هذا تحول طبيعي فلا نستغرب. نأتي الآن إلى كلام علمائنا: هذا كلام سيبويه وكتاب سيبويه نُقِل بالتواتر في شرحه يعني لا شك فيه وحُقق ونُشِر أكثر من مرة وموجود نسخ مخطوطة في المغرب ونسخ مخطوطة في المشرق مئات النسخ ويقال عنه قرآن النحو. هو كتاب مشهور ومطبوع ومحقق الآن ومنشور أكثر من طبعة وسيبويه توفي على الأرجح عام ١٧٥ للهجرة فكان مشافهاً للعرب واصفاً لأصواتهم ثم من جاء بعده نقل هذا الوصف بعلم وبمشافهة أيضاً ولا يقول أخطأ سيبيويه فأخطأ من جاء بعده من علماء اللغة وعلماء التجويد هذا الكلام ظلم. علماؤنا ما زالوا ينقلون منه: أحدث كتاب وهو ينقل من كتاب سيبويه يقول من أين مخرج الضاد؟
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) أي إذا أصابك هذا الضر، ذكر إسم الجلالة وهذا جزء من السؤال لماذا استعمل (إلا هو)؟ لما ذكر فاعل المسّ (إن يمسسك الله) نسبه إلى الله سبحانه وتعالى بظهور الإسم بيّن أنه ما يفعله الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أحد أن يزيله، فإذا أصاب الله تعالى إنساناً بسوء أو ضُرّ هذا الضر لا مجال لأحد أن يكشفه إلا أن يكشفه الله سبحانه وتعالى، فلما نسب الأمر إلى نفسه سبحانه ناسب ذلك أن يحصر الكشف بذاته جلّت قدرته. (وإن يمسسك الله بضر) كشف هذا الضر منحصر بالله سبحانه وتعالى حصراً ولهذا يقول علماؤنا ينبغي أن يستحضر المسلم حينما يمرض – صحيح أن إبراهيم - عليه السلام - قال وإذا مرضت فهو يشفين – نسبه إلى نفسه تأدّباً – فالمرض مسّ ضُرّ من الله سبحانه وتعالى ينبغي أن يعتقد المريض في نفسه أن الذي يشفيه هو الله سبحانه وتعالى لا الطبيب ولا الدواء لكنهما وسيلتان من وسائل الشفاء فالذي ونحن مأمورون بإتخاذ الأسباب في كل حياتنا والله تعالى يفعل بكلمة كُن فيكون. لكن التصور الإسلامي من خلال النظر في حياة الرسول - ﷺ - وفي الآيات أن على المسلم أن يسعى، أشرف خلق الله وأرفعهم قدراً هو محمد - ﷺ - لم يجلس في بيته ثم انتشر الإسلام وإنما تحرّك وأُوذي وضُرِب فلا بد من سبب. حتى في تاريخنا السبب يكون سهلاً ميسراً والله تعالى يفعل بعد ذلك لكن أنت قدِّم السبب. كما قال تعالى في قصة مريم (وهزي إليك بجذع النخلة).
ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وفي المستقبل أعلمه وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون أعلمه، غيب السموات والأرض وشهادتهما أعلمه، فإذن هو علم محيط لكن حذف من كل جملة فِعلاً: أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما هذه مفهومة من السياق، وأعلم ما تبدون وأعلم ما تخفون أو تكتمون الآن وفي المستقبل، وأعلم ما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون كله في علم الله سبحانه وتعالى. إذن (كنتم تكتمون) حتى تأخذ الحيز الثالث من الكتمان وما يبدو ولذلك جاءت (كنتم) لأن تبدون في الحاضر وما كنتم تكتمون في الماضي، فالحاضر يكون للآن وللمستقبل في صيغة الإبداء ومعه الكتمان المحذوف يعني (ما تبدون وما تكتمون)، والكتمان جعله للماضي (وما كنتم تكتمون) ومعه (وما كنتم تبدون) فإجتمع ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وفي المستقبل وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون في الماضي وقبل ذلك غيب السموات والأرض وشهادة السموات والأرض.
أنت قدمت أسباب الهداية لكن ما كان لك أن تصل لولا مشيئة الله سبحانه وتعالى لكن لا تتوقع أن تقدم أسباب الضلال وتصل إلى نهاية الهداية. الشيء الطبيعي أن الإنسان إذا إتخذ أسباب الضلال سيصل إلى نهاية الضلال وإذا إتخذ أسباب الهداية سيصل إلى نهاية الهداية بتوفيق الله سبحانه وتعالى ومن هنا نفهم (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (٧٩) النساء) لأنك في الحالين قدمت الأسباب لكن ما كنت تستطيع أن تصل إلى نهاية الخير لولا مشيئة الله سبحانه وتعالى. هذه صورة موجزة مختصرة ميسّرة.
