات أبدأً ولم ترد في التكليف وإنما تأتي في مقام الثناء أو تصحيح العقيدة. (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) آل عمران) (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) النساء) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) المائدة) وكذلك ابن مريم لم تأتي مطلقاً بالتكليف (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) المؤمنون) (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) الزخرف).
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) الدنيا يحملها المفسرون على أمرين إما في الحياة الدنيا لأن هذه المصاحبة ستنتهي ستكون في الدنيا ثم ستنتهس ويفترقان في الآخرة وإنما المصاحبة في أمور الدنيا لا في أمور الدين يعني أمور الدين لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. في أمور الدين لا تطعهما بينما في أمور الدنيا قد تطيعهما، صاحبهما في أمور الدنيا لا في أمور الدين. إما في الحياة الدنيا أي ما داما على قيد الحياة فصاحبهما معروفا إلى أن يقضي الله بينهما وتفترقا المقصود تصاحبهما في أمور الدنيا ولا يعارض ذلك الدين أما إذا الأمر تعلق بالدين فلا تطعهما. إذن هي صاحبهما في الدنيا معروفاً لها حالتين: في الدنيا كلها أو في أمور الدنيا.
*حينما يتحدث الله تعالى عن العلاقة بين الأفراد والمعاشرات يقول (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (٢) الطلاق) وهنا قال (معروفاً) لم يقل بمعروف فلماذا؟
وقال (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين (٧٠) الأنبياء) واتصلت الباء بضمير الغيبة (به) ولم تتصل بالكيد. والكلام على سيدنا إبراهيم عليه السلام وذلك في أكثر من عشرين آية من الآية (٥١ – ٧٢).
في حين قال (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) الزمر) فقد اتصلت الباء ههنا بالضر وبالرحمة ولم تتصل بالضمير فقد قال (إن أرادني الله بضر – أو أرادني برحمة) ولم يقل إن أراد بي ضراً أو أراد بي رحمة وذلك أن الاهتمام والعناية بالضر والرحمة ويدلك على ذلك أنه عقب على ذلك بكشف الضر أو إمساك الرحمة فقال (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) والسياق إنما هو في ذلك والاهتمام به فقد قال تعالى (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) فالكلام على المعتقدات لا على الأشخاص.
قال لا بد أن يكون التراب صعيد طيب لأنه يطهر اليدين والوجه، هذه فعلاً كلمة منه، شبه الجملة منه تؤيد رأي الإمام الشافعي والإمام مالك وبعض الفقهاء الذين كانوا في جهة وأبو حنيفة على جلالة قدره صاحب الرأي وصاحب العقل الكبير قال يجوز بأي شيء ما خطر في باله أن هذا التراب الصعيد له ميزة قال لك هو في الحقيقة شعيرة من الشعائر فقط اضرب بأي مكان على فراش على رمل على حائط، لا، قال (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) تراب طيب ما هو التراب الطيب؟ الذي يُنبِت (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴿٥٨﴾ الأعراف) فالطيب الأرض الطيبة المنبِتة فالصعيد وكلمة صعيد في مصر أي الأرض الزراعية. إذاً (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) منه لا من غيره لا تقيسون أبو حنيفة مقياس، أصحاب عقل، دماغه بحجم السموات لكن جل من لا يخطئ أبو حنيفة رجل يقال بأنه فارسي يقال هكذا واللغة العربية في أسرارها لا يدركها إلا عربي شاعر. ولهذا في المفسرين من رأيته عربي الأصل وشاعراً يفهم جمال وعمق هذه الكلمة كما لا يفهمها غيره. من أجل هذا هذه شبه الجملة منه لكي تثبت ما قاله الإمام الشافعي وأمثاله لا يجوز إلا في التراب الزراعي الجميل النظيف النقي لا سبخ ولا رمل ولا حائط ولا فراش الخ.
التقفية في المائدة ليست في الرسل وإنما في تقفية الربانيين والأحبار ولو قرأنا آية المائدة تحتلف عن آية الحديد (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)) يحكم بها الربانيون والأحبار ولم يقل وقفينا على آثارهم وهم لم ينقطعوا أصلاً فالأحبار والربانيون موجودون والأحبار جمع حِبْر وهو العالِم والربانيون جمع ربّاني إذن هؤلاء لم ينقطعوا. في سورة المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم) متعلقة بالربانيين والأحبار وفي آية الحديد متعلقة بالأنبياء والرسل خاصة فلما كانت في الرسل قال (وقفينا) ولم يقل على آثارهم ولما كان الكلام على الربانيين والأحبار وهو لم ينقطعوا قال على آثارهم.
