من هذه الألفاظ كلمة (آمين) وهي كلمة عربية النِجاؤ صميمية النسبة مثل هيهات ومثل أف ومثل صه هذه أسماء أفعال. آمين: إسم فعل بمعنى اللهم إستجب. هي فعل أمر طبعاً ولكن الأمر من الأدنى إلى الأعلى يخرج للدعاء كما نقول اللهم أغفر لنا: إغفر فعل أمر لكن علماؤنا يقولون خرج للدعاء. فإذن آمين إسم فعل أمر بمعنى اللهم إستجب لأن كلمة آمين لم تستعمل إلا مع الله. حتى في الجاهلية لا تقول لشخص يتكلم آمين بمعنى إستجب لي يا فلان لكن آمين يعني اللهم إستجب لكلامه وحتى قبل نزول القرآن. وكلمة اللهم كانت مستعملة عندهم ويعنون بها يا الله (إني إذا ما حدثٌ ألمّ أقول ياللهم ياللهم) لأن هذه الكلمة (اللهم) جُعِلت خاصة بنداء الله تعالى ولأنها جُعِلت هكذا أُدخل عليها حرف النداء مع أن الميم هي عوض عن حرف النداء فقال (ياللهم) هذا شاهد نحوي. إذن آمين هي إسم فعل.
قال في آخر يونس (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (١٠٩)) وفي أول هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)) واتبع ما يوحى إليك - كتاب أحكمت آياته، وكأن ما يوحى إليه والمأمور باتّباعه الكتاب الذي أحكمت آياته، ومن أحكمهم؟ خير الحاكمين. وهو خير الحاكمين كتاب أحكمت آياته الذي أحكمه هو خير الحاكمين. خير الحاكمين في يونس (وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (١٠٩)) وفي هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) من الذي أحكم آياته؟ خير الحاكمين.
في آخر يونس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (١٠٨)) وفي أوائل هود (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣))، نذير وبشير مقابل من اهتدى ومن ضلّ، (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا) هذا لمن اهتدى، ثم يقول (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)) هذا مقابل (وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) إذن فسر وشرح ما قاله في يونس (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) أنه من اهتدى يمتعه متاعاً حسناً ومن ضل فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير وكلها إنني لكم منه نذير وبشير.
فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولون فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
آية (٣٥):
*د. أحمد الكبيسى:
رب العالمين تعالى سبحانه وتعالى بعد أن تكلم مع آدم قال (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴿٣٥﴾ البقرة) علّمنا أن الاقتراب من الشهوة لا بد أن تدخلها هذا لما خلا بالجنة - الجنة جنة أرضية هي ليست بالسموات جنة بستان بين نينوى وبين الموصل - وحينئذٍ إياك أن تقترب من أي شهوة لأنك إذا اقتربت منها فلا بد أن تقع فيها فالعبرة الأساسية من هذه الشجرة إياك أن تقترب من الشهوة إياك (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيها) حتى لو كنت من الصالحين هكذا.
العلم بأحوال الدنيا والآخرة. ذكر أوتوا العلم مناسب لما ادّعاه قارون (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي (٧٨) القصص) لأنه ادعى أن ما حصل عليه من علمه لكن هذا العلم الذي عنده أورده موارد الهلكة فهؤلاء الآخرون الذين أوتوا حق العلم هم الذين يعرفون ماذا كان ينبغي أن يكون وليس العلم الذي ادعاه قارون حتى أورده موارد الهلكة، فعلم هؤلاء بمقابل علم هذا الشخص الذي ادّعاه لنفسه. هذا أمر والأمر الآخر هو ذكر الذين أوتوا العلم ولم يذكر التقوى لئلا يُظن أن التقوى هي نقيض العلم لو قال التوقى معناه العلم لا ينفع. لو لم يذكر العلم وقال التقوى ستصبح التقوى بمقابل العلم لكن التقوى ليست بمقابل العلم العلم أيضاً يأتي بالتقوى وليس نقيضاً لها كأن معنى أن الذي أوتي العلم يريد الهلكة لكن المتقي ينجو من ذلك والأمر ليس كذلك الذي يعلم حق العلم هو الذي ينجو لأن المؤمن والمتقي قد لا يكون عالماً وإذا لم يكن عالماً قد يقع في جهله ويقع في أمور هو لا يعلمها لكن الراسخون في العلم الذين يعلمون حق العلم هم المتقون فعلاً كما قال تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (٢٨) فاطر) ذكر العلم لأن هؤلاء هم المتقون حقاً وكلمة أوتوا العلم لم ترد في جميع القرآن إلا في المدح والثناء. إذن هذا الذي أوتي العلم حق العلم هو متقي وهو مؤمن (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) الإسراء) إذن الذين أوتوا العلم يعني يعلمون حق العلم ماذا كان ينبغي أن يفعل، الذي ضلّ لم يؤتى حق العلم هذا ورد موارد الهلكة أنه لم يعلم حق العلم ولو علم حق العلم لخشي (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) إذن الذين أوتوا العلم ويعلمون بأحوال الدنيا والآخرة هم الذين قالوا.
