قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴿١١٢﴾ البقرة) لله لام حرف جر لله، أخرى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿٢٢﴾ لقمان) مرة لام ومرة إلى، هناك واحد أسلم وجهه إلى الله والآخر أسلم وجهه لله طبعاً ربما لم تخطر على بال أحد لماذا؟ مرة واحد أسلم وجهه إلى الله وواحد أسلم وجهه لله. مثلاً أنا أقول أعطيت ألف درهمٍ إلى فلان أو أقول أعطيت ألف درهمٍ لفلان ما الفرق؟ حروف الجر هذه معجزة اللغة العربية هذه هي العكوس للحنفيّات يعني هذا البوري الذي تشرب أنت منه الماء هذا يخرج يمين ويسار ويصعد هذا يربط بعكس هذا العِكس هو الذي يوجه الماء بدونه الماء لا يصل ينفرط الماء في كل مكان الذي يمسك الماء ويوجهه توجيهاً صحيحاً هذه العكوس التي تربط المواسير ببعضها هذا العكس الصغير كحرف الجر هو الذي يوجه معنى اللغة العربية وخاصة لغة الكتاب العزيز. فرق كبير بين كما علمتم (أُنزِل علينا) على حرف جر و(أُنزِل إلينا) إلى حرف جر هنا أيضاً فرق كبير بين أسلمت وجهي لله للذي فطرني وبين أسلمت وجهي إلى الله. كما قلنا أعطيت إلى فلان ألف درهم أنت لم تعطيه بيدك ولكن بعثته مع شخص يا فلان خذ هذا المال وأعطه إلى فلان فالعطاء تم لكن طريقته أني أرسلته إليه من بعدي بواسطة من بعيد وقد يكون لم يصل بعد. لكن لما أقول أعطيته لفلان وصل ووضعه في جيبه.
السؤال كان لماذا الشاكرين وليس الصابرين؟ سيجزي الله الشاكرين معناها سيثيب الثابتين على دين الإسلام أي صبروا فثبتوا فشكروا الشكر مرحلة أخرى، صبر فثبت فشكر على صبرهم، الشكر مرحلة بعد الصبر وأعمّ منها، الصبر على المصيبة والثبات والشكر على صبرهم وثباتهم أنهم لم يضلوا فشكروا. فالشكر يكون مرحلة بعد الصبر لأن الشكر اقتضى الصبر وزيادة. الصبر فقط صبر على الفراق مرحلة لكن المطلوب ما بعد هذه المرحلة ليس مجرد الصبر ولكن أن يثبتوا ويشكروا ربهم على أنهم ثبتوا وشكروا ربهم على إتمام النعمة لأن الرسول لا يرحل إلا بعد إكمال النعمة فإذا ذهب الرسول ومات فإنما يكون بعد إتمام الدين فيشكروا الله تعالى على أمرين على ثباتهم وعلى إتمام الدين فربنا سبحانه وتعالى سيجزي الشاكرين. وقبل هذه الآية السياق في الشكر (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥)) السياق في الشكر. الشاكرين الذين شكروا الله سبحانه وتعالى على أنه صبّرهم وثبّتهم فشكروا ويشكرون الله تعالى على أنه أتمّ الدين كله لأن الرسول لا يذهب إلا بعد تمام الدين، اقتضى الشكر على تمام الدين، فاقتضى الشكر من أكثر من جهة أعمّ وهي مرحلة بعد الصبر وعلى تمام الدين إذن ذكر ما هو أعمّ وأهمّ والمرحلة الأخرى فالله تعالى يريد منا الشكر في كل شيء، إذا كنت قد صبرت على البلية فلك أجر الصابرين فإن شكرت كان أجرك أعلى، شكرته على صبرك هذه عبادة وشكرته على العبادة هذه صارت عبادة أخرى.