هكذا تُرسم (بسم الله الرحمن الرحيم) رُسمت من غير ألف. ولفظة الرحمن حيثما وردت في القرآن هي من غير ألف ولفظة الله حيثما وردت في القرآن هي من غير ألف. لفظة إسم أحياناً تأتي بألف وأحياناً تأتي من غير ألف. قد يكون في ذلك سر وقد يكون هذا الذي كان عليه الكُتّاب. لو نظرنا في الآيات التي بين أيدينا من سورة الفاتحة الآية الأولى (بسم الله الرحمن الرحيم) نجد أن كلمة إسم أضيفت إلى لفظة الله ودخلت عليها الباء. في سورة النمل الآية ٣٠-٣١ (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)) نجد أيضا أن الباء إتصلت بكلمة إسم وأضيفت إلى إسم الجلالة (الله). في سورة هود الآية ٤١ (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)) أيضاً أضيفت إلى لفظ الجلالة الله وابتدأت بالباء. إذا كانت الآين بهذا الشكل: إذا إتصلت بالباء اللفظة (إسم) وأضيفت إلى إسم الجلالة (الله) فعند ذلك ينبغي أن تحذف الألف. إذن عندنا شرطان لحذف الألف مع إسم. نحن نسميها ألف وهي في الحقيقة رمز لهمزة الوصل وهمزة الوصل كما هو معلوم تسقط في الدرج وتثبت في البداية. يعني عندما نقول: ما اسمك؟ (حذفت الألف في اللفظ ولكن هي ثابتة في الرسم) الرسوم يكون على الإبتداء أو الوقف ولكن إذا قال: إسمي فلان بدأ بهمزة قطع. فإذن بهذين الشرطين تحذف ألف إسم وإذا إختل أحد هذين الشرطين أو كلاهما عند ذلك تثبت الألف.
المسألة الثالثة رب العالمين تكلم عن الذين ينكرون نبوة محمد وينكرون أن هذا قرآن، مرة قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٢٣﴾ البقرة) وبعدين في مكان آخر (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴿٣٨﴾ يونس) بدون (من) طبعاً من أجل هذا في سورة يونس يقول (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (٣٨) يونس) على القرآن (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿٣٨﴾ يونس) في الأولى قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) والثانية (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) في الأولى شك في نبوة محمد أنه ليس نبي فالخلاف أنه ليس نبي قال إذا كان ليس نبياً هاتوا برجل من عندكم من رجالكم اقترحوا أي واحد يأتي ويقول كلام مثل ما يقوله محمد وهاتوا شهداء على أننا نعرف فلان الفلاني الشاعر الأديب الخ هذا قال كلام مثل كلام محمد بالضبط، مستحيل تجدوا هذا الشيء فليس هناك رجل يشبه محمد لا في أخلاقه ولا في خلقه ولا في صفاته ولا في تاريخه ولا في نصاعة نسبه الخ مستحيل هناك رجل يشبه محمد ﷺ من كل قومكم وعشائركم وقبائلكم إذاً أين الإشكال؟ (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ) من رجل مثل محمد يقول نفس السورة أو قريب منها فالشك هنا والريب كان في شخص النبي صلى الله عليه وسلم. أما في قوله (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) الشك في القرآن هم يقولون أن محمد نبي لكن هذا القرآن ممكن أنه هو قاله من عنده كان هو أديب والخ قال إذن أتوا بسورة مثل ما قال وهناك من مثل محمد وهنا مثل القرآن، هذا الفرق بين (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) و (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).