سؤال: فى الحديد قال (وآتيناه الإنجيل) وفي المائدة قال (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ (٤٦)) ولم يقل في آية الحديد فيه هدى ونور؟
* ما الفرق بين ذلك وذلكم في الاستعمال القرآني ؟(د. فاضل السامرائى)
في أكثر من مناسبة ذكرنا شيئاً من هذا. طبعاً الكاف في (ذلك) حرف خطاب وقلنا حرف الخطاب في ذلك وتلك وأولئك هذا قد يطابق المخاطب ذلك، ذلكما، ذلكنّ حسب المخاطبين المشار إليه. ذلكَ المشار إليه واحد والمخاطَب واحد مفرد مذكر وذلكِ المشار إليه واحد والمخاطبة امرأة وذلكما المشار إليه واحد والمخاطب اثنين وذلكم المشار إليه واحد والمخاطب جماعة ذكور وذلكنّ المشار إليه واحد والمخاطب جماعة إناث (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (٣٢) يوسف) لا يدل على جمع المشار إليه وإنما أولئك، ذانك. (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (٢٢) الأعراف) هي شجرة واحدة والمخاطب اثنان والكاف هو حرف خطاب ليس ضمير خطاب. حرف الخطاب في اسم الإشارة فيه لغتان لغة أنه تجعل مطابقاً للمخاطب إذا مفرد أو مفردة أو مثنى أو جمع ذكور أو إناث ولك أن تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير أياً كان المخاطَب مثل ذلك إذا كانوا أربعة أو خمسة، تلك شجرة ذلكم كتاب، لك أن تقول ذلكم كتاب هذا ممكن وذلك كتاب هذا من حيث اللغة. إذن فيها لغتان إما أن نجعل حرف الخطاب بصيغة التذكير أياً كان المخطابين مفرد مذكر مؤنث جمع أو يطابق، فيها لغتين لكن يبقى كيف استعملها القرآن؟ مرة يستعملها مفرد ومرة يستعملها جمع. في اللغة لا يسأل عنها لأنه كله جائز من حيث الحكم النحوي لكن نسأل من الناحية البيانية أحياناً يطابق وأحياناً يُفرِد، لماذا؟ هذا سؤال آخر.
يريد أن يخرجكم من أرضكم... يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره
وأرسل في المدائن حاشرين... وابعث في المدائن حاشرين
يأتوك بكل ساحر عليم... يأتوك بكل سحّار عليم
قالوا... قالوا لفرعون
وإنكم لمن المقربين... وإنكم إذاً لمن المقربين
وألقي السحرة ساجدين... فألقي السحرة ساجدين
فسوف تعلمون... فلسوف تعلمون
ثم لأصلّبنّكم... ولأصلبنّكم
إنا إلى ربنا منقلبون... لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون
ونأخذ كل فرق على حدة ونبدأ بقول الملأ في الأعراف فالقائلون في الأعراف هم الملأ والقائل في الشعراء هو فرعون وعندما كانت المحاجة عند فرعون وانقطع الحجة بقول (بسحره). والفرق بين أرسل وابعث في اللغة كبير: أرسل وفعل الإرسال تردد في الأعراف أكثر مما تردد في الشعراء (ورد ٣٠ مرة في الأعراف و١٧ مرة في الشعراء) هذا من الناحية اللفظية. وفعل بعث هو بمعنى أرسل أو هيّج ويقال في اللغة بعث البعير أي هيّجه وفي البعث إنهاض كما في قوله تعالى (ويوم يبعث من كل أمة شهيداً) (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) أي أقامه لكم وليست بنفس معنى أرسله. فلما كانت المواجهة والتحدّي في الشعراء أكثر جاء بلفظ بعث ولم يمتفي بالإرسال إنما المقصود أن ينهض من المدن من يواجه موسى ويهيجهم وهذا يناسب موقف المواجهة والتجدي والشدة. وكذلك في اختيار كلمة ساحر في الأعراف وسحّار في الشعراء لأنه عندما اشتد التحدي تطلّب المبالغة لذا يحتاج لكلّ سحّار وليس لساحر عادي فقط ونلاحظ في القرآن كله حيثما جاء فعل أرسل جاء معه ساحر وحيثما جاء فعل بعث جاء معه سحّار. وفي سورة الأعراف وردت كلمة السحر ٧ مرات بينما وردت ١٠ مرات في سورة الشعراء مع العلم أن سورة الأعراف أطول من الشعراء.
ويعفو عن السيئات): العفو فيه معنى الصفح وفيه معنى المحو والعرب تقول عفا عنه أي صفح عنه كأنه مسح لأن اأصل العفو هو المحو ويقال: (عفت الريح الآثار أي محت). يمكن أن يقال: ويعفو السيئات أي يمسحها ويمكن أن يقول : ويعفو سيئات أو ويعفو سيئاتهم أو ويعفو عن سيئاتهم فلماذا جاءت بالألف واللام (السيئات) ولم تأت نكرة ولا جاءت مضافة؟ ولا جاءت من غير (عن)؟ يقال : عفا عن أخيه وعفا عن ذنبه. العرب تستعمل الإثنين معاً. عفا عن أخيه بمعنى صفح، وعفا عن ذنبه أيضاً بمعنى محى ذنبه ويبقى فكرة الانفصال هذه، عفا عن السيئة بمعنى فصل السيئة عنه أي أبعدها عنه ومحاها.