آية (٨٢):
*في سورة الصف قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ (١٤)) وفي آل عمران تكررت الآية (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢)) عيسى ينسب النصرة إليه وهم يقولون نحن أنصار الله مباشرة فما دلالة هذا؟(د. فاضل السامرائى)
أولاً ما معنى (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ)؟ هذا التعبير يحتمل معنيين الأول أنا أنصر الله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ (٧) محمد) ينصر دينكم، فمن يكون معي في نصرة دين الله؟ أنا أنصر حتى أنتهي إلى الله، حتى أفضي إلى ربي حتى نصل إلى ربنا. فمن يكون معي في نصرة الله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)؟ أنا أنصر الله أنصر دينه فمن يكون معي في ذلك؟ هذا شكل والشكل الثاني إن الله ينصرني في هذا الأمر فمن يكون معي في نصرة الله إياي؟ ينصرني يعني يؤيدني فمن يكون معي في هذا الأمر؟ وهذه يعبر عنها بـ (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ) يعني أنا سأفعل وينصرني الله بشكل ما فمن يكون معي في ذلك؟، أنا أنصره وهو ينصرني فمن يكون معي؟ هذا السؤال يحتمل المعنيين وقد ذكرهما المفسرون والآية تستوعب المعنيين.
إجابة د. حسام النعيمى عن نفس السؤال:
في قوله تعالى (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) لقمان) هذه وصية من أبٍ لولده. أبٌ يوصي ولده فلا يحتاج لتوكيدات، نصيحة أب لابنه ما يقتضي التأكيد. (يا بُنيَّ) بفتح الياء (رواية حفص عن عاصم)، شُعبة قرأ (يا بُنيِّ). نافع وسائر القراء (يا بنيِّ) إذن إنفرد عاصم بها من القراء السبعة. هي لغتان للعرب، معناه بعض العرب كان إذا نادى ولده يقول يا بنيَّ وبعض العرب يقول يا بُنيِّ والأكثرون كانوا يقولون (يا بُنيِّ) بدليل أن القراء الستة والسابع بروايتين، رواية وافقت الستة يعني بإثني عشر راوياً يعني ثلاثة عشر راوياً يروون يا بنيِّ، يعني جمهور العرب يقولون بنيِّ، هذه لهجة وهذه لهجة، هذه لهجة أقرها الرسول - ﷺ - بأمر من ربه أو قرأ بها وهذه لهجة أقرها الرسول - ﷺ - بأمر من ربه وقرأ بها وقرأت بها القبائل. لكن علماء الصرف يوجهون أنه كيف هذا قال هكذا وكيف هذا قال هكذا؟: (إبن) أصلها بنو لما تُصغّر تصير (بنيو) اجتمعت الياء والواو والأول منهما أصلي ذاتاً وسكوناً فانقلبت إلى ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت بنيّ مثل كلمة نَهَر لما تُصغّر تصير نُهير لكن بدل الراء هناك ياء أخرى فصار بياءين أضيفت إليها ياء المتكلم.
ويقوي الدلالة على النداء قوله تعالى (وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً دعوا هنالك ثبورا (١٣) لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً (١٤) الفرقان) وقوله (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره (١٠) فسوف يدعو ثبورا (١١) الإنشقاق). ومعنى دعاء الثبور مناداته للحضور بأن يقولوا: واثبوراه أو يا ثبوراه أي احضر يا ثبور فهذا وقتك وحينك. والثبور الهلاك. ولا يقصد حقيقة النداء ولكن المقصود بيان أن العباد أقعوا أنفسهم في أمر عظيم لا يستطيعون منه مخرجاً تركبهم منه الحسرة مركباً عظيماً لا تفارقهم وينالهم من الغم والندم ما يملأ نفوسهم فليس في نفوسهم مكان لغير الكرب والندم وليس فيها موضع استرواح رائحة أمل ولا تنسم نسمة فرج فهم متحسرون نادمون منقطعون لا تفارقهم الحسرة والندم والغم أبد الآبدين. وعبّر بذلك تفظيعاً لما يصيبهم وهو نظير قولنا عن شخص وقد عمل عملاً نعلم أنه سيلحقه منه خسران كبير: يا خسارته يا ويله مما سيحصل. نقول ذلك استفظاعاً لما يصيبه واستعظاماً له. والعباد هم المكذبون بالرسل المستهزئون بهم.
