ربنا تعالى قال في سورة البقرة (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وفي إبراهيم قال على لسان سيدنا موسى (إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أنجاكم ولم يقل هنا نجّاكم. هناك فرق بين فعّل وأفعل، نجّى يفيد التمهل والتلبّث والبقاء مثل علّم وأعلم، علّم تحتاج إلى وقت أما أعلم فهو إخبار، فعّل فيها تمهل وتلبّث. موسى - عليه السلام - يعدد النعم عليهم فقال (أنجاكم) فأنهى الموضوع بسرعة. كما قال (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (٥٠) البقرة)لأنهم لم يمكثوافي البحر طويلاً فقال أنجيناكم. حتى في إبراهيم قال (فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ (٢٤) العنكبوت)لم يقل نجّاه لأنه لم يلبث كثيراً في النار.
سؤال: عندما عدّد الله تعالى النعم على بني إسرائيل (إذ نجيناكم) معنى هذا أنه أمهلهم في العذاب فترة؟ هم بقوا فترة وهذا واقع الأمر أما سيدنا موسى - عليه السلام - حينما كان يعدد قال (أنجاكم) يعني خلّصكم منها.
سؤال : ربما يقول قائل حينما تأتي الآية (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)) تقولون إنها بَدَل وعندما تأتي الآية (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)) تقولون إن هذه غير تلك؟
هذا هو الفرق بين آيتين إحداهما جاءت عقوبة ثالثة والآخر ما جاءت وهي (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) هذا هو الأمر.
آية (٧٨):
*ما دلالة تكرار الكتاب فى قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) آل عمران)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لاحظ التكرار في هذه الآية فقد كرّر الله تعالى كلمة الكتاب مع أن النظم كان يستقيم لو قيل: لتحسبوه من الكتاب وما هو منه، ويقولون هو من عند الله وما هو من عنده، لكنه جاء بهذا التكرار لقصد الاهتمام بالإسمين: الكتاب ولفظ الجلالة وذلك يجرّك إلى الاهتمام بما يتعلق بهما من خبر.
*ما الفرق بين النفى ب(ما) و (لم)؟ (د. فاضل السامرائى)
إبراهيم سأل ربه (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) إذن لما قال فأمتعه قليلاً كان من دعاء إبراهيم لما قال (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) والرزق فيه تمتيع إذن هذه المسألة ليست متعلقة بالتبليغ وإنما هو طلب الرزق (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) الجواب (فأمتعه قليلاً) لأنه طلب الرزق فالجواب يكون فأمتعه قليلاً وهذه ليست في التبليغ أما آية لقمان ففي التبليغ (ومن كفر) والسياق مختلف تماماً. فإذن لما كانت الآية في التبليغ قال (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا) أما في آية البقرة ليست في التبليغ فقال (فأمتعه قليلاً). في لقمان قال (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ولم يقلها في البقرة أيضاً، هؤلاء في آية لقمان الكفار موجودين أما هؤلاء الذين قال فيهم الآية في سورة البقرة لم يخلقوا بعد هذا باعتبار ما سيكون هم ليسوا مخلوقين أصلاً قال (اجعل هذا بلداً آمناً) فكيف يقول فلا يحزنك كفره هم غير موجودين ويأتون بعده بقرون، أما في آية لقمان فهو معاصر لهم يبلغهم.
*في لقمان قال (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)) وفي البقرة قال (وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦))؟
الآية (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (١١٥) إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (١١٦)) إذن هذا المشرك أولاً شاقق الرسول - ﷺ - أي جعل الرسول في شق وهو صار في شق آخر وهذه يشاقق يقف عندها العلماء، يكون من جانب والرسول - ﷺ - يكون في جانب آخر كأنه في جانب من الوادي والآخر في جانب آخر من الوادي.
العلم هو الذي يجعلك أنت أهلاً للفتوى من أولي الأمر الذين أنت من ورثة النبي تحلل وتحرم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (٨٣) النساء) العلم وحينئذٍ أصحاب العلم هم الذين يملكون الدليل ويملكون البصيرة (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ (١٠٤) الأنعام) أدلة على التوحيد والفقه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (١٠٨) يوسف) وحينئذٍ العلماء الذين لهم حق الفتوى هو الذي يملك الدليل والفتوى مصيبة المصائب النبي ﷺ أول مفتي (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (١٢٧) النساء) الخ فمن يملك الدليل حجة على من لا يملك الدليل ولهذا إذا شاعت الفوضى وتصدى الجهلاء كما قال النبي ﷺ (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم وينزل الجهل) كل واحد تكلم كلمتين حلوين صار مفتي ويحلل ويحرم على أن الفتوى خطيرة يقول المصطفى ﷺ (أجرأكم على النار أجرأكم على الإفتاء) أصحاب النبي رضوان الله عليهم كنت تسأل الواحد عن سؤال يقول لك اذهب إلى فلان وفلان يقول لك اذهب إلى فلان وهكذا إلى أن تعود على الأول كانوا يتدافعونها لأنها المسؤولية الكبيرة من أفتاه فإنما اثمه على من أفتاه إذا أفتيت فتوى وعمل بها الناس وكانت خطأ بلا دليل ولا علم ولا أصول فقه ما عندك حجة على الله هوى اتبع الهوى كما فعل بلعم (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فكلهم يعملون هم في السليم وأنت الذي تذهب في النار لأن إثم هؤلاء في النهاية عليك.
