هنالك أكثر من تعبير أشكل عليّ وكنت أحلّه، لكن الذي أشكل عليّ مدة طويلة أكثر من سنة ونصف وربما سنتين هو قوله تعالى (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) من حيث التأليف والتركيبة البيانية. عدة أسئلة دارت في الذهن في حينها هو قال (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) لماذا لم لا يخافون كما قال لا هم يحزنون؟ (لا خوف عليهم) بالإسم و (ولا هم يحزنون) بالفعل؟ لماذا هذه المخالفة؟ ولم يقل مثلاً لا خوف عليهم ولا حزن؟ ثم لماذا خصص الحزن بتقديم (هم) (ولا هم يحزنون)؟ لماذا لم يخصص الخوف قال ولا عليهم خوف مثلاً؟ قدّم (هم) في (ولا هم يحزنون) لماذا لم يقل لا عليهم خوف ولا هم يحزنون؟ ثم (لا خوف عليهم) الإسم مرفوع وهنالك قراءة لا خوفَ بالفتح فلماذا فيها قراءتين؟ إذا كان مقصود نفي الجنس فلماذا فيها قراءتين؟ هذه كانت أسئلة شغلت ذهني كثيراً.
يعني نحن الآن عندنا القضاء في العالم العربي خاصة هذه الذي يسمونها محاكم الثورة يعني لما تقوم انقلابات وتصير جمهورية ويأتوا بحكام يحاكمونهم عار على جبين الأمة جمال سالم في عهد عبد الناصر هذا لما حاكم أفراد العهد السابق والمهداوي في العراق ومعروف في كل الجمهوريات لما يصير رئيس الجمهورية يأتي بمحكمة مضحكة قذرة وسخة من أخس الناس حشاشين سكارين لا يساوون حذاء ويجعل منهم قضاء ويعدم وجبة وجبتين ثلاثة عشرة عشرين من خيار القوم ضباط وقادة ومهندسين وأطباء هذا قاضي (من ولي القضاء ذبح من غير سكين) فرب العالمين فقط لأن النبي ﷺ كأنه وجد هوىً أن هذا المسلم ولم يكن يعرف أن هذا منافق جاءوا الناس وأسلموا وبعدين قالوا يا رسول الله هذا الدرع لم نسرقه طبعاً هو كان سارق طعمة بن أبيرق هو الذي سرق وقالوا أنه اليهودي هو الذي فعل كذا واليهود فعلوا بنا وسرقوا ولشدة عداء اليهود النبي ﷺ لم يكن عنده رد فعل مباشر كأنه سكت حتى يشوف بعدين كيف يحكم بينهم وبالتأكيد أن الله اطلع على النبي ﷺ ربما وجد هوىً أن التهمة تكون على هذا اليهودي وليس على هذا المسلم فرب العالمين قال له أولاً هؤلاء منافقين وفعلاً لما النبي ﷺ حكم عليهم انهزموا وارتدوا عن الإسلام وماتوا كفاراً نعوذ بالله المهم أين؟ فرب العالمين لحبيبه المصطفى ﷺ لأنه ما تعمد الإٍساءة قال له (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من باب العظة أنك أخطأت أنك أنت كان عليك أن تفعل العكس كذلك لما أنتم تحبون اليهود (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ). إذاً لما يكون هنالك هاء فيها أنك أخطأت.