ثم قال (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) أيضاً لم يذكر الفاعل لأنه معلوم (السفينة) وهو ذكر (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ (٤٢) هود) ذكر الفاعل في الأول فقال (وَاسْتَوَتْ) وكان استواؤها بعد انقضاء الأمر، استوت بمعنى وقفت، رست. والجودي قالوا جبل قالوا في الموصل أو تركيا. استوت على الجودي بعد قضاء الأمر. (وَقُضِيَ الأَمْرُ) يدل على الأمان. (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أيضاً بنى الفعل للمجهول، من القائل؟ القائل هو الله والملائكة والصالحين كلهم يقولون بعداً للقوم الظالمين،
سؤال: ما دلالة هذا التركيب (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)؟
بعداً يعني هلاكاً وبعداً وسحقاً لهم. (بعداً) أيضاً على الإيجاز لم يأت بالفعل وإنما جاء بالمصدر بدون ذكر فاعل وهي أوجز حالة. بعداً (المصدر) أبلغ من يبعد (الفعل). ثم قال (لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وصفهم بالظلم كما وصف في الأول (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (٢٧) المؤمنون). ولم يقل بعداً لهم وإنما قال (بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ذكر الوصف الذي استحق به القوم العقوبة وهو الظلم أعاد التأكيد على أن ما حصل لهم بسبب ظلمهم. هذه أبرز الأشياء المهمة في الآية على وجه السرعة.
آية (٤٥):
*كيف يأتي القول بعد النداء في قوله تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴿٤٥﴾ هود) ؟ (د. فاضل السامرائى)
نأتي إلى سورة يوسف: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧)) أيّ الأشد، الكافر أو الظالم؟ الكافر أشد لأن الظالم قد يكون مسلماً. هناك قال (الظالمين) وهنا قال (كافرون) أيهما الأولى بالتوكيد؟ الكافرون أولى فوضع (هم) مع الكافرين.
آية (٣٨):
* انظر آية (٦). ؟؟؟
آية (٤٠):
*ما الفرق بين(ما نزّل الله بها من سلطان) فى سورة الأعراف و(ماأنزل الله بها من سلطان)فى سورة يوسف؟(د. فاضل السامرائى)
إذاً رب العالمين عز وجل يتكلم بالآية الأولى عن الأمطار التي تنبت الزرع الموت الموسمي الأرض الآن تموت بالصيف والشتاء وبالربيع تحيا وكل سنة مكان عشب ثم يموت العشب ثم تموت الأرض ثم في العام القادم وهكذا هذه كلمة أنزل يأتي مرة واحدة مرة واحدة في السنة في فصل الربيع مثلاً وهكذا كل كلمة أنزل يعني تأتي إما دفعة واحدة أو مرة واحدة على الوجه المعتاد مثل أغلق وغلّقت، أغلق الإغلاق المعتاد وغلقت اتخذت كل الوسائل والأسباب. وحينئذٍ كلمة أنزل معروف أن الأرض يأتي المطر ثم تخضر ثم ينتهي الموسم تعود ميتة مرة ثانية وانتهى الأمر وحينئذٍ الآية الأخرى (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) هذا يتكلم عن إحياء مطلق لموتٍ كان مطلقاً أيضاً. في هذه الآية على كثرة ما تناولها المفسرون بالتأويل وربما لم يفرقوا والغالبية العظمى لم يفرقوا بين هذه وهذه، يعني عنده (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) مثل (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وما انتبه إلى هذا وقلنا هذا ليس عيباً فيهم لكن هذا مسألة عصر. والقليل الذي قال هناك فرق قال نزّل للتشديد والتكثير.
يمكن ان نستخدم أفعل التفضيل عندما نريد أن نجعل هذا الشيء أفضل من كل ما عداه مهما كان الذي عنده في ذهنك وعندما نقول (الله أكبر) فهو تعالى أكبر من كل ما يخطر في ذهنك. و(أعلم) في الآية تعني أعلم من كل ما سواه وحينما نقول: (أعلم، عالم، عليم، يعلم) كل الصيغ تعني أنه تعالى علِم دقائق أموره وعظائمها بلا شك لكن من حيث نظم الألفاظ لو خرجنا خارج القرآن يمكن أن نفرّق بين علم وعالم وأعلم (العالم يمكن أن يفوته شيء) أعلم لا يفوته شيء. فلما استعمل في هذا النظم كلمة أعلم معناه كل هذه الدخائل ستكون منكشفة أمام الله تعالى وفقاً لنظم الكلام وهذا يثقل على المؤمن والكافر أن يستخرج الله تعالى كل دخائله فلما كان في المعنى شيء من الثقل على المخاطب استعمل اللفظ الثقيل (النفوس).