آية (٥٩):
*قال تعالى في سورة الأنفال (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)) وفي آية أخرى قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩) القصص) كيف نطبق القاعدة؟(د. فاضل السامرائى)
وجود الرسول - ﷺ - بينهم مانع للعذاب لكن هذا المنع موقوت ببقاء الرسول - ﷺ - فيما بينهم أما الاستغفار فقد جعله الله تعالى مانعاً ثابتاً والاستغفار يدفع العذاب (وما كان الله معذبهم) بقاء الرسول - ﷺ - بينهم متغير ولو تركهم حق عليهم العذاب. ونلاحظ من كرم الله تعالى ما قال (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) ربنا يدفع العذاب ولو لم يكن الاستغفار صفة ثابتة فيهم لأن رحمته واسعة تسع كل شيء. وفي آية أخرى قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩) القصص) إذا كان الظلم صفة ثابتة يفضي بهم إلى الهلاك لكن في الاستغفار حتى لو لم يكن ثابتاً يغفر الله تعالى من رحمته.
آية (٦٣):
*ما معنى حق القول؟(د. فاضل السامرائى)
* ما الفرق بين (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١) المائدة) و(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) آل عمران)؟(د. حسام النعيمى)
المضاف إليه يكسب المضاف التأنيث وطبعاً يكسبه التذكير وإنما ذكر التأنيث لأن الشعر قال تأنيثاً وتذكيراً، إن كان لحذف موهلا إذا كان المضاف يمكن تحذفه بأن كان جزءاً أو كالجزء أيضاً واستشهدوا بقوله تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) قال قريب ولم يقل قريبة. (إنارة العقل مكسوفٌ بطوع هوى) ما قال مكسوفة. مثقال حبة من خردل مثقال مذكر وحبة مؤنث يجوز أن يكتسب هذه كقاعدة نحوية (وما حب الديار شغفن قلبي) حب مذكر وشغفن مؤنثة جاءت من الديار من المضاف إليه. في التركيب الإضافي يجوز التذكير والتأنيث لكن بشرط في مواطن، بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الاستغناء عنه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا (١١١) النحل) كلّ مذكر ونفس مؤنث فقال تأتي. بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الإستغناء عنه يعني ممكن تستغني عنه ويُفهم مثل (قُطعت بعض أصابعي) يمكن أن يقال قُطعت أصابعي، مثقال حبة يعني حبة. (لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخُشّع) سور مذكر وتواضعت مؤنثة. إذن من حيث الحكم النحوي ليس فيه إشكال يبقى طبيعة الاستخدام هنا: أصلاً قال في الأنبياء (فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا) شيئاً مذكر (وإن كان مثقال حبة ) وإن كان الشيء مثقال حبة فذكّر أي إن كان الشيء مع أنه يجوز التأنيث أما في لقمان (مثقال حبة) قد يكون الحبة أو الفِعلة أو قد يكون العمل. إذن (فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) وإن كان هذا الشيء مثقال حبة إذن ذكّر مع أنه يجوز التأنيث. في الأنبياء قال بصيغة فعل الكيونة بالماضي لأنه يدل على حالة محددة وهي حالة الحساب يوم القيامة للدلالة على عمل كان في الدنيا وانتهى وأتى به مذكراً لمناسبته مع ما قبله وهو مذكر.
وقال (من السماء) ولم يقل من السماوات لأن السماء أعم وأشمل من السماوات فهي تشمل السماوات وتشمل أيضاُ الجو والسحاب وما علاك على وجه العموم فهي تشمل السماوات وزيادة فكان ذلك أشمل وأعم. كما ناسب ذكر (من) الاستغراقية ذكر السماء فإن كليهما للإستغراق والعموم.
وقد تقول: وما الحاجة إلى ذكر (السماء) ومهو لم ينزل عليهم جنداً اصلاً لا من الأرض ولا من السماء؟ فتقول: أنه ذكر أنه لم ينزل عليهم جنداً من السماء وإنما أهلكهم بصيحة منها فالسماء هي مبدأ إنزال العذاب لكن ليس بالجند وإنما بالصيحة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه لو لم يذكر السماء لكانت الآية على النحو الآتي: وما أنزلنا على قومه من بعده من جند ما كنا منزلين. وهذا المعنى لا يصح لأن قوله (وما كنا منزلين) ينفي إنزال الجنود على أية حال سواء كان من السماء أم من غيرها. في حين أن الله سبحانه أنزل جنوداً وأقواماً على آخرين فحاربوهم ودفع بعضهم ببعض وعاقب بعضهم ببعض. وكل إتيان من مكان عال فهو نزول أو إنزال. وكل حرب حصلت بين قومين أو أقوام وانحدر أحدهما من مكان عال فهو نزول. وقد يعذب الله بعض الناس ببعض ويدفع بعضهم ببعض ويبثع بعضهم على بعض كما قال تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع (٤٠) الحج) وقال (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا (٥) الإسراء).
