؟ مناهج الحياة: (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضآلين).
وكل ما يأتي في كل سور وآيات القرآن هو شرح لهذه المحاور الثلاث.
تذكر سورة الفاتحة بأساسيات الدين ومنها:
؟ شكر نعم الله (الحمد لله)،
؟ والاخلاص لله (إياك نعبد واياك نستعين)،
؟ الصحبة الصالحة (صراط الذين أنعمت عليهم)،
؟ وتذكر أسماء الله الحسنى وصفاته (الرحمن الرحيم)،
؟ الاستقامة (إهدنا الصراط المستقيم)،
؟ الآخرة (مالك يوم الدين) ويوم الدين هو يوم الحساب.
؟ أهمية الدعاء،
؟ وحدة الأمة (نعبد، نستعين) ورد الدعاء بصيغة الجمع مما يدل على الوحدة ولم يرد بصيغة الافراد.
وسورة الفاتحة تعلمنا كيف نتعامل مع الله فأولها ثناء على الله تعالى (الحمد لله رب العالمين) وآخرها دعاء لله بالهداية (إهدنا الصراط المستقيم) ولو قسمنا حروف سورة الفاتحة لوجدنا أن نصف عدد حروفها ثناء (٦٣ حرف من الحمد لله الى اياك نستعين) ونصف عدد حروفها دعاء (٦٣ حرف من (اهدنا الصراط) الى(ولا الضآلين) وكأنها اثبات للحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، واذا قال: الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، واذا قال : مالك يوم الدين، قال عز وجل: مجدني عبدي، وقال مرة فوض الي عبدي، فاذا قال: اياك نعبد واياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فسبحان الله العزيز الحكيم الذي قدّر كل شيء. وقد سئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لماذا يقف بعد كل آية من آيات سورة الفاتحة فأجاب لأستمتع برد ربي.
إذن سورة الفاتحة تسلسل مبادئ القرآن (عقيدة، عبادة، منهج حياة) وهي تثني على الله تعالى وتدعوه لذا فهي اشتملت على كل اساسيات الدين.
وحكمته ويسألون أسئلة مشككة فيقولون مثلاً لو هداني الله لاهتديت أو أن الله يعلم المؤمنين من الكافرين في علمه الأزلي فلن يفيد المرء ما يعمل إن كان الله تعالى قد كتبه في النار وهذا كله من ضعف الإيمان ومن التشكيك بأن الله تعالى هو الحكيم العدل وأنه ليس بظلاّم للعبيد. تأتي هذه السورة بآياتها ومعانيها لتثبت حقيقة الأيمان بوحدانية الله جلّ وعلا والإيمان بالقضاء والقدر تارة عن طريق قصص الأنبياء وتارة عن طريق تذكير الله تعالى للناس بقدرته وحكمته وعدله في الكون. وفي حديث للنبي - ﷺ - أن جبريل سأله أخبرني عن الإيمان فقال: الإيمان أم تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره. والذي يحدد ما إذا كنا مؤمنين بالقضاء والقدر سؤال واحد نطرحه على أنفسنا: هل الله تعالى عادل حكيم أم ظالم والعياذ بالله وإجابتنا هي التي تحدد موقفنا.
تبدأ السورة بكلمة تثبت الحكمة لله تعالى (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) آية ١ وتدل على أن الحكمة موجودة ثم تليها الآية (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ) آية ٢ وكأن الذين يتعجبون من اختيار محمد - ﷺ - للرسالة كأنما لا يؤمنون بالقضاء والقدر لأنهم لو آمنوا لما شككوا وتعجبوا ولعلموا أن هذا بأمر الله تعالى.
في آخر يونس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (١٠٨)) وفي أوائل هود (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣))، نذير وبشير مقابل من اهتدى ومن ضلّ، (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا) هذا لمن اهتدى، ثم يقول (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)) هذا مقابل (وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) إذن فسر وشرح ما قاله في يونس (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) أنه من اهتدى يمتعه متاعاً حسناً ومن ضل فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير وكلها إنني لكم منه نذير وبشير.
**هدف السورة: الإستمرار في الإصلاح دون تهوّر أو ركون**
سورة يوسف هي إحدى السور المكية التي تناولت قصص الأنبياء باسهاب وإطناب دلالة على إعجاز القرآن في المجمل والمفصّل وفي الإيجاز والإطناب (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) آية ١١١. وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله يوسف بن يعقوب وما لاقاه من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد من إخوته والآخرين في بيت عزيز مصر والسجن وفي تآمر النسوة حتى نجّاه الله تعالى. والمقصود بهذه السورة التسرية عن النبي - ﷺ - بعدما مرّ به من أذى ومن محن في عام الحزن وما لاقاه من أذى القريب والبعيد فأراد الله تعالى أن يقص عليه قصة أخيه يوسف وما لاقاه هو في حياته وكيف أن الله تعالى فرّج عنه في النهاية لأنه وثق بتدبير الله تعالى ولم ييأس لا هو ولا أبوه يعقوب. ونلاحظ أن سورة يوسف تناولت قصة يوسف الإنسان وليس يوسف النبي إنما جاء ذكره كنبي في سورة غافر لذا فقصته في سورة يوسف لها ملامح إنسانية تنطبق على يوسف وقد نتطبق على أي من البشر. وقصة يوسف تمثل قصة نجاح في الدنيا (أصبح عزيز مصر) وقصة نجاح في الآخرة أيضاً (وقوفه أمام إغراءات امرأة العزيز رغم كل الظروف المحيطة به خوفاً من الله عزّ وجلّ).
في خاتمة سورة يوسف قال تعالى:(مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)) ما هو هذا؟ هذا القرآن، بداية الرعد (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (١)) قال في يوسف (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وفي الرعد (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)، عموم وخصوص، المؤمنون قلة مع أنه تفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، إذن الكلام متصل. في خواتيم سورة يوسف قال (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (١٠٥)) وذكر من هذه الآيات في بداية الرعد (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)) (وكأيّن من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون)، فصّل بعد إجمال. (
ربنا سبحانه وتعالى قال في خاتمة سورة الرعد (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣)) وقال في بداية إبراهيم (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١)) إذن أنت مرسل ولست كما يقول الذين كفروا. وقال في خواتيم الرعد (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)) وفي بداية سورة إبراهيم قال (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣))، قال في الرعد (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)) وفي إبراهيم (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢)). قال في الرعد (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا) كيف مكروا؟ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) مكروا على أنفسهم فإذن صار ارتباط في أكثر من موضع في خواتيم سورة الرعد ومفتتح سورة إبراهيم.
**هدف السورة: نعمة الإيمان ونقمة الكفر**
الحجر هو مكان سكنت فيه ثمود الذين ابتعدوا عن منهج الله تعالى وكانوا قد نحتوه في الجبال ليختبئوا من الزلازل والصواعق بظنهم أنه مكان آمن لهم يقيهم ويحفظهم (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ) آية ٨٢، لكن الله تعالى أهلكهم بالصيحة التي دخلت آذانهم فتركتهم صرعى ولم ينفعهم كل ما احتاطوا له ومكثهم في الحجر ما منع قضاء الله وعذابه من أن يحلّ بهم (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) آية ٨٤. وفي هذا دلالة على أن الله تعالى هو الحافظ ولا يتم الحفظ او الحجر بالوسائل المادية وهذا حجر ثمود أكبر دليل على ذلك. ولقد سميت السورة بسورة الحفظ لأن كل آياتها تؤكد أن الله تعالى يحفظ كل شيء، ولذا جاءت فيها آية ٩ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) خاصة دون غيرها من سور القرآن.
بداية السورة ونهايتها تتحدث عن حفظ الله تعالى للكون
ونعم الله في الكون إما أن تكون نعم ظاهرة يراها الإنسان في حياته ويدركها بحولسه وهي صور حيّة مشاهدة دالة على وحدانية الله تعالى وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات من البحار والجبال والسهول والوديان والسماوات والأرض والمطر والزرع والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل والأنعام والخيل والبغال والحمير ونعمة خلق الإنسان ونعمة الغذاء، وإما أن تكون نعم في الكون لا نراها ولا ندركها بأسماعنا وأبصارنا لكنها موجودة في الكون نستفيد منها بدون أن نلمسها مثل المخلوقات الموجودة في أعماق البحار وما تحويه الأرض من خيرات لا ندركها وقوانين الجاذبية وغيرها من القوانين التي يسير بها الكون أو تعمل بها أجسادنا أو ما حولنا من مخلوقات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *...* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) الآيات من ٣ إلى ١٦. وهناك نعمة أخرى هي نعمة كيف يخرج الله تعالى هذه النعم (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ)آية ٦٦ و (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آية ٧٨. فنعم الله تعالى كثيرة جداً مصداقاً لقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) آية ١٨. وأهم من هذه النعم كلها وهي ما ابتدأت به السورة هي نعمة الوحي (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) آية ٢.
سورة الإسراء من السور المكية التي تعنى بشؤون الدين والعقيدة والوحدانية لكن تميزت هذه السورة بأنها تتكلم عن القرآن بشكل تفصيلي لم يرد في باقي سورة القرآن. وقد تعرّضت السورة لمعجزة الإسراء التي كانت مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي لنبيه الكريم بعد ما لاقاه من أذى المشركين. وهي قصة إسراء النبي الكريم - ﷺ - من مكة إلى المسجد الأقصى حيث التقى بجميع الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم جميعاً وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، وتقدم الرسول - ﷺ - فقال له جبريل: "تقدم يامحمد فصلّ بالأنبياء إماما". وهذه معجزة ليس لها مثيل في تاريخ البشرية ولم تأتي مصادفة أو عبثاً وإنما هدفها كان تسليم الرسالة التي تناقلها الأنبياء من قبل إلى رسولنا - ﷺ - وأمته الذين سيحملون هذه الرسالة الخاتمة إلى يوم القيامة. فكأن تسمية السورة تفيد انتقال الكتاب من بني إسرائيل إلى أمة محمد - ﷺ - وكذلك أن كل أنبياء بني إسرائيل صلّوا خلف الرسول - ﷺ -. وهذه السورة هي أكثر سورة ورد فيها ذكر القرآن (١١ مرة). وكما سبق فإن هذه السورة ركّزت على قيمة القرآن وعظمته كما لم يرد في أي من سور القرآن الكريم.
قال في خاتمة الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١)) وقال في بداية الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢)). في الإسراء قال (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) وفي الكهف قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الخطاب موجه للرسول ؟ فقال الحمد لله كأنه استجاب، يعني أمره بحمد الله في خواتيم الإسراء فاستجاب في أول الكهف الحمد لله. وذكر الكتاب في ختام الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥)) وفي الكهف قال (الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل لم يجعل له عوداً قيّماً، أكّد نزوله من قِبَل الله سبحانه وتعالى قيماً لم يجعل له عوجاً. في خواتيم الإسراء قال (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وفي الكهف قال (لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) من ينذر ومن يبشر؟ قسم قال في سورة الإسراء الرسول ؟ هو العبد المبشِّر وقسم قال القرآن وكلاهما واحد. في ختام الإسراء قال (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) وفي الكهف قال (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)). نلمح أن بعض آيات القرآن توضح وتفسر وتضيف إلى آية أخرى وتجعلها في سياقها.
**هدف السورة: العصمة من الفتن**
في خواتيم الكهف قال (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)) وما فعله مع زكريا عندما طلب زكريا من ربه أن يهب له غلاماً (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨))أليس هذا من كلمات ربي؟الكلمات يعني القدرة. كلمات ربي يعني قدرته لا تنتهي. الكلمات يعني علمه وقدرته سبحانه. ما فعله مع مريم(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦)) وهو سمى عيسى كلمة فقال(إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (٤٥)آل عمران)(إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(٤٧)آل عمران)هذه من كلمات الله.
١٢-"ألا إنهم هم المفسدون.."... -"قالواادع لناربك.."... ١٢٨-"ربنا واجعلنا مسلمَين.."... -"وإذا سألك عبادى عنى.."... ٢٤٤-"وقاتلوافى سبيل الله.."
١٣-"وإذا قيل لهم أمنوا.."... -"قال إنه يقول إنها."... ١٢٩-"ربناوابعث فيهم رسولاً.."... -"أحل لكم ليلة الصيام.."... ٢٤٥-"من ذاالذى يقرض الله.."
١٤-"وإذالقواالذين أمنوا.."... -"وإذقتلتم نفساً.."... ١٣٠-"ومن يرغب عن ملة.."... -"ولا تأكلوا أموالكم.."... ٢٤٦-"ألم ترإلى الملأ.."