وهناك شيء آخر خارج مسألة المعنى وإنما يتعلق بالصوت: الانكشاف واضح في كلمة نفوس ليس فيها ادغام ولا اخفاء وكل حروفها ظاهرة مظهرة (نفوسكم) لكن لو في غير القرآن (أعلم بما في أنفسكم) أنفسكم هنا إخفاء فيها خفاء والخفاء لا ينسجم بأنه أعلم بالدقائق حتى من حيث الصوت.
آية (٢٧):
*ما دلالة وصف الشيطان بالكفور وليس الرجيم؟(د. حسام النعيمى)
فى آية الاستعاذة اختيار كلمة الرجيم لتقليل شأن الشيطان وإذلاله لأن المراد فيها الذّلة حتى لا تكون للشيطان منزلة مخيفة فأنت لجأت الى الله وعُذت به فتذكر أنه ذليل مرجوم. وإذا نظرنا لأوصاف الشيطان في سورة الاسراء نجد صفة الكفور (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧)) لأن الكفور قد يكون متجبراً وكافراً لكن ليس فيه اذلال.
*ما هي اللام في (لربه) في قوله تعالى (وكان الشيطان لربه كفورا)؟ (د. فاضل السامرائى)
فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ. فَقَالَ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ؟ - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : وَهَذَا أَوْكَدُ - فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ. قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى : لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ ». قَالَ النَّبِىُّ ﷺ « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ».
بعد عرض هذه القصة الرائعة و التى أمدنا الله الكريم فيها بالكثير من الدروس و العبر و نلاحظ فيها عدم صبر سيدنا موسى عليه السلام بعد أن تعهد و قال سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا، كذلك عدم صبر سيدنا الخضر علي سيدنا موسى بعد أن أخذ منه العهود و المواثيق بعدم السؤال فما لبث أن قال له بعد أن سأله سيدنا موسى عليه السلام عن تفسير أعماله ثلاثة مرات : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ والآن بعد أن أخذ عليك الله الكثير من العهود و المواثيق و تفضل عليك بالكثير الكثير من النعم و تعصاه و تعصاه بعد ذلك بعد أن قلت مراراً و تكراراً وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ثم تتوب إليه فهل فى أى مرة من مرات عصيانك لله و عدم إلتزامك شرعه و أوامره قال الله لك : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ لم يحدث أبدا سبحانك ربنا ما أرحمك بنا و صبرك علينا مع تقصيرنا.
فكيف لما مليون صف؟! هؤلاء كلهم أقرب الملائكة إلى الله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) رب العالمين في هذه القضايا يخاطب هؤلاء أقرب وأحب الملائكة إليه، فلما خلق آدم قال لهؤلاء أو جزء منهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) أنت ألست تعبدني؟ وأنت تسبح؟ اتركوا عملكم وقعوا له ساجدين. إذاً رب العالمين يخاطب هؤلاء الملائكة المشغولون فالذي يقع هو الذي كان مشغولاً بشيء ثم انتبه. يعني واحد يشتغل أو يكتب سمع ابنه وقع أو طاح رأساً ركض عليه ترك الشغل الذي بيده لأهمية الحدث الآخر. فرب العالمين قال (فَقَعُوا) بالفاء (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) من روحي، لا يستحق أن تسجدوا له لأنه طين أو أني سويته ولكن لأني نفخت فيه من روحي (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) كلٌ ترك عمله قسمٌ منهم هو ما خاطب كل الملائكة ولكن مجموعة منهم أنتم عندما أنفخ فيه روحي رأساً فقعوا اتركوا الذي في أيديكم (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وهذا الفرق بين فقعوا له وبين اسجدوا وبين خروا.
آية (٦١):
*ما دلالة استعمال صيغة مأتيا في قوله تعالى في سورة مريم (إنه كان وعده مأتيّا)؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة مريم (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ﴿٦١﴾). يُقصد بالوعد جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بها والجنّات تؤُتى ولا تأتي فالجنات يذهبون إليها فهي مأتية وليست آتية فالوعد هو الجنة والآية في السورة في سياق الجنة.
