فلما قال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ) هذه الشريعة أرسلت لكم شريعة حاولوا كل واحد يطبق منها ما يستطيع (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴿١٦﴾ التغابن) وكل واحد على جهده وعلى قدره وعلى علمه وعلى نشاطه وعلى همته هذا إتّباع. حينئذٍ من أجل هذا نقول الفرق بين تبِع واتّبع في القرآن الكريم تبِع أنت كظل الشيء وأنت لا تكون ظل النبي إلا في التوحيد لا إله إلا الله لابد أن تكون مثل ظله، لكن إتّباع لا أين أنت وأين هو؟! كل ابن آدم خطاء وهذا معصوم وطبعاً النبي ﷺ تعرفونه لا داعي أن نشرح من أجل ذلك عليك أن تفهم لما رب العالمين مرة قال تبع ومرة اتبع هذا ليس عبثاً ولهذا المفسرون لا يقولون هذا يقولون اتّبع وتبِع وأتبع (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ﴿٧٨﴾ طه) أتبعهم كان متخلفاً فلحق بهم سبقوه ( أتبع السيئة الحسنة تمحها) يعني السيئة سبقت أسبوع أسبوعين شهر شهرين فأنت أتبعها بحسنة لو كن معها بالضبط أنت ما أن أذنبت حتى تبت وأنت على الذنب يقال تبِع لكن أنت الآن لا أتبعتها هذه من زمان سبقتك وحينئذٍ (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ) وحينئذٍ نقول بأن كلمة تبِع واتّبع وأتبع في القرآن الكريم كل واحدة تعطي معنىً دقيقاً وترسم جزءاً من الصورة لا ترسمه الكلمة الأخرى فعليك أن تعلم أن هذا المتشابه من أول ما ينبغي الانتباه إليه من قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴿٨٢﴾ النساء). وحينئذٍ هذا الذي نتدبره تتبين أن هذا القرآن لا يمكن أن يفعله مخلوق (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾ النساء) كيف يمكن بهذه الدقة في كل كلمة في كل تصريف في كل فعل في كل حركة في كل صيغة ترسم صورة ثانية هذا لا يقوله إلا رب العالمين على لسان نبي. (
محمد رسول الله عيسى رسول الله يقيناً موسى رسول الله، إياك أن تشك بلحظة بشعرة (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) لكن كيف أحيا سيدنا إبراهيم الطيور وكيف عزير أحيا ذلك الحمار وكيف رب العالمين خلق عيسى؟ هذه أمور إن عرفتها فبها ونعمت، ما عرفتها ما عليك شيء لكن لا ترتاب ما دام جاء بها نص صحيح أنت كن على يقين هكذا هو الفرق.
آية (٦١):
*(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) آل عمران) إن الفئة المجادِلة من وفد نجران كانت من الرجال البالغين فلِمَ جمع في المباهلة الأبناء والنساء ودُعوا إليها وكان يكفي أن يقال (وأنفسنا وأنفسكم)؟( ورتل القرآن ترتيلاً)
إن من ظهرت مكابرته في الحق وحب الدنيا علِم أن أهله ونساءه أحب إليه من الحق وأنه يخشى سوء العيش وفقدان الأهل ولا يخشى عذاب الآخرة لذلك طالبهم الله تعالى بإحضارهم وهذا يزرع الخوف في قلوبهم من إلحاق الأذى واللعنة بهم.
آية (٦٢):
* انظر آية (٦). ؟؟؟
*(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ (٦٢) آل عمران) لو قلنا: هذا القصص الحق لتمّ المعنى المراد فما فائدة دخول (إنّ) والضمير (هو) في قوله تعالى (إن هذا لهو)؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
دخول الحرف المشبه بالفعل (إنّ) يفيد تأكيد الجملة وقد زاد تأكيدها بدخول ضمير الفصل (لهو) الذي يفيد التوكيد والقصر وما ذاك إلا لزعزعة ثقة أصحاب المِلل بدينهم. فكأن الله تعالى يقول لهم إن هذا هو القصص الحق وحده لا ما تقصّه كتب أصحاب المِلل الأخرى وعقائدهم.
نقرأ الآية التي فيها ألفينا والتي فيها وجدنا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (١٧٠) البقرة) وفي الأخرى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٢١) لقمان) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (١٠٤) المائدة). آية ألفينا وآيتين وجدنا. في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إلا فيما هو مشاهد محسوس ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس من أفعال القلوب، قسم يدخلوه في أفعال القلوب وقسم يقولون لا ليس من أفعال القلوب وإنما في الأفعال المحسوسة المشاهدة. أفعال القلوب قلبية يستشعر بها. وهي فعلاً في القرآن لم ترد إلا مشاهدة. في هذه الآيات في القرآن (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (٦٩) الصافات) (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (٢٥) يوسف) (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (١٧٠) البقرة). (
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (٤٤) يس) عامة، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (٥٠) فصلت) عامة، قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (٢٨) هود)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (٦٥) الكهف) (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤) الأنبياء) (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة.
