لا تقول كلمة (عين) لا يجوز أن تُستعمل إلا للباصرة، فإذا قلت شربت من عين باردة، تقول كيف وهذه العين التي نبصر بها؟ كلا فالسياق يبيّن المعنى. بل قُرِيء (وما هو على الغيب بضنين) (وما هو على الغيب بظنين) بالظاء وهي قراءة سبعية والرسم واحد بالصاد المنقوطة. ويقول الرازي: والتمييز عسر يين هذين الحرفين ليس في محل التكليف. تغير الأصوات يكون بمئات السنين حتى تتغير. فالمخلَص ليس بنطقه دالاً مطبقة لكن بالأصل أن ننطقه كما وصف جانبي رخو وهو أقرب إلى الظاء. ننطقه جانبياً رخواً ويمكن أن نمد به الصوت قد يكون هذا وقد لا يكون ولكنه أقرب من الضاد التي نلفظها أمامية شديدة. ويقولون من الشدق الأيسر أسهل ويحتاج إلى تمرين وإن لم نستطع ننطقه ظاء أخذاً بفتوى الإمام فخر الدين الرازي لأنه يختلف المخرج والصفة واحدة. الدلالة لا تتغير لأن السياق يشير إلى ذلك. كما قلنا العين: ربما العين تعني عين باصرة وعين ماء نعرفها حسب السياق. هم يقولون ليس أعسر على اللسان من نطق الضاد. في الوقت الحاضر بعض الكتّاب المعاصرين بعض الدراسات تنطقها هكذا (الضالين) يقولون نضيف إلى حروف القلقلة الضاد فتصبح الحروف (قطب جد ض) وهذا ليس من حقهم لكن هذا مقترحهم ما داموا ينطقونه هكذا.
آمين:
*ما أصل كلمة آمين التي نختم بها الفاتحة على أنها دعاء وهل لها بديل في لغة العرب؟
ثم تحوّل بعد ذلك إلى (وإن يردك بخير فلا راد لفضله): إستعمال الفضل هنا لم يقل فلا راد لخيره وإنما قال فلا رادّ لفضله لأنه كما يقول العلماء كل خير يصيب الإنسان هو ليس معاوضاً لعمله وإنما هو تفضّل من الله سبحانه وتعالى فلا يقول الإنسان أنا صليت وعبدت الله عز وجل فجاءني الفضل مقابل هذه العبادة حتى دخول الجنة بفضل الله تعالى ورحمته لأنه مهما فعل الإنسان لا يستطيع أن يقابل فضل الله تعالى. فما يصيب الإنسان من الخير فهو فضل من الله تعالى وليس حقاً واجباً على الله سبحانه وتعالى إنما هو فضل. وهنا تأتي كلمة (ولا راد لفضله) وإنما السياق الإعتيادي أن يقال: وإن يرد بخير فلا راد لهذا الخير وإنما قال تعالى (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يصيب به يعني يوصله إلى من يشاء.
آية (١٠٨):
*ما الفرق بين (لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) و(مَاأَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيل)؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٣٤﴾) وفي سورة الأعراف (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴿١١﴾) ابليس هو أبو الشياطين كما إن آدم أبو البشر وبداية الصراع كان بين أبو البشر وأبو الشياطين. والشيطان يُطلق على كل من كان كافراً من الجن أي على الفرد الكافر من الجنّ.
*ما الفرق بين اسجدوا - قعوا له ساجدين – خرّوا سجداً؟(د. أحمد الكبيسى)
لما كان الأمر يأتي عن طريق السماع قال (أَفَلَا يَسْمَعُونَ) ولما كان الأمر مشاهداً يأتي عن طريق المشاهدة قال أفلا يبصرون. ذكرنا سابقاً قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) القصص) لما ذكر الليل قال أفلا تسمعون لأن الليل سرمد لا يُرى فيه والآية بعدها (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٧٢) القصص) لما ذكر النهار قال أفلا تبصرون وعندما ذكر الليل قال أفلا تسمعون.