الأسلوب الأخير:
الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (٦٠) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (١٢٤) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. إذن هذا الأمر العام ولذلك كل (جعل زوجها) بعد الخلق، نلاحظ في سورة النساء قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (١)) هذا في آدم وحواء، هذا خلق. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) الأعراف) هذه ليس آدم وحواء وإنما بعد، ذاك خلق وهذا جعل، جعل هذه زوج هذه. في سورة الزمر قال (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)) خلقكم من نفس واحدة آدم وهذا الأصل لكن جعل زوجة جعل فلان زوج فلان، (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و (جعل منها زوجها) الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال (جعل منها زوجها).
سورة مكيّة وكما سورة الضحى تتحدث عن مكانة الرسول - ﷺ - ومقامه الرفيع عند رب العالمين وعددت نعم الله تعالى على الرسول - ﷺ - وذلك بشرح صدره اتطييب نفس الرسول - ﷺ - بعد ما لاقاه في سبيل الدعوة من أذى ومشقة ومصاعب ومحاربة من قومه (ألم نشرح لك صدرك* ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك) كما تحدثت السورة عن إعلاء مكانة الرسول الذي يقترن اسمه مع اسم الله تعالى في الشهادة التي يكررها المسلمون مرات عديدة وبالصلاة عليه عند ذكر اسمه - ﷺ - (ورفعنا لك ذكرك). وكأن السورة كلها تطييب لخاطر الرسول - ﷺ - الذي عانى ما عاناه في سبيل الدعوة إلى الله ووحدانيته والإيمان به (فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا) واختتمت الآيات بأجما المعاني وهي تذكير الرسول - ﷺ - بالتفرغ للعبادة بعدما بلّغ الرسالة وفي هذا شكر لله تعالى على نعمه لأن النعم تستحق الشكر وشكر النعم تكون على قدر المنعِم وعطائه ونعم الله تعالى عظيمة لأنها من العظيم سبحانه فأهل هو أن يحمد وأهل هو أن يشكر ويُعبد حق العبادة (فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب).
**من اللمسات البيانية فى السورة**
* لماذا جاءت الآية (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧) الطلاق) وفى سورة الشرح قال تعالى (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦))؟(د. فاضل السامرائى)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤))
*نظرة عامة على الآية :
هذا وصف آخر للذين لا يحبهم الله تعالى والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون، (الذين يبخلون) هي ليست معطوفة على ما قبلها لأنه ليس هناك حرف عطف. على رأي جمهور النحاة هذه بدل لـ (كل مختال فخور) وعلى رأي بعض النحاة على أنها نعت، صفة. أصل التقدير خارج القرآن والله لا يحب الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل أي الذين وصفهم هكذا. سبب الاختلاف بين الجمهور والأخفش أنه عند الجمهور أن الصفة تطابق الموصوف تعريفاً وتنكيراً فلما قال (كل مختال فخور) هذه نكرة و(الذين يبخلون) معرفة فلا يجوز أن تعرب نعتاً لأنهما اختلفتا في التعريف والتنكير إختل الشرط. أحياناً البدل فيه معنى الوصفية. الأخفش يجيز أنه إذا كانت النكرة مخصصة موصوفة أن تعرب نعتاً لقوله تعالى (ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً) (الذي) صفة لما بعدها، إذا كانت النكرة مخصصة بشيء يمكن. (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) نكرة ومعرفة (الذي) صفة لمقام محمود وعلى رأي الجمهور يقول أنها بدل. يجوز قول وابعثه المقام المحمود وهذه ليس فيها إشكال.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) هذا وصف آخر لمن لا يحبهم الله فيبخلون بما آتاهم الله لا يكتفوا بأنهم يبخلون وإنما يأمرون الآخرين بالبخل ومن دواعي ذلك حتى لا يُذكَر أحدهم بخير ويتساوون لأنه إذا أنفق واحد قد يُذكر بخير وهو لا يريد أن يذكر أحد غيره بخير فيكونون سواء كما قال تعالى في المنافقين (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء (٨٩) النساء).
(ومن يتول) أي يُعرض عن الأشياء التي أمر الله بها فإن الله هو الغني.