سياق الآيات والكلام هو في التكريم لبني إسرائيل فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٤٩﴾ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴿٥٠﴾) و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٤٧﴾)... السياق في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴿١٣٨﴾) والفاء هنا تفيد المباشرة أي بمجرد أن أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم.
قوم موسى استسقوه فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ) وفيها تكريم لنبيّ الله موسى - عليه السلام - واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أن الضرب المباشر كان من الله تعالى.... فموسى هو الذي استسقى لقومه (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ)
(كلوا واشربوا) والشرب يحتاج إلى ماء أكثر لذا انفجرت الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير... (كلوا من طيبات ما رزقناكم) لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (انبجست)
هناك أمران: الأول أن الفاء تكون للسبب (سببية) " درس فنجح" سواء كانت عاطفة "لا تأكل كثيراً فتمرض" يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب. التبكيت والتهديد بالفاء أقوى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (٨٥) آل عمران) (ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) محمد) في القرآن وغير القرآن إذا كان ما قبلها يدعو لما بعدها، يكون سبباً لما بعدها، أو يفضي لما بعدها يأتي بالفاء (السببية) ولا يؤتى بالواو. في غير القرآن نقول لا تأكل كثيراً فتمرض، ذاك أفضى لما بعد، الزيادة في الأكل سبب المرض. إذن هذا كحكم لغوي. ما قبلها سبب لما بعدها وإذا كان الأمر كذلك يؤتى بالفاء وإذا كان مجرد إخبار تقول فلان سافر وفلان حضر، تخبر عن جملة أشياء وليس بالضرورة أن هناك أسباب. هذا المعنى اللغوي العام في القرآن (بلسان عربي). إذا كان ما قبلها يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ونضرب أمثلة ومنها السؤال عن الفرق بين أولم يسيروا وأفلم يسيروا.
سؤال: لماذا لا نفهم نحن القرآن الآن كما فهموه في السابق؟ لأنهم كانوا يتكلمون اللغة على سجيتها ونحن نتعلم لا نعرف النحو ولا البلاغة. علم اللغة نفسها لا نأخذه إلى على الهامش ولا نُحسن الكلام أصلاً. علم النحو مفيد في فهم نص القرآن الكريم. والعلماء يضعون للذي يتكلم في القرآن ويفسره شروطاً أولها التبحر في علوم اللغة وليس المعرفة ولا تغني المعرفة اليسيرة في هذا الأمر. النحو والتصريف وعلوم البلاغة من التبحّر فيها يجعلك تفهم مقاصد الآية فإذا كنت لا تعرف معنى الواو والفاء ولا تعرف ما دلالة المرفوع والمنصوب لن تفهم آيات القرآن.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
فكرة عامة عن الآية وموقعها في السياق: الآية الكريمة وهي قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩)) هو ذكر في السورة قبل هذا الموضع خلق السموات وذكر ما يتعلق بالأرض على العموم من إلقاء الرواسي وغيرها (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ (١٠)) فذكر خلق السموات والأرض على العموم وما ألقى في الأرض ثم ذكر تسخير ما فيها على العموم أيضاً (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (٢٠)) إذن ذكر الخلق وما أودع فيهما على العموم وذكر ما فيهما على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما هناك تسخير ما فيهما (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) على العموم وهنا ذكر تسخير بعض ما فيهما يعني قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) هذه بعض ما في السموات ليس الكل، هناك تسخير عام وهنا تسخير خاص، وبعدها قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ (٣١)) وهناك تسخير بعض ما في الأرض. هناك لما قال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وهنا ذكر بعض ما في السموات ثم قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) هذا بعض ما في الأرض.