السياق والمقام هو الذي يحدد. في سورة الحج (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤)) وفي الزمر (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (٥٤)) إذا كان المقام في مقام التوحيد يُقدِّم وإذا لم يكن في مقام التوحيد لا يقدم إلا إذا اقتضى المقام. قال تعالى في سورة الحج (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) في مقام التوحيد والنهي عن الشرك فخصص وجاء التقديم للقصر حصراً. هناك دلالات للتقديم والتأخير في البلاغة في اللغة العربية. التقديم في آية الحج للحصر حصر التسليم لله فقط، (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا (٢٩) الملك) عليه توكلنا حصراً وقال آمنا به ما قال به آمنا، مرة يؤخر الجار والمجرور عن الفعل ومرة يقدم في آية واحدة، لو آمن الواحد بالله حصراً ولم يؤمن بغيره لكفر لأن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لا يصح أن يقال (به آمنا) من الناحية اللغوية لأنه إذا كان يؤمن بالله فقط يكون كفر بما عداه، التقديم على العامِل في الغالب يفيد الحصر إلا إذا كان المقام يدل على غير ذلك بمعنى السياق المتحدث عنه ولذلك التوكل على الله حصراً فقال (وعليه توكلنا) قدم الجار والمجرور أما الإيمان فليس منحصراً بالله فإذا قال أحد أؤمن بالله ولا أؤمن بالرسل هذا كفر، كفار قريش يؤمنون بالله لكن لا يؤمنون بالساعة ولا بالرسل (إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى) (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) لا يؤمنون بغير الله (ما أنزل الله على بشر من شيء). لما نسمع قوله تعالى (آمنا به وعليه توكلنا) يفهم أن هذه لها دلالة وتلك لها دلالة والعرب تفهم هذا الكلام لأنها لغتهم. (
وفي الآية (الله خيرٌ حافظاً) في سورة يوسف تعني أن حفظة الله تعالى خير منكم بدليل قوله تعالى (ونرسل عليكم حفظة) فكأنه تعالى قارن بينهم (بين إخوة يوسف) وبين حفظة الله (والتمييز أقوى من الحال) لسبب أن الحال قيد لعاملها كأنه خير فقط في هذه الحال من حالة الحفظ أما في التمييزفهي أقوى. ولو قال الله خيرُ حافظٍ فهي تدلّ على أن الله هو الحافظ.
سلامُ قولاً من رب رحيم: قولاً مفعول مطلق.
كبُرت كلمةً: تمييز (الفاعل مفسّر بتمييز بمعنة كبرت الكلمة كلمة).
تبسّم ضاحكاً: حال مؤكدة (إسم فاعل).
آية (٦٥):
*(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) يس) (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) فصلت) ما اللمسة البيانية في اختلاف ختام الآيتين؟ ولماذا قالوا لجلودهم وليس للسانهم مثلاً؟ ولماذا تشهد الجلود دون باقي الأعضاء؟
الكفل أصله في اللغة هو الثوب الذي يدار ويجعل على شكل حلقة ويوضع على سنام البعير لأن السنام لا يمكن أن يجلس عليه فيديرون ثوباً يضعونه على السنام حتى يجلس عليه الراكب أو يضعه خلف السنام فيستقر ويجلس عليه هذا أصل كلمة الكفل ولذلك هو يمثل تغطية جزء من ظهر البعير فقالوا هو كالنصيب لأنه يغطي جزءاً منه الصورة عندما يقول هذا جزء وهذا جزء. صورة الجزئية مع النصيب صورة ظاهرة بارزة وصورة الجزئية مع الكفل صورة مختفية مخفية مجلوس عليه لذلك نجد أن كلمة النصيب تستعمل في الخير وفي الشر: له نصيب من الخير وله نصيب من الشر بحسب السياق. كلمة الكفل استعملها في الشفاعة السيئة لأن هذا النصيب هو لا يريد أن يبرزه، أن يظهره، كأنه يخجل منه، يستحي منه فما استعمل النصيب هذا البارز لأن مع السيئة سيئة يريد أن يتستر لكن له منها برغم تستره لأن عامل السيئة لا يعملها جهاراً نهاراً إلا إذا كان سفيهاً والعياذ بالله وكان المجتمع يرخص له بذلك والعياذ بالله.
فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (الأنعام) الإيمان ومشتقاته ورد ٢٤ مرة والتقوى وردت ٧ مرات. بينما في سورة الأعراف (فمن اتقى أصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ورد الإيمان ومشتقاته٢١ مرة والتقوى ١١ مرة.
(فأصابهم سيئات ما عملوا) في سورة النحل تكرر العمل ١٠ مرات والكسب لم يرد أبداً. أما في سورة الزمر (فأصابهم سيئات ما كسبوا) تكرر الكسب ٥ مرات والعمل ٦ مرات.