١٥-"الله يستهزئ بهم.."... -"فقلنا اضربوه ببعضها.."... ١٣١-"إذقال له ربه أسلم.."... -"يسألونك عن الأهلة.."... ٢٤٧-"وقال لهم نبيهم.."
١٦-"اولئك الذين اشتروا.."... -"ثم قست قلوبكم.."... ١٣٢-"ووصى بها إبراهيم.."... -"وقاتلوا فى سبيل الله.."... ٢٤٨-"وقال لهم نبيهم.."
١٧-"مثلهم كمثل الذى.."... -"أفتطمعون أن يؤمنوا.."... ١٣٣-"أم كنتم شهداء.."... -"واقتلوهم حيث ثقفتموهم..... ٢٤٩-"فلمافصل طالوت.."
١٨-"صمٌ بكمٌ عمىٌ.."... -"وإذا لقواالذين آمنوا.."... ١٣٤-"تلك أمةٌ قد خلت.."... -"فإن انتهوا.."... ٢٥٠-"ولما برزوا لجالوت.."
١٩-"أو كصيبٍ من السماء.."... -"أولايعلمون أن الله.."... ١٣٥-"وقالوا كونوا هوداً.."... -"وقاتلوهم حتى.."... ٢٥١-"فهزموهم بإذن الله.."
٢٠-"يكاد البرق.."... -"ومنهم أميون.."... ١٣٦-"قولوا ءامنا بالله.."... -"الشهر الحرام.."... ٢٥٢-"تلك ءايات الله.."
٢١-"ياأيهاالناس اعبدوا.."... -"فويلً للذين يكتبون.."... ١٣٧-"فإن ءامنوا بمثل.."... ١٩٥-" وأنفقوا فى سبيل الله.."... ٢٥٣-"تلك الرسل.."
٢٢-"الذىجعل لكم الأرض.."... -"وقالوا لن تمسناالنار.."... ١٣٨-" صبغة الله.."... ١٩٦-"وأتموا الحج والعمرة.."... ٢٥٤-".. أنفقواممارزقناكم.."
٢٣-"وإن كنتم فى ريب.."... -"بلى من كسب سيئة.."... ١٣٩-"قل أتحاجوننا.."... ١٩٧-"الحج أشهر معلومات.."... ٢٥٥-"الله لاإله إلاهوالحى."
٢٤-"فإن لم تفعلوا.."... -"والذين آمنوا وعملوا.."... ١٤٠-"أم تقولون إن إبراهيم.."... ١٩٨-"ليس عليكم جناح.."... ٢٥٦-"لاإكراه فى الدين.."
**هدف السورة: الإسلام سعادة لا شقاء**
سورة طه مكية أيضاً ومحور السورة يتمثل في الآية الأولى من السورة (طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) آية ١ و ٢ وكأنما سبحانه يريد أن يطمئن رسوله - ﷺ - وأمته من بعده أن هذا المنهج لم يأت حتى يشقى الناس به إنما هو منهج يضمن السعادة لمن تبعه وطبّقه وإنما هو تذكرة وهوسبب السعادة في الدنيا والآخرة فلا يعقل أن يكون المؤمن شقياً كئيباً مغتمّاً قانطاً من رحمة الله مهما واجهته من مصاعب ومحن في حياته وخلال تطبيقه لهذا المنهج الربّاني فلا بد أن يجد السعادة الأبدية بتطبيقه. وهذا هو هدف سورة طه. وهذا المنهج الذي أنزله الله تعالى لنا إنما جاء من عند (الرحمن) فكيف يعقل أن يكون فيه شقاؤنا. وكلنا يعلم معنى كلمة الرحمن. وقد تكررت في السورة كثيراً فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يرحم خلقه أجمعين. وهذه الآية تؤكد وجود مصاعب في الحياة ومحن وتذكر لنا قصة موسى - عليه السلام - وتعرض لنا ما واجهه لكن دائماً تأتي الآيات فيها رحمة الله تعالى بين آيات الصعوبات والمحن (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) آية ٣٩ آية فالمؤمن والقائم على منهج الله تعالى في سعادة ولو كان في وسط المحن فالسعادة والشقاء مصدرها القلب وقد يعتقد البعض أن من سيلتزم بهذا المنهج والدين سيكون شقياً لا يخرج من بيته ولا يضحك ولا يخالط الناس وهذا هو السائد في أيامنا هذه وقد يكون هذا السبب الوحيد الذي يمنع الكثير من المسلمين من تطبيق المنهج لأن عندهم فكرة مغلوطة عن حقيقة السعادة والشقاء في تطبيق منهج الله.
قال تعالى في خواتيم طه (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)) ما هو الأجل؟ الأجل هو القيامة وفي أول الأنبياء قال (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١)). قال في خواتيم طه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥)) نسيتها يعني أعرض عنها وفي الأنبياء قال (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) إذن ذكر الإعراض في السورتين. قال في طه (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (١٣٠)) وقال في الأنبياء (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)) ذكر ماذا قالوا فاصبر على ما يقولون. قال في أوائل الأنبياء (فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)) وفي طه قال (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٣٣)).
**هدف السورة: دور الأنبياء هو تذكرة البشربة**
سورة الحج هي من أعاجيب سور القرآن الكريم ففيها آيات نزلت في المدينة وأخرى نزلت في مكة، وآيات نزلت ليلاً وأخرى نهاراً، وآيات نزلت في الحضر وأخرى في السفر وجمعت بين أشياء كثيرة. وهي السورة الوحيدة في القرآن كله التي سميّت باسم ركن من أركان الإسلام وهو الحج. فالسورة تتحدث عن مواضيع كثيرة منها يوم القيامة والبعث والنشور والجهاد والعبودية لله فما علاقة كل هذه الأمور ببعضها وبالحج؟ الواقع أن الحج هو العبادة التي تبني الأمة لما فيه من عبر لا يعلمها إلا من حجّ واستشعر كل معاني الحج الحقيقية.
١. فالحج يذكرنا بيوم القيامة وبزحمة ذلك اليوم والناس يملأون أرجاء الأرض وكلهم متجهون إلى مكان واحد في لباس واحد في حرّ الشمس (النفرة من مزدلفة والنزول من عرفة والتوجه لرمي الجمرات). ولذا جاءت الآيات في أول السورة عن يوم القيامة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) آية ١ و٢ وكم تساءلنا عند قراءتنا لسورة الحج ما الرابط بين يوم القيامة وسورة الحج! والآن وضحت الصورة وفهمنا مراد الله تعالى من هذه الآيات فما أنزل الله تعالى الآيات إلا في مكانها المناسب بتدبير وحكمة لا يعلمها إلا هو ولكن العبد يجتهد في تحرّي هذا المعنى حتى يفهم هدف الآيات التي يتلوها فسبحان الحكيم القدير.
٢. والحج يذكرنا بيوم البعث، فمنظر الحجيج في مزدلفة وهم نيام بعد وقوفهم في عرفة عليهم آثار التعب ويعلوهم التراب والغبار ثم يؤذن لصلاة الصبح فتراهم يقومون وينفضون عنهم التراب كما لو أنهم بعثوا من قبورهم يوم البعث.
سورة المؤمنون من السور المكية وهي تعرض من اسمها صفات المؤمنين وتشرح مصير من لا يسير على هذه الصفات فعلينا أن نتوقف عند هذه الصفات ونحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله تعالى ونرى أي نوع من المؤمنين نحن وكم من الصفات المذكورة في الآيات نتحلى بها وكم من الصفات ما زلنا نحتاج لأن نكتسبها.
صفات المؤمنين: ابتدأت الآيات بذكر صفات المؤمنين العامة: من آية ١ إلى آية ٩(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
جزاء المؤمنين: ثم تنتقل الآيات للتذكير بجزاء من تحلى بهذه الصفات (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) آية ١٠ و١١.
تاريخ المؤمنين عبر الأجيال: تعرض السورة تاريخ المؤمنين عبر الأجيال،
صفات إضافية للمؤمنين: ثم تستكمل الآيات صفات إضافية لمؤمنين من درجة أعلى في الآيات من ٥٧ إلى ٦١ (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، هذه صفات راقية وخاصّة بمؤمنين حقا.
أول أمر نذكره أن أول سورة النور مرتبطة بأول سورة المؤمنون، هاتان السورتان مرتبطتان في الأوائل والأواخر. قال في أول سورة المؤمنون (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧)) وبدأ بالذين لم يحفظوا فروجهم في سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)) هذه البداية. وقال في أواخر المؤمنون (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)) وفي أول النور قال (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١))، فتعالى الله الملك الحق لا إلأه إلآ هو - سورة أنزلناها، هو من الذي ينزل الأحكام ويفرضها ويأمر بإقامة الحدود؟ الملك الحق. الملك الحق هو الذي يأمر ويفرض حتى عندنا في القوانين الملك هو الذي يرفض السلطة.
سؤال: قد يقول قائل أنه ربما يكون في هذا تكراراً؟ هذا ليس تكراراً أولاً ثم إن هذا أمر عقيدة يركزها ويركز ظواهرها، في أواخر النور قال (لله ما في السموات والأرض) له ما فيهما وفي الفرقان (له ملك السموات والأرض) له ملكهما فقد تملك شيئاً لكن لا تملك ما فيه فقد تملك داراً ويستأجرها منك أحد فأنت تملك الدار لكنك لا تملك ما فيها وليس بالضرورة أن تملك داراً وتملك ما فيها كونه يملك السموات والأرض ليس بالضرورة أنه يملك ما فيهما ولذلك أكد القرآن أنه له ملك السموات والأرض وله ما فيهما ولا يكتفي بإطلاق الملك فقط بأنه يملك السموات والأرض حتى في حياتنا نملك الظرف ولا نملك المظروف ونملك المظروف ولا نملك الظرف، إذن هو ذكر أمرين: ذكر له ملك السموات والأرض وذكر لله ما في السموات والأرض الأمران مختلفان فله ملكهما وله ما فيهما.
في آخر النور قال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)) هذا إنذار وفي أول الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)). وفي آخر النور قال (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤)) وفي أول الفرقان (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)) الذي يخلق كل شيء ويقدره هو بكل شيء عليم، والله بكل شيء عليم خلق كل شيء فقدره تقديراً.
**هدف السورة: سوء عاقبة التكذيب**
آخر الفرقان قال تعالى:(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (٧٧)) يعني العذاب يلازمهم وقال في بداية الشعراء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)) التكذيب للمخاطبين والقدامى (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)) (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (٧٧)) يعني سيكون العذاب حقاً عليكم ولزاماً عليكم، (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)) تهديد. الخطاب للفئتين لكن يجمعها صفة واحدة وهو التكذيب والتهديد في الفرقان (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (٧٧)) وفي الشعراء نفس الشيء (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦)) وفي السورتين إقرار بأنهم كذبوا. في آخر الفرقان ذكر عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)) وفي الشعراء ذكر المكذبين فاستوفى الخلق (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)) استوفى الخلق الصالح والطالح عباد الرحمن والكافرين.
سورة النمل سورة مكيّة وهي سورة خطيرة عن التفوق الحضاري لتثبت أن الدين ليس دين عبادة فقط وأنما هو دين علم وعبادة ويجب أن تكون الأمة المسلمة الموحّدة متفوقة في العلم ومتفوقة حضارياً لأن هذا التفوق هو سبب لتميّز أمة الإسلام كما حصل في العصر الذهبي للإسلام الذي انتشر من الشرق إلى الأندلس بالعلم والدين الحنيف وقد تميّز فيه العلماء المسلمون في شتى مجالات العلوم.
وفي سورة النمل خطة محكمة لبناء مؤسسة أو شركة أو مجتمع أو أمة غاية في الرقي والتفوق من خلال آيات قصة سيدنا سليمان مع بلقيس ونستعرض عناصر قوة هذه المملكة الراقية التي يعلمنا إياها القرآن الكريم:
أهمية العلم: ابتداء القصة من الآية ١٥ (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) فقد كان عند داوود وسليمان تفوق حضاري بالعلم الذي آتاهم إياه الله تعالى وهم مدركين قيمة هذا العلم.
توارث الأجيال للعلم (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) آية ١٦ والإهتمام باللغات المختلفة (لغة الطير) وأهمية وجود الإمكانيات والموارد والعمل على زيادتها (وأوتينا من كل شيء)
وجود نظام ضبط وربط ووجود تعدد في الجنسيات والكائنات (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) آية ١٧.
