انفجر بالماء الكثير. من ناحية اللغة (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) موسى ضرب الحجر لكنه لم يقل فضرب إذن الكلام محذوف وهو مفهوم ولكن لم يذكره. كذلك (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) لم يقل معها ضرب إذن معناه هنالك تُختزل جُمَل بحسب الحالة مثل (فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (٣٦) الفرقان) وكذلك في النمل (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩)) إذن هناك اختزال، هناك قال انفجرت ثم عصوا ربهم فانبجست وهذا الأمر في القرآن كثير.
*(وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ (٦٠) البقرة) لِمَ قال تعالى (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ) ولم يقل وإذ استسقى موسى ربّه؟ أليس موسى ؟ أحد أفراد القوم؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في هذا السؤال دلالة على عناية الله تعالى بعباده الصالحين فهذا الدعاء والاستسقاء يدلك على أن موسى - عليه السلام - لم يصبه العطش لأن الله تعالى وقاه الجوع والظمأ كما قال - ﷺ - "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني". وانظر كيف كان الاستسقاء لموسى - عليه السلام - وحده دون قومه فلم يقل ربنا سبحانه وتعالى : وإذا استسقى موسى وقومه ربهم وذلك ليظهر لنا ربنا كرامة موسىِ - عليه السلام - وحده ولئلا يظن القوم أن الله تعالى أجاب دعاءهم.
علماؤنا خاضوا في هذا الأمر منهم من قال بناه آدم، ومنهم من قال إبتدأ بناءه نوح ومنهم من قال بنته الملائكة. بعض المفسرين يقول حتى يجمع الآراء والروايات الواردة قال يمكن أن نقول بنته الملائكة وبمرور الوقت خرب وجدده آدم ثم جدده إبراهيم. قول الله تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) يعني في هذا المكان الذي يزدحم فيه الناس ولم يقل (مكة) لأن مكة كبيرة واسعة حتى لا يأتي شخص ويقول البيت ليس هنا وإنما في مكان آخر في مكة. (للذي ببكة) هذا الذي تزدحمون عنده قاطع ولم ترد فيه قراءة أخرى.
* ما سبب المغايرة بين استعمال (بكة) و(مكة) في القرآن؟(د. حسام النعيمى)
ربنا ختم الآية (وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩)) ذكر الأعمال في أول السورة قال (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ (٤)) أليست هذه أعمال، هو خبير بما تعملون وهذه أعمال، فكأنما هذه الآية جاءت بعد أول السورة، فإذن المناسبة ظاهرة بما قبلها وبأول السورة.
سؤال: هل كلنا مطالبٌ بأن يُعمل عقله وفكره وما أوتي من ثقافة حتى يفهم آي القرآن الكريم بهذا الشكل؟
بقدر ما يريد وبقدر اختصاصه والمنهج الذي يبتغيه والأمر ليس فيه تكليف وإنما يجتهد.
* هنا قال ألم تر بالمفرد وقبلها قال ألم تروا بالجمع فلماذا؟
ينبغي أن نعلم الفرق بين الواو والفاء في التعبير حتى نحكم. الواو لمطلق الجمع، الجمع المطلق، قد يكون عطف جملة على جملة (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) الأنعام). الفاء تفيد السبب، هذا المشهور في معناها (درس فنجح) فإذا كان ما قبلها سبباً لما بعدها أي الذي قبل يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ولا يأتي بالواو لأنه لمطلق الجمع. هذا حكم عام ثم إن الفاء يؤتى بها في التبكيت أي التهديد. لو عندنا عبارتين إحداهما فيها فاء والأخرى بغير فاء وهو من باب الجواز الذِكر وعدم الذِكر نضع الفاء مع الأشد توكيداً. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون.
