تنتهي سورة الفاتحة بذكر المنعَم عليهم والمغضوب عليهم والضالين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (٧)) والبقرة تبدأ بذكر هؤلاء أجمعين، تبدأ بذكر المتقين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (١)) وهؤلاء منعَم عليهم ثم تقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٦)) تجمع الكافرين من المغضوب عليهم والضالين وتذكر المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (٨)) إذن اتفقت خاتمة سورة الفاتحة مع افتتاح سورة البقرة. ذكر في خواتيم الفاتحة أصناف الخلق المكلفين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (٧)) وذكرهم في بداية البقرة.
المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه والضالون لم يعلموا الحق وإنما ضلوا الطريق ويضربون مثلاً اليهود والنصارى، المغضوب عليهم منهم اليهود والنصارى. وفواتح البقرة تحدثت عن هذه الأصناف المتقين والكفار والمنافقين جمعت المغضوب عليهم والضالين يجمعهم الكفار.
*********************************************************
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الفاتحة للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى من برنامج لمسات بيانية ومن محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى من برنامج الكلمة وأخواتها وأخر متشابهات ومن برنامج ورتل القرآن ترتيلاً وقام بنشرها موقع إسلاميات جزى الله العاملين عليه خير الجزاء.. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أما الآية الأخرى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) أيضاً مكان (فكلوا منها حيث شئتم) المكان ثم قال (رغداً) بعد أن جمع المكانين والمعنى هنا ليس فيه إستثناء وإلا كان يقدّم، وإنما قال (وادخلوا الباب سجداً) إنتقل لموضوع آخر. هذه القرية مفتوح أمامكم جميع نواحيها للأكل الرغد، للأكل الهنيء، (ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً) جمع المكانين القرية وحيث شئتم ثم جاء بـ (رغداً) بعد ذلك. ولو قال رغداً حيث شئتم كأنه سيكون فاصل بين المكانين: القرية وحيث شئتم من دون داعي،
التوجيه الإعرابي لكلمة (رغداً): عندنا توجيهان من حيث الإعراب: بعض النحويين ابتكر مصطلح نائب المفعول المطلق لأن أصل العبارة: وكلا منها أكلاً رغداً، أكلاً مفعول مطلق ورغداً صفة للمفعول المطلق فلما حُذِف المفعول المطلق وبقيت صفته قال هذه نائب عن المفعول المطلق. ومنهم من قال لا، هي صفة لموصوف محذوف والموصوف مفعول مطلق. تستطيع أن تقول هي صفة لمفعول مطلق محذوف كأنك تبين غايتها وهدفها أنها تصف شيئاً أو تقول إنها نائب لمفعول مطلق.
في أواخر القصص قال تعالى:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨٥)) هذه نزلت في الهجرة والرسول - ﷺ - مهاجر، هو هاجر لأنه فُتِن هو وأصحابه، خرج مهاجراً من أثر الفتنة، وقال في آخرها (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧)) وقال في أول العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)) الآن هو - ﷺ - خرج مهاجراً من أثر الفتنة ولا يصدنك عن آيات الله من أثر الفتنة، (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)) كأن الخطاب كان موجهاً للنبي - ﷺ - ثم عُمم على الجميع. في أول العنكبوت قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)) وذكر في أواخر القصص فتنة قارون إلى أن قال (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١)) ذكر في القصص فتنة قارون وعاقبته وفي بداية العنكبوت قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)) كأنها إشارة إلى ما حدث قبل قليل في آخر سورة القصص.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
قال تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) الانعام) و(فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) محمد) و(فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) النساء) التوفي بوجود حدث كل الأفعال تدل على سحب الروح فالموت في (يتوفاهن الموت) سبب والملائكة في (توفتهم الملائكة) سبب ورسلنا إيضاح للملائكة. يبقى انقضاء الحياة بأحد طريقين إما بسبب خارجي فيكون قتلاً وإما بغير سبب خارجي فيكون الموت. (الموت مفارقة الحياة لا بسبب خارجي والقتل بسبب خارجي). علماؤنا اتفقوا على أنه مع عيسى ؟ لم يكن نوماً ونسبوا ذلك الى ابن عباس وهذا رأي القرطبي والطبري يذكران ذلك وهذا تصحيح فيما نقل عن ابن عباس لم يكن نوماً ولم يكن مفارقة حياة فهو صورة ثالثة لأن وجوده معجزة. وأسباب (ملك الموت، الملائكة، رسلنا، الموت) هذا كله وسيلة لقبض الروح لكن المتوفِّي الحقيقي هو الله تعالى الذي يتوفى الأنفس.