أهمية التدريب الميداني للأفراد: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) آية ٢٠ بدليل أن الهدهد كان في مهمة تدريبية
تفقد الرئيس ومتابعيه لعمّاله (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) آية ٢١
سورة القصص سورة مكيّة تركّز في آياتها على قصة سيدنا موسى في مرحلة الولادة، النشأة، الزواج، العودة إلى مصر وتحقق وعد الله ولم تركّز السورة على بني إسرائيل. وقد نزلت هذه السورة وقت هجرة الرسول - ﷺ - من مكة إلى المدينة وكان حزيناً لفراق مكة كما قال - ﷺ - :"والله إنك أحبّ بلاد الله إلى قلبي ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت". فأنزل الله تعالى هذه السورة تطميناً لرسوله - ﷺ - بأن وعده ستحقق تماماً كما تحقق وعد الله تعالى لموسى. ففي قصة سيدنا موسى - عليه السلام - قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) آية ٧ وفي قصة سيدنا محمد - ﷺ - قال تعالى (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) آية ٨٥ وهذا تطمين من الله تعالى لرسوله الذي خرج من بلده بعدما ناله قومه بشتى أنواع الأذى وأخبره تعالى أنه كما عاد موسى إلى مصر منصوراُ كذلك سيعود الرسول - ﷺ - إلى مكة فاتحاً منتصراً مصداقاً لوعد الله تعالى. ومن المفارقات في قصة موسى ورسولنا - ﷺ - أن موسى مكث خارج مصر بين ٨ و١٠ سنوات التي كانت مهر ابنة شعيب، والرسول - ﷺ - عاد لفتح مكة في السنة الثامنة واخننمت الرسالة في السنة العاشرة، والرسول خرج من مكة متخفياً وكذلك خرج موسى من مصر خائفاً يترقب، فكأنما القصتان متشابهتان إلى أبعد الحدود.
في أواخر القصص قال تعالى:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨٥)) هذه نزلت في الهجرة والرسول ؟ مهاجر، هو هاجر لأنه فُتِن هو وأصحابه، خرج مهاجراً من أثر الفتنة، وقال في آخرها (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧)) وقال في أول العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)) الآن هو ؟ خرج مهاجراً من أثر الفتنة ولا يصدنك عن آيات الله من أثر الفتنة، (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)) كأن الخطاب كان موجهاً للنبي ؟ ثم عُمم على الجميع. في أول العنكبوت قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)) وذكر في أواخر القصص فتنة قارون إلى أن قال (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١)) ذكر في القصص فتنة قارون وعاقبته وفي بداية العنكبوت قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)) كأنها إشارة إلى ما حدث قبل قليل في آخر سورة القصص.
**هدف السورة : جاهد الفتن**
١٣- قد كان لكم آية فى فئتين التقتا..... ٦٤- قل ياأهل الكتاب تعالوا..... ١١٥- ومايفعلوامن خيرٍ فلن يكفروه..... ١٦٦- وماأصابكم يوم التقى الجمعان..
١٤- زين للناس حب الشهوات..... ٦٥- ياأهل الكتاب لم تحاجون..... ١١٦- إن الذين كفروالن تغنى عنهم..... ١٦٧- وليعلم الذين نافقوا..
١٥- قل أؤنبئكم بخير من ذلكم..... ٦٦- هاأنتم هؤلاء حاججتم..... ١١٧- مثل ماينفقون فى هذه الحياة..... ١٦٨- الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا..
١٦- الذين يقولون ربنا إننا آمنا..... ٦٧- ماكان إبراهيم يهودياً..... ١١٨-.. لاتتخذوابطانةً من دونكم..... ١٦٩- ولاتحسبن الذين قتلوا..
١٧- الصابرين والصادقين..... ٦٨- إن أولى الناس بإبراهيم..... ١١٩- هاأنتم أولاء تحبونهم..... ١٧٠- فرحين بما ءاتاهم الله..
١٨- شهد الله أنه لاإله إلا هو..... ٦٩- ودت طائفةٌ من أهل الكتاب..... ١٢٠- إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم..... ١٧١- يستبشرون بنعمةٍ من الله..
١٩- إن الدين عند الله الإسلام..... ٧٠- ياأهل الكتاب لم تكفرون..... ١٢١- وإذ غدوت من أهلك..... ١٧٢- الذين استجابوا لله والرسول..
٢٠- فإن حاجوك فقل أسلمت..... ٧١- ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق..... ١٢٢- إذ همت طائفتان منكم..... ١٧٣-.. حسبنا الله ونعم الوكيل..
٢١- إن الذين يكفرون بآيات الله..... ٧٢- وقالت طائفة من أهل الكتاب..... ١٢٣- ولقد نصركم الله ببدرٍ..... ١٧٤- فانقلبوابنعمةٍ من الله وفضلٍ..
٢٢- أولئك الذين حبطت أعمالهم..... ٧٣- ولاتؤمنواإلالمن تبع دينكم..... ١٢٤- إذتقول للمؤمنين ألن يكفيكم..... ١٧٥- إنما ذلكم الشيطان..
٢٣- ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً..... ٧٤- يختص برحمته من يشاء..... ١٢٥- بلى إن تصبروا وتتقوا..... ١٧٦- ولايحزنك الذين يسارعون..
٢٤- ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار..... ٧٥- ومن أهل الكتاب من إن تأمنه..... ١٢٦- وما جعله الله إلا بشرى لكم..... ١٧٧- إن الذين اشتروا الكفربالإيمان..
قال في آخر العنكبوت (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٦٣)) وقال في الروم (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨)) هو الذي خلق السموات والأرض وهو الذي ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض هو الخالق وهو المتصرف، هو خالقهما والمتصرف فيهما ينزّل ويحيي. قال في أواخر العنكبوت (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)) وفي الروم قال (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)) إحداهما في الروم والأخرى في العنكبوت. وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون - يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. في العنكبوت الخطاب لكل الناس وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يعلمون كأنها إجابة على النقطة السابقة في سورة العنكبوت، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
**هدف السورة: آيات الله واضحة بيّنة**
٢. بر الوالدين (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) آية ١٤
٣. عبادة الله وحسن الخلق ومعرفة حقيقة الدنيا بالصبر: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) آية ١٧
٤. الآداب والأخلاق (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) آية ١٨
٥. الذوق وخفض الصوت (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) آية ١٩
٦. وضع هدف للحياة وأهمية التخطيط: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) آية ١٩، لأن معنى القصد قد يكون أن يكون له هدف في الحياة.
فهذه السورة تضع للآباء أسلوب وعظ الأبناء بحبّ ورقة حنان وتركز على أن الإسلام يرفض الإتباع الأعمى للآباء (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) آية ٢١، لكن على الآباء أن يساعدوا أبناءهم ويشرحوا لهم حقيقة الحياة ويعظوهم لما فيه خيرهم بأسلوب رقيق لطيف.
رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)) مشهد من مشاهد الساعة. قال (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ (٣٤)) (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨)) هذه في الأرحام، هناك قال ويعلم ما في الأرحام وهنا ذكر لنا الخلق في الأرحام فذكر لنا في سورة السجدة ما في الأرحام وفصّل. وقال في لقمان (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وقال في السجدة (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)) هذه مرتبطة كل الارتباط.
**هدف السورة: الخضوع لله تبارك وتعالى**
سورة السجدة سورة مكية وهدفها واضح من اسمها، ألا وهو الخضوع لله تعالى لأن السجود هو صفة الخضوع لله تعالى. وفيها آية السجدة (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) آية ١٥ التي صوّرت المؤمنين يخرّون سجداً وهذه قمة الخضوع ولذلك كان الرسول - ﷺ - يقرأها في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة وهو اليوم الذي منّ الله تعالى بخلق آدم - عليه السلام -.
الأجزاء التي سبقت من القرآن الكريم من الجزء الأول إلى جزء ٢١ شملت المنهج الكامل للمسلم الذي هو مستخلف في الأرض وكان لكل سورة هدف واضح محدد يوضّح لنا عنصراً من عناصر هذا المنهج. أما الأجزاء القادمة في القرآن من ٢٢ إلى ٣٠ فكل مجموعة من السور تشترك في هدف محدد مجتمعة وتتطرق كل سورة من السور إلى جانب من هذا الهدف كما سنلاحظ في السور القادمة. ونبدأ بالجزئين ٢٢ و٢٣ من سورة الأحزاب إلى سورة ص والواضح أنها مجتمعة تهدف إلى الدعوة إلى الإستسلام إلى الله تعالى واسم ديننا الإسلام وهو التسليم الكامل لله رب العالمين خالقنا والخضوع التام للخالق عزّ وجلّ. وكل سورة في هذين الجزئين تركّز على جانب من جوانب الإستسلام لله تعالى: ونستعرض سريعاً هذه الأهداف كما هو مبين ثم نفصّل كل سورة على حدة:
السورة... الهدف
سورة الأحزاب... الإستسلام لله في المواقف الحرجة
سورة سبأ... الإستسلام لله سبيل بقاء الحضارات
سورة فاطر... الإستسلام لله هو سبيل العزة
سورة يس... الإستسلام لله بالإصرار على الدعوة
سورة الصّافّات... الإستسلام لله وإن لم تفهم الأمر
سورة ص... الإستسلام لله بالعودة للحق بلا عناد
ذكر في أواخر الأحزاب عقوبة الكافرين وذكر المؤمنين قال (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٦٥)) إلى أن قال (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣)) وذكر المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)) ذكر عقوبة الكافرين وما أعد للمؤمنين من فوز، وقال في بداية سبأ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)) (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)). ذكر الكافرين (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥)) (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) هذا في العذاب، (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣)) وفي سبأ (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥)) الجزاء في الأجر وفي العقاب وفي إنكار الساعة وفي الإيمان بها.
**هدف السورة: الإستسلام لله سبيل بقاء الحضارات**
سورة فاطر مكيّة نزلت قبل هجرة الرسول - ﷺ -. الإستسلام هو كمال الطاعة والإستسلام ليس مذلة وأنما هو عزّ فالعبودية للبشر ذلُ وصغار والعبودية لله تعالى رفعة وعزّ، فالعزّة تبدأ بالإستسلام لله تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) آية ١٠، والناس مهما كانوا وتعاظموا هم الفقراء والله تعالى هو الغني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) آية ١٥.
ثم تتحدث آيات كثيرة في السورة (الآيات ١، ٢، ٣، ٩، ١١، ١٢، ١٣، ٢٧، ٢٨، ٤١، ٤٤) عن آيات الله تعالى في الكون ودلائل القدرة والسيطرة على هذا الكون الفسيح وكأنما في هذا تأكيد أن الإستسلام لخالق هذا الكون وما فيه ومن فيه لا يمكن أن يكون ذلاً أبداً إنما هو عزُ ما بعده عز أن أستسلم وأخضع لمن خلق السموات والأرض وخلق الأكوان والخلق والكائنات على اختلافها وكل هذه المخلوقات تشهد بعظمة الخالق وتنطق بعظمة الواحد القهّار فتبارك الخالق رب العالمين. وأن كان أحدنا يستسلم لرأي طبيبه ويرى أنه هو الصواب وعليه أن ينفّذ التعليمات كما وصفها وهو بشر لا يملك أن يضر او ينفع إلا بإذن الله ولا أسأله ما الحكمة من وراء هذا العلاج بالذات أخضع لأمره دون مناقشة ثم أعترض على خالق الخلق بأن لا أستسلم بالكلّية لأوامره وهو القدير الحكيم العليم؟ يا لجهالة البشر بخالقهم وصدق تعالى (وما قدروا الله حق قدره).
سميّت السورة بـ (فاطر) لذكر هذا الإسم الجليل في طليعتها لما يحمل هذا الوصف من دلائل الإبداع والإيجاد من عدم ولما فيه من التصوير الدقيق الذي يشير لعظمة الله وقدرته الباهرة وخلقه المبدع في هذا الكون.
قال في أواخر سورة فاطر (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤٢)) وفي بداية يس قال (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦)) هم أقسموا بالله لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم، والآن جاءهم النذير (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ) كأنه تعالى أعطاهم ما يريدون (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤٢)) وفي يس (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧)). قال في أواخر فاطر (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (٤٤)) الكلام عام وفي يس قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)) للعبرة، إضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)) وكأنما ما ورد في يس يبين لهم ويضرب لهم مثلاً (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)).