* لم قدم السمع على البصر فى الآيتين (٧١)-(٧٢)؟(د. فاضل السامرائى)
فى القرآن الكريم غالباً يتقدم السمع على البصرلأن من يسمعك أقرب إليك ممن يراك، أنت ترى النجوم والكواكب والشمس والقمر وترى رجلاً من بعيد ولا تسمع صوته (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦) طه) يشعر بالقرب والطمأنينة وفي مجال الدعوة والتبليغ السمع أهم من البصر. كما فى الإسراء كان في الليل والليل أداته السمع وليس البصر وقال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٧٢) القصص) مراعاة الحالة فناسبت الكلمة المسرح الذي تتحدث عنه. إذن تقديم السمع أولى من كل ناحية.
مرة يقول تعالى (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿ ٥٢ ﴾ آل عمران) بأنا مسلمون نون واحدة الحواريون يخاطبون سيدنا المسيح عليه السلام هو قال من أنصاري قال نحن وأشهد بأنا مسلمون يا عيسى هذه بأنا، في سورة المائدة (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴿ ١١١ ﴾ المائدة) لماذا في الأولى الحواريون قالوا لسيدنا عيسى عليه السلام (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (أنا) نون واحدة ولماذا لما تكلموا مع رب العالمين قالوا (وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) (بأننا)؟ أنتم تعرفون أن كلمة أنّا غير كلمة أننا، أننا أشد قوة وتأكيداً وثباتاً ويقيناً الله قال (إِنِّي أَنَا اللَّهُ ﴿ ٣٠ ﴾ القصص) و (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ ﴿ ١٤ ﴾ طه) وإن كان في فرق بين الـ (إن) فالـ (إن) هذه غير هذه الـ (إن) لكن التعبير في النهاية واحد (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ﴿ ٩ ﴾ الحجر) إنا لاحظ مرة يقول إننا. حينئذٍ لماذا رب العالمين نفس الحواريين وبنفس الشهادة نحن مسلمين يعني موحدين كلمة مسلمون موحدون كل موحد لله عز وجل توحيداً مطلقاً هو مسلم سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مسلماً أو ما شاكل ذلك.
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧))
هذه الآية فيها أوامر (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)). بعد أن نهاه عن الشرك وأمره بالتوحيد بعد ذلك بدأ بأهم العبادات. أول مرة أقام العقيدة السليمة وهو التوحيد لأنه لا تصح عبادة مع الشرك فبعد أن جاءه بأهم الأمور وأعمها وأيسرها نفي الشرك بالله وترسيخ عقيدة التوحيد الآن أمره بالعبادات فقال له وبدأ بأهم العبادات وأوجبها هي الصلاة وهي التي لا تسقط بحال من الأحوال وهي أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة. الصلاة اسماعيل - عليه السلام - كان يأمر أهله بالصلاه وموسى - عليه السلام - (وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ (٨٧) يونس) الصلاة هي عبادة أوجبها الله تعالى منذ البدء وهي آخر ما يُرفع من الأعمال قبل يوم القيامة هي الصلاة، فبدأ بأهم العبادات وأوجبها وهي العبادة التي لا تسقط في حال من الأحوال في المرض أو غيره وأول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة. ولم يقل له صلي وإنما قال أقم الصلاة أي الإتيان بها على أتم حالاتها بكل سكناتها وحركاتها وخشوعها. نلاحظ أنه بعد الأمر بإقامة الصلاة ما قال أموراً أخرى وإنما قال (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ) إذن هو أمره بنوعين من العبادات عبادة فردية شخصية (الصلاة) وعبادة عامة اجتماعية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) هذه علاقته بالمجتمع، بالآخرين، عبادة اجتماعية.
جاء في التفسير الكبير: "وقوله (واحدة) تأكيد لكون الأمر هيناً عند الله. وقوله (فإذا هم خامدون) فيه إشارة إلى سرعة الهلاك فإن خمودهم كان مع الصيحة وفي وقتخا لم يتأخر".
وجاء في البحر المحيط في قوله (فإذا هم خامدون): "أي فاجأهم الخمود إثر الصيحة لم يتأخر". وجاء في روح المعاني: "، إن نافية وكان ناقصة وإسمها مضمر وصيحة خبرها أي ما كانت هي أي الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة. و (إذا ) فجائية وفيها إشارة إلى سرعة هلاكهم بحيث كان مع الصيحة وقد شبهوا بالنار على سبيل الاستعارة المكنية".
