فقدأسبغ علينامن إحسانه ظاهرا وباطنا ما لا يعد ولا يحصى مع إظهار تعظيمنا وإجلالنا له وتأكيد توجه محبتنا إليه
٢ـ (الشكر لله)
ـ يكون الشكر على ما وصل للشخص من النعم، أما الحمد فعلى ما وصل إليه وإلى غيره
ـ الشكر يختص بالنعم ولا يوجه للصفات، فنحن لا نشكر فلانا لأنه يتصف بصفة العلم أو الرحمة أو غيرها من الصفات الذاتية له،
أما الحمد فيكون ثناء على النعم وعلى الصفات الذاتية وإن لم يتعلق شيء منها بنا
فالشكر إذن أضيق نطاقا، إذ يختص بالنعم الواصلة إلى الشخص الذي يشكر فحسب
مما تقدم يتضح لنا أن المدح أعم ممن الحمد، وأن الحمد أعم من الشكر
وفي الأول تعميم لا يناسب المقام، وفي الأخير تخصيص غير مناسب أيضا
وهل يمكن مثلا استعمال واحدة من هذه العبارات؟
٣ ـ أحمد الله أو نحمد الله أو احمدوا الله ***
فيقال في الرد : إن هذه العبارات إن استعملت لتأثر المعنى المقصود، وقلت القوة المراد له الظهور بها، وفيما يلي تفصيل ذلك عن الجمل المذكورة قبل قليل
ــ هي جمل فعلية، الأولى يتحدث بها الشخص الواحد، والثانية تقولها جماعة من اثنين فأكثر، والثالثة أمر بإتيان فعل الحمد
والجملة الفعلية تدل على الحدوث وتجدد الفعل
أما (الحمد لله ) فجملة اسمية والجمل الاسمية تدل على الدوام والثبوت
لذا فمن القواعد المعروفة في اللغة أن الجملة الاسمية أقوى من الجملة الفعلية لأن الأولى تدل على الثبوت، وأيضا لأمور أخرى سنتعرف عليها فيما يلي
ــ الجملة الفعلية تختص بفاعل معين، فالفاعل في الجمل المذكورة أعلاه هو المتكلم المفرد في الأولى، ولكن ماذا عن غيره من الناس ؟
وفي الجملة الثانية جماعة المتكلمين والسؤال لازال قائما ماذا عن غيرهم ؟
وفي الثالثة الجماعة التي تؤمر بالحمد وأيضا تظل قاصرة
مسألة التقديم والتأخير في القرآن الكريم تستدعي النظر في عموم التقديم والتأخير في اللغة بمعنى أن لغة العرب لماذا تقدم ولماذا تؤخر؟ لا شك أن هناك أسباباً للتقديم. الأصل عندنا نظام للجملة العربية بشقّين: الفعل مع مرفوعه سوءا كان فاعلاً أو نائب فاعل ثم تأتي المتممات من مفعول به، حال، مفعول مطلق إلى آخره. والشق الثاني : المبتدأ والخبر ثم يأتي بعده المتممات. أحياناً بعض المتممات تتقدم على الخبر. الأصل مبتدأ وخبر أو فعل ومفعول في بعض الأحيان تكون هذه المتممات بينية تدخل بين المبتدأ والخبر (أركان الجملة الرئيسية) وفي بعض الأحيان حتى المتممات وهناك نظام لها: المفعول به يتقدم على غيره في كلام العرب وهم لديهم هذا المثال: (ضرب الأمير اللصَّ ضرباً مبرّحاً أمام داره في بيته). يذكرون هذه المتممات. فالمفعول به يتقدم. وهناك نظرية العامل والمعمول: المعمول يتقدم على عامله. الأصل في المعمول أن يتأخر على عامله. هذا فيه تفصيل.
لكن نجد أنه بشكل عام التقدم يكون للإهتمام في الغالب إلا في بعض الأحيان. يكون التقديم لإقامة الجملة. مثلاً حينما يكون المبتدأ نكرة ولا مسوّغ للإبتداء به إلا تقدم الخبر وهو ظرف أو جار ومجرور كما جاء في ألفية إبن مالك:
ولا يجوز الإبتدا بالنّكره ما لم تُفِد كعند زيدٍ نمره
وهل فتى فيكم فما خِلٌ لنا ورجلٌ من الكِرام عندنا
ورغبةٌ في الخير خيرٌ وعمل بِرٍّ يزينُ وليُقس ما لم يُقل
* ما دلالة ضمير الغائب في (يؤتيهم) في آية سورة هود (وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا)؟ ولماذا لم يستعمل يؤتيكم؟ (د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة هود في قصة نوح - عليه السلام - (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)).
اللام لها معاني كما يقول النحاة ويقولون أن حروف الجرّ تخرج إلى معاني ويذكرون (من) لها معاني بعض وبين والابتداء. واللام في (للذين) لها معاني والنحاة يخرجونها تخريجين من حيث النحو ولكل منهما معنى خاصاً به:
؟ الأول أن تأتي بمعنى (عن) بمعنى لا أقول عن الذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا. (قطعاً سيقول هنا لن يؤتيهم لأنه يقول عنهم). وفي الآية نوح - عليه السلام - يخاطب الفئة الكافرة يحدّثهم عن المؤمنين الذين تزدري أعينهم. فلو كانت اللام بمعنى عن فاستعمال يؤتيهم صحيح لأنه يخاطب فئة عن الفئة الأخرى فيجب قول (لن يؤتيهم). وينتفي السؤال هنا أصلاً في هذه الحالة فهو لا يخاطب الذين تزدري أعينكم وإنما يخاطب الفئة الأخرى.
؟ والثاني أن اللام تفيد التعليل بمعنى لأجل هؤلاء أو لغرض هؤلاء فالأصح هنا أن يقول لن يؤتيهم الله خيراً. كما قيل: وضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لدميم (اللام في لوجهها تحتمل عن وجهها أو لوجهها).
ففي الحالتين استعمال يؤتيهم هو المناسب للآية.
آية (٣٤):
*ما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟(د. فاضل السامرائى)
البعض يقول أن الآية (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) تعني أنها همّت به فعلاً وهمّ بها تركاً لكن نقول هذا تأويل لا تحتمله اللغة. فما الدليل على أنه همّ بها تركاً وهمّت به فعلاً؟ هو تركها فعلاً ولم يهمّ بها تركاً ولم يكن هناك همٌّ في نفسه وإنما نفّذ ذلك وتركها وانصرف عنها.
آية (٢٤):
* ما هو البرهان في آية سورة يوسف (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (٢٤) يوسف) يقال أن الذي رآه يوسف عليه السلام يمكن أن يكون جبريل أو يعقوب أو العزيز فهل يمكن أن تكون هذه رؤية معنوية رؤيا الخوف والخشية من الله من عمل المعصية لأنه ذُكر أن يوسف عليه السلام هو من المحسنين والمخلَصين والمتقين؟(د. فاضل السامرائى)
أقوى هذه التعبيرات الرهيبة جاءت مرة واحدة في القرآن كل هذا جاء مرات مرة واحدة في القرآن الكريم رب العالمين لعن بها إبليس لما قال له (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴿٧٧﴾ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿٧٨﴾ ص) أنا رب العالمين وتعرف رب العالمين إذا اختص وحده باللعنة هناك لعنة الله والملائكة والناس يعني لكن أنت إبليس عليك لعنتي وأنت تعرف وقد لا تعرف ماذا يعني أن أختص أنا وحدي بلعنك (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هذا الفرق بين عدة التعبيرات لكلمة اللعن.
آية (٣١):
*ما الفرق بين كلمتى معاد و ميعاد؟(د. فاضل السامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده، والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (٨١) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (٤٧) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
آية (٣٢):
*ما اللمسة البيانية في نسب الفعل لله عز وجل مع أن السمة العامة فى القرآن الكريم أنه تعالى ينسب لنفسه الخير؟(د. فاضل السامرائى)
إذن لما تكلم على صفات الله والنعم التي ذكرها قال (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ولما تكلم عن صفات الإنسان قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فكل فاصلة مناسبة للسياق الذي وردت فيه.
آية (٣٥):
* ما دلالة التعريف والتنكير في كلمة بلد بين الآية في سورة البقرة )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا) وسورة إبراهيم )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا( ؟
د. فاضل السامرائى:
الآية الأولى هي دعاء سيدنا ابراهيم قبل أن تكون مكة بلداً فجاء بصيغة التنكير (بلداً) أما الآية الثانية فهي دعاء سيدنا ابراهيم بعد أن أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله (البلد).
د. حسام النعيمى:
هاتان الكلمتان وردتا في آيتين في موضعين مختلفتين: الآية الأولى في سورة البقرة قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)). الآية الأخرى في سورة إبراهيم (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)).