**هدف السورة: الإستسلام هو سبيل الإصرار على الدعوة**
قال تعالى في أواخر يس (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤)) وفي بداية الصافات (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)) تصحيح للعقيدة لديهم. في أواخر يس قال (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)) هذا الكلام نزل في أحدهم في قريش مسك عظماً بالياً وفتته وقال للرسول - ﷺ - أتزعم أن ربنا سيعيد هذه العظام؟ فنزل قوله تعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)) ذكر ما يراه هذا الكافر وفي الصافات قال على لسان الكفرة (أَئِذَا. مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦)) أصبحوا جماعة وعمموا القول (أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩)) - (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) يس). وقال في آخر يس (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)) - (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥) الصافات) الذي بيده ملكوت كل شيء أليس هو رب السموات والأرض؟ بلى.
**هدف السورة: الإستسلام لله وإن لم تفهم الأمر**
والسورة تعرض جواباً على سؤال هام: ماذا يحدث عندما يحصل خطأ ما مع انسان مؤمن مع استسلامه لله تعالى؟ السورة تتحدث عن ثلاثة أنبياء استسلموا لله تعالى بعما أخذوا قرارات ظنّوها بعيدة عن الحق ثم عادوا إلى الحق وكيف ردّ الله تعالى عليهم، ثم تحدثت عن نموذج عكسي وهو ابليس الذي عاند ورفض ان يستسلم بعدما عرف الحق.
قصة داوود: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية ١٧
عودته للحق: (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) آية ٢٤
قصة سليمان: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية ٣٠
عودته للحق: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) آية ٣٤
قصة أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) آية ٤١
عودته للحق: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية ٤٤
في هذه القصص الثلاث يعطي الله تعالى لكل نبي صفة (عبدنا، العبد) وكلمة أوّاب معناها سريع العودة وذا الأيد معناها كثير الخير. ونلاحظ تكرار كلمة (أناب) رمز العودة إلى الحق.
هذه القصص الثلاث نأخذ منها عبرة أن المستسلم لله يكون سهل العودة إلى الله وإلى الحق.
تختم السورة بنموذج عكسي للعودة إلى الحق وهو نموذج ابليس اللعين وعناده (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) آية ٧٣ إلى ٧٦.
**هدف السورة: الإخلاص لله تعالى**
هذه السورة مكّية وتدور حول محور الإخلاص لله تعالى في كل الأمور وتبدأ بدعوة الرسول الكريم - ﷺ - باخلاص الدين له وتنزيهه عن مشابهة المخلوقين. كما ذكرت الآيات البراهين على وحدانية الله في ابداعه في الخلق. وشددت على أهمية الإخلاص لله حتى يوصلنا هذا الإخلاص للجنة مع زمرة المؤمنين. وهي سورة رقيقة تذكرنا بأهمية الإخلاص لله تعالى وترك الرياء. والإخلاص يكون في عدة أمور: إخلاص العبادة لله وإخلاص النيّة والإخلاص في كل أمور الدنيا والحرص على أن يكون كل ما نعمله في هذا الدنيا خالصاً لله رب العالمين حتى ننال خير الجزاء ونسعد بالجنة ونعيمها. وقد وردت كلمة الإخلاص ومشتقاتها في هذه السورة ٤ مرّات للدلالة على أهميته.
١١- يوصيكم الله فى أولادكم..... ٥٦- إن الذين كفروابآياتناسوف نصليهم..... ١٠١- وإذا ضربتم فى الأرض..... ١٤٦- إلاالذين تابوا وأصلحوا..
١٢- ولكم نصف ماترك أزواجكم..... ٥٧- والذين ءامنوا وعملواالصالحات..... ١٠٢- وإذاكنت فيهم فأقمت لهم..... ١٤٧- مايفعل الله بعذابكم إن..
١٣- تلك حدود الله..... ٥٨- إن الله يأمركم أن تؤدواالأمانات..... ١٠٣- فإذا قضيتم الصلاة..... ١٤٨- لايحب الله الجهر بالسوء إلا..
١٤- ومن يعص الله ورسوله..... ٥٩-.. أطيعواالله وأطيعواالرسول وأولى..... ١٠٤- ولاتهنوا فى ابتغاء القوم..... ١٤٩- إن تبدوا خيراً أو تخفوه..
١٥- والاتى يأتين الفاحشة..... ٦٠- ألم ترإلى الذين يزعمون..... ١٠٥- إناأنزلناإليك الكتاب بالحق..... ١٥٠- إن الذين يكفرون بالله و..
١٦- والذان يأتيانها منكم..... ٦١- وإذا قيل لهم تعالوا..... ١٠٦- واستغفر الله..... ١٥١- أولئك هم الكافرون حقاً..
١٧- إنماالتوبة على الله للذين..... ٦٢- فكيف إذا أصابتهم مصيبةٌ بما..... ١٠٧- ولاتجادل عن الذين يختانون..... ١٥٢- والذين ءامنوابالله ورسله..
١٨- وليست التوبة للذين...... ٦٣- أولئك الذين يعلم الله مافى..... ١٠٨- يستخفون من الناس ولا..... ١٥٣- يسألك أهل الكتاب أن..
١٩-.. لايحل لكم أن ترثواالنساءكرهاً..... ٦٤- وماأرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع..... ١٠٩- هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم..... ١٥٤- ورفعنا فوقهم الطور..
٢٠- وإن أردتم استبدال زوجٍ..... ٦٥- فلا وربك لا يؤمنون حتى..... ١١٠- ومن يعمل سوءاً أويظلم..... ١٥٥- فبما نقضهم ميثاقهم..
٢١- وكيف تأخذونه..... ٦٦- ولوأنا كتبنا عليهم أن اقتلوا..... ١١١- ومن يكسب إثماً..... ١٥٦- وبكفرهم وقولهم على مريم..
٢٢- ولاتنكحوامانكح ءاباؤكم..... ٦٧- وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً... ١١٢- ومن يكسب خطيئةً أوإثماً..... ١٥٧- وقولهم إنا قتلنا المسيح..
ذكر في خواتيم سورة الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤)) وفي أول سورة غافر (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)) ذكر المصير، مصير الصالح والطالح ثم قال غافر الذنب الآن جعل المشهد أمامهم "سيق الذين كفروا وسيق الذين اتقوا" والآن موقفكم إليه المصير، (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ) والآن أمامكم فرصة إذا كنتم مذنبين فاستغفروه توبوا إلى الله وإلا فهو شديد العقاب إليه المصير وإلا ذكر المشهد أمامنا.
هذه السور الست يطلق عليها اسم الحواميم لآنها ابتدأت كلها بـ (حم) وقد قيل الكثير عن الأحرف المقطعة في القرآن الكريم ولعل من أبلغ ما قيل أن الله تعالى يتحدّى بهذه الحروف العرب أهل اللغة والشعر بأن هذه هي نفس الحروف التي تعرفونها وتنظمون الشعر البليغ منها وقد أنزل الله بها القرآن المعجز الذي عجزتم عن الإتيان بعشر سور أو سورة أو حتى آية واحدة منه. فمع أن الحروف متوفرة هي هي التي أنزل بها القرآن إلا أنكم لا يمكنكم أن تأتوا بمثله وكأن القرآن روح لذلك قال تعالى (وكذلك أوحينا لك روحاً من أمرنا) والحواميم تشترك في محاور كثيرة ولذا جاءت متتابعة الترتيب، ومن الملاحظ أن سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت كلها ابتدأت بـ (ألم) وهي مشتركة فيما بينها بأن البقرة أعطت المنهج وكل آياتها فيها (ألم) وآل عمران أوصت بالثبات على المنهج وكل آياتها فيها (ألم) والعنكبوت ركّزت على المجاهدة من أجل تحقيق المنهج فكأنما هذه الأحرف المقطعة في أوائل السور هي بمثابة رمز (أو كود) لما يجمعهم.
وتشترك الحواميم في صفات كثيرة:
١. كلها سور مكّية.
٢. كلها افتتحت بقيمة القرآن: سورة فصّلت:( تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية ٢، سورة الشورى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آية ٣، سورة الزخرف: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية ٢، سورة الدخان: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية ٢، سورة الجاثية: (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية ٢، سورة الأحقاف: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية ٢.
تركّز سورة الشورى على واجب من واجبات السمؤولية عن المنهج ألا وهو أهمية الوحدة والحذّر من خطورة الفرقة. وأوضح أن الإختلاف وارد ومن طبيعة النفس البشرية ونتيجة إختلاف الناس وآرائهم لكنه تعالى يوضح ما هو واجب في حال الإختلاف ألا وهو التحكيم إلى الله تعالى وكتابه (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) آية ١٠، ففي الإختلاف يأمر الله تعالى بأن يرد الأمر لله أما في الفرقة فقد عاب على الأمم السابقة فرقتهم (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية ١٣. وحتى نتجنب ان تحصل أية فرقة يجب أن نأخذ ونطبق مبدأ الشورى وهذا واجب يجب الحرص عليه، والشورى تكون في كل أمر ابتداء من تعامل البشر في بيوتهم إلى قضايا الحكم وغيرها. والشورى هي أصل من أصول الإسلام العظيمة وسياج لحماية المنهج في كل أمور الحياة لأن الخلاف حاصل ومتوقع وطبيعي. وعلى هذا المبدأ ولأهميته في الإسلام سميّت السورة بـ (الشورى) فلمنهج الشورى الأثر العظيم في حياة الفرد والمجتمع مصداقاً لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) آية ٣٨.
***من اللمسات البيانية فى سورة الشورى***
آية (١-٢):
السور التي فيها أحرف مقطعة ولم يرد بعدها ذكر كلمة الكتاب ولا القرآن: (د. حسام النعيمى)
هي سورة المتعلقين بالمظاهر المادية. وفيها تحذير من الإنخداع بالمظاهر المادية. لأن الإنخداع بها واعتبارها وسيلة لتقييم الأمور فيه ضياع للأمة كما ضاعت الأمم السابقة (لاحظ تكرار ذكر الذهب والفضة وبريقها في الآيات) لأن الأمم السابقة انخدعت واعتبرت أن متاع الحياة الدنيا وزخرفها هو النعيم الحقيقي وغاب عنهم أن النعيم الحقيقي إنما هو نعيم الآخرة الذي لا ينتهي. (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آية ٧١، فالزخرف الحقيقي ليس زخرف الدنيا الزائل.
وتتحدث السورة عن أن مظاهر التكذيب كانت مظاهر مادية (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) آية ٣١ في قصة ابراهيم، و(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) آية ٥١ إلى ٥٣ في قصة موسى مع فرعون. وآيات السورة تركّز على أن الشرف الحقيقي ليس المال والجاه والمظاهر المادية إنما هو الدين (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) آية ٤٤، (الذكر هنا بمعنى الشرف) وتحدثت الآيات عن عيسى - عليه السلام - لأنه رمز الزهد وعدم الإنخداع بالمظاهر المادية (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية ٦٣ جاء بالحكمة بدل المظاهر المادية الزائلة.
آية (٢٣):
*(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (٥٢) الشعراء) وفي الدخان (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (٢٣)) المعروف أن السرى يكون ليلاً فلماذا قال ليلاً ولماذا لم يقل ليلاً في آية سورة الشعراء؟(د. فاضل السامرائى)
هذا الظرف المؤكِّد.
تركّز السورة على خطورة التكبر في الأرض لأنها ستضيّع الرسالة مصداقاً لحديث الرسول - ﷺ - (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) فالتكبر محظور وخطر (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) آية ٨ و ٩. وسميّت السورة هذا الإسم للأهوال التي يلقاها الناس يوم الحساب حيث تجثو الخلائق على الركب من الفزع في انتظار الحساب.
***من اللمسات البيانية فى سورة الجاثية***
آية (٥):
*ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟(د. فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿١١٧﴾) وفي سورة فصّلت (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ﴿١٦﴾).
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴿٢٢﴾) وسورة الجاثية (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿٥﴾).
١١-.. اذكروا نعمة الله عليكم..... ٤٢- سماعون للكذب أكالون للسحت..... ٧٣- لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث..... ١٠٤- وإذا قيل لهم تعالوا إلى..
١٢- ولقدأخذالله ميثاق بنى إسرائيل..... ٤٣- وكيف يحكمونك وعندهم التوراة..... ٧٤- أفلا يتوبون إلى الله..... ١٠٥-.. عليكم أنفسكم..
١٣- فبما نقضهم ميثاقهم..... ٤٤- إناأنزلناالتوراة فيها هدىً ونور..... ٧٥- ماالمسيح ابن مريم إلارسول..... ١٠٦-.. شهادة بينكم إذاحضر أحدكم..