وقال (خامدون) إشارة إلى سرعة هلاكهم وإنطفاء حياتهم كانطفاء السراج. واختيار هذا الوصف أحسن اختيار فإنه مأخوذ من خمود النار وهو سكون لهبها وذهاب حسيسها يقال "خمدت النار تخمد خموداً سكن لهبها ولم يطفأ جمرها. وهمدت هموداً إذا أطفئ جمرها البتة وأخمد فلان ناره وقوم خامدون لا تسمع لهم حسّاً. جاء في التنزيل العزيز (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون). قال الزجاج: "فإذا هم ساكتون قد ماتوا وصاروا بمنزلة الرماد الخامد الهامد". وفي القاموس المحيط: "خمدت النار طنصر وسمع خمداً وخموداً سكن لهبها ولم يطفأ جمرها" وفي المصباح المنير: "خمدت النار خموداً من باب قعد ماتت فلم يبق منها شيء قيل سكن لهبها وبقي جمرها". وفي أساس البلاغة: "نار خامدة وقد خمدت خموداً سكن لهبها وذهب حسيسها".
يتضح مما مر أن الفعل خمد يحمل المعاني الآتية:
١. يقال خمدت النار أي سكن لهبها ولم يطفأ جمرها
٢. وقيل أيضاً خمدت النار إذا ماتت ولم يبق منها شيء
٣. ويقال خمد القوم إذا سكتوا فلم يسمع لهم حساً
٤. وخمد القوم سكتوا وماتوا وصاروا بمنزلة الرماد الخامد الهامد
أما همود النار فهو انطفاؤها وعدم بقاء أثر منها.
جاء في لسان العرب: "همدت النار هموداً طفئت طفوءاً وذهبت البتة فلم يبن لها أثر..
الأصمعي: خمدت النار إذا سكن لهبها وهمدت هموداً إذا طفئت البتة"
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (٥٦) النساء) انظر إلى هذا التصوير لمشهد العذاب إنه مشهد مادي محسوس تتألم منه الأجساد وتتلظى به الجوارح والأبدان وهو مشهد لا يكاد ينتهي، مشهد يشخص له الخيال ولا ينصرف عنه. ألا ترى أنك تكاد ترى مشهد الجلود الناضجة من شدة قوة التصوير في قوله تعالى (كلما نضجت جلودهم) وتأمل هذا الاختيار المفزع لأداة الشرط (كلما) دون استعمال الأداة (إذا) لأن (كلما) ترسم مشهد نضوج الجلود متكرراً خلافاً لـ (إذا) وهذا يناسب قوله تعالى (كلما نضجت جلودهم بدلناهم غيرها).
* لِمَ خصّ الله تعالى الجلود بالتغيير دون الأعضاء مع أنها تنضج في النار أيضاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
هذا من إعجاز القرآن فالجلد هو الذي يوصل إحساس العذاب إلى النفس فلو لم يبدّل الجلد بعد إحتراقه لما وصل عذاب النار إلى النفس.
آية (٥٨):
*ما هي الآية التي نزلت داخل الكعبة؟(د. فاضل السامرائى)
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴿٥٨﴾) هي الآية التي نزلت داخل الكعبة عندما دخل الرسول - عليه السلام - يوم فتح مكة طلب من عثمان بن طلحة وكان حاجب الكعبة أن يعطيه مفتاح الكعبة فأبى وصعد إلى سطح الكعبة فأرسل الرسول - ﷺ - بلالاً ليحضره منه ففتح الكعبة وحطّم الأصنام ثم نزلت هذه الآية يأمر الله تعالى رسوله أن يردّ المفتاح إلى عثمان وما زال في بني شيبة إلى الآن.