*ما الفرق بين فعلى الأسى والحزن؟ (د. فاضل السامرائى)
كِلا الفعلين يدل على الحزن عندنا حزِن يحزَن وحزَن يحزُن، حزِن يحزَن فعل لازم ليس متعدياً تقول حزِن عليه و(وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (٨٨) الحجر)، (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ (٧٦) يس) (الكاف مفعول به). حزِن يحزُن متعدي، حزنني وأحزنني (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ (١٣) يوسف). اللغة العليا حزَن يحزُن وتستعمل أحزن أيضاً، أحزن من حَزَن. الفعل أسي يأسى يسمونه الباب الرابع (لكيلا لا تأسوا) وأسى بمعنى حزن أيضاً (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (٩٣) الأعراف) هي أأسى، فهو أسي يأسى، كلاهما يفيد الحزن لكن الفارق بين لكيلا تحزنوا ولكيلا تأسوا في الحزن مشقة أكثر وشدة لأنه قريب من معنى الحزْن الذي هو الغلظ والشدة في الأرض (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزْن إذا شئت سهلاً) الحزْن أي الصعب وتقال للأرض الصعبة. إذن الحزن فيه غِلظ وشدة في الأرض والحُزن هو الغلظ والشدة في النفس. أيهما أثقل؟ الحُزن أثقل على النفس من الحزْن، الحزْن تجتازه وانتهى الأمر أما الحُزن فيبقى في النفس. الحَزن فتحة والحُزن ضمة فاختاروا الضمة لما هو أثقل لأنها تتناسب اللفظة مع مدلولها أو المعنى.
آية (٩٢):
*كيف نوفق بين الآيتين(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩) الرحمن) (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (٩٢) الحجر)؟(د. فاضل السامرائى)
هذه مواقف مختلفة يوم القيامة الموقف الأول أنهم لا يُسألون مطلقاً ثم يصير السؤال، الموقف الأول خمسين ألف سنة لا يُسألون هذا الموقف قبل الحساب ثم يكون الحساب والسؤال (لنسألنهم أجمعين).
آية (٩٨):
*د. فاضل السامرائى:
قال تعالى :(ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركاءى الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم ان الخزى اليوم والسوء على الكافرين)٢٧) كلمة يشاقق هي فعل مضارع لما تكون مجزومة فُكّ إدغامها، شاقّّه يشاقّّه بالإدغام، لما يأتي الجزم للعرب لُغتان منهم من يُبقي الإدغام ويفتح لالتقاء الساكنين، وهما لغتان فصيحتان تكلم بهما القرآن. هنا في الآية (ومن يشاقق) فك الإدغام. وعندنا في بعض الآيات أبقى الإدغام. فالعلماء وقفوا لما يكون ذكر لاسم الجلالة وحده يبقى الإدغام، المشاقّة هي أن تكون في شق والثاني في شق ومع الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تكون في شق والله عز وجل في شق فأُبقي الإدغام. وهذا جاء في القرآن الكريم كله هكذا.
قال تعالى:(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) جعل الرسول - ﷺ - في شق وهو في شق.
آية (٢٨):
* ما اللمسة البيانية في استعمال توفّاهم وتتوفّاهم في القرآن الكريم؟(د. فاضل السامرائى)
نلاحظ في القرآن كله وليس فقط في هذه الآية الحذف كما جاء في القرآن مثل (تنزّل وتتنزّل، تبدّل وتتبدّل) وهذا الحذف في عموم القرآن وحيث ورد مثل هذا التعبير في القرآن سواء في الفعل أو غيره يكون لأحد أمرين:
للدلالة على أن الحدث أقلّ. أو أن يكون في مقام الإيجاز.
قال تعالى في سورة النحل ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨))) وقال في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧)).
القرآن الكريم لم يُشِر فيما يتعلق بالنصارى أنهم يوقدون نار الحرب ويسعون في الأرض فساداً وإنما أشار إلى خلاف فيما بينهم يؤدي إلى أذى شديد يؤذي بعضهم بعضاً وهذا الذي وقع في التاريخ. ولو فتشت عمن وراء جيوش دول ليست يهودية تعتدي على دول إسلامية وتحدث حروباً فستجد هؤلاء أحفاد القردة والخنازير وراءهم على وجه اليقين. وكلما حدثت مشكلات لما تبحث فيها البحث العلمي الدقيق تجد هؤلاء وراءها. وهذا مصداق لقوله تعالى (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤)) لكن نحن نأمل بإذن الله تعالى أنه يأتيهم من جاءهم في الماضي ويتبّر ما علوا تتبيرا (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)).
آية (٥)-(٧):
*في سورة الإسراء عبّر عن الوعدين بفعل جاء (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (٥)) و (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا (٧)) مع أن وعد أولاهما جاء ووعد الآخرة لم يأت بعد؟(د. فاضل السامرائى)
هل الآخرة في الآية يقصد بها يوم القيامة؟ لم لم يقل أخراهما كما قال أولاهما؟ كلا لا تحتمل لأن الآخرة لها معاني كثيرة.
* في سورة البقرة يقول تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ (٢٥)) وفي الكهف يقول (أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١)) فما الفرق؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً ﴿٢٢﴾ فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴿٢٣﴾ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ﴿٢٤﴾ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ﴿٢٥﴾ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴿٢٦﴾ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ﴿٢٧﴾ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴿٢٨﴾ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ﴿٢٩﴾) تكرر استخدام حرف الفاء وهي تفيد تعقيب كل شيء بحسبه أي تفيد تعقيب الأحداث التي وردت في السورة. إذا كان الحمل في موعده تستخدم الفاء وإذا تأخر الحمل نستخدم (ثمّ) للترتيب والتراخي في الزمن. فمريم عليها السلام حملت عندما نفخ فيها ثم لم يكن هناك أي معوقات بعدها فانتبذت مكاناً قصياً وجاء الحمل بالمدة المقررة عُرفاً. كقوله تعالى (ثم أماته فأقبره) القبر يأتي عقب الموت مباشرة فاستخدم الفاء أما قوله تعالى (ثم إذا شاء أنشره) فالنشور والقيامة يأتي بعد القبر بمد طويلة لذا استخدم ثمّ التي تفيد الترتيب والتراخي.
ونأخذ مثال: إذا قلنا تزوج فلان فولد له بمعنى أنه وُلد له بعد فترة الحمل الطبيعية تزوج فحملت فولدت ولوتأخر الحمل يقال ثم وُلد له.
؟ نلاحظ أيضاً أن هنالك أمر: قال في لقمان (الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) في البقرة لم يصف الكتاب. ما معنى الحكيم؟ الحكيم قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى. لو أراد تعالى معنى محدداً لخصّص. في سورة البقرة ما وصف الكتاب لأن السورة فيها اتجاه آخر. قال الحكيم ثم قال هدى ورحمة، وهنا قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (٢) البقرة). وصفه بالحكيم هو مناسب لما ورد في لقمان من الحكمة (آتينا لقمان الحكمة) وذكر الحِكَم، (لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) متناسب مع (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (٢٣) البقرة) في سورة البقرة وربنا وصف أن الله تعالى عزيز حكيم في سورة لقمان أكثر من مرة فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة تبدأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (١٢)) وذكر الحكمة.
إختلاف القراءات لا يؤدي إلى إختلاف المعنى حتى إذا كانت اللفظة فيها خلاف معنوي المحصلة النهائية تكون واحدة. (إنّ هذين) فيه تأكيد، هنا نسبة السحر لموسى وهارون، أو (إن هذان لساحران) التوكيد قلّ قليلاً أو (إنّ هذان لساحران) بالمعاني التي سنذكرها وهي كلها فيها نسبة السحر إلى هذين، يبقى شيء من التأكيد، قلة تأكيد، إلخ. هذه لما نقول القراءات في محصلتها النهائية لا تختلف.
آية (٦٦):
*إذا بُنيت الجملة للمجهول لا يُذكر الفاعل فهل ذكره فى الآية (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) طه؟ (د. حسام النعيمى)
قال تعالى:(يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) يُخيّل إليه سعيهاأنهاتسعى لأن (أن مع إسمها وخبرها) تمثل مصدراً مؤولاًوالمصدرالمؤول من أن وإسمهاوخبرهاالصريح فيه يستخرج من الخبرويضاف إلى الإسم وتحذ ف (أن)مثل: علمت أن زيداً ناجح، من ناجح نأخذ مصورالنجاح ونضيفه للإسم ونحذف(أن) فنقول: علمت نجاح زيد.
أنها تسعى أي سعيها هو نائب الفاعل وليس فاعلاً يعني خُيِّل إليه سعيها. وإليه ومن سحرهم متعلقان بالفعل (يُخيّل). ما عندنا فاعل وإنما نائب فاعل (يخيل إليه سعيها) فهو نائب فاعل وليس كما يظن السائل أنه فاعل. لا يستقيم لما العرب يبنون الفعل للمجهول يعني لا يريدون أن يذكروا الفاعل فكيف يُذكر في كتاب الله وهو أعلى نصٍ ورد في لغة العرب؟!.