١٤- ومن الذين قالواإنا نصارى..... ٤٥- وكتبناعليهم فيهاأن النفس بالنفس..... ٧٦- قل أتعبدون من دون الله ما..... ١٠٧- فإن عثر على أنهمااستحقا..
١٥- ياأهل الكتاب قدجاءكم رسولنا..... ٤٦- وقفيناعلى ءاثارهم بعيسى..... ٧٧- قل ياأهل الكتاب لا تغلوا..... ١٠٨- ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة..
١٦- يهدى به الله من اتبع رضوانه..... ٤٧- وليحكم أهل الإنجيل..... ٧٨- لعن الذين كفروا من بنى..... ١٠٩- يوم يجمع الله الرسل..
١٧-لقدكفرالذين قالواإن الله هوالمسيح..... ٤٨- وأنزلناإليك الكتاب بالحق..... ٧٩- كانوا لايتناهون عن منكر..... ١١٠- إذ قال الله ياعيسى ابن مريم..
١٨- وقالت اليهود والنصارى نحن..... ٤٩- وأن احكم بينهم بماأنزل الله..... ٨٠- ترى كثيراً منهم يتولون الذين..... ١١١- وإذ أوحيت إلى الحواريين..
١٩- ياأهل الكتاب قدجاءكم رسولنا..... ٥٠- أفحكم الجاهلية يبغون..... ٨١- ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى..... ١١٢- إذ قال الحواريون..
٢٠- وإذ قال موسى لقومه اذكروا..... ٥١-.. لاتتخذوااليهودوالنصارى أولياء..... ٨٢- لتجدن أشد الناس عداوةً..... ١١٣- قالوا نريد أن نأكل منها..
٢١- ياقوم ادخلواالأرض المقدسة..... ٥٢- فترى الذين فى قلوبهم مرض..... ٨٣- وإذاسمعواماأنزل إلى الرسول..... ١١٤- قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا..
٢٢- قالواياموسى إن فيهاقوماًجبارين..... ٥٣- ويقول الذين ءامنوا أهؤلاء..... ٨٤- ومالنا لا نؤمن بالله..... ١١٥- قال الله إنى منزلها عليكم..
١١- قل سيروا فى الأرض ثم..... ٥٤- وإذا جاءك الذين يؤمنون..... ٩٧- وهو الذى جعل لكم النجوم..... ١٤٠- قد خسر الذين قتلوا أولادهم..
١٢- قل لمن ما فى السماوات..... ٥٥- وكذلك نفصل الآيات ولتستبين..... ٩٨- وهو الذى أنشأكم من نفسٍ..... ١٤١- وهوالذى أنشأجناتٍ معروشاتٍ..
١٣- وله ما سكن فى الليل والنهار..... ٥٦- قل إنى نهيت أن أعبد الذين..... ٩٩- وهو الذى أنزل من السماء..... ١٤٢- ومن الأنعام حمولةً وفرشاً..
١٤- قل أغير الله أتخذ ولياً..... ٥٧- قل إنى على بينة من ربى..... ١٠٠- وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم..... ١٤٣- ثمانيةَ أزواج..
١٥- قل إنى أخاف إن عصيت ربى..... ٥٨- قل لوأن عندى ماتستعجلون به..... ١٠١- بديع السماوات والأرض..... ١٤٤- ومن الإبل اثنين..
١٦- من يصرف عنه يومئذٍ..... ٥٩- وعنده مفاتح الغيب..... ١٠٢- ذلكم الله ربكم..... ١٤٥- قل لا أجد فى ماأوحى إلىّ..
١٧- وإن يمسسك الله بضرٍ..... ٦٠- وهو الذى يتوفاكم بالليل..... ١٠٣- لا تدركه الأبصار..... ١٤٦- وعلى الذين هادوا حرمنا..
١٨- وهو القاهر فوق عباده..... ٦١- وهو القاهر فوق عباده..... ١٠٤- قد جاءكم بصائر من ربكم..... ١٤٧- فإن كذبوك فقل ربكم ذورحمةٍ..
١٩- قل أى شىءٌ أكبر شهادة..... ٦٢- ثم ردواإلى الله مولاهم الحق..... ١٠٥- وكذلك نصرف الآيات وليقولوا..... ١٤٨- سيقول الذين أشركوا..
٢٠- الذين ءاتيناهم الكتاب..... ٦٣- قل من ينجيكم من ظلمات البر..... ١٠٦- اتبع ما أوحى إليك من ربك..... ١٤٩- قل فلله الحجة البالغة..
٢١- ومن أظلم ممن افترى..... ٦٤- قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب..... ١٠٧- ولو شاء الله ما أشركوا..... ١٥٠- قل هلم شهداءكم..
٢٢- ويوم نحشرهم جميعاً..... ٦٥- قل هو القادر على أن يبعث..... ١٠٨- ولا تسبوا الذين يدعون..... ١٥١- قل تعالواأتل ما حرم ربكم..
٢٣- ثم لم تكن فتنتهم إلا..... ٦٦- وكذب به قومك وهو الحق..... ١٠٩- وأقسموا بالله جهد أيمانهم..... ١٥٢- ولاتقربوامال اليتيم إلا..
١٢- قال ما منعك ألا تسجد..... ٦٥- وإلى عادٍ أخاهم هوداً..... ١١٨- فوقع الحق..... ١٧١- وإذ نتقنا الجبل فوقهم..
١٣- قال فاهبط منها..... ٦٦- قال الملأ الذين كفروا من قومه..... ١١٩- فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين... ١٧٢- وإذ أخذ ربك من بنى ءادم..
١٤- قال أنظرنى إلى يوم يبعثون..... ٦٧- قال يا قوم ليس بى سفاهةٌ..... ١٢٠- وألقى السحرة ساجدين... ١٧٣- أو تقولوا إنما أشرك ءاباؤنا..
١٥- قال إنك من المنظرين..... ٦٨- أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح..... ١٢١- قالوا ءامنا برب العالمين... ١٧٤- وكذلك نفصل الآيات..
١٦- قال فبما أغويتنى..... ٦٩- أوعجبتم أن جاءكم ذكر..... ١٢٢- رب موسى وهارون... ١٧٥- واتل عليهم نبأ الذى ءاتيناه..
١٧- ثم لآتينهم من بين أيديهم..... ٧٠- قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده..... ١٢٣- قال فرعون ءامنتم به..... ١٧٦- ولو شئنا لرفعناه بها..
١٨- قال اخرج منها مذءوما. ً... ٧١- قال قد وقع عليكم من ربكم رجسٌ..... ١٢٤- لأقطعن أيديكم وأرجلكم..... ١٧٧- ساء مثلاً القوم الذين كذبوا..
١٩- وياآدم اسكن أنت وزوجك..... ٧٢- فأنجيناه والذين معه..... ١٢٥- قالوا إنا إلى ربنا منقلبون... ١٧٨- من يهد الله فهو المهتدى..
٢٠- فوسوس لهما الشيطان..... ٧٣- وإلى ثمود أخاهم صالحاً..... ١٢٦- وما تنقم منا إلا أن ءامنا..... ١٧٩- ولقد ذرانا لجهنم كثيراً..
٢١- وقاسمهما إنى لكما..... ٧٤- واذكروا إذ جعلكم خلفاء..... ١٢٧- وقال الملأ من قوم فرعون..... ١٨٠- ولله الأسماء الحسنى..
٢٢- فدلاهما بغرور..... ٧٥- قال الملأ الذين استكبروا..... ١٢٨- قال موسى لقومه استعينوا بالله..... ١٨١- وممن خلقنا أمةٌ يهدون..
٢٣- قالاربنا ظلمنا أنفسنا..... ٧٦- قال الذين استكبروا..... ١٢٩- قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا..... ١٨٢- والذين كذبوا بآياتنا..
٢٤- قال اهبطوابعضكم لبعضٍ عدو..... ٧٧- فعقروا الناقة..... ١٣٠- ولقد أخذنا ءال فرعون بالسنين..... ١٨٣- وأملى لهم إن كيدى متين
سورة الأنفال سورة مدنية نزلت عقب غزوة بدر التي كانت فاتحة الغزوات في تاريخ الإسلام المجيد وبداية النصر لجند الرحمن حتى سمّاها بعض الصحابة بسورة بدر وسمّاها الله تعالى في القرآن الكريم بـ(الفرقان). لأنها تناولت أحداث هذه الموقعة باسهاب ورسمت الخطة التفصيلية للقتال وبيّنت ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من البطولة والوقوف في وجه الباطل بكل جرأة وشجاعة وصمود. وقد كان عدد المسلمين ٣١٣ مقابل ١٠٠٠ من المشركين لكن المسلمين على قلة عددهم انتصروا بعون الله تعالى وباستعدادهم للحرب على المشركين مع كثرتهم وكانت اول المعارك بين الحق والباطل في التاريخ الإسلامي.
وقد سبق في السور الطوال التي سبقت الأنفال أن عرض الله تعالى لنا المنهج وكيف نثبت عليه بالتوحيد الخالص لله وبالعدل وحسم المواقف ثم جاءت سورة الأنفال ليبّين لنا أنه حتى ينتصر المنهج يجب أن يكون له قوانين للنصر فالنصر لا يأتي صدفة ولا فجأة وإنما يحتاج إلى قوانين، فسورة الأنفال تتحدث عن قانوني النصر في غزوة بدر والتي يمكن أن تكون عامة لكل الغزوات والمعارك بين الحق والباطل.
١. قوانين ربّانية (النصر من عند الله)
٢. قوانين مادية (الإستعداد للقتال بالعدة والتهيئة النفسية والعسكرية)
والسورة تنقسم الى قسمين بارزين كل منهما يتناول أحد هذه القوانين. والسورة تحتوي على توازن بين القانونين، النصر من عند الله فبعد التوحيد الخالص لله في سورة الأنعام وأن كل شيء لله تعالى كان النصر من عند الله امراً طبيعياً، ولكن لا بد من التخطيط والإستعداد (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، آية ٥٣ بمعنى نبذل كل الجهد ونتوكل على الله حتى ينصرنا.
هذه السورة الكريمة هي من أواخر ما نزل على رسول الله - ﷺ - عقب غزوة تبوك أي بعد ٢٢ عاماً من بدء الرسالة والوحي. وكأن هذه السورة تمثل البيان الختامي للدعوة والرسالة وقد نزلت في وقت كان المسلمون يستعدون للخروج برسالة الإسلام إلى خارج الجزيرة العربية والإنفتاح بهذه الرسالة على العالم كله، لذا فإن توقيت نزول سورة التوبة في غاية الدقة والحكمة.
وهي السورة الوحيدة في القرآن التي لم تبدأ بالبسملة، فالبسملة هي بمثابة بوابة تنقل القارئ من عالم إلى آخر تحت اسم الله تبارك وتعالى. والسرّ في عدم افتتاح السورة بالبسملة هي أن السورة نزلت في فضح الكفّار وأعمالهم وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سئل عن عدم كتابة البسملة في سورة التوبة: إن (بسم الله الرحمن الرحيم) أمان، وبراءة (أي سورة التوبة) نزلت بالسيف ليس فيها أمان. والسورة نزلت في المنافقين ولا أمان للمنافقين وكأنما حرمهم الله تعالى من رحمته بالبسملة. وقد روي عن حذيفة بن اليمان أنه قال: إنكم تسمونها سورة التوبة وإنما هي سورة العذاب، والله ما تركت أحداً من المنافقين إلا نالت منه.
تسمى سورة التوبة بأسماء عديدة وصلت إلى ١٤ اسماً منها: براءة، التوبة، المخزية، الفاضحة، الكاشفة، المنكلة، سورة العذاب، المدمدمة، المقشقشة، المبعثرة، المشردة، المثيرة والحافرة. وقد فضحت هذه السورة الكفار والمنافقين والمتخاذلين وكشفت أفعالهم. وورود سورة التوبة بعد الأنفال له حكمة هي أن الأنفال تحدثت عن أول غزوة للمسلمين (غزوة بدر) والتوبة تتحدث عن غزوة تبوك وهي آخر غزوة في عهد الرسول - ﷺ - حتى نستشعر الفرق في المجتمع الإسلامي بين الغزوتين وكأنها تعطي صورة تحليلية للمجتمع فكأنهما سورة واحدة بدايتهما نصر أمّة ونهايتهما تمكين أمّة.