في الآية الثانية الكلام على الإيمان وهو إلهام الله عز وجل لهذه الصفوة أن تؤمن، لكن تؤمن بماذا؟ (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ) لما عُرِض عليهم الدين ألهمهم الله عز وجل (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) فألهمهم الله عز وجل الإيمان، الإيمان بماذا؟ (آمنوا بي وبرسولي) إيمان بالله وإيمان بالرسول. تخيل لو قالوا: آمنا بالله معناها لم يؤمنوا بالرسول، إذن كلمة (الله) هنا ليس لها موضع لا تصح لأنهم دعوا إلى الإيمان بالله وبالرسول فقالوا آمنا. ولو قالوا آمنا بالله وبرسوله يكون تكراراً ليس له معنى. (آمنا) معناها آمنا بالله وبالرسول فيُكتفى بـ (آمنا).
النحر في اللغة يتعلق بنحر الإبل فقط ولا تستعمل مع غير الإبل. يقال ذبح الشاة وقد يستعمل الذبح للجميع وللبقر والطيور والشاة والابل لكن النحر خاص بالإبل لأنها تنحر من نحرها فأراد الله تعالى ان يتصدق بأعز الاشياء عند العرب فلو قال اذبح لكان جائزاً ان يذبح طيراً او غير ذلك ومعروف ان الإبل من خيار أموال العرب. وبما أن الله تعالى أعطى رسوله - ﷺ - الخير الكثير والكوثر فلا يناسب هذا العطاء الكبير ان يكون الشكر عليه قليلاً لذا اختار الصلاة والنحر وهما اعظم انواع الشكر.
*لماذا لم يقل وتصدق؟
الصدقة تشمل القليل والكثير فلو تصدق احدهم بدرهم او بطير لكفى المعنى ولكن الله تعالى اراد التصدق بخير الاموال ليتناسب مع العطاء الكثير.
*لماذا لم يقل وزكي؟
الرسول - ﷺ - لم يكن يملك النصاب للزكاة أصلاً فهي غير واردة على الاطلاق ثم إن الزكاة تجب مرة واحدة في العام وبنسبة ٢. ٥ % فقط ولما اختلف عما فرضه الله تعالى على المسلمين جميعاً ولن تكون شكراً خاصاً لله تعالى على عطائه الكثير ألا وهو الكوثر.
*لماذا لم يقل وضحي؟
الاضحية هي كل ما تصح به الاضحية الشرعية فلو ضحى بشاة لكفت. والاضحية لها وقتها وهو اربعة ايام يوم النحر و ايام التشريق فقط والله تعالى لم يرد ان يحصر الشكر له على عطائه الكثير يأيام محددة.
اختلف المفسرون بالصلاة والنحر أهي صلاة العيد او عامة الصلاة او خاصة والمعنى في الآية (فصل لربك وانحر) تشمل كل هذه الحالات ففي العيد يكون النحر بعد الصلاة ولكن الكثير من المفسرين قالوا انها عامة ويدخل فيها صلاة العيد والاضحية.
*لماذا لم يقل فصل لربك وانحر لربك؟ او انحر له؟
؟ إن المتعلق الاول لربك كأنما يغني عن المتعلق الثاني وهو ما يسمى بظهور المراد أي يفهم من الآية فصل لربك وانحر لربك.
لما نزلت الآية (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (٥٤) القصص) قال أهل الكتاب هذا لنا خاصة ربنا يؤتينا أجرنا مرتين لأنه ناداهم الذين آتيناهم الكتاب. (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ) قال أهل الكتاب هذه لنا. (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) الذين أسلموا من أهل الكتاب كانوا يفخرون على المسلمين أن الله تعالى قال أن الذي يسلم منهم له أجرهم مرتين وأنتم تأخذون أجركم مرة واحدة فحزن المسلمون فأنزل ربنا تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ) وفي الاية السابقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فإذن هذا عام (لئلا يعلم) حتى يعلم أن أهل الكتاب أن فضل الله ورحمته ليس محصوراً بهم.


الصفحة التالية
Icon