آية (٦٧):
* (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (٦٧) طه) لماذا كرر إسم موسى في الآية مع استخدام الضمير في (نفسه)؟(د. فاضل السامرائى)
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (فنفخنا فيها) وقوله (فنفخنا فيه) في قصة مريم عليها السلام؟ (د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿٩١﴾) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴿١٢﴾)
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الإلتفات إليها وهي كما يلي:
١. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (ابراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالإسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
٢. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى - عليه السلام - ) نبيّ أيضاً فناسب ذكره وفيها ورد ذكر ابني ابراهيم وويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.
القانع هو المحتاج الذي لا يسأل ويرضى ويقنع بما عنده، والمعترّ هو السائل الذي يتعرض بالسؤال والبائس الذي أصابه البؤس والشدة والفقير المعتاد.
* ما الفرق في استخدام كلمة الأنعام في الآيات في سورة الحج (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨)) (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠)) (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (٣٤))؟(د. فاضل السامرائى)
قسم من اللغويين فرّق بين بهمية الأنعام فقالوا بهيمة الأنعام ما أُلحِق بالأنعام. الأنعام هي البقر والغنم والمعز والإبل (ثمانية أزواج). البهيمة من ذوات الأرواح، ما لا عقل له، تسمى بهائم. البهيمة أعمّ والأنعام جزء منها. البهيمة كل ما له روح ولا عقل له حتى الوحوش والأنعام بهائم. (بهيمة الأنعام) قسم من أهل اللغة قالوا هي ما ماثل الأنعام وأدخلوا بها الظباء وبقر الوحش هي مما يؤكل فقالوا هذه من المُلحَق وكل مجترّ قالوا يدخل في بهيمة الأنعام. كل ما يماثل الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب قالوا هو بهيمة الأنعام وليس الأنعام، يعني الظباء، بقر الوحش، كل ما يجترّ وليس له ناب مما يؤكل دخل في بهيمة الأنعام.
قال تعالى : وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (النحل: ٦٦)
وقال تعالى :( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُون (المؤمنون: ٢١)
آية النحل تتحدث عن إسقاء اللبن من بطون الأنعام واللبن لا يخرج من جميع الأنعام بل يخرج من قسم من الإناث.
أما آية المؤمنون فالكلام فيها على منافع الأنعام من لبن وغيره وهي منافع عامة تعم جميع الأنعام ذكورها وإناثها صغارها وكبارها فجاء بضمير القلة وهو ضمير الذكور للأنعام التي يستخلص منها اللبن وهي أقل من عموم الأنعام وجاء بضمير الكثرة وهو ضمير الإناث لعموم الأنعام وهذا جار وفق قاعدة التعبير في العربية التي تفيد أن المؤنث يؤتى به للدلالة على الكثرة بخلاف المذكر وذلك في مواطن عدة كالضمير واسم الإشارة وغيرها.
آية (٢٤):
* في سورة المؤمنون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (٢٤)) وكأن الذين كفروا هم القليل لأن الملأ هم أقل من القوم ولكن الذين آمنوا به هم القليل. وفي آية أخرى قال (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (٣٣) المؤمنون) ما الفرق بين قومه الذين كفروا والملأ الذين كفروا من قومه؟ (د. فاضل السامرائى)
الباب الرابع هو التطوع وهذا التطوع باب لا ينتهي (وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (١٧٧) البقرة) (وما أدراك ما العقبة فك رقبة) هذا التحبيب هذا فقط في القرآن وفي الأحاديث هناك أحاديث كثيرة تتحدث عن إعتاق الرقاب فإذن الإسلام خطا خطوات بعيدة المدى لإذابة وإنهاء الرِقّ. لكن لأنه كان نظاماً عالمياً بقي هذا المنفذ الذي هو منفذ المقابلة بالمثل، الآن إنتهى هذا الأمر وقررت الأمم المتحدة إنهاء الرِقّ والإسلام ليس عنده مشكلة في هذا. لا يقول لك الإسلام ينبغي أن يسترق أبداً إذا وجد هذا النظام يحاول أن يذوّبه لأنه لو فعل كما فعل في الخمر وأخرج الناس إلى الشوارع يحصل فساد إجتماعي تتحول إلى سرقات وزنا وقتل وغيره. إمرأة في بيت مستور تأكل وتشرب وتعيش وتخدم لكن حاول الإسلام أن يصفّي هذا النظام الموجود لما أُلغيت فكرة أسرى الحروب يكونون رقيقاً والإسلام ليس عنده مشكلة. لا يوجد الآن ملك اليمين لأنه من أين تأتي به؟ الآية كانت خاصة بظروفها إلى عهد قريب أما الخادمات الآن هم أحرار يعملون بمرتّب ولا يجوز معاشرتها معاشرة المرأة إلا أن يعقد عليها فملك اليمين لم يعد موجوداً الآن. لو دخلت دولة مسلمة الحرب مع دولة كافرة يكون أسرى بيننا وبينهم، هم لا يسترقون أسرانا فلا يجوز أن نسترق أسراهم لأنها بالأصل هي مقابلة بالمثل فإذا أنتم لم تفعلوا هذا فنحن لسنا مستعدون لفعلها.
*لماذا النهي ضعيف في قوله تعالى في سورة النور (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) النور)؟(د. حسام النعيمى)
كلمة عباد تضاف إلى لفظ الجلالة فالذين يعبدون الله يضافون للفظ الجلالة فيزدادون تشريفاً فيقال عباد الله كما ورد في سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴿٦٣﴾)، أما كلمة عبيد فهي تُطلق على عبيد الناس والله معاً وعادة تضاف إلى الناس والعبيد تشمل الكل محسنهم ومسيئهم كما ورد في سورة ق (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٢٩﴾). العبد يُجمع على عباد والعبد يُجمع على عبيد.
*ما الفرق بين هونا وهُون في القرآن؟ (د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴿٦٣﴾) وقال في سورة النحل (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴿٥٩﴾) الهَون هو الوقار والتؤدة أما الهُون فهو الذلّ والعار.
آية (٦٤):
* في سورة الفرقان قال تعالى (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤)) كيف يبيتون؟ هل يبيتون أبدانهم في الفراش وأرواحهم في السماء؟ (د. فاضل السامرائى)
من أحيا شيئاً من الليل بالصلاة كله أو بعضه فقد بات لربه سجداً وقياماً. من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة دخل في هذا وليس بالضرورة أن يحييه كله. المبيت في اللغة قد يكون جزءاً من الليل وليس معناها النوم وهي أيّ جزء من الليل ولا يشترط أن تبيت الليل كله ثم هذا أمر فقهي.
آية (٧٠)-(٧١):
الفرق بين الله والرب معروف: الله لفظ الجلالة إسم العلم مشتق من الإله كما يقال والرب هو المربي والموجه والمرشد ولذلك كثيراً ما يقترن الرب بالهداية (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (١٦١) الأنعام) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) الشعراء) كثيراً ما يقترن بالهداية، الله سبحانه وتعالى كل شيء بيده (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (٥٦) القصص) لو شاء ربنا دعوة الخلق وهدايتهم فالمناسب مع الهداية الرب لأنه الهادي والمرشد والمربي، العبادة أقرب شيء لله (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) والرب تستعمل لغير الله وهي غير خاصة بالله فنقول مثلاً رب البيت، حتى في سورة يوسف (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ (٢٣) يوسف) (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ (٤٢) يوسف) لأن الرب هو القيم والمرشد والموجه فأنسب مع إنزال الملائكة وجعونة الخلق وهدايتهم كلمة الرب.
من قصة إبراهيم عليه السلام (٦٩- ٨٩)
آية (٧٣):
*ماذا جاءت كلمة ينفعونكم مقيّدة ويضرون مطلقة في قوله تعالى (أو ينفعونكم أو يضرون)؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الشعراء (أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴿٧٣﴾) النفع يريده الإنسان لنفسه أما الضرّ فلا يريده الإنسان لنفسه إنما يُريده لعدوّه أو أنه يخشى أن يُلحق به الضرر وعلى هذا فالنفع موقع تقييد والضر موضع إطلاق.
آية (٨٠):
*لم نسب ابراهيم المرض لنفسه ؟ (د. فاضل السامرائى)
لقد استعمل في سورة القصص أمر الفعل (سلك) الذي يستعمل كثيرا في سلوك السبل فيقال: سلك الطريق والمكان سلكا، قا تعالى: "والله جَعَلَ لَكُم الأرْضَ بِساطا ١٩ لتَسْلُكوا مِنها سُبُلا فِجاجا ٢٠" نوح، ذلك لأنه تردد سلوك الأمكنة والسبل في قصة موسى في القصص، بخلاف ما ورد في النمل. فقد ورد فيها، أي: في سورة القصص سلوك الصندوق بموسى وهو ملقى في اليم إلى قصر فرعون، وسلوك أخته وهي تقص أثره. وسلوك موسى الطريق إلى مدين بعد فراره من مصر، وسلوكه السبيل إلى العبد الصالح في مدي، وسير موسى بأهله وسلوكه الطريقَ إلى مصر، حتى إنه لم يذكر في النمل سيرَه بأهله بعد قضاء الأجل بل إنه طوى كل ذكر للسير والسلوك في القصة فقال مبتدئا: "إذْ قالَ موسَى لأهْلِهِ إنّي آنَسْتُ نارا سآتيكُمْ مِنها بِخَبر" بخلاف ما ورد في القصص، فإنه قال: "فلمّا قّضى موسى الأجَلَ وسارَ بأهلِهِ آنَسَ منْ جانِبِ الطورِ نارا" فحسن ذكر السلوك في القصص دون النمل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الفعل (دخل) ومشتقاته تكرر خمس مرات ( انظر الآيات ١٢، ١٨، ١٩، ٣٤، ٤٤ ) في النمل في حين لم يرد هذا الفعل ولا شيء من مشتقاته في القصص، فناسب ذكره في النمل دون القصص.