سورة المطففين... سورة الفجر... سورة الزلزلة... سورة الشرح... سورة الماعون... المعوذتين
سورة النبأ
*تناسب خواتيم المرسلات مع فواتح النبأ*
نحن توقفنا عند سورتي المرسلات والنبأ، السورتين السابعة والسبعين والثامنة والسبعين. خاتمة سورة المرسلات في جزاء كلٍ من المؤمنين والمكذبين (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١)) إلى أن يقول (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (٤٦)) وبداية سورة النبأ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)) والنبأ العظيم عند أغلب المفسرين هو يوم القيامة فارتبط ما قبلها بما بعدها لأنه تلك من أحوال القيامة وهذا التساؤل هو عن يوم القيامة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥)) ثم (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)) سيكون هناك ارتباط بالسورة التي قبلها.
**هدف السورة**
هي سورة مكيّة وسميّت النبأ لأن فيها الخبر الهام عن القيامة والبعث والنشور وتدور آياتها حول إثبات عقيدة البعث التي أنكرها المشركون. وقد أخبرت الآيات عن موضوع القيامة والبعث والجزاء وأقامت الدلائل على قدرة الله تعالى في الكون وأن القادر على خلق هذا الكون بما فيه قادر على إعادة خلق الإنسان بعد موته. وذكرت البعث وجهنم التي أعدت للكافرين وما فيها من أنواع العذاب المهين للكفار والمشركين وفي مقابل هذا جاء وصف ما أعده الله تعالى للمتقين وهذا أسلوب الترغيب والترهيب الذي كثيراً ما نجده في الآيات والسور. ثم ختمت السورة بالحديث عن أهوال يوم القيامة.
***من اللمسات البيانية فى سورة النبأ***
آية (٢):
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د. فاضل السامرائى)
قال في الجاثية (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦)) وقال في الأحقاف (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣)) هو ربهما وخلقهما، في الجاثية قال (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)) - (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤)) له الكبرياء وحده وهؤلاء ماذا فعلوا؟ هل لهم كبرياء؟ ليس لديهم كبرياء. (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)) – (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ (٤)) ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات؟ إذن له وحده الكبرياء في السموات والأرض.
**هدف السورة: الإستجابة توفيق وهداية من الله لمن أراد أن يسمع**
سورة محمد والفتح والحجرات يجمعها محور واحد وهو الرسول - ﷺ - والسور الثلاثة مدنية ولكل منها هدف خاص بها نستعرضه فيما يلي كل سورة على حدة.
سورة الحجرات هي سورة تتحدث عن أدب العلاقات والتعامل مع الرسول - ﷺ - ومع المسلمين والناس عامة. وكأن الهدف من هذه الآداب والتوجيهات أنكم يا من سينزّل عليكم الفتح تأدبوا بالعلاقات مع الرسول - ﷺ - هذا بالإضافة إلى الصفات التي أوردها الله تعالى في سورة الفتح (آية ٢٩). فكأنما أراد الله تعالى أن يجمع لهم صفات العبادة والعمل مع الصفات الخلقية والذوقية حتى يكونوا أهلاً للفتح من عند الله تعالى. وقد تضمّنت السورة العديد من الآداب نستعرضها فيما يلي:
١. الأدب مع الشرع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آية ١.
٢. الأدب مع النبي - ﷺ - :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) آية ٢ و ٣.
٣. أدب تلقّي الأخبار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) آية ٦.
٤. أدب الأخوّة بين المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) آية ١٠.
قال في أواخر سورة محمد (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (٣٥)) وقال في بداية الفتح (وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٣))، وفي محمد قال (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ (٣٥)) وقال في الفتح (وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٣)).
السورة مكّية وقد بدأت بالقسم بالقرآن الكريم الذي يكذب به المجرمون. وفيها تعرض الآيات طريق النار وطريق الجنة عن طريق حوار في الآيات بين الملائكة وأهل النار والعياذ بالله (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) آية ٢٣ إلى (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) ٣٠. وبينهم وبين أهل الجنة جعلنا الله تعالى منهم (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) آية ٣١ إلى (لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ٣٥. ونلاحظ بلاغة التعبير القرآني في قوله تعالى (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) وبين قوله تعالى (وأزلفت الجنة للمتقين) فالنار تقول هل من مزيد دليل على سعة جهنم وأنها تتسع لكل المجرمين والكفار لو ألقوا فيها، أما الجنة فقد أدنيت من المؤمنين المتقين حتى تكون بمرأى منهم زيادة في إكرامهم. فبعد هذا التصوير الدقيق يا ترى ماذا نختار؟؟
وفي السورة أيضاً عرضت الآيات للنوازع الثلاثة التي قد تؤثّر على الإنسان وتؤدي إلى هلاكه:
وسوسة النفس البشرية: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) آية ١٦.
وسوسة الشيطان: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) آية ٢٣.
الغفلة: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) آية ٣٧.
وتختم الآيات في هذه السورة بتذكرة الناس بالقرآن الكريم لأن فيه التذكرة لمن خاف عذاب الله وأراد أن يتّقيه فينجو بفضل الله تعالى (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) آية ٤٥.
قال في محمد (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) وقال في الأحقاف (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)). قال في آخر الأحقاف (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)) وقال في محمد (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (٢)). وقال في آخر الأحقاف (بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (٣٥)) وفي أول محمد (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ (٤)) نوعية الهلاك، طريقة إهلاكهم هكذا.
استطراد من المقدم: هنالك دعوة أن القرآن يفسر بعضه بعضاً هذه نظرية طيبة لا بد من النظر إليها ومن الواضح أن كل آية تفسر الآية التي قبلها وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً لا نحتاج إلى كثير إعمال عقل يبين العذاب والهلاك والتوحيد والفئات والعقاب ويدلنا على الطريق الصواب أن نلجأ إلى رحمة الله تعالى.
**هدف السورة : إتّباع محمدهو مقياس قبول الأعمال**
سورة محمد والفتح والحجرات يجمعها محور واحد وهو الرسول - ﷺ - والسور الثلاثة مدنية ولكل منها هدف خاص بها نستعرضه فيما يلي كل سورة على حدة.
ورد في سورة محمد ذكر إحباط الاعمال وقبولها ١٢ مرّة في ٣٨ آية وهذا لأهمية الأعمال في حياة المسلم، وتربط السورة دائماً مسألة قبول أو إحباط الأعمال بإطاعة الرسول - ﷺ - واتّباع أوامره وسنّته. كما جاء في السورة ذكر القتال لأنه امتحان لصدق أتباع الرسول - ﷺ - وهو أمر شاقُ على الأنفس فطاعة الرسول تتمثل في إقبالهم على الجهاد في سبيل الله. ، والحبوط لغة هو انتفاخ بطن الدّابة حيت تأكل نوعاً ساماً من الكلأ ثم تلقى حتفها، وهذا اللفظ أنسب شيء لوصف الأعمال التي يظنّ أصحابها أنها رابحة ولكنها تنتهي إلى البوار.
طاعة الرسول وارتباطه بقبول أو إحباط الأعمال:
السورة مدنية وهي تدل في آياتها على أنه علينا التوازن بين المادية والروحانية وتحدثت السورة عن نوعين من الناس: الماديين الذي أخذتهم الحياة وخاطبهم الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) آية ١٦، وتكلمت أن الذين عاشوا في روحانية مطلقة وخاطبهم الله تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) آية ٢٧، والنموذجين لم يستطيعوا أن يكملوا حمل الرسالة والمنهج. وجاءت الآية بعد خطاب الماديين (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) آية ١٧ أن الله الذي يحيي الأرض بعد موتها فالله تعالى القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي القلوب في الصدور.
فالسورة تقول مخاطبة أمة محمد: أنتم لا ماديين كبني إسرائيل ولا متفرغين للروحانية كالنصارى إنما أنتم متوازنين بين الإثنين.
خاتمة سورة ق في يوم الحشر وكذلك في أول الذاريات. في أواخر ق قال (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢)) وفي الذاريات (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)) كأنما استكمال لـ ق. واستمر في الذاريات ذكر عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥)) كذلك في ق ذكر الصنفين (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)) تقابل المكذبين (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)). (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)) في مقابل الكفار يسألون أيان يوم الدين (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣))، ألقيا في جهنم – يوم هم على النار يفتنون. ثم ذكر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥)) مقابل (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١)) في سورة ق، المشهد هؤلاء الحشر في الآيتين ثم ذكر الصنفين الكفار والمؤمنين في الآيتين وجزاء كل منهما.
**هدف السورة : العطاء والمنع بيد الله تعالى**
وهذ السورة هي أول سورة في القرآن موجهة إلى الجنّ والإنس معاً وفيها خطاب مباشر للجن (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) آية ٣١ إلى ٣٣.
وختمت السورة بتمجيد الله تعالى والثناء عليه لأن النعم تستحق الثناء على المنعم وهو أنسب ختام لسورة سميّت باسم من أسماء الله الحسنى (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) آية ٧٨ وهذا الختام يتناسب مع البداية في أروع صور البيان.
***من اللمسات البيانية فى سورة الرحمن***
*ما دلالة تكرار الآية (فبأي آلآء ربكما تكذبان) في سورة الرحمن؟(د. فاضل السامرائى)
تكرار الآيات قد يكون للتوكيد ففي ذكر النار من قوله تعالى (سنفرغ لكم أيها الثقلان) تكررت الآية ٧ مرات على عدد أبواب جهنم أما في الجنة (من دونهما جنتان) تكررت الآية ٨ مرات على عدد أبواب الجنة.
وفي نفس الآية لمن يوجّه الله تعالى خطابه في قوله (فبأي آلآء ربكما تكذبان)؟
*(وَالطُّورِ (١) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) الطور) ما اللمسة البيانية في كلمة رَقّ؟(د. فاضل السامرائى)
الرَق هو الجلد الرقيق يُكتب فيه ومنشور أي المبسوط بالنظر، لكن ما هو هذا الرَق الذي كُتب فيه؟ يختلف المفسرون قسم يقول هي أعمال العباد ربنا سبحانه وتعالى يعطي للعبد يوم القيامة يخرج له كتاباً يلقاه منشوراً، ربنا يُقسم الكتاب المسطور في الرَق المنشور وقسم قال هو اللوح المحفوظ وقسم قال هو ما يؤتاه العبد يوم القيامة (صحائف الأعمال) والرَق جلد رقيق للكتابة. منشور توضح الرَق قد يكون منشوراً لمن يراه في الملأ الأعلى والله أعلم والآية تحتمل الوجهين ليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى دون الآخر.
آية (٨):
*ما الفرق بين (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (٨) الطور) و(لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) المعارج)؟ لماذا استعمل مرة (ليس) ومرة (ما)؟ (د. حسام النعيمى)
سؤال طريف حقيقة يدل على تنبّه أنه كلتا الآيتين تنفي وجود الدافع عن العذاب. العذاب واقع ففي الآية الأولى لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب وفي الآية الثانية لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب. لكن صيغة التعبير مرة جاءت (ما له من دافع) ومرة جاءت (ليس له دافع) فهو من حقه أن يسأل حقيقة لأنها تلفت النظر. بشكل أولي حقيقة نحن عندنا تأكيد الجمل : الجملة الإسمية آكد وأقوى من الجملة الفعلية. (ليس) فعل فحينما تنبني مع مبتدأ وخبر تكون الجملة فعلية ولذلك الجملة مع (ليس) أقل توكيداً. أنت تقول: ليس زيدٌ حاضراً في نفي حضور زيد لمن ليس في ذهنه شيء لكن إذا كان شاكّاً فلك أن تقول له: ليس زيدٌ بحاضر لك تؤكده بالباء ولك أن تنتقل من الجملة الفعلية إلى الجملة الإسمية فتقول: ما زيد حاضراً لأن (ما) حرف فدخولها على الجملة لا ينقلها من إسميتها إلى الفعلية. (ما زيدٌ حاضراً) آكد من (ليس زيد حاضراً) فيها تأكيد.
هذه السورة تتحدث بمعظم آياتها على نماذج لمن كذّب بآيات القرآن وتحمل السورة طابع التهديد والوعيد والإنذار مع صور شتّى من مشاهد العذاب والدمار. وقد تكرر فيها ذكر (فكيف كان عذابي ونذر) وكذلك (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) وتحدثت عن قوم نوح (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) آية ١٢، وقوم عاد (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) آية ١٩، وقوم ثمود (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) آية ٣١، وقوم لوط: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ) آية ٣٤، وآل فرعون: (كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ) آية ٤٢. وكلها تتحدث عن كيفية غضب الله تعالى لنتعرف عليه من خلال النقم التي لحقت بمن كذّب بهذا القرآن. وقد ختمت السورة بآية بيّنت مآل السعداء المتقين لتحافظ على توازن اسلوب القرآن في الترغيب والترهيب (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) آية ٥٤.