هل نفهم من الآية أن عيسى - عليه السلام - حيّ عند قراءة هذا التعبير القرآني: (متوفيك ورافعك)؟
قال لا تمش في الأرض ولم يقل على الأرض مع أنه قال في موطن آخر قال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (٦٣) الفرقان). (في) تفيد الظرفية و(على) للإستعلاء كأن هذا المختال يريد أن يخرق الأرض وهو يمشي كما قال تعالى (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ (٣٧) الإسراء) فالمختال يمشي في الأرض هكذا. أما عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً بوقار وسكينة وليس في الأرض كما يفعل أولئك. (على) تفيد الإستعلاء و(في) تفيد الظرفية قال تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ (٥) لقمان) (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٢٤) سبأ) فالهدى استعلاء، إستعلاء على السوء وعلى الشر وعلى السفاسف. لذها قال تعالى (في الأرض) لأنه فيها تكبر وخيلاء وفخر و(على) فيها استعلاء وهذه صفة عباد الرحمن. نلاحظ أن الأبنية في الآية كلها تفيد المبالغة (ولا تمش في الأرض، مرحاً) مرحاً حال جاء بها على وزن المصدر (مرح) هذا يفيد المبالغة إذا أتيت بالحال مصدراً فهو المبالغة قطعاً عندما تقول جاء ركضاً أبلغ من جاءك راكضاً وكما قال تعالى (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا (٢٦٠) البقرة) أبلغ من ساعيات لأن أخبرت عن الذات بالحدث المجرد كأنه ليس شيء يثقله من الذات أصبح حدثاً مجرداً. في الأرض مبالغة في المشي، ومرحاً مبالغة، ثم إنّ توكيد، ومختال فيه المبالغة من افتعل، وفخور مبالغة يعني كل أبنتيها وكل ترتيبها للمبالغة.
آية (١٩):
(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩))
عبارة (أولم يهد) تكررت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: في موضعين (أولم يهد) وفي موضع (أفلم يهد). وكلمة (ألم يروا) تكررت كثيراً سأشير إلى أعدادها بشكل سريع. لكن الملاحظ بصورة عامة أن عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك في غير القرآن العرب تستعملها بمعنى ألم يتبين لك؟، ألم يظهر لك؟ وألم تر، ألم يروا أيضاً بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب إشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي. هذا هو الأمر الذي يهيمن على الآيات في جميع المواطن التي وردت. عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير إستعمل (أولم يهد) من الهداية (أولم يهد لهم) لأن هذا الفعل فيه هذا المعنى، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما على الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر أن يتفكر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والإستدلال السريع. هذه القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى).
في النساء أيضاً ٥٩ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) النساء) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول لكن ليس وحده وأولي الأمر منكم أيضاً المرة الوحيدة رب العالمين جعل طاعتين طاعة لله وطاعة للرسول لكن طاعة الرسول مشترك هو وأولي الأمر. أطيعوا الله انتهينا وأطيعوا الرسول وأولي الأمر لأول مرة وآخر مرة يأتي الأمر بأن تطيع أولي الأمر مع طاعة النبي بالضبط من حيث أن طاعة هؤلاء أولي الأمر هي طاعة الرسول ﷺ. فهمنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فهمناها أيضاً فيما شرّع فيما أمر ونهى فرب العالمين كما جعل أن طاعة الرسول من طاعة الله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (٨٠) النساء) هنا من يطع أولي الأمر فقد أطاع الرسول (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) من هم أولي الأمر؟ طبعاً من الناس من يقول هم الحُكام وهذا ليس صحيحاً فالكلام يتكلم عن الشرع حلال وحرام (العلماء ورثة الأنبياء) ولذلك قليل من العلم خير من كثير من العبادة وأنتم تعرفون (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (٢٨) فاطر) والكلام طويل في هذا فرب العالمين يقول أطيعوا الله هذا انتهينا هنا طاعة جديدة بحقل خاص للرسول وأولي الأمر الذي له مسألة الفتوى الحلال والحرام. والسؤال من هم أولي الأمر؟ طبعاً التفاصيل كثيرة موجزها أصحاب الدليل (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (١٠٨) يوسف) يعني أرني دليلك وإلا كل واحد تعلّم آيتين وصار شيخاً ويُلحن كل وقت إن تلاها لا للعلم.