ومن ناحية أخرى إن الإدخال أخص من السَّلك أو السلوك اللذين هما مصدر الفعل سلك، لأن السَّلك أو السلوك قد يكون إدخالا وغير إدخال، تقول: سلكت الطريق وسلكت المكان، أي: سرت فيه، وتقول: سلكت الخيط في المخيط، أي: أدخلته فيه. فالإدخال أخص وأشق من السلك والسلوك. فإن السَّلك قد يكون سهلا ميسورا، قال تعالى في النحل: "فاسْلُكي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً ٦٩" فانظر كيف قال (ذللا) ليدلل على سهولته ويسره، وقال: "ألمْ تَرَ أنّ الله أنْزَلَ مِن السّماءِ ماء فَسَلَكَهُ ينابِيعَ في الأَرْضِ ٢١" الزمر. وهل هناك أيسر من سلوك الماء في الأرض وغوره فيها؟
المجيء في سورة يس أهم لذا قال (رجل يسعى) جاء لتبليغ الدعوة وإشهار الدعوة وأن يعلن ذلك أمام الملأ مع أنهم كلهم ضد على أصحاب يس، على الرسل وهناك في القصص جاء ليسرّ في أذن موسى ؟ كلاماً (إن الملأ يأتمرون بك). هذا إسرار أما ذاك فإشهار، ذاك تبليغ دعوة وهذا تحذير. في قصة يس أن القرية كلها ضد الرسل (إن لم تنتهوا) موسى لم يقل له أحد هذا. في يس كان إشهار الدعوة خطر على الشخص تحتاج إلى إشهار لكن عاقبتها خطر على الشخص. في القصص ليس كذلك لأنه ليس هناك ضد لموسى ؟ فلما كان الموضوع أهم وإن موضوع الدعوة لا يعلو عليه شيء والتبليغ لا يعلو عليه شيء وهو أولى من كل شيء قال (من أقصى المدينة رجل يسعى) يحمل هم الدعوة من أقصى المدينة ويسعى ليس متعثراً يخشى ما يخشى وإنما وقال يسعى لتبليغ الدعوة وليس مجيئاً اعتيادياً هكذا لكنه جاء ساعياً. ذاك جاء ساعياً أيضاً لأمر مهم لكنه أسرّ إلى موسى ؟ ولهذا جاء التقديم والتأخير بحسب الموضوع الذي جاء من أجله. فلما كان الموضوع أهمّ قدّم (جاء من أقصى المدينة) يحمل هم الدعوة. وفي الموضوع الآخر أخّر. وفي سورة يس (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) تعني أنه جاء قطعياً من أقصى المدينة لأن مجيء صاحب يس كان لإبلاغ الدعوة لأن الرسل في السورة قالوا (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴿١٧﴾) والبلاغ المبين هو البلاغ الواضح الذي يعمّ الجميع فمجيء الرجل من أقصى المدينة تفيد أن الدعوة بلغت الجميع وبلغت أقصى المدينة ليتناسب مع البلاغ المبين. أما في سورة القصص في قصة موسى - عليه السلام - (التعبير احتمالي) فالرجل جاء من أقصى المدينة للإسرار لموسى - عليه السلام -.
القرآن الكريم يستعمل أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح. قال تعالى (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (١٠١) البقرة) هذا ذم، (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ (١٤٥) البقرة) هذا ذم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠) آل عمران) (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) البينة) هذا ذم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (٤٤) النساء) ذم. بينما آتيناهم الكتاب تأتي مع المدح (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ (١٢١) البقرة) مدح، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ (٨٩) الأنعام) مدح، (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (٣٦) الرعد) (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) القصص) مدح، (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ (٤٧) العنكبوت) مدح. هذا خط عام في القرآن على كثرة ما ورد من أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب حيث قال أوتوا الكتاب فهي في مقام ذم وحيث قال آتيناهم الكتاب في مقام ثناء ومدح. القرآن الكريم له خصوصية خاصة في استخدام المفردات وإن لم تجري في سنن العربية.
أما فى مواطن الالهاء كقوله تعالى فى سورة المنافقون (لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) قدّم الأموال على الأولاد مع أنّ حُبّ الأولاد أكثر لكن الإلتهاء بالمال يكون أكثر لذا قدّم الأموال على الأولاد للتحذير.
*(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ (١٤) آل عمران) لِمَ لم يقل زُيّن للرجال طالما ذكر في الآية (من النساء)؟(د. فاضل السامرائى)
هذه مناسبة للكلام على أن كلمة ماءة تكتب منفردة الهمزة وتاء مربوطة وليس في الأعداد لفظ مئة وإنما مائة لأن ماءة تعني ماء لبني فلان. أما كتبت الألف من غير أن تُقرأ مثل واو عمرو. مائة وتكسر الميم، ضع في ذهنك دائماً أن ميم هذا الرقم ١٠٠ ميمه مكسورة فانظر كيف تقرأه؟ لا يستطيع أن يقرأها ماءة الميم مكسورة فإذن الماءة واحدة الماء الذي هو غدير أو ركيّة أو عين ماء أو بئر أو ما أشبه ذلك. فالسحابة واحد السحاب والسحاب لفظه لفظ مفرد وهذا سنستفيد منه لاحقاً في الكلام على ورود كلمة السحاب.
كلمة السحاب وردت في تسع مواضع في القرآن الكريم كله فهذا شيء. هذا الإسم كلمة السحاب وما أشبه لفظه لفظ مفرد ومعناه معنى جمع لأن لما يقول معناه معنى جمع كأنه جمع تكسير ولذلك قالوا السحاب يُذكّر ويؤنّث فالعرب تقول هذا السحاب وتقول هذه السحاب، ظهر السحاب وظهرت السحاب. لكن الإحالة عليه بالضمير بالمفرد المذكّر يعني تقول السحاب رأيته ولا تقول السحاب رأيتها. فإذا جمعته على سُحُب تؤنّث تقول السحب رأيتها ولا تقول رأيته للجمع كما تقول الشجر سقيته هذا أيضاً إسم جمع إفرادي، الأشجار سقيتها.
الأمر الآخر في هذه المقدمة قبل أن ندخل في الألفاظ أن العرب عندما تُذكّر وتؤنّث عندها في لغتها وفي المعنى الذي ترمي إليه المذكّر أقوى من المؤنّث وهي في الحيوان المذكّر عامة (هناك بعض المؤنثات أقوى من الذكور) لكن عموماً جنس الذكر أقوى من الأنثى أما في الحشرات فالأنثى أقوى من الذكر (النحلة هي التي تقاتل والنحلات العاملات يقاتلن) لكن في عالم الحيوان: الأسد أقوى من اللبوة والرجل أقوى من المرأة عموماً. فحينما يأتي موطن تذكير معناه هناك ميل إلى بيان قوة وعندما يكون موطن تأنيث يكون أدنى. لذلك سنأتي إلى سؤال عن الموضع الذي يقول فيها تعالى عن الأصنام إناث.
قال سبحانه (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) نلاحظ هنا ذكره وحده لم يذكر معه أحداً آخر ونلاحظ سياق الآية كلها تتكلم عن شخص واحد (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) إفراد، بينما الآية قبلها التي جمع فيها يتكلم عليه وعلى من أضله (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (٦)) هناك أصبح جماعة تهديد له ولمن يضله فقال (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) بالجمع وليس له وحده، فإذن هناك كان التهديد للجمع (أولئك لهم عذاب مهين) له ولمن يضله وهنا لما كان الكلام هنا عليه وحده أفرد قال (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وقال بشره مع أن البشرى لا تكون إلا في الخير استهزاء به وسخرية منه فقال (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
*ختمت الآية بقوله تعالى (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وفي آية قبلها قال (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) فما الفرق بين العذاب المهين والعذاب الأليم؟
لما ننظر في آيات السجدة نجد قوله عز وجل (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) ثم يقول (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (٢٧)) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.
أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني هو كما ذكرنا سابقاً عن الفرق بين من بعد علم وبعد علم وقلنا أن (من) هي ابتداء الغاية أما بعد علم فقد يكون هناك فاصل بين هذا وذاك وذكرنا أمثلة (من فوقها) أي مباشرة وملامسة لها أما فوقها فلا تقتضي الملامسة بالضرورة. فمن حيث المعنى (وقالوا قلوبنا في أكنة) مباشرة يشمل كل المسافة بينهما ولو قال بيننا لما أفادت نفس المعنى، وقوله تعالى (وجعلنا من بين أيديهم سدا) بلا فاصلة. لكي لا يعلم بعد علم تحتمل الزمن الطويل والوصل أما قوله لكي لا يعلم من بعد علم فهي مباشرة بعد العلم فلمّا احتمل الفاصل فصل (لكي لا) وعندما وصل بينهما وصل (لكيلا).
وفي القرآن الكريم أمثلة على مثل هذا كما قال تعالى في آية سورة الأحزاب (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧)) كتبت لكي لا منفصلة لأنه لا يحلّ الزواج بامرأة أخرى إلا بعد انفصالها عن زوجها الأول وقضاء العدّة فلا يصح إذن الزواج بها إلا بعد الإنفصال فجاء رسم (لكي لا) منفصلاً.
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة سبأ للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء.. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
إستخدام القرآن الكريم في هذا ونظائره: يتذكر ويذّكّر أيها الأطول في المقاطع؟ (يتذكر: ي/ت/ذ/ك/ر/) خمسة مقاطع، (يذّكّر: ي/ذ/ك/ر/) أربعة مقاطع. يتذكر أطول ومقاطعه أكثر هذا أمر. والأمر الآخر يتذكّر فيها تضعيف واحد ويذّكّر فيها تضعيفان. إذن عندنا أمران: أحدهما مقاطعه أكثر (يتذكر) والآخر فيه تضعيف أكثر (يذّكّر) والتضعيف يدل على المبالغة والتكثير. القرآن الكريم يستعمل يتذكر الذي هو أطول لما يحتاج إلى طول وقت ويستعمل يذّكّر لما فيه مبالغة في الفعل وهزة للقلب وإيقاظه. مثال (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (٣٥) النازعات) يتذكر أعماله وحياته كلها فيها طول، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) الفجر) يتذكر حياته الطويلة. (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ (٣٧) فاطر) العمر فيه طول. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) الأنفال) هؤلاء يحتاجون إلى هزة، ما عندهم قلب ويحتاجون إلى تشديد لتذكر الموقف، هنا موقف واحد وهناك عمر كامل. يحتاجون إلى من يوقظهم ويحتاجون إلى مبالغة في التذكر تخيفهم وترهبهم وليس تذكراً عقلياً فقط وإنما هذا تذكر فيه شدة وتكثير للتذكر ومبالغة فيه بحيث تجعله يستيقظ، هذا يسمى مبالغة في التذكر. (
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (٦٣) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (٢٥) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨) الأحقاف) (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) السجدة) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧) يس) (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠) يس) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (٣١) الصافات) (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (١٩) الزمر) (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ
أخيراً في الصافات قال (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٠﴾ الصافات) إنّ مؤكِّدة ثم هو ثم لام توكيد إنّ على هو، يعني هذا معناه فوز عجيب متى هذا؟ هذا عندما الناس دخلوا الجنة وعاشوا بسعادة وحور عين وأماكن رائعة جداً وجالسين في مجالس حلوة وفي هذه النعمة العظيمة فازوا فوزاً عظيماً فواحد قال والله يا جماعة احمدوا الله على هذا الذي نحن فيه (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿٥١﴾ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾ الصافات) ما في آخرة والخ كان ملحداً أو شيوعياً فقال له والله العظيم هذا الرجل كان أوشك رويداً رويداً أن يجعلني أكفر فذاك قال له الآخر (قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴿٥٤﴾ الصافات) طبعاً في الآخرة قوانين عجيبة لا يوجد مساحة ولا مسافة ولا جاذبية من الصعب تصورها وأنت جالس ممكن أن ترى كل الكون في لحظة واحدة فقط خطر في بالك ترى فلان في جهنم تراه أو فلان في الجنة تراه على خواطرك الذي تريده يحدث (قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) انظروا على جهنم وإذا هذا صاحبه الذي كان سيُضِله وإذا به في جهنم قال له (فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴿٥٥﴾ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿٥٧﴾ الصافات) الحمد لله الذي خلصني فارتعب عندما رأى هذا المنظر في الجحيم وهو في النعيم شعر بالفرق الهائل، هذا الفزع الأكبر الذي يعيشون فيه أهل النار كان من الممكن لو أنه أطاع هذا الإنسان وصار شيوعياً أو صار ملحداً أو كفر بالله أو ما شاكل ذلك أو قال له تعالى نقتل مسلماً نكفِّره أو نقتل شخصاً نفسِّقه يعني هذا الإنسان طبعاً كل مجرم في ناس أضلوه (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴿٦٧﴾ الزخرف)
هذا تأكيدان. لعلنا ذكرنا مرة أن في كلام العرب أحياناً يكون أكثر من مؤكِّد. يقول لك: نجح الطلاب، أنت لا تتوقع أن ينجحوا جميعاً فيقول لك: نجح الطلاب كلهم أجمعون وأحياناً يضيفون لها أكتعون أبصعون. هذه كلها تأكيدات ملاحق يريد أن يقول لم يرد عنهم أحد كأنها أجمعون أجمعون أجمعون كأنها هنا زيادة توكيد. وأجمعون إعرابها توكيد مرفوع. لما يكون الشك بالغاً أو محاولة نفي أي إحتمال لعدم الجمع يزاد في التوكيد.
o (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ (٢٥٦) البقرة) هذا جنس عام، (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ (٢٥٧) البقرة) هنا الطاغوت جمع لأن للمؤمنين وليّ واحد وهو الله سبحانه وتعالى (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ) أما الكافرون أولياؤهم متعددون الشياطين وغيرهم لذا قال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) للمؤمنين ولي واحد وهو الله تعالى صحيح المؤمنين بعضهم أولياء بعض لكن الولي الواحد هو الله تعالى والكفرة أولياؤهم متعددون لذا لم يقل وليهم الطاغوت.
o مثال آخر (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ (٦٠) النساء) مفرد، لماذا مفرد؟ لو نرجع إلى سر النزول سنفهم، أصل النزول: إختصم أحد المنافقين مع يهودي فاليهودي قال نحتكم إلى رسول الله - ﷺ - وقال المنافق نحتكم إلى كعب بن الأشرف (يهودي) فالمنافق الذي يزعم أنه آمن بالله والرسول - ﷺ - يريد أن يحتكم إلى يهودي واليهودي يريد أن يحتكم إلى رسول الله كأنه متأكد أن الحكم له، ففي الآية هنا طاغوت واحد (كعب بن الأشرف) فلذلك قال تعالى (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ).
o مثال آخر للجمع والمؤنث: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا (١٧) الزمر) هنا الطاغوت ليس مفرد وإنما مؤنث جمع أي الأصنام، كيف عرفنا أنها جمع؟ بدليل قوله تعالى في الآية (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ (١٥) الزمر) صار تعددية. فإذن الطاغوت مفرد، جمع، مذكر، مؤنث واستعملت كلها في القرآن الكريم.
آية (١٩):
*ما معنى حق القول؟(د. فاضل السامرائى)
ذكرنا في وقت سابق أن (كان) يفرد لها النُحاة بكلام في زمنها: أولاً الزمان الماضي المنقطع كأن تقول كان نائماً واستيقظ، كان مسافراً ثم آب. وفي الماضي المستمر (كان الإستمرارية) بمعنى كان ولا يزال (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (١١) الإسراء) (وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (١٠٠) الإسراء) (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (٥٣) الإسراء) (إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) النساء) يسمونها كان الإستمرارية أي هذا كونه منذ أن وُجِد. ليس في الماضي المنقطع (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (٥٣) الإسراء) لا تعني كان عدواً والآن أصبح صديقاً وإنما كان لا يزال عدواً. و (كان) تفيد الإستقبال (وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا (١٩) النبأ) أي صارت في المستقبل. (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧) الواقعة) أي صرتم، أصبحتم. (كان) في كلام كثير عند النُحاة غير كان التامة والناقصة من حيث الزمن ليس مثل ما يظن بعض من عندهم معرفة قليلة باللغة وهؤلاء عليهم أن يراجعوا قواعد اللغة.