***من اللمسات البيانية فى سورة القمر ***
آية (٦):
* ما الفرق بين نُكر ونُكُر (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) القمر)؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) القمر) جاءت نُكُر بضم الكاف هنا ولا تصلح هنا مع الفاصلة أن تأتي نُكر وفي الحقيقة أن صيغة فُعُل غير صيغة فُعْل بتسكين العين ولكا منها دلالة خاصة. يقال باب فُتُح أي مفتّح لا يُغلق ويقال من وجد باباً مُغلقاً فإن هناك بابًفُتُحا هو باب الله. ويقال قارورة فُتُح أي ليس لها غطاء أصلاً.
وقد أسهبت الآيات في عرض أن الوحي صدق من الله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) آية ٣ و٤، و(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) آية ١١، و (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) آية ١٧ وكلها تؤكد على أن العلم والمعرفة هي من الله تعالى. فإياكم أن يكون في النفس شك أو ريب في صدق هذا الوحي الذي هو من علم الله تعالى وإياكم أن تكونوا كالأمم السابقة فيصيبكم ما أصابهم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) آية ٢٣، و(وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) آية ٢٨، و (ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) آية ٣٠ و (أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) آية ٣٥.
وعلينا أن نقارن من أين نستقي العلم والمعرفة عن الله تعالى. فالنجم وهو يهوي أو يسقط هو ظاهرة مادية واضحة ومع وضوحها فكذلك الوحي الذي نزل على النيي صادق وواضح والنبي - ﷺ - لا يضل ولا يهوي وهذا دليل وثوق الوحي والقرآن.
***من اللمسات البيانية فى سورة النجم***
المعراج: (سورة النجم من الآية ١ إلى الآية ١٨)(د. فاضل السامرائى)
سورة الواقعة مكّية وهي تشتمل على أحوال يوم القيامة وتركّز على انقسام الناس إلى ثلاث طوائف (أصحاب اليمين (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) آية ٨، أصحاب الشمال (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) آية ٩، والسابقون (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) آية ١٠ ) وتحدثت السورة عن مآل كل من هذه الطوائف وما أعده الله تعالى لهم من الجزاء العادل. وتحدثت السورة عن دلائل قدرة الله تعالى في الكون (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ) آية ٥٨ و (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ) آية ٦٣، و (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ) آية ٦٨، و(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) آية ٧١ لتجيب عن سؤال: من مالك الكون غير الله تعالى؟ ثم تتحدث عن لحظات خروج الروح وحال كل من الطوائف الثلاث في هذا الموقف ثم تنتقل إلى التذكير بعاقبة كل منهم (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) آية ٨٨ و(وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) ٩٠ و (وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) آية ٩٢.
فكأنما السورة ابتدأت بذكر الطوائف الثلاث ثم عرضت لقدرة الله تعالى في الكون وبأنه مالك الكون كله في الوسط ثم اختتمت بذكر الطوائف الثلاث وعاقبتهم في الآخرة.
وختمت السورة (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) آية ٩٦ تسبيح لله تعالى العظيم لتمهّد لبداية سورة الحديد.
***من اللمسات البيانية فى سورة الواقعة***
آية (٧):
*ما دلالة (كان) فى قوله تعالى(وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧) الواقعة)؟(د. فاضل السامرائى)
دور الأسرة في قضية الإنماء دور هام وعظيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) آية ٦ فالأسرة محور أساسي في ترابط المجتمع وبدونها يتفكك ولا يوجد انتماء والمرأة لها دور أساسي في كل هذا لأنها هي التي تربي الأجيال وتؤثر على أفراد المجتمع وهي مصنع الرجال. وقد ضرب لنا القرآن الكريم أمثلة عن نماذج نساء نجحوا في انتمائهم كامرأة فرعون ومريم بنت عمران (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) آية ١١ و ١٢ وأخريات فشلوا في هذا الإنتماء للدين واختاروا غيره فنالوا عقابهم (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) آية ١٠. فالإنتماء مسألة هوية وآن لنا أن ننتمي للدين وللأمّة الإسلامية.
***من اللمسات البيانية فى سورة التحريم***
آية (١):
* ما الفرق بين يا أيها النبي ويا أيها الرسول؟(د. فاضل السامرائى)
بيّنت خطورة بعض الأولاد والزوجات الذين قد يلهوا المسلم عن الإنتماء للإسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية ١٤ وهذا في الغبن (ذكر من أولادكم أي ليس الكل) أما في الفتنة فجاءت الآية (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ١٥ للكل ولم يستثني أحدا. ولكي تحافظ على الإنتماء عليك أن تنتبه لما قد يشغلك عن الدين وانتمائك له.
***من اللمسات البيانية فى سورة التغابن***
آية (١):
*فى الآية الأولى من سورة التغابن هى الوحيدة من آيات التسبيح فى بدايات السور التى لم تختم ب(العزيز الحكيم) فما دلالة ذلك؟ (د. فاضل السامرائى)
كل السور التي تبدأ بالتسبيح يكون فيها العزيز الحكيم هذان الإسمان الكريمان أو شبيهان بهما إما في الآية أو في السورة، كل سورة تبدأ بالتسبيح إما يقول العزيز الحكيم أو نحو هذا أو السورة لا تخلو من هذين الإسمين العزيز الحكيم إلا آية واحدة في سورة التغابن ختمت بقوله تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) التغابن) وختم السورة بقوله (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) التغابن)، لماذا؟
ليس هذا فقط وإنما ذمّ بني إسرائيل في السورتين الصف والجمعة، قال في الصف (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)) وفي الجمعة قال (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)) فهنالك تناسب بينهم.
**هدف السورة**
رمز الوحدة والإنتماء والوحدة بين المؤمنين وبعضهم واجتماع المؤمنين. والسورة حددت أهداف صلاة الجمعة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) آية ٢ يتلوا آياته، يزكيهم، يعلمهم الكتاب والحكمة، هذه الأهداف التي يجب أن تكون عليها صلاة الجمعة فهل تؤدي الصلاة الآن الهدف بالتزكية والوحدة والإجتماع؟ الجمعة هو يوم وحدة الأمة ويوم تذكرة الأمة وهذا من ضمن الإنتماء للإسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) آية٩ وقد جاء في السورة ذكر اليهود الذين لم ينتموا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) آية ٥.
***من اللمسات البيانية فى سورة الجمعة***
آية (١):
هدّد به، (أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) كيف أذلهم وغلبهم؟ (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) فصّل المجمل الذي سبق.
سؤال: إذن لا يجب أن نتعب أنفسنا في تفسير القرآن لأنه واضح أن الآيات تفسر بعضها فلا نحتاج إلى تفسير لفهم كتاب الله؟
لا شك أن هناك استفادة كبيرة من الآيات بعضها من بعض لكن هناك استنباطات أخرى وأحكام. بالنسبة للعوام يمكن أن يفهموا كتاب الله تعالى كل على حسب علمه. قال تعالى (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (٨٣) النساء) إذن هناك أحكام تحتاج إلى استنباط، فهم القرآن يكون كل واحد على قدر ما أوتي من علم. ليس القرآن صعباً كما يقول بعض المسلمين أنهم يقرأون القرآن ولا يفهمون شيئاً، هذا غير صحيح لأن هناك آيات مفهومة مثل (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) الإخلاص) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) الفاتحة) كل واحد يفهمها (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (٢٧٥) البقرة) آيات الأحكام فيها سهولة للجميع.
**هدف السورة**
هدف الجزء الثامن والعشرون : الإنتماء للإسلام والتبرأ من المشركين والكفر
من اسمها فيها دعوة للصفّ والوحدة والتراصّ في سبيل الله وفيها آيات تدل على المزيد من الإنتماء (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) آية ٤، وآيات تدل على العكس (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) آية ٨ وتختم السورة بسيدنا عيسى ودعوته إلى الحواررين أن ينتموا إلى الإسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) آية ١٤، فالإنتماء حتى عند سيدنا عيسى والحواريين والدين ليس محصوراً بالصلاة والصوم والعبادة وإنما هو الإنتماء للدين أيضاً.
***من اللمسات البيانية فى سورة الصف***
آية (١):
* ما دلالة استعمال (ما) في قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)) في سورة الصف؟ وما الفرق بين استخدام (سبّح لله) بصيغة الماضي وفي بعض السور (يسبح) بصيغة المضارع فهل هذا مقصود بذاته؟
د. فاضل السامرائى :
توجد ظاهرة في آيات التسبيح في القرآن كله. إذا كرّر (ما) فالكلام بعدها يكون على أهل الأرض. وإذا لم يكرر (ما) فالكلام ليس على أهل الآرض وإنما على شيء آخر.
في آخر التغابن قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦)) وفي الطلاق (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣)) فاتقوا الله وأنفقوا ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، في الأموال والتقوى في نفس السياق.
**هدف السورة**
في آخر الحديد (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)) الفضل بيد الله ونلاحظ في أول سورة المجادلة أنه تعالى سمع للمرأة التي تجادل في زوجها وتشتكي إلى الله (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)) فالله سبحانه وتعالى الذي سمع للمرأة وحفظها من الضياع (وهي خولة بنت ثعلبة مع زوجها أوس بن الصامت) أليس هذا من فضل الله بهذه المرأة التي سمعها من فوق سبع سموات وحفظها من الضياع وحفظ المسلمين من أمثال هذه الحادثة؟ هذا أمر والأمر الآخر أنه ذكر في سورة الحديد (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا (٢٧)) وحالة الظهار هي من الأمور المبتدعة التي لم يكتبها الله تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢)) والظهار يعني يقول الرجل لزوجته أنت عليّ كظهر أمي فتحرُم عليه، أليس هذه من المبتدعات (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) والرهبانية التي ابتدعوها (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)؟! هذا ابتداع وهذا ابتداع، كلاهما بدعة.
**هدف السورة**
في خواتيم الحشر قال (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٣)) وفي أوائل الممتحنة قال (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)) يثقفوكم يعني يتغلبوا عليكم، كأن الكلام واحد في الآيتين. نلاحظ في الحشر (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٣) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (١٤)) (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) الممتحنة) كأن الآية استكمال لما قبلها والكلام واحد. (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) هم ليسوا على قلب واحد في سورة الحشر لكن مع ذلك (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً) في كل الأحوال هم أعداء.
ثم ذكر صفة متشابهة في اليهود والمنافقين في السورتين قال في اليهود في الجمعة (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧)) وقال في المنافقين (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)) فذكر الصفتين في السورتين إحداهما في اليهود والأخرى في المنافقين وهي الجُبْن فيهما. قال في المنافقون (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧)) وفي الجمعة قال (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)) كأنما جزء من آية واحدة وكأنها تتمة لما قبلها.
**هدف السورة**
تتكلم عن صفات المنافقين (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) آية ١ ومن اللمسات البيانية في هذه الآية ورود (والله يعلم إنك لرسوله) لأنها لو لم ترد لكان المعنى أن الله تعالى يكذّب المنافقين الذين شهدوا للرسول بالرسالة وحاشا لله أن يشهد هذا. لكنه علم ما في نواياهم وما قصدوه من شهادتهم هذه. وجاء في السورة ذكر خمسة عشر صفة للمنافقين وهم يمنعون وحدة الصفّ. وتختم الآيات بدعوة المؤمنين بعدم جعل الأولاد والأموال أداة تلهيهم عن إنتمائهم لهذا الدين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) آية ٩ وفي هذا تقديم لما سيأتي بالتفصيل في السور الثلاثة اللاحقة (التغابن، التحريم، الطلاق).
والسورة تبدأ بقوله تعالى (هل أتى). إن المفسرين وأهل اللغة عموماً يقولون هل هنا معناها (قد) بمعنى (قد أتى) لكن لا يُقصد بها الإخبار وإنما (قد) مسبوقة باستفهام بمعنى (أقد أتى) فالإستفهام قائم والقصد منه التقرير وليس الإستفهام حقيقة. فالإستفهام حقيقة هو أن يسأل الإنسان (هل أتى) لا أن يُخبر الإنسان (قد أتى) كما أننا لا نقول لشخص قد أنعمت عليك لكن تقول هل أنعمت عليه ليأتي الجواب منه بنعم. فالله تعالى يسأل هل أتى على الإنسان فيجيب الإنسان نعم فجواب السؤال لكل من يسأل هو نعم إذن من الذي خلق الإنسان بعد أن كان عدماً؟ إذا كان أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا فمن الذي خلقه؟ فالجواب (إنا خلقنا الإنسان) أياً كان هذا الإنسان لم يكن شيئاً مذكوراً.