عندما تنصب اسماً في موضعين، الاسم ورد في ثلاث مواضع: الصابئون والصابئين: في موضعين جاء منصوباً وفي موضع جاء مرفوعاً. المفروض أن نقول لِمَ رفع هنا؟ ولا نقول أن هذا خطأ في القرآن. هذا الكلام ظلم وجهل بما عليه اللغة العربية. الآية (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)) المائدة هذه الآية حقيقة الكلام كان مع الرسول - ﷺ - في البداية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)) ثم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨)) (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)) هؤلاء الذين يؤمنون ويلتزمون بما أنزل على الرسول - ﷺ -. لِمَ رُفِعت؟ الذين آمنوا شأنهم منتهي نقول إن الذين آمنوا. هنا عندنا في اللغة أحياناً الخبر يُحذف إذا دلّ عليه دليل. تقول : من في المكتبة؟ محمد. هناك دليل يعني محمد في المكتبة. إما أن يسبق في السؤال وإما أن يأتي بعد ذلك. في الشواهد النحوية نقول: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف (يعني نحن بما عندنا راضون) من أين علِمنا؟ بما جاء بعد ذلك.
الآية (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ (١٥٢)) لو نهى وقال لا تسيئوا إليهما كيف ينهي؟ هذا لا يفي بحق الوالدين لأن الإساءة لا تنبغي وإنما ينبغي الإحسان، عدم الإساءة لا يقتضي الإحسان. منصوص الآية من حيث الدلالة وأحسنوا بالوالدين إحساناً لأن الوالدين لا يكفي في حقهما النهي عن الإساءة، عدم الإساءة إليهما هذا أمر مفروغ هذا لا يكفي وإنما عدم الإساءة والإحسان إليهما واجب. الأمر بعدم الإساءة أمر مفروغ منه لكنه لا يكفي عند الله. (وبالوالدين إحساناً) إحساناً مفعول مطلق وأحسنوا بالوالدين إحساناً مفعول مطلق لفعل محذوف، ولذلك كل القرآن لم ينهى وإنما يقول (لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (٨٣) البقرة) (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (٣٦) النساء) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (٢٣) الإسراء) (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (١٥١) الأنعام) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا (١٥) الأحقاف) لا يكفي أنه لا تسيء إليهما هذا لا يكفي، لو نهى كان يكون هذا في حقهما كافياً أن لا تسيء إليهما، لا هذا ليس كافياً في حقهما وإنما ينبغي أن تُحسن إليهما.
هذا سؤال قديم وأجبنا عنه في حلقات سابقة. السيئات هي الصغائر صغار الذنوب والذنب أكبر والخطيئة عامة. لماذا يستعمل مع السيئات التكفير والمغفرة مع الذنوب (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا (١٩٣) آل عمران)؟ قلنا السيئات الصغائر والذنوب الكبائر، التكفير في الأصل الستر وكفر الشيء أي ستر وأصلها كفر البذرة أي غطاها وسترها بتراب والليل سمي كافراً لأنه يستر الناس (لي فيك أجر مجاهد إن صح أن الليل كافر) من أسماء الليل الكافر لأنه يستر. نأتي إلى المِغفر هو الغفر والستر، المِغفر الآلة التي تتقي بها السهام في الحرب تحفظه. الليل كافر هل إذا ضربت أحدهم بالسهم هل سيحفظه الليل؟ لا لكن المِغفر يحفظه فلما كان الذنب أكبر يصيب الإنسان يراد له ستر أكبر والأخف يحتاج لأخف. عندما تكفر البذرة في التربة تحتاج حفرة صغيرة وتسترها لكن المغفرة أكبر. إذن الذنب هو أكبر من السيئة ولذلك يستعمل معه المغفرة لأنه لما كان أكبر احتاج لوقاية أكبر والخطيئة عامة قد تكون لأكبر الذنوب وقد تكون للصغائر. قال (حُط عنا خطايانا) الحط هو الإنزال من فوق (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (١٥٧) الأعراف) هذه أحمال وأوزار يحطها عنهم أي يضعها عنهم. الخطايا عامة تستعمل فيها كلها، السيئة صغائر والذنب أكبر، يستعمل كفر عنا سيئاتنا لأنها صغيرة ومع الذنوب يقول غفران.
