الفريق الآخر: الضالون الذين لم يعرفوا شيئاً. فالمسلم يدعو الله عز وجل أن يرزقه الصراط المستقيم لا صراط هؤلاء ولا صراط هؤلاء فهذه قسمة حاصرة كما يقولون. هم ثلاثة أصناف لا مجال لرابع. لا يكفي الصراط المستقيم هذا موضع إيضاح وتفصيل. رب العزة يعلّمنا أن نقصد بالصراط المستقيم (صراط الذين أنعمت عليهم) على مر العصور فالمسلم ضمن قافلة طويلة ممتدة. صراط الذين أنعمت عليهم هذا توضيح للصراط المستقيم وبيان له كما يقول الشاعر (أقسم بالله أبو حفص عمر) أبو حفص معروف أنه عمر لكنه حاول أن يبيّن لعلّ هناك أبو حفص آخر.
(إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
لا توهم بأن هناك صراطاً آخر. هؤلاء لا يكون لهم صراط مستقيم لأنه بين نقطتين لا يكون إلا خط واحد لأن الخط عبارة عن مجموعة مقاط.
*هل كلمة الصراط توحي بالإستقامة؟
كلا، الصراط هو السبيل الواسع لأن كلمة (فعال) فيها معنى الإشتمال يشتمل على كل ما فيه لا يضيق بما فيه بغض النظر عما إذا كان مستقيماً أو متعرجاً. ولذا لا بد من قول المستقيم لعدة معاني: مستقيم حتى يبيّن إستقامته ليس فيه إعوجاج وليبيّن أنه لا يوجد طريق مستقيم آخر بين نقطتين بينك وبين النهاية التي يريدها الله عز وجل لك لا يوجد إلا طريق واحد بخط واحد بمستقيم واحد وهذا فعله الرسول - ﷺ - خطّ خطاً في الأرض وقال هذا صراط الله المستقيم وخط خطوطاً على جانبيه وقال: هذه السبل وعلى راس كل سبيل شيطان يدعو إليه. لا يوجد إلا دين واحد، طريق واحد يوصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى خط مستقيم لا يحتمل التعدد، يقولون خطي أو منهجي لا يتعارض مع الإسلام، يوازي الإسلام هذا الكلام كله لا ينفع، منهجك الإسلام ولا يكون بين نقطتين إلا مستقيم واحد يمكن أن يكون بينهما أكثر من خط متعرج أو منحني لكن هناك مستقيم واحد.
*ما دلالة استخدام صيغة الماضي في (أنعمت عليهم)؟
الجبال في دراسات طبيعة الأرض والعلماء يقولون (العهدة عليهم) أن تضاريس الأرض والجبال فيها هي التي تثبت اليابسة وإلا كانت تبقى زلازل وتطمرها المياه (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) الرعد) وهذا جاء موافقاً لكلام الله سبحانه وتعالى والذين يقولون ليسوا مسلمين كما أن الأوتاد تثبت أركان الخيمة الجبال تثبت اليابسة. (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٩) النبأ) كمهد الطفل ممهدة مجهزة معدّة (والجبال أوتاداً) ثبتناها حتى تبقى ممهدة.
آية (٩٦):
*انظر آية (٣٣). ؟؟؟
آية (٩٩):
*ما دلالة استعمال (كلهم) و(جميعاً) في الآية (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (٩٩) يونس)؟(د. حسام النعيمى)
الأسماء التي عرضت على الملائكة لما يقول (ثم عرضهم) هو عرض هذه المخلوقات لأن الله تعالى أودع في هذا المخلوق الذي هو الإنسان (في آدم) ما يمكن أن يشغّّله ويرمز به إلى الأشياء بالأصوات، فلما عرض هذه الأشياء من العقلاء وغيرهم على آدم (حيوانات، مخلوقات، بشر من أبنائه) كان آدم وحده لكن الله تعالى كشف عنه ما سيكون له في الدنيا هذا الذي سيكون لك في الدنيا (الأسماء كلها) لأنه علّم هنا بعض علمائنا وهذا الذي نميل إليه يقول: التعليم هنا ليس بمعنى التلقين وإنما بمعنى الإقدار أي أقدره على أن سمّاها أي جعل فيه القدرة على أن يرمز لهذه الأشياء. وهذا كلام قديم وليس جديداً. عندما يتحدث البعض عن اللغة هل هي إلهام أو إصطلاح من الناس، يقول الآية لا تتناول موضع الخلاف (وعلّم آدم الأسماء كلها) يمكن أن يكون معناها أقدر آدم على وضع هذه الأسماء، جعل لديه القدرة على أن يكتشف ويخترع ويضع هذه الأصوات لهذه المسميات من العقلاء وغير العقلاء ولذلك قال عرضهم بالجمع لأن فيهم عقلاء وغير عقلاء. كيف عرضهم؟ هذا شيء في الغيب ونحن نؤمن بالغيب.. هؤلاء تشمل العقلاء وغير العقلاء وبأسمائهم عرضهم فلما أنبأهم بأسمائهم ما قال بأسمائها لأن فيها خليط من العقلاء وغير العقلاء.