آية (٥٩):
*ما دلالة تكرار كلمة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في سورة النساء وعدم ذكرها مع أولي الأمر؟( د. فاضل السامرائى)
* (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧) المائدة) إذا كانت الآيات مرتبطة ببعضها الآيات التي سبقت الآية تتحدث عن أهل الكتاب وكذلك الآيات التي بعدها فهل تبليغ الرسول ﷺ متعلق بأهل الكتاب؟ وما هو الأمر الذي أراده الله تعالى من الرسول أن يبلغه؟(د. فاضل السامرائى)
أولاً الكلام عام لما قال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) لم يقل بلغ أهل الكتاب أطلق الفعل ولم يحدده ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) لم يقل يعصمك منهم. إذن الكلام عام لكن يبقى وقوعه في هذا السياق. وقعت الآية في سياق الذين أوتوا الكتاب ومحاربتهم لرسول الله - ﷺ - والمفروض تبليغهم كتبيلغ غيرهم مع أنهم يكثرون مجادلته ويدّعون العلم وكلما جاءهم رسول قتلوا فريقاً وكذبوا فريقاً آخر وطبعاً هذه من المثبطات أن تدعو من لا تأمنه لو كانوا أقل مجادلة لأمل منهم خيراً. دعوة أهل الكتاب من المثبطات لما فيها من جدال يقولون نحن أصحاب الكتب وأصحاب العلم لكن ربنا أوقعها هنا بالذات حتى لا يترك مجالاً لأهل الكتاب أو غيرهم أمره بالتبليغ لا يمنعه من ذلك مانع ولا يثبطه مثبط ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) مع أنهم حاولوا قتله كما قتلوا قبله من الأنبياء وهذا إعجاز لأن الرسول - ﷺ - كان يُحرس ولما نزلت الآية صرف الحرس وقال الرسول - ﷺ - انصرفوا فقد عصمني الله هذا دليل على أنه يأتيه الوحي من الله تعالى.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
آية الأنعام (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا (١٣٠)) في الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا (٧١)) تشابه كبير. القصة الخبر، يقصّ يُخبر، قصّ عليه الخبر أورده. تلا يعني قرأ، تلوت القرآن، التلاوة تكون لنص يُقرأ سواء عن حفظ أو عن كتاب يجب أن يكون هناك نص لتكون هناك تلاوة أما القصة فقد تكون مكتوبة نصاً أو يكون من غير نص مشافهة سواء من كتب أو من غير. أما التلاوة فلا بد أن يكون هنالك نص حتى تكون تلاوة في اللغة سواء النص عن حفظ أو من كتاب، أما القصة فقد تورد له الخبر (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ (٢٥) القصص) القصة قد تكون من صحف أو عامة. أيّ الأعمّ قصّ أو تلا؟ قصّ أعمّ من تلا، تلا مقيّد من كتاب أما قصّ فقد يكون من كتاب أو من غير كتاب إذن قصّ أعمّ. (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) سواء الرسل كان عندهم كتب أو ليس عندهم كتب كلهم أصحاب رسالة لكن ليس عندهم كلهم كتب وإنما بلغوا مشافهة إذن كلمة (يقصون) تشمل الرسل الذي أرسل عليهم كتب والذين لم ينزل عليهم كتب، قال تعالى صحف إبراهيم وموسى والتوراة والزبور والقرآن والإنجيل. إذن يقصون شملت من أنزل عليه كتاب ومن لم ينزل عليه كتاب أما تلا فشملت من أنزل عليهم الكتاب فقط.
ففي سورة الآعراف حذف الحرف لأن الموقف جاء ذكره باختصار (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُومَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿١٥٠﴾) أما في سورة طه فالآيات جاءت مفصلة ومبسّطة وذُكرت فيها كل الجزئيات لذا اقتضى ذكر (يا) (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ﴿٨٦﴾ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴿٨٧﴾ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ﴿٨٨﴾ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً ﴿٨٩﴾ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴿٩٠﴾ قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴿٩١﴾ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴿٩٢﴾ أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴿٩٣﴾).
* يرد في القرآن خطاب هارون لموسى بقوله (يا ابن أوم) فهل هذا أسلوب استعطاف وتليين أو هو أسلوب يشير إلى أنهما ليسا إخوة أشقاء؟(د. فاضل السامرائى)
هذا التعبير (إن علينا للهدى) يحتمل معنيين: الاول علينا أن نبين طريق الهدى بمعنى أن الله تعالى يتكفل ببيان طريق الهدى، والثاني أن الهدى يوصل صاحبه الى الله. طريق الهدى في النتيجة يوصل الى الله عز وجل (إن ربي على صراط مستقيم) (فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا) من أراد أن يبتغي مرضاة ربه يسلك هذا الطريق ومثلها قوله تعالى (وعلى الله قصد السبيل) والقصد هو استقامة الطريق. فمعنى الآية علينا ان نبين الطريق المستقيم والطريق المستقيم يوصل الى الله تعالى.