ولا يخلو ذلك من إنزال جند وكان يأجوج ومأجوج ينزلون من الجبل فيفسدون في الأرض. فلو حذف (من السماء) لم يستقم المعنى ولم يصح. هذا وأنه لو حذف أي قيد لم يصح المعنى فإن الآية هي: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨))
١. فإنه لو حذف (على قومه) لم يصح المعنى لأن الله سبحانه أنزل جنوداً من السماء بعده وذلك لنصرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الطاغوت: الطاغوت يذكرون له معاني، هو من الطغيان، اشتقاقه العربي من الطغيان، فِعلها طغى (وعندنا فعلوت، أصلها طغووت ثم صار بها إبدال، هذه مسائل صرفية لا نريد أن ندخل فيها)، عندنا مصادر على فعلوت مثل الملكوت والجبروت (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣) يس) ورهبوت وهي عندنا في العربية وهي مصادر تدل على المبالغة كما في الحديث " جللت الأرض والسماء بالعزّة والملكوت". طاغوت من هذه الأوزان لكن صار فيها تداخل صرفي وإبدال كلمة (أصلها طغووت على وزن فعلوت). هي من الطغيان، من الفعل طغى. كل رأس في الضلال يسمى طاعوت (ما عُبِد من دون الله) حتى الساحر يسمى طاغوت والكاهن والصنم وفي العربية المارد من الجن يسمى طاغوت وهي عامة وكلمة طاغوت تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع. للمفرد طاغوت وللجمع طاغوت وللمذكر طاغوت وللمؤنث طاغوت. عندنا جمع (طواغيت) وعندنا طاغوت مثل الطفل يُجمع على طفل وأطفال وضيف يجمع على ضيف وضيوف وخصم قد يكون مفرد وقد يكون جمعاً (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) ص) عندنا كلمات قد تكون جمع وقد تكون مفرد حتى كلمة عدو وأعداء، عدو مفرد وجمع (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الشعراء) عندنا كلمات تكون الكلمة تعبر عن المفرد والجمع بحسب السياق الذي وردت فيه ومنها طاغوت. يوجد طواغيت في اللغة مثل طفل وأطفال (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء (٣١) النور) (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا (٥٩) النور). الطاغوت موجودة والطواغيت موجودة.
هناك فرق بين الحكم النحوي اللغوي والاستخدام البياني لماذا استخدم هذا بيانياً؟ هنالك أسباب عدّة لهذا الأمر من جملتها أن يكون في مقام التوسع والإطالة في التعبير والمقام مقام توسع وتفصيل وإطالة فيأتي بالحرف مناسباً لأن (ذلكم) أكثر من (ذلك) من حيث الحروف إذا كان المقام كله مقام إطالة يأتي بكل ما يفيد الإطالة لغة وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما في الإيجاز لغة، مثال (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ) المخاطَب جماعة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (٦٠) المائدة) (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢) الحج) آية فيها (ذلك) والثانية (ذلكم) أي الأكثر؟ الذين كفروا أو الذين جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؟ الذين كفروا أكثر، فلما كانت المجموعة أكثر جمع فقال (ذلكم) ولما كانت أقل أفرد (ذلك).
* (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً (٦٠) المائدة) ما هي المثوبة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦)) انظر إلى هذا التناسق في أساليب العرض الذي في القرآن. فصور القرآن ألفاظه تأخذ بيدك لتضعك أمام المشهد وكأنك تشاهد عرضاً. ألا ترى كيف ناسق الله بين عبارتي (الصراط المستقيم) و (الآيات)؟ لاحظ ذلك في الاية السابقة (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) فالصراط هو الطريق المستقيم ووصفه بقوله مستقيماً ليبين لك أنه خالٍ من العِوَج والكلمتان مستعارتان للعمل الموصل إلى رضى الله ثم أتبعهما بقوله (آيات) أي آيات القرآن ولكن موقعها مع لفظ الصراط المستقيم فيه رشاقة لأن فيه تورية لمعنى الآيات اللغوي وهو العلامة التي يهتدي بها السائل وترشد الضال في مسلكه وطريقه. فكانت آيات القرآن ترشد الضال والتائه كما ترشد العلامة الضالّ في الطريق.