*ما الفرق بين (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦) النساء) - (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ (١١) النساء) ؟(د. أحمد الكبيسى)
القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا إسم الفاعل. (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) مريم) الحمل سهل لكن ما جاءت به أمر عظيم. قال (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) عبس) شديدة، (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) النازعات) شديدة، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١) الغاشية) لم يقل أتتك الغاشية وإنما حديث الغاشية لكن هناك الصاخة جاءت والطامة جاءت. (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) النصر) هذا أمر عظيم هذا نصر لا يأتي بسهولة وإنما حروب ومعارك، (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (١) الإنسان) هذا نائم يمر عليه وهو لا يعلم، لم يكن شيئاً مذكوراً أي قبل وجوده لم يكن شيئاً مذكوراً قسم قال لم يكن شيئاً لا مذكوراً ولا غير مذكور وقسم قال كان شيئاً ولم يكن مذكوراً كان لا يزال طيناً لم تنفخ فيه الروح، ففي الحالتين لا يشعر بمرور الدهر فاستعمل أتى. في قوله تعالى (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (١) النحل) وقوله (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) غافر) هناك لم يأت بعد (أَتَى أَمْرُ اللّهِ) فلا تستعجلوه هو قَرُب، أتى يدل على الماضي أنه اقترب لم يصل بعد فلا تستعجلوه، (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) هنا الأمر واقع لأن فيه قضاء وخسران أي المجيئين أثقل؟ (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) أثقل، يصور مشهداً واقعاً أما في الآية الأولى لم يأت بعد ولم يقع بعد فمع الذي لم يأت بعد استعمل أتى ولما حصل ما وقع وما فيه من قضاء وخسران استعمل جاء.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)) السياق كله فيمن حق عليهم القول، في أعداء الله إذن ناسب تقديم (عليهم).
بنو) لما تصغر تصير (بنيو) – لأن إبن أصلها بنو والهمزة زائدة في الأول، همزة وصل – لما تصير بنيو تجتمع الياء والواو والأول منهما أصلي ذاتاً وسكوناً يُدغمان في ياء واحدة، مثل كلمة سيد من ساد يسود فصارت سيود تصير سيد، لوى يلوي لوياً صارت ليّاً، طوى يطوي طيّاً، وهكذا إذا اجتمعت الياء والواو والأول منهما أصلي ذاتاً وسكوناً أي غير منقلب عن غيره وساكن وليس سكوناً عارضاً أيضاً تصير ياء وتدغم الياء في الياء. فلما صارت بنيو صارت بنيّ أي عندنا ياءان مثل نهير تخيل أن الراء ياء تصير نهيي لما ينسبه إلى نفسه: هذا نهير زيدٍ تصير ياء أخرى نهيري إجعل الراء ياء فتصير نهييي ثلاث ياءات. فبعض قبائل العرب حذفت ياء المتكلم وهم الأغلبية واكتفوا بالكسرة فقالوا (بنيِّ) فإذن هنا ياء ومحذوفة اكتفاء بالكسرة التي تشير إلى الياء وعليها جمهور القراء كما قلنا. بعض قبائل العرب لم تحذف ياء المتكلم أو حذفت الياء التي قبلها أو حذفت ياء المتكلم وأجرت على الياء الباقية ما يُجرى على ياء المتكلم من الفتح في التخفيف فتقول: هذا لي أو هذا ليَ، كتابي أو كتابيَ بفتح ياء المتكلم. فيا بُنيَّ هذه فتحة التخفيف على ما قرأ الرسول - ﷺ - على قبائل من العرب بلهجتها بإذن من ربه. و(يا بُنيِّ) هذا بالنسبة لاختلاف القراء والنتيجة واحدة هي تصغير الإبن للتحبيب للمتكلم هو نسبه إلى نفسه ثم بدأ يعظه ويوصيه: أقم الصلاة، أُمر بالمعروف، إنه عن المنكر.
إقامة الصلاة تكوين أن تُكوّن نفسك ثم تنتقل مرحلة ثانية تدعو الناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر هذا سيؤدي إلى الإضرار بك فاصبر على ما أصابك فهي نصيحة ومتدرجة وليس الموضع موضع تأكيد زائد فقال له (إن ذلك من عزم الأمور) فأكّد بـ (إنّ) وحدها، أن الصبر على ما يصيبك هو من عزم الأمور، من الإرادة القوية.
لو نظرنا في الآيتين آية النساء وآية المائدة، آية النساء في الجُنُب وذوي الأعذار لم يذكر الوضوء إذن آية النساء هي في الجُنُب وذوي الأعذار تحديداً (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) أما آية المائدة ففي الجُنُب وغير الجُنُب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن هي عامة شملت الجنب وغير الجنب وذوي الأعذار وذكر الوضوء، إذن التفصيل في آية المائدة أكثر من آية النساء وذكر ما لم يذكره في آية النساء (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) فإذن كلمة (منه) نضعها مع التفصيل في آية المائدة فناسب التفصيل والزيادة في البيان فلما فصّل فصّل في البيان وزاد (منه)، و (منه) يعود على التراب. هناك فصّل وهذا أجمل. هذا أمر وهناك أمر آخر في آية النساء ختم الآية بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) لأنه ذكر السُكارى (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) بينما ختم آية المائدة (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)) ذكر رفع الحرج وإتمام النعمة ويريد أن يطهركم وهذا يستوجب الشكر فقال (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أما في آية النساء لم يذكر رفع الحرج وإنما ذكر السكارى والله عفو غفور فقال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) فإذن الخاتمة مناسبة لما ورد وذكر (منه) مناسبة للتفصيل والبيان. وهذا نهج القرآن أن الفاصلة القرآنية لا بد أن تناسب الآية لذلك أحياناً يخالف الفواصل.
د. أحمد الكبيسى :
الأهم من هذا أنه عندنا كلمة (يعلم) هذه جملة فعلية هي وصف لكلمة (شهيداً) (شهيداً يعلم) يعني شهيداً عالماً فلما كان يعلم وصفاً لشهيدا فلو قدم شهيداً وجعله (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم) يكون هناك فاصلاً بين الصفة والموصوف يطول الكلام ويضعف. حينما تفصل الصفة وموصوفها يضعف الكلام من حيث التركيب سيتبعد الوصف عن صفته ويكون (بيني وبينكم) فاصلاً. فتفادياً لهذا الضعف - ولغة القرآن اللغة الأعلى والأسمى والأرقى- فتفادياً لهذا الضعف وإتّكاء على ذكر المخاطب والغائبين (عليك، عليهم) نوع من التنسيق، والأصل أن يتفادى الفصل بين الصفة والموصوف بكلام (بيني وبينكم) تطيل الفاصل والأصل في اللغة العليا أن لا يُفصل بين النعت ومنعوته. وهو قد يجوز أن تفصل لكن ليس هو الأفضل في اللغة العليا. لذلك جاء (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم) لأن (يعلم) نعت لـ(شهيداً) فلا بد أن تتصل بها.
الآيات الأخرى جاءت على الأصل يعني أن العامل تقدم على المعمول لأن (بيني وبينكم) معمولان لـ (شهيداً) تقدم على العامل. لكن لما يتقدم (شهيد) يأتي المعمول بعدها. الطبيعي أن يأتي العامل ثم يأتي المعمول (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) فما جاء على الأصل لا يُسأل عنه. كما تقول: كتب زيد رسالة، لا نقول لماذا تقدم الفاعل ؟ هذه رتبته هكذا يأتي قبله. إذا جاء الشيء على الأصل لا يُسأل عنه عندما يكون العامل مقدّماً على معموله فهذا هو الأصل. بيني وبينكم معمولان متعلقان بـ (شهيداً) لما يأتي (بيني وبينكم) بعد (شهيداً) لا يُسأل عنه لأن هذا الأصل. مع ذلك لو نظرنا في الآيات التي قد تأخر فيها الظرف نجد أن هناك أسباباً دعت إلى تأخيره ولا يمكن أن يتقدم:
آية (٢١):
قال تعالى:(بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (١٢) الفتح) السَوْء يعني السيء، السوْء مصدر ساءه سوءاً والسُوء هو الإسم (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (٢٢) طه) من غير سُوء أي من غير مرض أو علة أما السوْء فهو المصدر وهناك فرق بين المصدر والإسم مثلاً نقول الذبح والذِبح، الحمل والحِمل، الوضوء والوَضوء. الحَمْل مصدر والحِمل ما يُحمل (خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (١٠١) طه) يحمل على الظهر، (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ (٣١) الأنعام) أما الحَمل هو المصدر أو ما لا يرى بالعين (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا (١٨٩) الأعراف)، الذَبح هي عملية الذَبح أما الذِبح فهو ما يُذبح كبش أو غيره (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) الصافات)، الوُضوء عملية التوضؤ والوَضوء هو الماء الذي يُتوضأ به.
*(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (٢٩)) الآية مبنية على تمثيل لكمال الإقبال على عبادة الله في موضاع عبادته، كيف ذلك؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تخيل حال المتهيء لمشاهدة أمر عظيم حين يوجه وجهه إلى صوبه لا يلتفت يمنة ولا يسرة فذلك التوجه المحض يطلق عليه إقامة لأنه جعل الوجه قائماً لا متغاض ولا متوان في التوجّه. فتكون بذلك إقامة الوجوه تمثيلاً لكمال الإقبال على الله كأنه يراه أمامه.