*ما الحكم البياني في التقديم والتأخير في الآية (إن علينا للهدى) بدل القول إن الهدى علينا؟
التقديم في هذه الآية يفيد القصر. إن معرفة وتقديم الخبر يفيد القصر. طريق الهدى يبينه الله تعالى فقط وليس هناك معه جهة أخرى، أي ان الهدى يعود الينا (أي الله تعالى) حصراً وأي هدى من غير طريق الله فهو غير مقبول ومرفوض ولا يوصل الى الله عز وجل. فالجهة التي تبين طريق الهدى هو الله تعالى حصراً.
وقول: إن الهدى علينا يتضمن المعنى السابق لكنه لا ينفي كون جهة اخرى توصل الى الهدى ولكن الله تعالى حصر الهدى به جل وعلا.
*ما الحكم البياني في استخدام التوكيد بـ(إن) وبـ(اللام)؟
التوكيد يكون بحسب الحاجة وبحسب إنكار المخاطب للأمر. إذا كان المخاطب يقبل الامر لا يوجد داعي للتوكيد لكن أكثر الناس يرفضون هذا الأمر لقوله تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وهذا الشيء ينازع فيه كثير من الناس في زمن الرسول او الآن ويرفضون الفكرة وينسبون الهدى لأنفسهم وأنهم هم الذين يبينونه وينازعون فيه لذا وجب التوكيد، لذا المسألة تحتاج الى توكيد بالمعنيين: الهدى علينا حصراً والمعنى الآخر: طريق الهدى هو الطريق الذي يوصل الى الله. ولو جاءت الآية (إن الهدى لعلينا) هذا يؤكد المعنى الثاني ويؤدي الى فوات معنى الحصر الأول.
أمرنا ربنا أن نعلم هذا الأمر وهو أن الله تعالى هو الذي يحيي الأرض بعد موتها فما كانت لتحيا لولا أن الله يحييها، لا تحيا من الماء بنفسها ولا أن هنالك ذاتاً معه أو بدونه قادرة أن تحيي وإنما هو الذي يحيي الأرض وأراد أن نعلم هذا الأمر فقال (اعلموا). الارتباط بما قبلها ظاهر من جهتين: أولاً في الآية قبلها قال تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) فهو تمثيل لأثر الذكر والقرآن في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض. أثر الذكر والقرآن في القلوب يحييها كما يحيي الغيث الأرض. الله تعالى يحيي الأرض بالغيث والذكر والقرآن يحيي القلوب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ (٢٤) الأنفال) هذه حياة. إذن أثر الذكر الذي أمرنا به (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) هذا الذكر يحيي كما تحيا الأرض بالغيث فالذكر يحيي القلوب من موتها كما يحيي الله الأرض من موتها، هذا أمر. والأمر الآخر أن فيها دلالة على بعث الأموات وقد ذكر قبلها مشهداً من مشاهد الآخرة (فضرب بينهم بسور له باب) ويذكر لنا في القرآن حياة الأرض للتمثيل بحياة الآخرة فينتقل منها إلى الآخرة (كذلك يحيي الله الموتى). إذن من جهتين من جهة أن الله سبحانه وتعالى كما يحيي الأرض بعد موتها يحيي القلوب بذكر الله وما نزل من القرآن، هذا أمر ومن ناحية أخرى دليل أو تشبه كيف يحيي الله الموتى وذكر مشهداً من مشاهد الآخرة هذا أيضاً تدل على أن الله سبحانه وتعالى سيحيي الموتى كما يحيي الأرض، يحيي الموتى في الآخرة كما يحيي الأرض.
*قال تعالى (يحيي الأرض بعد موتها) أليس هذا مظنة والعياذ بالله لأي شك أن الذي يميت هو غير الله تعالى؟


الصفحة التالية
Icon