(فلما أتاها نودي يا موسى) (طه) تكرر لفظ الإتيان أكثر من ١٥ مرة والمجيء ٤ مرات بينما في سورة النمل (فلما جاءها نودي يا موسى) تكررت ألفاظ المجيء ٨ مرات وألفاظ الإتيان ١٣ مرة.
(إن الله غفور رحيم) (البقرة) تكرر لفظ الجلالة الله ٢٨٢ مرة والرب ٤٧ مرة ولم ترد إن الله غفور رحيم أبداً في سورة الأنعم، بينما في سورة الأنعام (إن ربك غفور رحيم) تكررت كلمة الرب ٥٣ مرة ولفظ الجلالة الله ٨٧ مرة ولم ترد في سورة البقرة أبداً إن ربك غفور رحيم
(فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الفاء في موضعها وهي ليست حرف عطف ولكنها جواب للذين (هي جواب شرط) ولا يُجاب عليه بغير الفاء أن جواب الشرط أو جواب اسم الشرط الذين يؤتى بالفاء ولا حرف غيرها ينوب مكانها.
(لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) تعبير في غاية العجب والدقة من الناحية التعبيرية والدقة ولا تعبير آخر يؤدي مؤدّاه. نفى الخوف بالصورة الإسمية ونفى الحزن بالصورة الفعلية كما خصص الحزن (ولا هم) ولم يقل لا عليهم خوف:
١. لا خوف عليهم ولم يقل لا يخافون كما قال لا يحزنون لأنهم يخافون ولا يصح أن يقال لا يخافون لأنهم يخافون قبل ذلك اليوم (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا) وهذا مدح لهم قبل يوم القيامة أما يوم القيامة يخافون إلا مَن أمّنه الله تعالى. كل الخلق خائفون (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت) لذا لا يصح أن يقال لا يخافون فالخوف شيء طبيعي موجود في الإنسان.
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الأنعام للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى من برنامج لمسات بيانية ومن محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى من برنامج الكلمة وأخواتها وأخر متشابهات ومن برنامج ورتل القرآن ترتيلاً وقامت بنشرها الأخت سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء.. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
***** في سورة البقرة (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) في الأعراف (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ) ما الفرق؟ كل واحد منا ذنوبه لا تحصى من ساعة ما بلغ في الخامسة العشرة إلى أن بلغ حتى المائة لا يمر يوم إلا وعنده خطيئة ما يمكن يمر يوم إلا وعندك خطيئة حتى لو أنك اغتبت أحداً بمزحة ما معقول ليس هناك واحداً عنده جار جائع وما أنصفه ما معقول لم تتكلم مع أبويك بغلظة بسيطة ما معقول ما أسأت إلى زوجتك أو أهلك لا بد أن يكون عندك ذنب فذنوبنا كالرمل لكن كل واحد منا في حياته ذنوب يئن منها ليل نهار وعندما يموت يتذكر قتل فلان ويوم من الأيام كفر ويوم من الأيام أكل مال فلان ويوم من الأيام لم يصلي ويوم عق والديه هذه الكبائر التي هي مفاصل ومعالم على طريق العمر. كل واحد منا نحن عندما نقرأ عن الخلفاء مثلاً والملوك العرب وكل الملوك خاصة إذا كان هو يخاف الله ويؤمن باليوم الآخر عند الفراش يئن من ذنب فعله يعني مثلاً معاوية وهو يموت كان يئن ويقول (وليلي منك يا حجرٌ طويل) يبكي لماذا؟ حجر بن عدي ما عمل شيئاً وكان رجلاً صالحاً يسمى زاهد الصحابة غضب عليه معاوية دفنه وهو حيّ حتى بعد ذلك ندم ندماً عظيماً لكن لا ينفع الندم فكان يبكي ساعة الاحتضار. وهكذا كل من له ذنوب كبيرة حينئذٍ يذكرها ساعة الاحتضار إذا ما تاب عنها.