آية (٣٠):
* ما دلالة ظاهرة تذكير الفاعل المؤنث في القرآن الكريم كما جاء في كلمة الضلالة؟(د. فاضل السامرائى)
؟ إذاً فهمنا الفرق بين ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين ومنزلين ومردفين وفهمنا الفرق بين إلا بشرى لكم وبشرى بدون لكم ننتقل إلى أيضاً جزء آخر في نفس الآية. يقول بآية آل عمران (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) بالأنفال نفس الآية ولكن قال (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) لماذا هناك قلوبكم أولاً وهنا قلوبكم ثانياً بالأخير؟ أقول لك جداً طبيعي أولئك صحابة وعايشين مع النبي ﷺ وشافوا معجزات فقلوبهم مطمئنة لكن القلوب متعلقة بالمدد متى يأتي المدد؟ هم واثقون مائة بالمائة أن المدد آتٍ فينتظرون المدد فإذاً مشكلتهم بالمدد أما الاطمئنان هو مطمئن بالله ناس صحابة شاف الوحي وشاف النبي ﷺ إذاً قدّم القلوب لأنهم كانوا في غاية الرعب في غاية الخوف (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الذي يستغيث في غاية الخوف فإذاً صار التركيز أين؟ التركيز على اطمئنان القلب من الخوف لأنهم كانوا خائفين، ولكنهم في البداية واثقين أن الله سيبعث المدد. لنا جميعاً نحن الذي ما فيها لكم إلا بشرى للجميع نحن في الحقيقة مشكلتنا المدد كيف سيأتي المدد؟ في زمن النبي ﷺ معجزات نحن الآن ما في معجزات فمشكلتنا أين؟ لو أصابك كرب في العام الماضي أو قبل سنتين في مدينة اعتدى عليها جيش غازي جيش سيمسح فيها الأرض وكلهم سيموتون هذا (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) بالمدد.
العرب عندهم أسلوب في ذكر المعدود (ما يعدّون) تصاغ عندهم على وزن فاعل فيقولون مثلاً هو رابع أربعة. لاحظ في كلام سعد إبن أبي وقاص يقول: مرّ علي يوم وأنا رابع أربعة فكنت رُبع الإسلام. المسلمون كانوا ثلاثة وهو الرابع. كنت رابع أربعة لما يقول رابع أربعة يعني هو واحد منهم، خامس خمسة لما يُشتق من اللفظ نفسه: سادس ستة يعني هو واحد من هذا المجموع. لكن لهم أسلوب آخر: يقولون: رابع ثلاثة أو خامس أربعة. في هذه الحالة يكون متمماً للعدد ولكنه ليس شرطاً أن يكون جزءاً منه. لاحظ في القرآن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) المجادلة) نجوى الثلاثة الله رابعهم فالله سبحانه وتعالى من غيرهم لكنه صار في العدد بحضوره رابعاً لكنه ليس منهم. في قصة أصحاب الكهف (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢) الكهف) ليس منهم. فلما يقول القرآن ثاني اثنين معناه هما من نوع واحد كثالث ثلاثة ورابع أربعة وخامس خمسة وهذا فيه إشارة إلى منزلة الصدّيق رضي الله عنه لأن كان مع الرسول ؟ يشكّلان اثنين ولم يكن الرسول - ﷺ - من خارجه ولم يكن هو من خارج الرسول - ﷺ - بالمثال الذي ضربناه.
هذه الآية في سورة في مكان وهذه الآية في سورة في مكان ومحمد - ﷺ - كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يرتب هذه الأمور، ألا يكفي هذا في الدلالة على نبوة محمد - ﷺ - ؟ ألا يفكر الإنسان أن هذا الرجل الأمي لا يصدر منه مثل هذا التنظيم في مكانين مختلفين تنظر هنا تجد شيئاً وتنظر هنا تجد شيئاً والذي قال الشيئين كان مدركاً لما يقول هنا ولما يقول هنا في آن والمدة متباعدة بين نزول هذه السورة ونزول هذه السورة، هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى
دأبنا أن نذكر قراءة نافع لإخواننا في المغرب العربي: (لو يفتدي من عذاب يومِئذٍ) عذاب مضاف ويومِ مضاف إليه، نافع قرأ (من عذاب يومَئذٍ) بالفتح. توجيه علماء العربية لذلك أن (يوم) ظرف والمفروض أن يكون مُعرباً لكن أضيف إلى مبني وهو (إذ) فإذا أضيف إلى مبني كثير من قبائل العرب تبنيه بسبب إضافته إلى المبني فيبنى على الفتح يقال (مبني على الفتح في محل جرّ)، تبنيه على الفتح (يومَئذ). وأكثر القراء قرأوها بالكسر (يومِئذ). نافع والكسائي فقط قرأوا بالبناء على الفتح (يومَئذ). يومِئذ مضاف إليه مجرور بالكسر فإذا فُتِح فالسرّ أنه أضيف إلى مبني. هي أصلها (يومِئذْ) والتنوين عوض عن جملة محذوفة. لأن عندنا التنوين أنواع: تنوين التمكين وتنوين العِوض. تنوين العِوض يمكن أن يكون عوضاً عن مفرد وهو اللاحق لكل عوضاً عما تضاف إليه (كلٌ يعمل على شاكلته) يعني كل إنسان فحذف كلمة إنسان وعوّض بالتنوين، هذا التنوين عوضاً عن مفرد. ويكون عوضاً عن حرف وهو اللاحق بنحو جوار وغواش وهذا فيه كلام طويل، عوض عن الياء المحذوفة لأن جوار وغواش ممنوع من الصرف لا ينوّن لأنه على صيغة منتهى الجموع فلما نوّن قالوا حذفت الياء ونون عوضاً عن الياء المحذوفة وهذا فيه كلام كثير.
في أول السورة قال (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣)) وفي آخرها قال (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)) أجل مسمى في الآية الأولى ما هو هذا الأجل؟ أجل مسمى يعني يوم القيامة. أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض (إنا خلقنا السموات والأرض) أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى بهذا الأجل المسمى؟ بلى قادر سبحانه. (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤)) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣)) فعاقبتهم أن يعرضوا على النار. ثم قال في النهاية (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (٣٥)) وفي الأول قال (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)) قل ما كنت بدعاً من الرسل فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، فإنك لست بدعاً فاصبر كما صبروا وما أدري ما يفعل بي ولا بكم.
سؤال: القرآن يفسر بعضه بعضاً فهل هناك تفسير للقرآن بالقرآن؟
قال تعالى فى آل عمران (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (٩٦)) بالباء، في سورة الفتح (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (٢٤) الفتح) لماذا هناك بكة وهنا مكة؟ المفسرون قالوا بكة هي مكة لكن لأنها تبك رقاب الأعداءهؤلاء المفسرون جزاهم الله خيراً والعلم والتنقيب والدراسات الجغرافية تقول غير هذا. عندنا مكة هي أُم القرى (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا (٩٢) الأنعام) أم القرى كانت إلى جانبه التي هي مكة ومكة ما كانت بهذه السعة كانت بلدة صغيرة أنت لما تطير الآن فوق العالم العربي يعني أنت لما تسافر من هنا إلى عمان تجد تجمعاً كبيراً خاصة في الليل بالأضواء تجد مدينة لنقل عشرة آلأف عرشين ألف ومتناثرة حولها مجموعات صغيرة من الأنوار يعني قرى صغيرة هذه القرية الكبيرة هي أم القرى مكة التي هي مكة الآن لم تكن بهذه السعة كان مكان الحرم الحالي كانت صحراء فيها ميزة معينة يسمونها بكة لم تكن بلداً كانت مكان ليس فيه بناء فيه آثار البيت والبيت بنته الملائكة ولهذا قال تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ (١٢٧) البقرة) قال يرفع ولم يقل يبني. هذا المكان الذي فيه الحرم الآن كان يسمى بكة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) بالمكان الذي هو ضاحية من ضواحي مكة القديمة وكان يبعد عنها مسافة فكان في بكة وإلى جانبه مكة، مكة هذه هناك مكة وهناك وادي أربع وديان خمس مجموعات متناثرة كلها تدور في فلك مكة مكة هذه أم القرى المتناثرة كلها تدور في فلك مكة.