جاء في التفسير الكبير: "من المتحسر؟ نقول فيه وجوه: الأول لا متحسر أصلاً في الحقيقة إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عند تحقق العذاب. وههنا بحث لغوي وهو أن المفعول قد يرفض رأسأً إذا كان الغرض غير متعلق به، يقال إن فلاناً يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء معطى إذ المقصود أن له المنع والإعطاء. ورفض المفعول كثير وما نحن فيه رفض الفاعل وهو قليل. والوجه فيه ما ذكرنا، أن ذكر المتحسر غير مقصود وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في ذلك الوقت.
وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٣﴾ المجادلة) و(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٢﴾ التغابن) وهذا ما جرى عليه القرآن كله كقاعدة عامة.
*ما الفرق بين(أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) الأنفال) - (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (٣٢) آل عمران) - (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا (٩٢) المائدة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (٥٩) النساء) - (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) النور) ؟(د. أحمد الكبيسى)
أساليب الأمر القرآني بطاعة الله ورسوله جاءت بعدة صيغ وكل صيغة تعني معنىًً يختلف عن المعنى الآخر :
الأسلوب الأول:
وفي آية سورة المائدة إنّ تفيد التوكيد عندما تذكر أمر مرفوع بمعنى أنه ليس على إرادة التوكيد (الصابئون) ليست على إرادة التوكيد بإنّ. والصابئون معناها غيرمؤكد وعلى غير إرادة إنّ، ولو أراد إنّ لنصب كلمة (الصابئون). إذن لماذا لم ينصب الصابئون؟ لأن من بين المذكورن في الآية الصابئون هم أبعدهم عن الإيمان. إذن فلماذا قدّمهم على النصارى؟ ليس بالضرورة أن يكون التقديم للأفضل ولكن التقديم هنا لمقتضى السياق. فالسياق في سورة المائدة هو ذمّ عقائد النصارى ذماً فظيعاً وتكلم على عقيدة التثليث جعلهم كأنهم لم يؤمنوا بالله وكأنهم صنف من المشركين وأنهم كفروا بالله الواحد وجعلوا له شركاء (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴿٧٢﴾ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٧٣﴾أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٧٤)) ولهذا قدّم الصابئون على النصارى لكن رفعها للدلالة على أنهم (الصابئون) أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة، وكأن النصارى أشد حالاً من الصابئين حتى تكون منزلتهم أقل وقدّم الصابئين مع أنهم لا يستحقون وأخّر النصارى لأنه ذمّ عقيدتهم لكن بما أنهم أهل كتاب عطفهم على إسم إنّ بالنصب.
* ما دلالة فصل (إنما) في آية سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤)) بينما جاءت موصولة في آية سورة الذاريات والمرسلات ؟ (د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤)) وقال في سورة الذاريات (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥)) وفي سورة المرسلات (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧)).
هذا السؤال عائد إلى خط المصحف (الخط العثماني) وليس عائداً لأمر نحوي، وحسب القاعدة : خطّان لا يُقاس عليهما خط المصحف وخط العَروض. وفي كتابتنا الحالية نفصل (إن) عن (ما) وحقُّها أن تُفصل.