في أول سورة الجن قال على لسان مؤمني الجنّ (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)) وفي أواخر نوح قال قوم نوح (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣)) فرق بين المؤمن والكافر (لن نشرك بربنا أحداً) – (لا تذرنّ آلهتكم). تذرنّ بمعنى تتركون، إذن هم يدعون إلى الشرك وعدم ترك الآلهة. في الجن قال (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)) وفي نوح قال (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (٢٤)). قال في نوح (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (٢٥)) وفي الجن قال (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)) القاسطون أي الظالمون وقال (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)). قال في الجن (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦)) وفي نوح قال (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١)) وكأن الاستقامة على الطريقة تتمثل في استغفار الله تعالى.
آياتها كلها تذكّر بالآخرة. والتذكرة بالآخرة هي وسيلة مهمة للداعية وهي من أهم ما يجب أن يستخدمه الداعية في دعوته لأن التذكرة بالآخرة ترقق القلوب القاسية. وقد احتوت السورة على مشاهد عظيمة من يوم القيامة يوم يظهر الحق الكامل ويعلم الناس إذا كانوا في الجنة أو النار.
***من اللمسات البيانية فى سورة الحاقة***
آية (٤):
*ما دلالة تقديم ثمود على قوم عاد في سورة الحاقة مع أنها تتأخر في باقي القرآن؟(د. فاضل السامرائى)
هذه الظاهرة موجودة في خمس سور تبدأ بالأحرف المقطعة وليس وراءها مباشرة لا ذكر قرآن ولا ذكر كتاب. لكن لما تتلو السورة كاملة ستجد في داخلها ذكراً للكتاب والقرآن أو الكتاب وحده أو القرآن وحده أو الذكر، هذه مسألة. والمسألة الثانية هي جميعاً في نهايتها كلام على القرآن فكأنها تأخذ الأول والآخر، في البداية (ألم) وفي الآخر كلام على القرآن أو الذكر أو حديث عن هذا الذي أُنزل على الرسول - ﷺ - فيكون جمعاً بين الاثنتين، والنقطة الثالثة لكا يكون عندنا ٢٩ موضعاً، ٢٤ منها بهيئة معينة، الخمسة الباقية تكون محولة على الكثير تُفهم من خلال الكثير. لما عندي مجموعة من الطلبة يقرأون القرآن تقول للأول إبدأ فيقرأ فتلتفت إلى شخص تقول له يا زيد أكمل فيُكمِل ثم تلتفت لآخر وتقول يا عمرو أكمل فيُكمِل فلو استعملت يا فلان أكمِل ٢٤ مرة ألا يسعك بعد ذلك أن تقول يا فلان ويفهم أنه أكمِل؟! لا تقول له يا فلان أكمِل لأنك قلتها ٢٤ مرة فتكتفي أن تقول يا فلان فيعلم من ذلك. لما يكون ٢٤ موضعاً فيها بعد الأحرف المقطعة القرآن أو الكتاب، هذه الخمسة تابعة لها ولا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن أو الكتاب ذُكِر في داخل السورة وأنه جاء في الآخر.
النماذج:
سورة مريم (كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) قد يقول قائل أن الآية ليس فيها ذكر الكتاب وإنما ذكر الرحمة لكن لما نمضي في السورة نجد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦)) ذكر الكتاب وفي نهاية السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)) ما الذي يسّره بلسانه؟ واضح أنه القرآن فإذن ختمت السورة بكلام على القرآن.
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿١﴾ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴿٢﴾ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ ﴿٣﴾ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴿٤﴾ بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴿٥﴾ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿٦﴾ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ﴿٧﴾ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ﴿٨﴾ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴿٩﴾ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴿١٠﴾ كَلَّا لَا وَزَرَ ﴿١١﴾ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴿١٢﴾ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴿١٣﴾ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿١٤﴾ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴿١٥﴾ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿١٦﴾ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴿١٧﴾ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴿١٨﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿١٩﴾ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴿٢٠﴾ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴿٢١﴾ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴿٢٢﴾ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴿٢٣﴾ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ﴿٢٤﴾ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴿٢٥﴾ كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ ﴿٢٦﴾ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴿٢٧﴾ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴿٢٨﴾ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴿٢٩﴾ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴿٣٠﴾ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى﴿٣١ وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى {٣٢﴾ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ﴿٣٣﴾ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴿٣٤﴾ ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴿٣٥﴾ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴿٣٦﴾ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ﴿٣٧﴾ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴿٣٨﴾ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ﴿٣٩﴾ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن
وعَسِر غير عسير والكم في موضوع الصيغة المشبهة ودلالاتها ومعانيها طويل لكن نتحدث عنه بشكل موجز هنا. نقول مثلاً صيغة أفعل مثل أحمر تستعمل للنعوت والحُلى الظاهرة.
عسِر تستعمل للأشياء الداخلية، بينما أعسر تستعمل للصفات الظاهرة والجسمية.
مثل شريف وأشرف: أشرف تعمي المرتفِع الكتفين، وكذلك رئيس وأرأس بمعنى رأسه كبير. مليح بمعنى جميل وأملح بمعنى أبيض اللون. أسِف (فرجع موسى غضبان أسِفا) من الاندفاع وجاء في قول عائشة عن أبيها (إن أبا بكر رجل أسيف) هذه ليست حالة عارضة وإنما وصف له. وكذلك كبمة بطِن (بمعنى لا يهمه إلا بطنه) وبطين (بمعنى كبير البطن واسعه)، نشِط (مندفع وهي حالة اندفاعية) أما نشيط فهي صفة عامة.
فكلمة عَسِر غير عسير فيقال عسِر عليه الأمر فهو عسيِر فالأمر خاص به قد يكون عسِراً عليه لكنه ليس كذلك على غيره فقد يعسر أمر ما على طفل ولا يعسر على من هو أكبر منه.
أما عسُر الأمر : الوصف فيه عسير ويدل على الثبوت خِلقة أو اكتساباً (طويل، خطيب) ويُقال فقُه الرجل فهو فقيه (حالة ثبات) ويقال فقِه الرجل المسألة (تحديداً وليس على الاطلاق) فهو لها فاقِه أو فقِه.
فكلمة عسير تقال عندما يكون الأمر عسير في ذاته صعب أما عسِر فهو نسبي. وقد وصف تعالى قول الكافرين الذين يقولون (هذا يوم عسِر) لأنه نسبي لهم والله تعالى ييسره على من يشاء. هو لا شك يوم عسير كما وصفه تعالى في سورة المدّثر (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)) فهو على الكافرين عسير لكن قد لا يكون كذلك على غيرهم. ولو لم يحدد الله تعالى أنه عسير على الكافرين لكان عسيراً على الكل.
فكلمة عسِر وعسير اشتقاقهما من مادة واحدة (ع س ر) لكن المعنى اختلف باختلاف الصيغة. عسِر وعسير وأعسر كلها صفات مشبهة لكن لكل منها معنى مختلفاً عن الأخرى.
آية (١٦):
فيها آية متكررة هي هدف السورة (ويل يومئذ للمكذبين) فكأن سورة القيامة والإنسان تقول للداعية ادع واترك الهداية لله وسورة المرسلات تقول يا من كذبتم الدعوة عقابكم (ويل يومئذ للمكذبين) هذا عذابكم في الآخرة.
وخلاصة القول إن الدعوة إلى الله فريضة على كل مسلم ومسلمة حتى تتحقق فيهم آية (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) واستعينوا بقيام الليل على الدعوة واشحذوا هممكم بقيام الليل وعلى المسلمين الإجتهاد في الدعوة والهداية من عند الله تعالى فمن صدق الدعوة فاز ومن كذّب بالله فالويل له من عذاب يوم عظيم.
***من اللمسات البيانية فى السورة***
*(إذا) تستعمل لما يستقبل من الزمان وفي الآية (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) المرسلات) عقّب بعدها بفعل ماضي فهل يمكن توضيح هذا الاستعمال؟(د. حسام النعيمى)
صحيح أن العلماء يقولون (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه موصول لجوابه لكن الإستعمال العربي الغالب أن (إذا) تدخل على فعل ماضٍ (إذا جاء) لكن يكون معناه للمستقبل كأنه متحقق (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) النصر) فتدخل على الفعل الماضي وقد تدخل على الفعل المضارع لكن بقِلّة. وهناك بيت لأبي ذؤيب الهذلي:
والنفسُ راغبةٌ إذا رغّبتها وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنعُ
هذه السورة هي زاد الداعية. فالداعية محتاج للزاد الذي هو قيام الليل حتى يعينه على الدعوة ويقويه (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) آية ٢، ثم تنتقل إلى موسى - عليه السلام - وهو يواجه فرعون الذي تكبّر (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا) آية ١٥ فقيام الليل هو الذي يعين على صعوبات الحياة وعلى دعوة الناس بالنهار (زادك قيام الليل). وفي الآية الأخيرة في السورة (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آية ٢٠ كان قيام الليل في أول الدعوة مفروضاً على الرسول - ﷺ - والصحابة حتى يتقووا على الدعوة ثم خففت بعد السنة الأولى لأن فيها تمهيد للذين سيقاتلون في السمتقبل (فتح مكة).
***من اللمسات البيانية فى سورة المزمل***
آية (٣):
* هل البَدَل يفيد التوكيد؟(د. فاضل السامرائى)
للبدل عدة أغراض منها:
؟ أن يكون للإيضاح والتبيين كما في ((١٨٤) البقرة) طعام مسكين إيضاح للفدية.
؟ قد يكون للمدح أو الذمّ كما في ((١٦) العلق) و ((٣) التين).
في ستة مواطن في القرآن ورد (وقع على) لأن الوقوع هو سقوط من أعلى، المناسب للوقوع هو (على)، في مكان جاءت (واقع بهم) استعمل الباء وهنا استعمل اللام (للكافرين) ولكل استعمال غرضه البياني. من البداية (الباء) في قوله (بعذاب) عادة يقال سأل عن الشيء، سأل بالشيء فلا بد أن يكون لها لمسة بيانية. كان يمكن أن يقول: سأل سائل عن عذاب واقع على الكافرين والله تعالى لا يعجزه ذلك فلما يأتي بهذه الصيغة ينبغي أن نبحث. الباء (بعذاب) الباء للإلصاق كأنه ألصق الشيء يقال كتبت بالقلم كأنه إلتصق بيدك وقد تأتي للسببية (مررت على زيد بهذا الأمر) أي بسبب هذا الأمر. لما نبحث عن أسباب النزول - وليس شرطاً أن نعرف السبب وإنما من عموم اللغة- لكن السؤال هنا لم يكن سؤال مستفِهم وإنما سؤال طالِب. السؤال هو بمعنى الطلب، سأله أي يطلب إجابة وأحياناً يطلب شيئاً. أصل الآية عندما نزلت في إنسان كان عنده نوع من المجابهة ونوع العنجهية (إئتنا بعذاب) أي طلب عذاباً ويقال في الروايات أنه رُميَ بصاعق كما تقول الروايات وهو خارج، سأل العذاب فوقع عليه، فلما طلب هذا الطالب عذاباً (سأل سائل بعذاب) فالباء عند ذلك تكون زائدة – لا نعني أن وجودها كعدمه – لما نقول (وكفى بالله حسيباً) أو (وكفى بالله شهيدا) في غير القرآن يمكن أن نقول وكفى الله شهيداً، (وما ربك بظلام) وما ربك ظلام يقولون الباء زائدة لكن حقيقتها للتوكيد، حقيقة الباء للتوكيد. لما نقول هي زائدة فهذا مصطلح لا يعني أن وجودها كعدمه وإنما نعني أنها لا تتعلق وما بعدها بشيء لأن الجار والمجرور يتعلقان كما نقول (كتبت بالقلم) الجار والمجرور (بالقلم) يتعلقان بالفعل (كتب)، (زيدٌ في الدار) الجار والمجرور متعلقات بزيد أي زيد موجود في الدار.
في الملك قال (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)) ذكر في آخر التحريم من بلاه فأحسن العمل ومن بلاه فأساء العمل قال في آخر التحريم ذكر من الذين أحسنوا العمل امرأة فرعون وبنت عمران ومن الذين أساءوا امرأة لوط وامرأة نوح إذن هو ذكر صنفين وضرب لنا مثلين لمن أحسن العمل ولمن أساء العمل (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وضرب مثلين في خاتمة التحريم (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (١٢)). البلاء من قِبل الله سبحانه وتعالى لنوعين من الناس بلاهم فقسم أحسن وضرب لنا مثلاً وقسم أساء وضرب لنا مثلاً، هذا تناسب طيب.