آية (٦٤):
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة مريم(له ما بين أيدينا وما خلفناوما بين لك) ولماذا لم تأتى مثل سورة البقرة (يعلم مابين أيديهم وما خلفهم) فى آية الكرسى؟(د. فاضل السامرائى)
إن السمع يتعلق بما تسمع وما يُلقى إليك فكل الناس يسمعون الخبر متساوياً لا تفاوت فيه ولا تفاضل وإنما نختلف أنا وأنت والناس جميعاً بتحليل المسموع وتدبره وهذا يتم عبر القلوب.
آية (٨):
*(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (٨) البقرة) هم جمع ومن يقول مفرد فما دلالة الجمع بين الصيغتين؟(د. فاضل السامرائى)
(من) للمفرد والمثنى والجمع والأصل في (من) إذا ذكرت أن يُبدأ بدلالة لفظها ثم ينصرف إلى المعنى، دلالة اللفظ مفرد مذكر ثم يصرف إلى المعنى الذي يحدده السياق (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (٨) البقرة) هم جمع ومن يقول مفرد، يبدأ بالمفرد. (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (٤٩) التوبة) من يقول مفرد، سقطوا جمع، يبدأ بالمفرد. (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ (٣٠) الأحزاب) من يأت مفرد، (من وما) يبدأ بلفظها تكونان للمفرد والمثنى والجمع مذكر أو مؤنث. أكثر الكلام عند العرب إذا بدأوا بـ (من) حتى لو كان جمعاً (من) لها لفظ ولها معنى، لفظها المفرد المذكر ومعناها يختلف، يبدأ بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى فيما بعد (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (٨) البقرة) مفرد مذكر، وما هم بؤمنين جمع، (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا (٣١) الأحزاب)، وعليها يؤمنون به ويؤمن به.
آية (٩)-(١٢)-(١٣):
أو واقع ضمن مشهد يحسن السؤال أو يتناسب السؤال مثل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) طه) هذه واقعة ضمن مشاهد القيامة قبلها قال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (١٠٧ طه) السياق هو هكذا (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (١٠٨) طه) هي وقعت في أمر يتناسب فيه السؤال. إذن إما أن تكون ضمن أسئلة متعددة فيبدأ بالأول بلا واو والأخرى عاطفة أو هو ضمن متعاطفات كما ذكرنا أو الموقف يحسُن فيه السؤال.
آية (١٠٨):
* هل نقول الرجل داعي أم داعية؟ (د. فاضل السامرائى)
ليس بينهما تعارض لكن الداعية فيها مبالغة إذا كان مكثراً من الدعوة يقال له داعية لأن (فاعلة) من أوزان المبالغة. الأصل داعي إسم فاعل (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ (١٠٨) طه) فإذا أردنا المبالغة نقول داعية كما نقول داهية. هذا ليس مؤنثاً، التاء يؤتى بها للمبالغة وتاء التأنيث هي ليست فقط للتأنيث (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (١) الهمزة) التاء تدل على التكثير، فاعلة وفعّالة من أوزان المبالغة رجلٌ علّامة وفهّامة من أوزان المبالغة، علاّم وعلاّمة من لأوزان المبالغة، داهية من أوزان المبالغة.
آية (١١٠):
*لماذا ذكر نفي الإحاطة بالذات في سورة طه ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي؟ (د. فاضل السامرائى)
فإذن الكلام هنا على الدنيا (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) الحج) إشارة إلى طول الوقت (ثم أخذتها) إستخدام (ثم) بدل الفاء على التراخي، ما يتوقع الإنسان أن عقاب الله عز وجل ينزل فوراً.
*ما الفرق بين كلمة ميعاد و كلمة معاد؟ (د. فاضل السامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (لرادك إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (٨١) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (٤٧) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
آية (٥٨):
* ما دلالة اختلاف فواصل الآيات في الآيات (٥٨ – ٦٤) في سورة الحج؟ (د. فاضل السامرائى)
من حيث اللغة لو سألنا من صاحب هذه الدار؟ يكون الجواب لفلان أو فلان. فهي من حيث اللغة جائزة أن نقول الله أو لله. أما لماذا اختار الله تعالى (الله) مرة و(لله) مرة؟ لأن السياق في آية المؤمنون في السؤال عن الملكية (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٤﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) وقوله في نفس السورة أيضاً (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٨﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴿٨٩﴾ ) إذن السؤال عن الملكية فيكون الجواب (لله) ولأن السياق كله في الملكية جاء بلام الملكية.