*ما دلالة استخدام (أنبئونى) فى الآية و ليس (نبئونى) ؟(د. حسام النعيمى)
الفعل عام يقع من الإنسان والحيوان والجماد وهو أعم شيء فعل الماء، فعل الرياح، وهو بقصد أو بغير قصد. العمل أخص من الفعل ويكون بقصد ولذلك قلّما يُنسب إلى الحيوان. العرب لم تقله في الحيوان إلا في البقر العوامل التي تحرث قصد الحرث، إذن العمل أخص من الفعل وينسب للإنسان وقلما ينسب إلى الحيوان. الصنع إجادة الفعل وهو أخص من العمل لا ينسب إلى حيوان ولا ينسب إلى جماد وليس كل عمل صنع حتى تحسن العمل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨) النمل) إذن هو أخص من العمل. عندما يستخدم القرآن (بما يصنعون) أي يحاولون ويدبّرون ويتقنون ماذا يفعلون، يأخذون الحيطة ماذا نفعل لو قال كذا ماذا نصنع؟ هذا الصنع مدبّر إذن الصنع إجادة العمل. إذن كل فعل بحسب الآية التي ورد فيها في القرآن الكريم لكن بشكل عام الفعل أعم ويقع بقصد أو بغير قصد والعمل أخص من العمل ويكون بقصد ويُنسب للإنسان والصنع إجادة العمل. اللغة العربية دقيقة إلى هذا الحد وهناك خلاف بين اللغويين أن هناك ترادف في القرآن أو لا، قسم يقول في القرآن ترادف وقسم يقول هي لغات، الترادف مثل المدية والسكين كلمتان تدلان على دلالة واحدة ويقولون أسماء السيف ليس مترادفة وإنما هي صفات اسمه السيف والباقي صفات مثل الحسام، وكذلك أسماء الأسد كلها صفات والإسم هو الأسد والصفات تكون في وجهه ومشيته، عضنفر صفة وليس كل أسد غضنفر، القسورة من القسر يقسر الفريسة يأخذها قسراً بقوة وشدة وعنف. في التفسير قد تفسر كلمة بكلمة بما هو أوضح للسائل ولا يجوز بيانياً أن تحل كلمة مكان كلمة في القرآن أما في الكلام العادي العام فيجوز وكل كلمة في القرآن لها مكانها المناسب الذي وضعت فيه ولا يجوز تبديلها حتى بكلمة تقاربها في الدلالة.
هناك توكيد، هنا: (إنك لا تهدي من أحببت) لما ننظر في الآيات التي تحيط بهذه الآية: الكلام على حال الرسول - ﷺ - وهو يرغب ويحرص على إسلام قومه، على إيمان قومه، وهو بذل معهم جهداً عظيماً في دعوتهم فهم قوم الإنسان حبيبون إلى قلبه فما بالك إذا كان هذا الإنسان هو رسول الله - ﷺ - ؟ علاقة حبٍ بينه وبين كل الكون. فلما ننظر في الآيات نجد أن الكلام على قومه. تقدّم الكلام على أهل الكتاب (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون (٥٤)) أهل الكتاب إذا دخلوا في الإسلام يؤتون أجرهم مرتين، ، (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون (٥٤) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)) هنا الرسول - ﷺ - يتشوق إلى إسلام قومه من غير أهل الكتاب فيقال له - وهي كأنها لمسة حنان لقلب الرسول - ﷺ - (إنك لا تهدي من أحببت) يعني ليس من شأنك أو من دأبك، أو من مهمتك أنك تهدي من تحب، أنت تحب قومك لكن فعل الهداية هذا ليس من صلاحياتك. (
قال تعالى في سورة آل عمران (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩)) وفي سورة المائدة (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠))
(بإذني) جاءت في سورة المائدة لأن الله تعالى يعلم أن هناك من سيدّعي ألوهية عيسى - عليه السلام - فقطع عليهم تعالى خط من زعم الألوهية. فإذا فهم أحدهم من آية سورة آل عمران (بإذن الله) أن عيسى هو الله كما يقولون افتراء يعود إلى سورة المائدة التي فيها الكلام موجه من الله تعالى إلى عيسى - عليه السلام - حتى يفهم الناس أن الذي يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى هو الله تعالى وليس عيسى - عليه السلام - فالقرآن يدعم بعضه بعضاً.
