من بعد) (من) هي لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وهي حرف جر ولذلك هناك فرق بين فوقهم ومن فوقهم، (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (١٠) فصلت) مباشرة ليس هنالك فاصل، (فوقها) تحتمل القريب والبعيد (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ (٦) ق) (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ (١٥٤) النساء)، حرف الجر في اللغة يؤدي إلى تغيير الدلالة.
* هل هذه الدلالة لـ (مِنْ) ينطبق على الأمور الحسية الملموسة أو الأمور المعنوية أيضاً؟
(من) ليس لها دلالة واحدة وإنما فيها معاني كثيرة فهي تأتي لمعاني ولكن أبرزها ابتداء الغاية.
(من بعد ما جاءك) السياق في الكلام في تحويل القبلة، تحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أن يتحول إلى القبلة، من سمع بها نفّذها، الذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية إتجه مباشرة والذي سمع فينا بعد لا ينتظر وإنما ينفّذ الآية مباشرة إذن هذه ابتداء الغاية لا تحتمل أي تغيير، تحويل القبلة متى سمعتها نفّذتها. الآية الأولى ليس فيها هذا الشيء. إذن (من) إبتداء الغاية.
د. أحمد الكبيسى :
في آل عمران (لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ﴿ ١٥٣ ﴾ آل عمران) وفي الحديد (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) الحديد) لماذا مرة يقول لكي لا تحزنوا ومرة لكيلا تأسوا؟ الحزن على شيء مؤقت فاتك شيء محبوب فاتتك وظيفة فاتك مرتب صديق سافر وسيعود كل شيء تحزن عليه حزناً مؤقتاً وسوف ينتهي هذا الجزن قريباً إما بعودة الغائب أو بنجاح بعد رسوب أو بغنى بعد فقر، صفقة تجارية خسرت ثم بعد يومين تربح. كل شيء قريب سريع التغيير يسمى حزناً الكلام هنا في الآية على هزيمة بدر ورب العالمين قال (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا ﴿ ١٥٤ ﴾ آل عمران) إلى أن قال (لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ﴿ ١٥٣ ﴾ آل عمران) ما فاتكم من نصرٍ وما أصابكم من هزيمة وأذىً وجروح مؤقت وإن شاء الله سيزول بانتصارات قادمة وفعلاً هذا الذي حصل في العام القابل الذي تواعد فيه المشركون مع المسلمون نكس المشركون وخافوا وانتصر الإسلام نصراً عظيماً فلما كان الألم أو فوات ما تحب أو حصول ما تكره لأمر لزمنٍ محدود يقال حزناً (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿ ٨٤ ﴾ يوسف) تصوّر بلغ من شدة الحزن إلى أن عيونه ابيضّت ومع هذا قال حزن ما قال آسى لماذا؟ لأن رب العالمين أخبر يعقوب عليه السلام بأن هذا مؤقت ويوسف سيرجع وسيصبح رئيس وزراء مصر والخ كما الله قال على سيدنا يوسف (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿ ١٥ ﴾ يوسف) وهو في الجُبّ فسيدنا يوسف وسيدنا يعقوب يعلمون أن هذا الكلام قريب هذا كان حزن لأنه قريب.


الصفحة التالية
Icon