نلاحظ أيضاً أن كلمة شفاعة جاءت منكّرة الشفاعة في القرآن تأتي عادة معرّفة (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿١٠٩﴾ طه) حينئذٍ الشغاعة هناك معروفة شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، لما نكرها قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) الشفاعة المنكّرة يعني أن هناك شفاعات متعددة وأنواع متعددة من الشفاعات وهذه معروفة الشفاعات في الإسلام كثيرة أهمها وأعظمها وأكرمها وأوفاها الشفاعة الكبرى شفاعة النبي ﷺ (شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي) (قم يا محمد فاشفع تشفع) هذه الشفاعة الكبرى ولكن هناك شفاعات إلى جانب هذه الشفاعة. النبي ﷺ يقول للشهيد شفاعة إذا مات شخص وهو شهيد يشفع لسبعين من أهل بيته، هناك المُسِنّ المؤمن إذا بلغ المؤمن تسعين عاماً يعني مات بعد التسعين شفعه الله في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار، العالم العامل يشفع في عشرة من أهل بيته، الزهراوان البقرة وآل عمران يشفعان، رمضان يشفع، قيام الليل القرآن الكريم يشفع وهكذا شفاعات كثيرة فرب العالمين لما قال نكرة قال (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) أيّ شفاعة كانت من الشفاعات لا تنفع من لا يتقي ذلك اليوم ولا يحسب له حساباً ولا يعمل له وإنما يكون كل همه في الدنيا كما هم بنو إسرائيل عموماً. الخطاب لبني إسرائيل بنو إسرائيل أبصر الناس بالحياة ما من أحد بصير بالحياة كبني إسرائيل وهذا شيء معروف والتطبيق العملي أمام أعيننا جميعاً كما هم الآن في العالم يحكمون العالم كله ما من بقعة ولا دولة في العالم إلا ولليهود عليها دالة.
رب العالمين يرى الجميع ولكن بعض العباد المتهمين وكلنا متهم يوم القيامة أبداً (كل ابن آدم خطاء) لكن ما قال ولا ينظر إليهم لماذا علماء السوء علماء الأديان جميعاً علماء السوء الذين حرفوا وأضلوا جمهورهم جعلوا من اليهود مشركين العزير ابن الله وجعل قسم من النصارى مشركين قالوا المسيح ابن الله وجعل من المسلمين مشركين وطائفيين وحزبيين وناس تقتل ناس لماذا؟ لأنهم كتموا ما أنزل الله ناس بسطاء أميين بسطاء جداً يثقون بهذا العالِم بهذا المجتهد وإذا هذا الرجل لقاء المال القاسم المشترك بين كل الذين يحرفون وينحرفون بالأديان بالمال الطمع بالمال كما قال الله تعالى عن صدّيق موسى عليه الصلاة والسلام (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿ ١٧٥ ﴾ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ﴿ ١٧٦ ﴾ الأعراف) أخذ مال ويضل هذا ويضحك على هذا وقسمهم وكان يفتي فتاوى كاذبة لكي يرضي هؤلاء ويرضي أذواقهم وأمزجتهم مع أنها أكاذيب حتى قسمهم أنواعاً وأشكالاً وأحزاباً وفئات كما هو الحال عند النصارى وعند المسلمين وهذا ما نعاني منه اليوم كل الفئات والطوائف والأحزاب والمذاهب التي خرجت عن هذا الدين أخرجها واحد عالم واحد متخصص بتوجيه الناس دينياً سميه ما تسميه كل الفرق التي ملأت الأرض فساداً وكفراً وشركاً ودماءاً وقتلاً إنما أضلها واحد عالم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ) ولا ينظر إليهم لماذا؟ الذين يكتمون ما أنزل الله ما فيها هذه العقوبة بينما (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ) يعني يكذب إذا