آية (٥٠):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
لماذا الصخرة؟ الصخرة لا بد أن تكون في السموات والأرض هناك صخور في السموات في المشتري وزحل. (في صخرة) يعني استخلاص الشيء من باطن الصخرة أمر عسير. إذا أردت أن تحفظ شيئاً لا ترميه في ساحة الدار وإنما تضعه في صندوق وإذا أردت المبالغة في حفظه تضعه في حقيبة ثم في خزانة وإذا أردت المبالغة أكثر تضعه في حقيبة داخل حقيبة في خزانة وإذا أردت أن لا يصل إليه أحد قد تأتي بقفل يصعب فتحه وقد تضعها في مكان ليس له مفتاح أصلاً. الصخرة عبارة عن محفظة ليس فيها مفتاح، ما قال على صخرة وإنما قال (في صخرة) مثلها مثل محفظة ليس لها مفتاح وبداخلها مثقال حبة من خردل، كيف يخرجها ربنا تعالى من دون تحطيم للصخرة؟! بلطفه وخبرته يأتي بها الله لم يقل يعلمها لأنك قد تعلم المكان لكن لا تقدر أن تأتي بها. إذن يأتي بها الله أدل على العلم والقدرة، وإن كانت صغيرة في مكان صغير عميق شديد وصلب وليس فيها مفتاح يأتي بها الله تعالى من دون تكسير للصخرة يستخرجها بلطفه وقدرته.
*تك وتكن:
إن أصحاب القرية ومعتقدهم وموقفهم من رسلهم شبيه بحال قوم الرسول ﷺ وموقفهم منه من عدة نواح ولذلك صح أن يضربوا مثلاً:
١. فقوله (إذ أرسلنا إليهم اثنين مكذبوهما) شبيه بموقف كفار قريش الذين قال الله فيهم (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) وقوله (وكذبوا واتبعوا أهواءهم (٣) القمر)
٢. وقول أصحاب القرية لرسلهم (ما أنتم إلا بشر مثلنا) شبيه بقول كفار قريش (هل هذا إلا بشر مثلكم (٣) الأنبياء) وقولهم (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب (٢) ق)
٣. وقولهم (إن أنتم إلا تكذبون) شبيه بقول كفار قريش (هذا ساحر كذاب (٤) ص) وقوله تعالى فيهم (وكذبوا واتبعوا أهواءهم (٣) القمر)
٤. وقولهم (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) شبيه بموقف كفار قريش من رسول الله والمؤمنين معه فقد آذوهم وعذبوهم حتى أن بعضهم مات من التعذيب وقد رُجِم رسول الله بالحجارة في الطائف. وأخبر عنهم ربنا قائلاً (وإذ يمكر بك الذي كفروا ليثبتوك أن يقتلوك أو يخرجوك (٣٠) الأنفال)
٥. وقولهم (وما أنزل الرحمن من شيء) شبيه بقولهم (ما أنزل الله على بشر من شيء)
٦. وقول المؤمن لهم (اتبعوا من لا يسالكم أجراً) شبيه بقوله ﷺ (قل ما أسألكم عليه من أجر (٥٧) الفرقان)
٧. وقوله (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) يعني أنهم اتخذوا آلهة من دونه الله يعبدونهم وهذا شبيه بمعتقدات العرب في الجاهلية الذين اتخذوا من دون الله آلهة والذين قال الله فيهم (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون* لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون)
٨. لقد بيّن أن اصحاب القرية لم يؤمنوا إلا واحداً منهم وأنهم استوى عليهم الإنذار وعدمه مثل كفار قريش الذين قال الله فيهم (لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) وقال (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون).