آية (١٢٨):
*(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (١٢٨) الأنعام) في سورة هود وفي يوسف (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)) فما الفرق بينهما؟(د. فاضل السامرائى)
هم يفرّقون بين الرُشد والرَشَد، الرُشد معناه الصلاح والاستقامة وهم قالوا الرُشد يكون في الأمور الدينية والدنيوية، في أمور الدين وفي أمور الدنيا، في الأمور الدنيوية والأخروية والرَشد في أمور الآخرة، يعني الرُشد يكون في أمور الدنيا والآخرة والرَشَد في أمور الآخرة. في القرآن ورد الرُشد (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (٦) النساء) أمر دنيوي، (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦) الكهف) أمر دنيوي موسى تتبع الرجل الصالح، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (٢٥٦) البقرة) و (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً (١٤٦) الأعراف) إذن الرُشد يستعمل في أمور الدنيا والدين. أما الرَشد فالكثير أنه يستعمل في أمور الدين أكثر ما يكون في الدين (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) الكهف) (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤) الكهف) أغلب ما تستعمل في أمور الدين، أما الرُشد فهي عامة. هذا ما قاله قسم من اللغويين وإن كان قسم قالوا أن هاتان لغتان لكن هما في القرآن هكذا، يستعمل الرُشد في أمور الدنيا والدين والرَشَد في أمور الدين. قسم قالوا هذه لغة ولكن قسم قالوا هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني.
آية (١٤٨):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة التوبة للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى من برنامج لمسات بيانية ومن محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى من برنامج الكلمة وأخواتها وأخر متشابهات والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها أختنا الفاضلة سمر الأرناؤوط على موقعها إسلاميات جزاهم الله عنى وعن المسلمين خير الجزاء.. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
في الآية ذكر الله تعالى أن الذي بخل، بخل بماله واستغنى من الغنى فلما بخل ذكر (ما يغني عنه ماله) و(ما يغني عنه ماله) وضع المفسرون لها احتمالين: الاول أن تكون نافية والثاني أن تكون استفهامية ومن باب التقريع والتوبيخ. ويسمى هذا في اللغة من باب الاتساع في المعنى، فلو أراد تعالى بالآية معنى الاستفهام لقال تعالى: (ماذا يغني عنه ماله) ولو أراد النفي لقال تعالى: (لم يغني عنه ماله) وانما جاء سبحانه وتعالى بلفظ يتسع للمعنيين وهو يريدهما معا فكأنما يريد القول ماذا يغني عنه ماله ولم يغني عنه ماله، اي يريد الاستفهام للتوبيخ والتقريع والنفي ايضاً ولهذا يضع سبحانه وتعالى جملة فيها اتساع في المعنى وهذا الاسلوب يتكرر في القرآن فقد يستعمل سبحانه وتعالى ألفاظاً تحتمل معاني عدة قد تصل إلى اربع او خمس معاني للفظ الواحد وهذا من البلاغة التامة حتى لا تتكرر الآية بمعنى مختلف في كل مرة وأنما يؤتى بها بلفظ معين يتسع لكل المعاني المقصودة. وهذا لا يعني تناقضاً او عدم تحديد في القرآن كما قد يتبادر الى اذهان المستشرقين لأن الله تعالى عندما يريد التقييد يأتي بحرف او كلمة محددة تفيد المعنى المراد كما في قوله سبحانه: (اذكروا الله ذكراً كثيرا) فقد حدد هنا الذكر الكثير وفي موضع آخر (واذكروا الله كثيراً) لم يرد التقييد ولم يحدد انما اطلق المعنى.
أوتوا في العربية لا تأتي في مقام الذم وإنما هذا خاص بالقرآن الكريم. عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه (آتيناهم الكتاب) لما كان فيه ثناء وخير نسب الإيتاء إلى نفسه، أوتوا فيها ذم فنسبه للمجهول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا (٥) الجمعة) (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (١٤) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (٣٢) فاطر) هذا مدح.
* ما دلالة (من قبلُ) في الآية (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ) ولماذا البناء على الضم في (قبلُ)؟
لو لم يقل (من قبلُ) يعني لو قال ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب هذا لا يدل على أن الأولين قست قلوبهم وإنما فقط يدل على المعنيين في زمن الرسول - ﷺ - أما الأولون فلم تقسو قلوبهم. (من قبلُ) هي التي دلت على أن الأولين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم. إذن (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ) (من قبل) أفاد أن الأولين قست قلوبهم ولو لم يقل (من قبلُ) لم يفد هذا. لو قال ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب قد يكون المقصود بهم الذين في زمن الرسول - ﷺ - ولم يشر إلى الأولين فهوالآن كأنه ذمّ الذين في زمن الرسول - ﷺ - أن هؤلاء طال عليهم الأمد وليس فيه دلالة على أن الأقدمين قست قلوبهم كذلك والمراد هم الأقدمون. لما قال (من قبلُ) دل على أن الأولين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فكيف لهؤلاء وقد تطاول عليهم الأمد؟! إذا كان الأولون قست قلوبهم وقد تطاول الزمن فما بالك بهؤلاء؟!.
*أما السؤال الآخر وهو لماذا جاءت (قبلُ) بالضم؟


الصفحة التالية
Icon