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) ولو شيء بسيط، السودان بلد فقير عانى من شظف العيش قروناً، طلع عندهم بئر بترول في دارفور قامت حقوق الإنسان والديموقراطية وجاء الغرب وتقاتلوا وألصقوا تهماً، هذا البئر لا يكفي قرية لكن هذا المس القليل من الخير يسوؤهم (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) السيئة الخفيفة لا يفرحون لكن لما يحصل لكم إبادة أو قتل أو طاعون، إبادة يفرحون أما الحسنة ولو شيء بسيط ولو شربة ماء ولو تصبكم سيئة بمقتل يفرحوا بها هذا الفرق بين تمسسكم وتصبكم وجاء تعالى بكلمة تمسسكم ليبين لنا أن من عدونا من يسوءه إذا شربنا شربة ماء أو عثرنا على بئر بترول واحد إذا جاءتنا مطرة خفيفة، إذا صار عندنا ثروة أو علماء أو علمنا وحدة خفيفة كما حصل بين مصر وسوريا قامت الدنيا وقعدت ولم يتوقفوا حتى أفسدوها (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) لكن هؤلاء نسوا أن الله غالب على أمره (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) آل عمران).
مداخلة: (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) والفرق بينها وبين (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) أعتقد والله أعلم أنه في (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (٧٩) النساء) الإصابة هي التعرض الكامل والإصابة هنا إصابة كاملة بالخير من الله لأن هذا الشيء لا ينقص من ملكه شيء والإصابة بالشر تكون من صنع الإنسان نفسه فلما تكلم عن المعبود والعبد التعامل بينهم أن الله تعالى يصيبكم بالخير ولا يبالي ولما كان العلاقة بين العبد والعبد فالمس مجرد المس بالخير يثير الغيظ والكراهية.
لكن الحديث هنا قبل تمام الخبر كأن تقول: إن زيداً وخالداً في المكتبة ولك أن تقول: إن زيداً وخالدٌ في المكتبة وهذا رأي جمهور الكوفيين في الحقيقة. أنت تستطيع أن تقول هناك جملة اعتراضية : إن زيداً في المكتبة وخالد في المكتبة. صار العطف قبلهم لكن أنا أميل الى قراءة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) قُريء والقراءة منسوبة الى ابن عباس وألى ابي عمر (وملائكتُه) معناه أن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون وعند ذلك نكون فصلنا صلاة الله تعالى عن صلاة عباده من الملائكة وغيرهم. هذا المعنى ممكن أن نفهمه حتى مع النصب وهو الذي نميل إليه حقيقة (إن الله وملائكتَه) إن الله يصلي وإن ملائكته يصلون هنا التأكيد مراد. الواو عاطفة وملائكته معطوفة على اسم إنّ وتكون منصوبة مباشرة والخبر يكون الخبر للثاني.
هذا ليس تشتتاً هذا كلام العرب هذا المعنى كيف تتحصل على هذا المعنى لو كان المضوع كله منصوباً لو الكلام في غير القرآن لو قال الصابئين بالنصب سيختلط الذين آمنوا بالذين هادوا والصابئين بينما نحن نريد لهم أن يكونوا كياناً مستقلاً له صفته. تغيّر الوجه الإعرابي دلالة على تغيّر المعنى. تقول إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بشرط كذا وكذا هذا الشرك لم تذكره مع الذين آمنوا لأنهم آمنوا فهي ليست مسألة تشتت.
*حكمة التقديم والتأخير:
الفرق بين قِيَم وقيّم، القيم مصدر مثل الصِغَر والكِبَر فعلها قام يقوم قِيَماً معناه الاستقامة (قِيَم على وزن فِعَل) مثل صِغَر وعِظَم، قِيَم معناها الاستقامة (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا) مستقيماً وليس فقط مستقيم وإنما مبالغة في الاستقامة هو الاستقامة بعينها. القيّم المستقيم صفة مشبهة في الكهف (قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ) القيّم صفة مشبهة مثل سيد وجيد وطيب وهين وليّن. صفة مشبهة بإسم الفاعل تفيد الثبوت، المعروف في الدراسات أنها صفة مشبهة لكن القدامى يسموه الصفة المشبهة بإسم الفاعل لأنها مشبهة من حيث العمل لأنها ترفع فاعل. إذن قيّم صفة مشبهة والقِيَم مصدر، القيّم معناه المستقيم والقِيَم معناه الاستقامة. القِيَم هو المصدر معناه الاستقامة والقيّم مستقيم صفة مشبهة وقسم قال مبالغة قيّم معتدل لا إفراط ولا تفريط أو قيماً على سائر الكتب شاهداً لصحتها ناسخاً لها وتقول هذا قيم على مصالح العباد يتولاهم والقيم الكامل المكمل لغيره والقيم السيد القيّم من يسوس الأمر، كل هذا قيّم في اللغة. فلما قال أنزل الكتاب قال قيّماً يعني هو مستقيم وقيّم على الكتب وقائم على مصالح العباد، في الآية (قِيَم) وصفه بالمصدر للدلالة على استقامته يعني هو الاستقامة بعينها.