علّمنا الرسول - ﷺ - هذا الدعاء :"اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم" الإنسان يلوذ بالله سبحانه وتعالى، يلجأ إليه سبحانه وتعالى، (اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه) لا نريد أن نرتكب شركاً ونحن نعلم أنه شِرك، (ونستغفرك لما لا نعلمه) قد نرتكب شيئاً يدخل في هذا الباب ونحن لا نعلمه فنحن نستغفر الله سبحانه وتعالى منه لأن الله تبارك وتعالى أخذ على نفسه عادة قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) حتى هذه المغفرة الثانية علّقها بالمشيئة. فمسألة الشِرك مسألة عظيمة جداً ولذلك حذّر منها علماؤنا كثيراً ولا نريد أن نتوسع في هذا الأمر وهذا المقدار يكفي وعلى المسلم أن يفتش عن أسباب الشِرك ويُنجي نفسه منها، من الإستعانة بغير الله، سؤال غير الله سبحانه وتعالى فيما لا يملكه إلا الله عز وجل، السؤال من المقبورين والطلب منهم عند الأضرحة فيحذر المسلم لأن هذا يحبط العمل والعياذ بالله سبحانه وتعالى. نحن إذا جاءت فرصة لتنبيه المشاهد على قضية جوهرية لا نتركها.
أما في سورة المائدة فالآيات من ٥٧ إلى ٦٥ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ
إِِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)) قال (يَكْسِبُونَ الإِثْمَ) ولم يكتف بـ (يكسبون) لأن الكسب يعم الخير والشر بخلاف قوله يقترفون وفي آية أخرى قال (وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (١١٣) الأنعام) فلم يحدد المفعول به بأن قال (وليقترفوا الآثام) لأن الاقتراف من قَرَف إذا كسب سيئة وهذا الفعل يؤذِن بأمر ذميم. وانظر إلى اختيار هذا اللفظ (يَقْتَرِفُونَ) دون غيره مثل يجترحون أو يكسبون مثلاً ففي إيقاع على الأذن وصوت يُشعِر بأمر كريه إلى النفس بخلاف غيره.
آية (١٢٢):
*ما الفرق بين قوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (٣٠) الزمر)و (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ (١٢٢) الأنعام)؟(د. أحمد الكبيسى)
ميْت وميّت بالسكون أو الشدة. ميْتاً هذا الميت الحقيقي الذي مات ووضِع نحن خطأ أن نقول فلان ميّت. نحن كلنا سنموت يوماً ونحن من أصحاب القابلية للموت نحن ميّتون في المستقبل فالميت الحالي يقال له ميْت وللأسف الناس يقولون ميّت. الشاعر دقيق فقال:
ليس من مات فاستراح بميْت إنما الميْت ميّت الأحياء
الميْت مستريح لكن الذي هو حيّ الآن هو كالميت من حيث لا قيمة له.
*في الأتعام قال (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وفي الحديد قال (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) ولم يقل في الناس لماذا؟ (د. فاضل السامرائى)
مرة قال (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ) ومرة قال (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) لا يوجد تناقض، القتل قتل والقتل أنواع هناك إعدام، هناك شنق، هناك رصاص، هناك تحريق، هناك تغريق، هذا مشاهد في العالم هكذا كان يفعل فرعون ببني إسرائيل كان يقتلهم عن طريق الذبح ولهذا سيدنا موسى لما وُلد جاء الذباحون أوحى تعالى إلى أم موسى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) القصص) فنجى من الذبح، آية تتكلم عن مبدأ القتل (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ) وفي البقرة قال (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) فالقتل عن طريق الذبح. هكذا الفرق بين الآيتين.
آية (١٤٢):
*ما الفرق بين قوله تعالى (وواعدنا موسى أربعين ليلة) وقوله (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر)؟
د. فاضل السامرائى :
ما كاد) أو (لم يكد) معناه أصلاً لم يقارب، يعني لا قاربه ولا فعل من باب أولى. "كاد يفوز" يعني قارب الفوز لكن "ما كاد يفوز" أو "لم يكد يفوز" هذا الأصل. لما نسمع ما كاد يفوز يعني أصلاً لم يقارب مرحلة الفوز، نفي المقاربة. لكن قلنا أكثر من مرة أن العربي يتصرف في الألفاظ ويستعملها ونجد بعض آثارها إلى الآن في هذا الإستعمال يعني صار يستعملها بمعنى فعلت بعد جهدٍ وإبطاء. في العامية نحن نستعملها أحياناً فنقول: بالكاد فعلت هذا الأمر، يعني ما كدت أفعله، هو فعله معناه فعله بعد إبطاء. فإذن لما يقول أحياناً في بعض النصوص: "وصلتُ إليك وما كدت أصِل"، لما يقول "ما كدت أصل" لا يعني أنه ما وصلت ولا قاربت الوصول وإنما قال ابتداء وصلت إليك، ما كدت أصل يعني وصلت إليك ولكن بعد جهد وبعد تعب. كيف يتبين عندنا ما كدت أصل أنها ما قاربت الوصول أو ما وصلت أو وصلت بعد جهد؟ الناس لا تتكلم جملة واحدة وإنما هناك واقع حال وهناك سياق
خلاصة الأمر السياق هو الذي يعين المعنى الطبيعي الذي عليه أو المعنى الذي تحول إليه العربي بتحول الدلالة يعني صار يعطيه دلالة جديدة لكن وفق السياق هو الذي يبين مراده منها.
