في سورة البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴿١٢٠﴾ البقرة) وفي البقرة في موضع آخر (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴿١٤٥﴾ البقرة) مرة (بعد الذي جاءك من العلم) ومرة (بعد ما جاءك من العلم). باختصار شديد (الذي) أقوى أدوات الوصل لأن الذي تختلف عن (ما) أن (الذي) تستعمل للقضية المهمة أولاً لأن فيها ألف ولام الذي وهذه الألف واللام تعطي معنى قوياً بخلاف ما فلا تدخل الألف واللام على ما. الذي تثنى وتجمع اللذان والذين وما لا تجمع وهكذا عدة ميزات لهذا الاسم الموصول من حيث أنه يستعمل للقوة للشيء المهم. أقول أنا صدّقتك بعد الذي قلته لي أو صدّقتك بعد ما قلته لي أو صدّقتك من بعد ما قلته لي، كل واحدة لها معنى هذه الثلاث صيغ جاءت في الكتاب العزيز (بَعْدَ الَّذِي) (بَعْدِ مَا) (مِنْ بَعْدِ مَا). (
إذا كان الشيء الذي آلمك يعني لا أمل فيه كشخص ابنه مات وراح أو إنسان مسجون أربعين سنة أشغال شاقة هذا أسى هذا ليس ليوم أو يومين فالأسى أكثر ألماً من الحزن على شيء قد فات. جميع الأنبياء لما نصحوا أممهم يا جماعة آمنوا وثم أُهلكوا هلاكاً قال (وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴿ ٩٣ ﴾ الأعراف) هذا سيدنا شعيب بعد ما جاءهم عذاب يوم الظُلّة وأبادهم (كَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) الأسى على شيء (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿ ٢٦ ﴾ المائدة) أربعين سنة يتيهون في صحراء سيناء أربعين سنة أشغال شاقة حينئذٍ هذا أسى. إذاً الحزن على شيء قريب والأسى على شيءٍ دائم ورب العالمين كما قال على اليهود وعلى طواغيت قريش (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿ ٦٨ ﴾ المائدة) ما قال لا تحزن، في مكان ثاني قال لا تحزن، هنا قال لا تأس إذاً معنى هذا أن اليهود لن يؤمنوا بك أبداً وطواغيت قريش لن يؤمنوا بك حتى يقتلوا في بدر وقد قتلوا في بدر جميعاً ولم يؤمنوا ولم يسلموا فلا تأس. هذه فهذه مأساة كبيرة على أصحابها على كفار قريش وعلى الذين لم يؤمنوا بالنبي ﷺ فهي مأساة عظيمة.


الصفحة التالية
Icon