يمكن أن يوصل المفعول باللام وتسمى لام المقوية يُدخل اللام على المفعول به يعني فيما هو لوحذفناها يرجع مفعول به نأتي باللام إن شئنا (لام المقوية) و يتقدم المفعول به على فعله كما في قوله تعالى (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) الأعراف) والمقصود يرهبون ربهم (لربّهم مفعول به مقدّم). والغرض منها عند النحاة أن الفعل إذا تقدّم يكون في أقوى حالاته في العمل فإذا تأخر كان أضعف في العمل فقد يؤتى باللام للتقوية وعندما يكون فرعاً يكون أضعف فيؤتى باللام للتقوية وأنا شخصياً أقول أنها تستعمل لتقوية الحدث فيؤتى باللام الزائدة المؤكِدة زيادة في التوكيد. التوكيد الذي يُدرس في النحو هو توكيد صناعي والتوكيد باب كبير في اللغة وليس هناك باب لا يدخل فيه التوكيد مثلاً التوكيد بالجار والمجرور كما في قوله تعالى (ولا طائر يطير بجناحيه) المعلوم أن الطائر يطير بجناحيه ومع هذا جاءت كلمة بجناحيه للتوكيد، والظرف المؤكّد كما في قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) الإسراء يكون ليلاً وقوله تعالى (فخرًّ عليهم السقف من فوقهم) والسقف سيخّر بالتأكيد من فوقهم، كلها فيها توكيد.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ (١٥٤)) في هذه الجملة القرآنية صورة بلاغية تشهد للنظم القرآني تفننه في ألوان البلاغة فقد شبه القرآن الغضب وفورانه في نفس موسى بشخص مرتفع يغريه بالانفعال ويدفعه إلى أفعال تطفئ ثورة هذا الغضب.
آية (١٥٥):
*(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا (١٥٥) الأعراف) لماذا لم يقل اختار موسى من قومه؟(د. فاضل السامرائى)
الحقيقة أولاً وللعلم لم يرد في القرآن الكريم كله ولا مرة واحدة لفظ الدنيا مع الآخرة إنما ورد دائماً كلمتي الأولى والآخرة. ولهذا اسبابه البيانية:
١. الأولى أعم من الدنيا في الاستعمال القرآني وفي اللغة أيضاً. القرآن يستعمل الدنيا لما يحيا فيه الانسان ويعيش كقوله تعالى: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) و (اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) و (متاع الدنيا قليل)، أما الأولى فتستعمل عامة لما يعلمه الانسان وما لا يعلمه من أمر السموات والأرض فكلها الأولى. فالأولى إذن أوسع من الدنيا. ولما أراد الله تعالى ان يذكر سعة الملك في سورة الليل ناسب أن يأتي بكلمة الأولى التي هي أعم وأوسع.
٢. الثاني ان كلمة الدنيا نفسها هي مؤنث الأدنى ومن معانيها الأقرب والأخس والدون والأقل كما في قوله تعالى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) فلما أراد الله تعالى ان يذكر في سورة الليل سعة ملكه وعظمته لم يناسب ذكر كلمة الدنيا التي قد تحتمل في معانيها (الدون او الأقل). إذن كلمة الدنيا لا تناسب هنا من حيث الدلالة اللغوية واشتقاقها ومن حيث السياق ايضاً.
آية (١٤-١٦):*(فأنذرتكم ناراً تلظى - لا يصلاها إلا الأشقى - الذي كذب وتولى - )
في آية آل عمران قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)) كيف تستعينون بأعدائكم؟ كان قسم من المسلمين يستعينون ببعض يهود المدينة وكانوا يستشيرونهم ويتعاملون معهم وهم من المستحيل أن ينصحوهم (لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) يعني لن تعقلوا يا مسلمين وستبقون من الآن إلى أن تقوم الساعة وكثير منكم من يتعامل مع عدوه والله تعالى قال (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ (١١٩) آل عمران) هذا طبع المسلمين في كل مكان ليس في قلب مسلم غلٌ لأحد لا مسلم ولا غير مسلم والله ما وجد اليهود ولا النصارى ولا الصابئين ولا الوثنيين ولا أي مِلّة أخرى أمناً وأماناً واحتراماً واختلاطاً كما وجدوا في بلاد المسلمين نحن الآن في العالم الإسلامي وقد فعل بنا الغرب ما فعل ومزقونا مزقاً وليس في قلب واحد منا غلٌ على أحد والجميع يعيشون معاً وبالعكس بيننا وبين إخواننا من المسلمين مشاكل وقتل وقتول وليس بيننا وبين الآخرين شيء كما شهد الله تعالى قال صحيح أنتم طيبون أمرتكم أن تؤمنوا بكل الأنبياء وبكل الرسالات والكتب لكن هذا لا يعني أن تسلموهم أمركم وتسمعوا كلامهم في كل شيء فهم لا يحبونكم (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ (١١٩) آل عمران) (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ (١١٩) آل عمران) فأنتم