*(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ (١٥٧)) لو وصفت رجلاً بأنه أمي لكان ذلك نقصاً فيه لكن الله في نظمه البليغ وقرآنه البديع جعل من هذه الصفة كمالاً وزيادة تشريف لشخص نبيّه الكريم عليه الصلاة والسلام. فأين وجه الكمال والتشريف في صفة الأميّة؟ ( ورتل القرآن ترتيلاً)
هذه السورة وسورة الشرح وسورة الكوثر سور مليئة بمحبة الله تعالى لرسوله الكريم وكأنها تعويض عن عتاب الله الرقيق لرسوله - ﷺ - في سورة عبس. وهي تتناول شخصية الرسول - ﷺ - وما أنعم الله تعالى عليه من النعم في الدنيا والآخرة (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ويتكرر فيها قوله تعالى (ألم يجدك) وكأنها إشارة للرسول الكريم بأن الله تعالى لا يمكن أن ينساك أو يقلاك وقد أنعم عليك بكل هذه النعم التي ذكرها من الإيواء والهداية والإستغناء (ألم يجدك يتيماً فآوى* ووجدك ضالاً فهدى* ووجدك عائلاً فأغنى). ثم أوصاه تعالى بثلاث وصايا مقابل النعم التي أنعم الله تعالى بها على رسوله - ﷺ - (فأما اليتيم فلا تقهر* وأما السائل فلا تنهر* وأما بنعمة ربك فحدّث) وقد أقسم الله تعالى بالضحى والليل إذا سجى وهما وقتان في منتهى الرقّة على النفس البشرية وقت الضحى وهو أول ابتداء النهار ووقت الليل إذا سجى أي أول وقت الليل وهو الوقت اللطيف من الليل وليس الوقت المظلم الموحش. فهذان القسمان مناسبان تماماً لطبيعة السورة الرقيق والمليء بالمحبة للرسول - ﷺ - والسورة كلها فيها من جمال اللفظ وروعة البيان ورقيق المعاني ما يدل على محبة الله تعالى للرسول - ﷺ - ولطفه وعنايته به.
*لمسات بيانية في سورة الضحى للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي استاذ الأدب في كلية اللغة العربية في جامعة الشارقة*
* ما هو سبب نزول سورة الضحى؟
كما يُذكر أنه انقطع الوحي أياماً فحزن الرسول - ﷺ - لذلك حزناً شديداً حتى قال قسم من المشركين ما نرى ربك إلا ودعك وقلاك. ودعك بمعنى تركك وقلاك بمعنى أبغضك وتركك.
*(وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢))*
*ما هي دلالة القسم في قوله تعالى (والضحى)؟
قسم ذهب إلى أن الصدقة غير القرض. قسم قال القرض هو تطوع والصدقة في الواجب. ربنا تعالى سمّى الزكاة صدقة لكن هي ليست مقصورة على الزكاة وإنما هي عبادة عامة (المال) ومنها الزكاة لكن قسم من الصدقة هو فروض كصدقة الفطر وبعض الصدقات كالكفارات هذه فروض والزكاة فرض. فقسم قال الإقراض المذكور هو من باب التطوع ولا يدخل في باب الفروض. المصدّقين قد يدخل فيها الفرض. وقسم قال القرض هو أعمّ من الصدقة يدخل في الفروض وغير الفروض. فإذا كان الأمر كذلك فهو من باب عطف العام على الخاص إذا كان القرض هو أعم من الصدقة (ما كان تطوعاً وغير تطوع) أي الصدقة في عمومها يصير أعم من الصدقة فعند ذلك إذا كان الأمر كذلك أي إذا كان القرض عموم الصدقة فتكون أعم من الصدقة فيكون من باب عطف العام على الخاص. وقسم يقول لا هي تطوع الصدقة هي في الفروض والقرض هو في التطوع والذي يبدو لي - والله أعلم- أن القرض في التطوع ويختلف عن الصدقة بدليل أنه فيما أظن أن القرض هو في صدقة التطوع نلاحظ أن القرآن الكريم يذكر القرض الحسن بعد الزكاة في مواطن وقد يأمر به بعد الأمر بالزكاة كما في قوله (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا (١٢) المائدة) ذكر الزكاة ثم ذكر القرض الحسن، الزكاة فرض فقال بعدها (وأقرضتم الله). وفي آية أخرى قال تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا (٢٠) المزمل) هذا أمر. يبدو لي أنه لما عطفها على الزكاة والزكاة فرض صار القرض من باب التطوع، من باب المندوبات وليس كل المندوبات فروض لكن علمنا أن الزكاة فرض وعطفها على الزكاة فلا يأخذ نفس الحكم لأنه ليس بالضرورة أن يأخذ المعطوف نفس الحكم خاصة في المندوبات فقد يكون عطف مندوب على فرض.