الآية الكريمة قوله تعالى (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ذكرنا بعض الأمور التي تتعلق بالآية فيما سبق ووقفنا عند قوله تعالى (فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا). ربنا تعالى في آية سابقة في السورة نفسها قال (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)) (كنتم تعملون) هذا الماضي المستمر، كان يعمل مستمر، كنتم تعملون أي كنتم مستمرون على العمل في الماضي يسمى الماضي المستمر و(عملوا) هذا الماضي المنقطع. هناك أكثر من ماضي وأنواعه متعددة لكن في الآية (بما كنتم تعملون) بالماضي المستمر وهذه الآية بالماضي المنقطع (بما عملوا). السبب كما ذكرنا أكثر من مرة أن السياق يحدد المسألة، في الآية السابقة ذكر استكرار المجاهدة (وإن جاهداك) واستمرار المصاحبة بالمعروف (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) واستمرار الإتباع اتباع المنيبين إليه (واتبع سبيل من أناب إليّ) ثم قال (ثم إلي مرجعكم) و (ثم) تفيد المهلة والتراخي، هذه الأمور تحتاج إلى استمرار عمل، هنا ليس فيها استمرار عمل (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا) ما ذكر أموراً فيها دلالة على استمرار العمل لكن المصاحبة والمجاهدة واتباع سبيل المؤمنين ثم إلي مرجعكم أما هنا ما قال (ثم) فيها أصلاً إذن هناك سياق الآية يدل على استمرار العمل قال بما كنتم تعملون جاء بالماضي المستمر وهنا ليس فيها استمرار عمل فقال بما عملوا فإذن هذه مناسبة لهذا الموضع وتلك مناسبة للموضع الذي وردت فيه.
أقول والله أعلم أن المشكلات بين الزوجين وأحداث الطلاق أو الوفاة قد تؤدي إلى أن يحيف أحد الزوجين على الآخر وقد يؤدي هذا إلى ظلم الآخر والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فأمر الله تعالى بالصلاة حتى لا يحيف أحدهما أو يظلم الآخر ويذكّره بالعبادة. وقد ينتصر أحد الزوجين لنفسه فأمره الله تعالى بالصلاة حتى لا يقع في ذلك. ونذكر أن الله تعالى أمر بالصلاة في أحداث أكبر من ذلك عند فقد الأمن وفي حالة الخوف أمر تعالى بالصلاة أيضاً (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١) النساء). وكذلك الأمر بالصلاة بين آيات الطلاق لها سببين أولاً حتى لا ينشغل الزوجين بالمشكلات العائلية عن الصلاة فيتركوها والثاني لئلا يحيف أحدهما على الآخر..
آية (١٠٢):
*انظر آية (٢٣). ؟؟؟
*(وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ (١٠٢) النساء) الأمر الطبيعي للمجاهد أن يكون مستلاًّ سلاحه حاملاً له فكيف جاء الأمر للمجاهدين بأخذ السلاح حين شروعهم بالصلاة مع أن الأمر أُريد به النهي عن طرح الأسلحة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عبّر الله تعالى عن عدم طرح الأسلحة للمجاهدين حين يشرعون بالصلاة بقوله (وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ) للإيذان بضرورة الحذر من الكافرين وللتنبيه على ضرورة اليقظة وعدم التساهل في الأخذ بالأسباب.
*(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً (١٠٢) النساء) شأن كل محارب أن يمتنى الغفلة من عدوّه فلِمَ خصّ الله تعالى ودّهم في هذا الموقع؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
الله تعالى أطلقها لأنها مرتبطة بنوع الصيد وبذوي العدل سيقرران ثمن الصيد نشتري طعاماً بكذا ونوزعه على المساكين أو عدل ذلك صياماً يقدران هذا الصيد لو أطعمنا مساكين كم مسكيناً نطعم؟ كذا مسكيناً إذن نصوم كذا يوم. ترك الأمر ليس له وإنما لغيره وفي الآية الأخرى الأمر له وهذا هو الفارق حقيقة.
