في الآية الأولى قال (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) كلها بدون تعداد كل الخطايا ربما يكون واحد منهم شك قال لكن هذا خطاياكم شيء وأنا كوني قتلت فلان شيء آخر لأن بني إسرائيل عندهم جرائم رهيبة ورب العالمين أحياناً سلط بعضهم على بعض (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٥٤﴾ البقرة) يعني عاقبهم عقاباً أرسل عليهم زوبعة هائلة بحيث لا يرى الواحد الآخر وبالسيوف قتل بعضهم بعضاً قتل حوالي سبعين ألف حينئذٍ هذه ذنوب خطيرة ذنوب تتعلق يعني مثلاً سدينا موسى ذهب لكي يقابل رب العالمين فعبدوا العجل! من ينسى هذه الجريمة؟ اتخذوا العجل (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ ﴿١٣٨﴾ الأعراف) جرائم خطيرة عندهم حوالي سبع أو ثماني جرائم عددها القرآن الكريم من الموبقات. هذه خطايا المعدودة خطيئات وجملة الذنوب سماها خطايا. كلمة خطيئات وخطايا الخطايا كل ذنوبنا هي خطايا التي هي معالم خطيرة في حياتك تئن منها عند الموت هذه خطيئات فهنا لما رب العالمين مرة قال (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) كلها ثم قال حتى تلك الرهيبة وهي الخطيئات لأنها معدودة محددة معروفة لا ينساها العبد ويتذكرها جيداً وهو على فراش الموت وهي التي تهلكه وتوبقه يوم القيامة.
أما جاءهم البيّنات بالتذكير: فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي والتذكير فيه معنى القوة إختيار القوة وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿ ٨٦ ﴾ ) و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿ ١٠٥ ﴾ ) وفي سورة غافر (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿ ٦٦ ﴾ ).
*(كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ (٨٦) آل عمران) يجيء البيان القرآني من جديد بالاستفهام ويُعرِض عن البيان بالخبر لغرضٍ أراده الله تعالى لا يتأتى إلا بهذا الاستفهام، فما هو هذا الغرض؟(ورتل القرآ، ترتيلاً)
لو أعملت فكرك في حال القوم وكيف كفروا وكذبوا بعدما شهدوا الحق لعلمت أن المراد بالاستفهام إستبعاد الهداية عنهم وهذا حالهم.
آية (٨٧):
*(أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿ ١٥٩ ﴾ البقرة)بصيغة المضارع - (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (٥٢) النساء)بالماضى - (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ ﴿ ٨٧ ﴾ آل عمران) - (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿ ٢٥ ﴾ الرعد) -(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿ ٧٨ ﴾ ص) ما الفرق بين هذه التعبيرات؟(د. أحمد الكبيسى)
ثم نلاحظ أنه قال (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ولم يقل (إن الله هو السميع البصير) لأنه أثبت السمع والبصر بخلقه في السورة فقال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (٢٠)) هذا بصر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (٢٩)) هذا بصر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ (٣١)) هذا بصر، السمع (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا (٧)) هذا سمع، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (٢١)) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (٢٥)) إذن أثبت لهم السمع والبصر.
*حينما نتأمل في هذه الآية المتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أنها تعبر عن القدرة الإلهة في الخلق والبعث والقريب للعقل أن تختتم الآية إن الله على كل شيء قدير ولكن الآية ختمت (سميع بصير) فكيف نفهم الخاتمة في سياقيات الآية؟
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) فلا يكفي أن تكون قاضياً وتحكم بالحكم والحكم مات الرجل كفيل بأن يحصل على حقه تأتي أشكال وألوان رشاوى ووساطة ويموت فعلاً محكمة التنفيذ مقبرة الأحكام، محكمة الجنايات المحكمة المدنية محكمة بدائية حكمت المحكمة على رأسي ولكن ليس هناك تنفيذ هذا ليس قسطاً هذا مجرد عدل، القاضي عدل ولكنه لم يقسط (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أكمل يا أخي هذا الرجل المتخاصم لمدة شهرين وهو يتابع هذه القضية ومحامي ومصاريف ثم حكمت المحكمة ماذا بعد ذلك؟ من الذي ينفذ؟ لا أحد ينفذ، فقد يكون المحكوم عليه حاكماً أو أميراً أو غنياً أو متنفذاً أو حزبياً أو شخص من الحكومة وبالتالي راحت عليه هذا عدل أجوف إن الله لا يحب العادلين يحب المقسطين عادل زائد تنفيذ هذا المقسط هذا فهمناها. إذاً رب العالمين في هذه الآيتين لما قال (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ) يتكلم عن العملية القضائية. في المائدة (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) هذه ليست قضائية هذا عدل الحاكم هناك عدل القاضي بين الخصوم وهنا عدل الحاكم بين الرعية (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) رب العالمين قال (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) حاكم بين عباده. أولاً الله سبحانه وتعالى لا يفرّق بين عباده مسلم كافر يحب الله لا يحب الله يشتم رب العالمين يؤمن به أو لا يؤمن كلهم سواء أمامه في النِعَم الشمس للجميع والهواء للجميع والرزق للجميع والأولاد للجميع كل النعم العامة يشترك فيها الناس لا يحجب نعمه عن بعض عباده لأنهم يكرهونه أو لا يؤمنون به، رب العالمين قال (قَائِمًا بِالْقِسْطِ).