من أجل هذا رب العالمين لما غيّر هذه الصيغة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) يا قضاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) يا حُكّام من هنا ترى أنت كل ما فيه تقديم وتأخير في القرآن الكريم اعلم أن وراء هذا سرٌ بلاغي أو أحكام عليك ولهذا قال (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ﴿٢٤﴾ محمد) والتدبر هو أن تبقى كما نفعل في هذا البرنامج المبارك أن تبقى خلف الآية والله كل آية كما تعرف تأخذ عندنا يوم يومين ونحن صافرين مثل المسطولين ليش قال رب العالمين هذه دون هذه وما تجد إلا نادر جداً في بعض الكتب لماذا؟ في أجيالنا السابقة لم يكونوا بحاجة لهذا كانوا محتاجين لحلال وحرام ولهذا الأمة أبدعت في هذا إبداعاً لم يعد فوقه مزيد. بقي هذا الذي نحن فيه الآن في هذا العصر كثر الزيغ والادعاءات والحرب على الإسلام والتشكيك بالقرآن والخ ورب العالمين في كل جيل يفتح على بعض عباده من إعجاز وأعاجيب هذا القرآن ما ينفع في هذا الجيل وفي هذا الموقف. حينئذٍ نقول هنا عرفنا الآن أن الفرق بين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ) وبين (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ) هنا عدل السلطان وهنا عدل القضاء والفرق بينهما هائل.
آية (١٣٦):
* في آية سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦))؟ بماذا آمن هؤلاء؟(د. حسام النعيمى)
العلماء لهم ثلاثة أقوال هنا:
هذا القرآن من إعجازه إذا أحببته إذا أنت تعودت على التنقيب فيه هو يعطيك نفسه فنحن نقول لا كبير فنحن نقول جزء وناس قبلنا قالوا جزء وسيأتي بعدنا إلى يوم القيامة جزء ويوم القيامة سوف نكتشف أننا كنا نسبح على الشاطيء لم ندخل العمق وعمق القرآن لا يدركه إلا نبي.
آية (١١١):
* ما الفرق بين (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١) المائدة) و(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) آل عمران)؟
د. حسام النعيمى :
بعد ان بشر الله تعالى رسوله - ﷺ - باعطائه الكوثر جاء السبب بالفاء اي اراد منه ان يشكر النعمة التي اعطاه اياها. ينبغي تلقي النعم بالشكر ولم يقل له فاشكر لان الشكر قد يكون قليلاً او كثيراً فلو قال الحمد لله فقط لكان شاكراً لكن هذا الامر الكبير والعطاءالكبير يستوجب الحمد الكثير ولذا طلب الله تعالى من رسوله - ﷺ - شيئين الاول يتعلق بالله تعالى وهو الصلاة والثاني يتعلق بالعباد وهو النحر. والصلاة اعظم ركن من اركان الاسلام وهو اعلى درجات الشكر لله والنحر وفيه اعطاء خلق الله والشفقة بخلق الله. فشكر النعم يكون بامرين شكر الله والاحسان الى خلقه من الشكر ايضاً وعندما نحسن الى خلق الله يكون هذا من شكر نعم الله.
وقدم الله تعالى الصلاة على النحر لان الصلاة اهم من النحر وهي ركن من اركان الاسلام واول ما يسأل العبد عنه يوم الحساب والمفروض ان تكون خمس مرات في اليوم والليلة ولهذا فهي اعم من النحر لأن النحر يكون مع التمكن المادي فقط في حين ان الصلاة لا تسقط عن العباد في اي حال من الاحوال من مرض او فقر او غيره. وقد وردت الصلاة في القرآن على عدة صور فهي ان كانت من الله تعالى فهي رحمة، ومن الرسول - ﷺ - دعاء، ومن العباد عبادة وقول وفعل وحركة الصلاة. وكلما ورد ذكر الصلاة والزكاة في القرآن تتقدم الصلاة على الزكاة لانها أعم وأهم.
*فصل لربك: لماذا لم يقل فصل لله او فصل لنا؟
اللام في (لربك) تفيد الاختصاص والقصد ان الصلاة لا تكون الا لله وحده وهي مقابلة لما ورد في ذكر المرائين في الصلاة في سورة الماعون (الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يرآؤون ويمنعون الماعون) اما في سورة الكوثر فجاءت فصل لربك اي داوم على الصلاة لربك وليس كالمرائين.
هو عام في الدنيا والآخرة قال (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (٩) الحديد) (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (١٢٢) الأنعام) وذكر أنه في الآخرة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ (١٩) الحديد) وفي سورة الحديد ذكر ربنا تعالى أن يوم القيامة يعطى لهم نور والمنافقون يضرب بينهم بسور له باب. إذن (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) هذا عام في الدنيا والآخرة.
*في الأتعام قال (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وفي الحديد قال (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) ولم يقل في الناس؟