نعود لسؤالنا حول قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ): الفعل (قبِل) استعمل باستعمالات متعددة في القرآن الكريم بهذه الصور بعده حرف الجرّ : إما تأتي اللام جاءت مرة واحدة (لا يقبل له) بمعنى قبل له وقبل منه، وقبل عنه وقبِله بدون حرف جر. والفعل متعدٍّ يقال قبل الشيء وقبل لك الشيء وقبل منك وقبل عنك. في القرآن استعمل في موضع (قبل له) واللام للملك، ومواضع أخرى متعددة استعمل (منه) وثلاثة مواضع استعمل (عنه) هذه المواضع الثلاثة التي استعمل (عن) كلها يجمعها أن الكلام فيها من الله تعالى عن نفسه إما بصيغة الغائب أو المتكلم أما المواطن الأخرى تكون بالبناء للمجهول أو على لسان أحد من عباده.
العلماء يقولون عندنا فِعلان: أَصَد ووَصَد يقولون كلاهما بمعنى، أصد مثل وصد لكن ما عندنا في العربية، في الإستعمال العربي وصد وأصد وإنما عندنا أوصد وآصد. أوصد الباب وآصد الباب كلاهما بمعنى، كلاهما بِزِنَة أفعل (أوصد بزنة أفعل، وآصد بزنة أفعل أيضاً لأن أصله أأصد بهمزتين). لما يكون عندنا همزتان في أول الكلمة، الثانية ساكنة هذه الساكنة تُقلب إلى جنس حركة ما قبلها. فإذا كانت حركة ما قبلها فتحة تقلب ألفاً، من أمن نقول آمن أصلها أأمن، إيمان أصلها إئمان بالكسرة، أُومن أصلها أؤمن فتُقلب وهذا القلب واجب وليس إختيارياً باختيارهم. إذا إلتقت همزتان في الأول الكلمة الثانية ساكنة تقلب إلى جنس حركة ما قبلها وجوباً وليس جوازاً.
آصد أصلها أأصد، أأصد وأوصد من أربعة أحرف، الفعل إذا كان من أربعة أحرف مثل دحرج لما تتصل به أحرف المضارَعة المفروض أن لا يتغير فيه شيء، يعني دحرج يبدأ بالدال والحاء (دح)، يدحرج يبدأ بالياء والدال لا يتغير، بعثر يُبعثر، زلزل يزلزل، لما نأتي إلى الرباعي المبدوء بهمزة مثل أكرم المفروض أن يقال يؤكرم بزِنة يدحرج لكن العرب ما قالوا يؤكرم. عندنا شطر بيت ما قبله شيء ولا بعده شيء – وأنا فتشت فلم أعرف قائله ورجعت في الموسوعة الشعرية في المجمع الثقافي في أبو ظبي وفيها مليوني وأربعمائة ألف بيت من الشعر ما وجدته – يقول الشاعر: فإنه أهلٌ لأن يُأكرم.
ذكرنا المنافقين والمنافقات وذكرنا أنه فصّل وذكرهم ليدل على أن كل فرد من الجنسين ينال جزاؤه ولا يشفع لأحدهم قرابة فلا تقول المنافقة كنت تابعة لزوجي أو أخي. وذكرنا أن الانتظار فيه تمهل وإبطاء وقلنا أن نظر أسرع من انتظر لأن انتظر فيها تمهل وإبطاء على وزن (إفتعل) وضربنا أمثلة في حينها والمؤمنون يُسرع بهم إلى الجنة فلا يوجد وقت للانتظار والمنافقون يعلمون هذا ولو قالوا لهم انتظرونا لم يجيبوهم ولم يأبهوا لهم لأنهم يُسرع بهم إلى الجنة فطلبوا مدة قليلة أن ينتظروهم ولو كان في الأمر متسع في الوقت كما قال تعالى في الدنيا (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) لكن الظرف لا يسمح بالانتظار والتمهل الكثير. قال انظرونا وهي ليست مثل انتظرونا من حيث دلالتها على الزمن. إبليس قال (أنظِرني إلى يوم يبعثون) أي أمهلني وهذا معنى مختلف. أَنظِرني أي أمهلني أما انظرونا بمعنى انتظرونا وهنا لم ترد اَنظرونا من أنظر الفعل الرباعي كما قال إبليس وإنما انظرونا من الفعل الثلاثي نظر ينظر وليس من أنظر. أُنظرونا في اللغة تحتمل أمرين: أنه انظروا إلينا وبمعنى انتظرونا وذكرنا هذا سابقاً. انظرونا أي استقبلونا بوجوهكم حتى نرى لأن لديهم نوراً في أيديهم حتى يستضيؤا به، قال انظرونا. إذن تحتمل معنيين يحتمل الانتظار ولو كان قليلاً ليستضيؤا بهم ويحتمل انظروا إلينا ليمشوا في نورهم.