آية (٩٢):
*لماذا يرد في القرآن أحياناً أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحياناً أخرى يرد وأطيعوا الله والرسول؟(د. فاضل السامرائى)
كلمة الملك والملكوت كلمتان من اشتقاق واحد من الميم واللام والكاف من ملك وعندنا قاعدة في اللغة كما يذكرها علماؤنا أن زيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى. فبصورة أولية كلمة الملكوت هي أوسع من كلمة الملك وبهذا المعنى استعملت في القرآن الكريم فعندما نأتي إلى قوله تعالى (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ١٨٥ الأعراف) عطف الخلق العام (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) كله داخل في ملكوته فالعطف هنا هو من عطف الخاص على العام فكل ما خلق هو داخل ضمن عموم كلمة الملكوت. والملك والملكوت كله لله سبحانه وتعالى ولذلك في الآية الكريمة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿١٠٧﴾ البقرة) له وقدم للحصر ملك السموات والأرض لله سبحانه وتعالى. الفارق أنه يمكن أن يعطي من ملكه جلت قدرته لعبيده يتصرفون فيه من سلطان أو مال فكل ما في الكون هو ملك لله سبحانه وتعالى فيعطي لهؤلاء العبيد وهو لا يخرج من ملكية الله سبحانه وتعالى بل هو باقٍ ويستعمله عبيده على سبيل العارية المردودة والمسترجعة فله ملك السموات والأرض.
ثم هنالك أمر (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)) كان يمكن أن يقال وتواصوا بالحق والصبر أو تواصوا بالحق وبالصبر لكنه قال وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر بتكرار الفعل وحرف الجر لأهمية كل واحد منهما وهذه أعلى الاهتمامات. هذه آكد من تواصوا بالحق والصبر وآكد من تواصوا بالحق وبالصبر (ذكر الباء ولم يذكر الفعل) فهذه المرحلة آكد (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) هذه آكد حالة. هذا ليس مجرد تكرار في القرآن وإنما يحمل دلالة مؤكدة.
*في آية سورة العصر ذكر التواصي وفي موطن آخر في سورة التين لم يذكر التواصي (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فما دلالة هذا؟
في سورة التين فيما ينجي من دركات النار فقال (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (٦)) هذا يكفي للخروج من دركات النار. هذا الحد الأدنى الذي يخرجه من دركات النار ويدخله الجنة لكن لا ينجيه من خُسر. كان ممكن أن يحصل عليه أكثر. هذا إن ترك شيئاً خسر شيئاً قطعاً إن ترك التواصي بالحق أو خسر التواصي بالصبر خسر شيئاً فالتواصي فيه حسنة إذن تركه فيه خُسر. في سورة التين ذكر الحد الأدنى الذي ينجيه من النار ويدخله الجنة، ما الذي ينجي من أسفل سافلين؟ الإيمان والعمل الصالح فليس هناك حاجة للتواصي.
*في العصر (وتواصوا بالحق) على ماذا هي معطوفة؟
معطوفة على الصلة وهذه كلها من الصلة، صلة الموصول (آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
*سورة العصر (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)) ثم يستثني (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)) بالجمع وليس بالإفراد لم يقل إلا الذي آمن؟
في الآية يدل على العلم والقدرة لما قال (إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) دل عل علمه وقدرته. نبرأها يعني نوجدها وهي أحد معاني الخلق. الخلق له معاني وقد ينسب إلى الإنسان تقول خلقت هذا الشيء كما قال عيسى (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ (٤٩) آل عمران) يأتي بمعنى التصوير. بمعنى من المعاني الخلق يعني الإيجاد. قال نبرأها بدل نوجدها. الله تعالى يستعمل إسم البارئ بمعنى الخالق. لم يقل من قبل أن تقع لأن هذه الآية تدل على العلم والقدرة: االعلم أنه في كتاب و (من قبل أن نبرأها) أي هو الذي أوجدها إذن دل على علمه وقدرته ولو قال من قبل أن تقع دل على علمه فقط ولا يدل على القدرة. نبرأها هو الذي أوجدها فيها علم وقدرة، علِم بها فدوّنها وأوجدها فيها قدرة. لو قال من قبل أن تقع لا تدل على القدرة وإنما على العلم فقط. لما قال من قبل أن نبرأها دل على العلم والقدرة وتدل على التوحيد إذا كان يبرأها كلها فأين الآلهة الأخرى التي يزعمون؟ يدل على القضاء والقدر لأنها مدونة في كتاب ويدل على التوحيد ونفي الشرك.


الصفحة التالية
Icon