قلنا في أكثر من مناسبة أن الآية يجب أن توضع في سياقها لتتضح الأمور والمعنى والمقصود: آية البقرة في مقام التكريم تكريم بني إسرائيل، بدأ الكلام معهم بقوله سبحانه (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧) البقرة) العالمين هنا أي قومهم في زمانهم وليس على كل العالمين الآن واستعمل القرآن العالمين عدة استعمالات (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠) الحجر) يعني فضلناكم على العالمين في وقتهم وليس كل العالمين. إذن السياق في البقرة في مقام التكريم يذكرهم بالنعم وفي الأعراف في مقام التقريع والتأنيب. هم خرجوا من البحر ورأوا أصناماً فقالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة وعبدوا العجل وهذا لم يذكره في البقرة وانتهكوا حرمة السبت ورد في سياق آخر غير سياق التكريم وإنما في سياق التقريع والتأنيب وذكر جملة من معاصيهم فالسياق اختلف. قال في البقرة (وإذ قلنا) بإسناد القول إلى نفسه سبحانه وتعالى وهذا يكون في مقام التكريم وبناه للمجهول في الأعراف للتقريع (وإذ قيل لهم) مثل أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب، أوتوا الكتاب في مقام الذم. قال (ادخلوا القرية فكلوا) في البقرة فكلوا الفاء تفيد الترتيب والتعقيب يعني الأكل مهيأ بمجرد الدخول الأكل موجود ادخلوا فكلوا أما في الأعراف (اسكنوا وكلوا) الدخول ليس سكناً فقد تكون ماراً إذن الأكل ليس بعد الدخول وإنما بعد السكن، ولم يأت بالفاء بعد السكن أما في البقرة فالفاء للتعقيب الأكل بعد الدخول وأتى بالفاء. (وكلوا) الواو تفيد مطلق الجمع تكون متقدم متأخر، ففي البقرة الأكل مهيأ بعد الدخول أما في الأعراف فالأكل بعد السكن ولا يدرى متى يكون؟ الأكرم أن يقول ادخلوا فكلوا.
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (٨)) هذا هو الترتيب الطبيعي في الحياة. اليتم يقال لمن فقد والديه او احدهما وهو دون سن البلوغ فاذا بلغ انتفت عنه صفة اليتم. واذا بلغ دخل في سن التكليف الشرعي فهو يحتاج الى الهداية ليتعلم كيف يسير في الحياة قبل ان يكون فقيرا او غنيا وكيف يجمع المال الحلال لأن كل مال جمع من غير طريق الهداية هو سحت ثم تأتي العيلة وهي امر آخر بعد البلوغ من الناس من يكون فقيرا او غنيا وعلى الاثنين ان يسيرا وفق التعاليم التي تعلماها بعد البلوغ مباشرة وهذا طبيعي ويمر به كل الخلق فهذا هو التسلسل الطبيعي في الحياة. لذا فقد بدأ سبحانه بالحالة الاولى (اليتم) ثم اذا بلغ تأتي الهداية في المرتبة الثانية، وثالثاً العائل والغني يجب ان يسيرا على الهداية.
*فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)*
القهر في اللغة هو التسلط بما يؤذي ولا تقهره بمعنى لا تظلمه بتضييع حقه ولا تتسلط عليه او لا تحتقره او تغلب على ماله. كل هذه المعاني تدخل تحت كلمة القهر.
السائل اختلف المفسرون فيها فقال بعضهم هو سائل المال والمعروف والصدقة ومنهم من قال انه سائل العلم والدين والمعرفة وقسم قال انه مطلق ويشمل المعنيين. فسواء كان السائل سائل مال وصدقة او سائل علم ومعرفة يجب ان لا ينهر مهما كان سؤاله. لا يصح ان يزجز او ينهر سائل المال او سائل العلم والدين. اذا كان سائل مال اعطيناه او رددناه بالحسنى وسائل العلم علينا ان نجيبه ونعلمه امور الدين.
في مواطن الحُب تتأخر الأموال (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤) التوبة) هذه في المحبة ولا يمكن أن يرقى المال إلى محبة الأولاد. المال في خدمة الأولاد ويتركه لهم. فحينما يقدّم يكون حسب الموضع. في الانشغال يقدّم المال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (٩) المنافقون) لأنه يشتغل بها كثيراً أما الأولاد أقل وإن كانوا في ميزان الآباء أثقل لكنه سيرحل ويترك الأموال لهم. وختم بالأولاد وهذه هي مراحل الحياة وأطوارها أجملها ربّنا تعالى وهي أطوار الناس في الحياة ثم صوّرها بقوله تعالى (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
* هل هناك ترتيب مقصود لذاته في هذه الآية؟


الصفحة التالية
Icon