ونرى في سورة الزلزلة قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)) استعمال أخبارها مناسب للسورة لأن هذه هي الأخبار والأنباء ما هو أعظم. وقد ذكر تعالى الزلزلة في السورة ويوم القيامة سيكون هناك أحداثاً أعظم من الزلزلة فالزلزلة تحدث كل يوم ونشاهدها أمامنا. وفي القرآن كلما ذكر الزلزلة قدّم كما في قوله (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١)) أما في الأحداث الأخرى فيؤخّر كما في قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (٦) التكوير) (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) الانفطار) ولم يقل (إذا الأرض زلزلت) لأن مشهد الزلزلة مُشاهد موجود صحيح أنها أكبر يوم القيامة من كل زلزلة لكنها مُشاهدة أما في الأحداث الأخرى التي لم تحصل أمامنا فلم نر أبداً النجوم انتثرت ولا البحار سجرت ولا السماء انشقت ولا القبور بعثرت ولا غيرها ولم نشاهدها. إذن هناك أمور أعظم من الزلزلة يوم القيامة وأسأل هل تكوير الشمس وبعثرة القبور أعظم أم الزلزلة؟ بالطبع الأولى أعظم فهذه هي الأخبار فكيف بأنباء الساعة؟ وقال تعالى (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥) الواقعة) (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (١٤) الحاقة). وقال تعالى في سورة الزلزلة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)) واستعمال مثقال ذرة هنا مناسب جداً للآية لأنه ليس هناك أقل من مثقال ذرة فذكر الأقل فكيف لِما هو أعظم؟ مثقال الذرة أنسب للأخبار فكيف بأنبائها ؟ وهذه إشارة للعربي هذه هي الأخبار فكيف هي الأنباء؟.
ذكر مآل الزرع الذي خرج بالغيث حتى يخرج منه إلى تشبيه الحياة الدنيا كيف هي بعد أن ذكر أنه يُعجِب الكفار نباته ذكر ما سيؤول وذكر النتيجة حتى ينتقل منه إلى الآخرة. قال (ثم يهيج) يتحرك أول مرة ثم ييبس، هاج تأتي بمعنى يبس وتأتي بمعنى تحرك في النمو ثم يبس، هاج الزرع تأتي في اللغة بمعنى يبس الزرع وفي القرآن. يبس فتراه مصفراً. لكن بالنسبة للسؤال (فتراه مصفراً) الإسناد يختلف عن يهيج ويكون حطاماً ما قال ثم يكون مصفراً هذا يدلنا على زوال الزينة لأن الزينة تتعلق بالناظر لأنه قال قبلها (وزينة) لما قال فتراه مصفرّاً أي زالت الزينة بالنسبة للناظر لأن الزينة تتعلق بالناظر وإلا لماذا يتزين؟ لذا قال (فتراه مصفراً). الخطاب موجّه لكل سامع ولكل ناظر (فتراه مصفراً) كما قال تعالى (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) الحجر) لأن الزينة تتعلق بالنظر لذلك الأعمى لا يرى الزينة فالزنية ليست للعُمي وإنما للمبصرين. (فتراه مصفراً) أي الزينة زالت لأنه علّقها بالرؤية لأن الزينة تتعلق بالرؤية. ولم يقل وتراه حطاماً أنت تراه حطاماً لكن أحياناً الذي تراه أنت حطاماً له قيمة كبيرة والقيمة لا تتعلق بالرؤية لكن الزينة تتعلق بالرؤية. أنت قد ترى حطاماً لكنه قد يكون ثميناً جداً وقيمته عالية لا تقدر الأمور بما ترى. الحجر الصناعي أجمل من الطبيعي لكنه ليس أغلى منه هذا الأمر لا يتعلق بالرؤية. هذا يكون حطاماً وليس تراه حطاماً إذا رأيته حطاماً هذا لا يتعلق بقيمته لأن الرؤية لا تقدّر القيمة وإنما تقدّر الزينة، قد يراه حطاماً وفيه فائدة كبيرة أنت تراه هكذا ولكنك لا تحسن تقديره. (ثم يكون حطاماً) أي أصبح حطاماً لا فائدة فيه ولا يتعلق برؤيتك له وتقديرك، رؤيتك تتعلق بالزينة.