قال تعالى فى سورة آل عمران:(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥))وفى المائدة: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠)) (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦)).
من كل أمر) قالوا معناها من أجل كل أمر لأن (من) تفيد التعليل أحياناً كما في قوله (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا (٢٥) نوح) (من) فيها تعليل لا تقتصر على كونها حرف جر وإنما لها معاني دلالية أخرى، إذن هي هنا تعليلية أي من أجل كل أمر. سلام من كل أمر أو من أجل كل أمر؟ سلام من كل أمر أو هي سلام؟ هل هي حتى مطلع الفجر أو سلام هي حتى مطلع الفجر؟ تحتملها كلها. سلام من كل أمر أو من كل أمر سلام، وسلام هي حتى مطلع الفجر وهي حتى مطلع الفجر، الآيات تحتمل كل هذه المعاني. (سلام هي) تحتمل أن تكون سلام خبر مقدم وهي مبتدأ مؤخر (هي سلام) لو قال هي سلام سيكون معنى واحداً. (سلام هي) هذا التقديم جمع المعاني كلها عندما قدم كلمة سلام على (هي) لجمع المعاني كلها ولو قال هي سلام لم تجمع هذه المعاني. سلام من كل أمر ليست مثل سلام هي من كل أمر يصير الفاصل بين العامل والمعمول بالأجنبي بالمبتدأ وهذا لا يصح وهو ضعيف. (سلام من كل أمر) الجار والمجرور (من كل أمر) هذا متعلق بسلام وعامل فيه، لما تقول (سلام هي) (هي) مبتدأ و (سلام) خبر متقدم و (من كل أمر) معمول المتقدم فاصل بينهما بأجنبي وهذا تعبير ضعيف في اللغة وقسم لا يجيزه أصلاً فلما قدّم فلما قدّم انتفى وكل المعاني مطلوبة وكلها مرادة وكلها صحيحة. هي سلام من كل أمر وسلام هي حتى مطلع الفجر وهي حتى مطلع الفجر. في جملة واحدة أشياء عديدة كلها صحيحة مطلوبة ولو قدّم أو أخّر تنتفي ويصير معنى واحد لو قال هي سلام. إضافة إلى ما فيها من القصر والاهتمام لما قدّم السلام وأهمية السلام وهذا يتسق مع المقصد العام للسورة وشأن السورة وقدرها عند الله تعالى. ثم ما قال حتى آخرها وإنما قال (حتى مطلع الفجر) والفجر ليس من الليل الفجر بداية الصبح.
إذن (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) هذه جملة لوحدها استثناء منقطع ليست متعلقة بابتداع الرهبانية، هذا أمر والأمر الآخر أنهم ابتدعوها ما كتبناها عليهم، لماذا ابتدعوها؟ ابتغاء رضوان الله ولم يرعوها حق رعايتها. إذن إلا ابتغاء رضوان الله قد تكون متعلقة بابتداع الرهبانية أو بما كتب الله عليهم.
*في هذه الآية قال تعالى (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) وقبلها مباشرة قال (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) لم عبّر عنهم بالذين آمنوا ولم يقل فآتينا الذين رعوها حق رعايتها أجرهم؟


الصفحة التالية
Icon