آية (١٢٦):
*ما الفرق بين يذّكرون ويتذكرون؟(د. فاضل السامرائى)
*فعل أعطى هو فعل متعدي ولازم فهل نقول على هذا الفعل أن السلوك الخاص به في الجملة سلوك لازم أي فعل متعدي أم حذف مفعول؟
قسم يقول أنه هذا حذف وقسم يقول عدم ذكر. حذف عندما يقتضي التعبير الذكر، مثل جملة الصفة لا بد ان يكون فيها ضمير يعود على الموصوف (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والابصار) ويمكن أن نحذف كما في قوله تعالى: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) هذا حذف. العائد للذكر فإذا حذف نقول محذوف كقوله: (ذرني ومن خلقت وحيدا) حذف الهاء في (خلقته). فيما عدى الذكر تنزيل المتعدي منزلة اللازم: لا يحتاج الى مفعول (ان في ذلك لآيات لقوم يعلمون) او لقوم يفقهون، يسمعون، لا يحتاج هنا الى مفعول ولا يريد ان يقيد العلم بشيء. وفي قوله: (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك من الله شيئاً) أراد أصل المسألة فلم يرد أن يقيد السمع أو البصر بشيء معين أما في (ولا يغني عنك من الله شيئاً) فيها ذكر واطلاق، وهل المعنى لا يغني عنك إغناءً او شيئاً من الأشياء؟ كل واحدة لها معنى وليست الاولى كالثانية.
كذلك الفعل (اتقى). معنى اتقى هو احترز وحذر. والفعل اتقى هنا يراد به الاطلاق أيضاً ولم يقيده سبحانه بشيء فقد يقول (اتقوا النار او اتقوا يوماً) ولكن هنا جاء الفعل مطلقاً. فأما من أعطى واتقى تدل على أنه اتقى البخل.
جاء في تفسير ابن كثير: "ويقول المنافقون للذين آمنوا "انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا" وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين حيث قال "يخادعون الله وهو خادعهم" فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب"
٢ ـ وقال (قيل ارجعوا) ولم يذكر أن المؤمنين ردوا عليهم، فبنى الفعل لمجهول، وقيل إن القائل هم الملائكة، فهم الذين تولوا الرد عليهم، أما المؤمنون فلا يعنيهم هذا الطلب وإنما هم مشغولون بما هو أهم، وهذا إهانة للمنافقين أن يطلبوا من المؤمنين فلا يجيبوهم وإنما يجيبهم آخرون.
٣ ـ وقال (ارجعوا) وهو إهانة أخرى.
٤ ـ وقال (وراءكم) وهو إما أن يكون ظرفاً مؤكداً أو يكون اسم فعل بمعنى (ارجعوا) فيكون كأنه قيل لهم: ارجعوا ارجعوا، وهو إهانة ظاهرة.
٥ ـ قال (فالتمسوا نورا) وهم يعلمون أن ليس ثمة نور، وهو من باب الاستهزاء بهم.
٦ ـ وقال (فضرب بينهم بسور له باب) فحجزوهم عن اللحاق بالمؤمنين وهو إهانة ظاهرة.
٧ ـ وقال (وظاهره من قبله العذاب) وهي جهتهم.
٨ ـ وقال (ينادونهم ألم نكن معكم) فذكر أنهم يرفعون أصواتهم من وراء السور ينادون المؤمنين ليلتحقوا بهم، ولكن حيل بينهم وبين ما يريدون.
٩ ـ وفي رد المؤمنين عليهم إهانات متعددة، فقولهم لهم: إنكم فتنتم أنفسكم، وتربصتم، وارتبتم، وغرتكم الأماني، وغركم بالله الغرور، كل خصلة منهن إهانة وتبكيت.
١٠ ـ قوله تعالى: "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا"و "مأواكم النار" "هي مولاكم" "وبئس المصير" كله إهانات وإخبار لهم بما سيلاقونه من سوء العاقبة والمنقلب، نعوذ بالله.
فالأشياء محشودة حشداً فنياً دقيقاً في إكرام المؤمنين وإهانة المنافقين.
آية (١٦):