المالك ينبغي أن يعلم ماذا يملك والملك ينبغي أن يعلم ماذا يملك، إذن كلاهما المالك والملك ينبغي أن يعلما عن ملكه أو عن ما يملك إذا كان مالكاً ولما كان ربنا سبحانه وتعالى مالك الملك إذن ينبغي أن يعلم كل شيء في مِلكه فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لأنه لا يصح لملك أو مالك أن لا يعلم شيئاً فيما يملك ولذلك لا يندّ عنه في ملكوته شيء لا المسكن ولا الساكن في الأرض ولا في السماء كلها. وليس ذلك فقط، ليس يعلم فقط وإنما أول مرة ذكر العلم المطلق (يعلم ما يلج) ليس ذلك فقط وإنما هو يُبصر ما فيهما (بما تعملون بصير) ليس العلم فقط لأن العلم قد يأتي عن طريق الإخبار. الفرق بين العليم والبصير أن العليم قد يأتي عن طريق الخبر وليس بالضرورة أن يرى فالملِك قد تأتيه الأخبار دون أن يبصر. هذه مرحلة أخرى ليس فقط يعلم وإنما هو يُبصر أيضاً (والله بما تعملون بصير) وأيضاً له مرتبة فوق الإبصار وهي المعيّة والمصاحبة (وهو معكم) لأن البصير قد يبصر عن بعيد، معكم تفيد أنه معنا (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) ق) (والله معكم أينما كنتم) فهذه مرحلة فوق الإبصار، وله مرتبة فوق ذلك في الآية وليس فقط المعية والمصاحبة وإنما هو يعلم ماذا نفعل والسبب ظاهراً وباطناً ويعلم عمل كل عامل لِمَ عمله؟ لأنه أحياناً أنت ترى الإنسان يعمل عملاً وأنت لا تعلم لِمَ فعل ذلك؟ الله تعالى ليس فقط يعلم العمل ولا يبصره ولا معه وإنما يعلم لِمَ فعله. (
لما ذكر أنهم يخافون ذلك اليوم قال ربنا وقاهم شر ذلك اليوم ولقاهم بدل العبوس النضرة وكلاهما في الوجه وبدل الخوف والسرور ومحلهما القلب، قابل العبوس بالنضرة وهما في الوجه وقابل الخوف بالسرور وهما في القلب. مقابل الخوف الأمن ولكنه قابل بين الخوف والسرور والعبوس والنضرة. السرور هو الأمن وزيادة وقد يكون الإنسان في أمن لكنه بلا سرور ثم نلاحظ أنه أيضاً مقابل الخوف قال السرور وليس الأمن ومقابل العبوس قال النضرة ولا تقابل العبوس لأن الوجه قد يكون غير عابس لكنه غير نضر. وهذا زيادة لأنه تعالى قال (من جاء بالحسنة فله خير منها) ولم يقابلها بمثلها بل بخير منها. فالسرور مقابل الحزن وليس مقابل الخوف، فالخوف عادة يكون قبل أن يقع الشيء فإذا وقع حزن الإنسان كما في قوله تعالى (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فأصبح في حزن لذا ذكر العاقبة السرور. وقال أيضاً في الآية السابقة (يخافون يوماً) وقال في هذه الآية (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) ولم يقل يخافون شر اليوم وإنما جاءت الآية (يخافون يوماً) أما في هذه الآية فذكر تعالى (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) وهذا يعني أنهم هم خافوا اليوم بما فيه من شرور ومصاعب وحساب وهو يوم عسير ومن شورو ذلك اليوم أنه (يجعل الولدان شيبا) لكنه تعالى وقاهم شر ذلك اليوم فقط ولم يقيهم اليوم ومشهد ذلك اليوم وفي هذا إنذار وتخويف كبيران فكل أنسان سيشاهد ذلك اليوم بما فيه وحسبه أن يقيه الله تعالى شر ذلك اليوم. إذن الله تعالى يقيهم شر اليوم ولا يقيهم مشد ذلك اليوم الذي سيشهده كل الناس أجمعين.
والفاء في قوله (فوقاهم) تفيد السببية في أغلب معانيها ولو كانت عاطفة أو يُنصب بعدها الفعل وهي تعني بسبب ما فعلوه في الدنيا وقاهم الله شر ذلك اليوم.
آية (١٢):
(وجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ﴿١٢﴾)
فكرة عامة عن الآية: هذا التعبير يحتمل أن يكون كلام الجن، كان قبلها الإنس والجن (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥)) فمحتمل أن يكون هذا كلام الجن يخاطبون قومهم أن الإنس يظنون كما تظنون أنتم قسم منهم ينكر اليوم الآخر واحتمال أن يكون هذا مما أوحى الله به يقول لكفرة قريش أن الجن يظنون كما تظنون أنتم، أنه مما قاله الجن أنهم الجن ظنوا كما تظنون أنتم أيها الكفار أن لن يبعث الله أحداً وهذا إنكار اليوم الآخر وقسم قال إنكار النبوات والرسل لكن يبدو أن إنكار اليوم الآخر أرجح لأنه قال (أن لن) و(لن) للمستقبل، كان قال لم يبعث ولن يبعث هذا للستبقين أنكرها، ألن يبعث هذا استقبال. ألن يبعث يعني بالمستقبل هذا هو الراجح إنكار للبعث والنشور من أساسه. هم أنكروا هذا اليوم وأنكروا إرسال الرسل. الجن قالوا سمعنا كتاباً من بعد موسى ولذلك الراجح أنه إنكار البعث. لكن الآية تحتمل أن كلاهما قال الإنس والجن.
* هل ورد التنازع في القرآن الكريم؟
وجاء بالفاء بين أجزاء الآية (أولى لك فأولى) وجاء بـ (ثمّ) بين الآيتين، وثمّ ليست فقط للتراخي الزمني ولكنها تأتي للتوكيد أيضاً. فلا صدّق ولكن كذّب وكذّب أكثر من لا صدّق وتقتضي الإعلان والإشهار لذا هي أكثر من ولا صدّق. وتولّى هي في عموم الطاعات وهي أكثر من ولا صلّى لذا جاءت ثمّ للتراخي.
أما استخدام الفاء في (فأولى) الأولى لأن ما بين العذابين الأوليين عذاب الدنيا وعذاب القبر قريب وكذلك في الآية الثانية لأن ما بين العذابين الآخرين قريب وهو بين يوم القيامة ودخول النار، الآية (أولى لك فأولى) قيلت في حالة الإحتضار يبدأ العذاب في النزع ثم في القبر وبينهما مسافة قريبة لذا جاء بالفاء لقربهما أما الثانية (ثم أولى لك فأولى) جاءت في الحشر والنار وجاء بالفاء بينهما لقربهما اي الحشر والنار أما استخدام ثمّ بين القبر والحشر دلالة على التراخي والفاصل الزمني البعيد بين كل منهما ولأن بين القبر والحشر آلاف السنين، واستخدام ثم يفيد عموم البعد والتباين وليس التراخي في الزمن فقط. فالتكرار للفظ أولى أربع مرات دلالة على أن الويل لك حياً والويل لك ميتاً والويل لك يوم البعث والويل لك يوم تدخل النار.
آية (٣٧):
*ما اللمسة البيانية في حذف نون (يكن) في قوله تعالى (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى)؟ (د. فاضل السامرائى)
الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً.
إما إذا كان ما بعده ساكناً فلا يجوز الحذف (لم يكن الرجل) لا يمكن القول لم يك الرجل.
ولا يجوز الحذف أيضاً لو كان ضمير متصل (لم يكن هو) لا يجوز قول لم يك هو.
حقيقة هم يقولون لما نأتي إلى معجمات اللغة أي معجم يعني من اللسان إلى الصحاح الواسعة والموجزة يقول لك: الجدث القبر فالأجداث القبور. لكن السؤال لماذا استعمل القرآن الأجداث هنا ولم يستعمل القبور؟ صحيح الأجداث هي القبور لكن نريد أن نعرف حقيقة كان بإمكان القرآن أن يقول (يخرجون من القبور) بدل ما يقولون (من الأجداث) طبعاً علماء اللغة يقولون القبر عام عند العرب كلمة قد يستعملها قبائل اليمن قبائل العرب وما بينهما وقبائل الشام. أما الجدث فالأصل فيه أنه لهذيل. هذيل قبيلة في وسط الجزيرة يعني من القبائل التي اُخِذ منها العربية وتميم أيضاً في وسط الجزيرة لكن الفرق أن الهُذلي يقول جدث بالثاء والتميمي يقول حدف بالفاء. لاحظ تقارب الثاء والفاء، قريش أخذت من هذيل وصارت تستعملها ونزل القرآن بها. هؤلاء الذين في وسط الصحراء أرضهم رملية فتخيل عندما ينشق القبر تتشقق هذه القبور وكلها رمال ماذا سيكون؟ سيكون نوع من طيران الرمال في الجو لتشققها هذا يتناسب مع صوت الثاء بما فيه من نفث. لما نقول جدث وأجداث الثاء فيه نفخ بخلاف قبر وقبور فيها شدة، فيها حركة لكن فيها شدة ليس فيها هذه الضوضاء ولذلك لم يستعمل الأجداث إلا في بيان مشاهد يوم القيامة بينما كلمة قبر وقبور استعملت في الدنيا والآخرة (إذا القبور بعثرت) يعني ما صوّر لنا الصورة. لاحظ الصور أنا جمعت الآيات الثلاث: هي في ثلاثة مواضع وكلها في الكلام على النشور يوم القيامة وعلى الخروج من القبور أو من الأجداث،
الآية الأولى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) يس): يعني جماعات جماعات أفواج ينسلون يتجهون يسرعون في الخروج.
الآية الثانية (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) القمر): ايضاً يوم القيامة وأيضاً فيه هذا الانتشار وسرعة الحركة للجراد كأنهم جراد منتشر.


الصفحة التالية
Icon