أما في آية سورة الرعد فالسياق في مقام التوحيد وليس في مقام الملكية وإنما عن الذات الواحدة لذا جاء الجواب (الله).
سؤال: حينما ننظر إلى السؤال داخل القرآن الكريم أو في عموم اللغة العربية كل استفهام له غرض؟
كل استفهام له غرض ونضعه في سياقه حتى تتبين الإجابة.
سؤال: العرب كانت تفهم أن كل استفهام له غرض وله دلالة؟ لا يأخذونه على علاته أنه سؤال وتنتهي القصة، أبو لهب كان يفهم هذا؟ ألم يثبت أن أحداً اعترض؟ ولم يعترض الآن بعض الناس مع أن جهابزة اللغة لم يعترضوا؟
هم أهل البلاغة، لو لم يفهم أبو لهب لكان اعترض وما ثبت أن أحدهم اعترض وإنما توجه اعتراضات هذه الأيام لأحد أمرين إنما لغرض التشويش أو للجهل. لو كان يعلم ولو كان يعلم لو كان طالباً متخصصاً في اللغة العربية يعرف هذا.
سؤال: إذا كان عتاة الكفار الذي عاشوا في زمن الرسول - ﷺ - لم يوجهوا أدنى انتقاد أو أي اعتراض للقرآن الكريم وهم أهل البلاغة والفصاحة والبيان فلِمَ نأبه لما يصدر من جاهل حول القرآن؟
الفسق الخروج عن الطاعة من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ويمتد من أيسر الخروج إلأى الكفر كله يسمى فاسقاً. فالذي يخرج عن الطاعة وإن كان قليلاً يسمى فاسق والكافر يسمى فاسقاً أيضاً وقال ربنا عن إبليس (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (٥٠) الكهف) (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤) التوبة) (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٥٥) النور) الكفر سماه فسوق والنفاق سماه فسوق فإذن الفسق ممتد وهو الخروج عن الطاعة. في غير هذا قال (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (١٩٧) البقرة) ليس كفراً هنا كيف يكون كفراً في الحج؟ الفاسق ليس بالضرورة كافر فقد يصل إلى الكفر وقد لا يصل (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (١١) الحجرات) (وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (٢٨٢) البقرة) هذا ليس كفراً، الفسوق يمتد. فسق التمرة أي خرجت من قشرها (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي خرج عن أمر ربه وهذا يمتد من أيسر الخروج إلى الكفر ولهذا وصف إبليس بالفسق (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)، وليس كل فاسق كافراً لكن كل كافر فاسق قطعاً (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٦٧) التوبة) (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). كذلك الظلم، الظلم هو مجاوزة الحد عموماً وقد يصل إلى الكفر (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) البقرة) وقد لا يصل. أما الكفر فهو الخروج عن المِلّة. الكفر أصله اللغوي الستر وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية.
آية (٥٦):
وسبحان الله رب العالمين) كلمة رب العالمين تكررت في القصص الذي خاطب موسى - عليه السلام - رب العالمين (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠)) (رب العالمين) تكررت في القصص. هذا التكرار كأن فيه نوعاً من التأديب لبني إسرائيل أن لا يقولوا: الله ربنا وحدنا ونحن شعب الله المختار كما يقولون نحن شعب الله المختار وبقية الخلق عبيد لنا. أما قوله تعالى (وإني فضلتكم على العالمين) هذا في زمن إتباعكم لموسى - عليه السلام - هذا ينبغي أن يُفهم هكذا أن أتباع كل نبيّ هم أفضل الخلق في زمانهم لأن الذي يفاضل بين الناس هو الإيمان فما داموا مؤمنين بنبيّ ذلك الزمان فهم أكرم الناس عند الله تعالى وليس عند البشر فقط (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فهم أكرم عند الله عندما كانوا أتباع النبي ولم يكن قد جاء النبي التالي. عندما يجيء النبي التالي الذي يتلو النبي الأول على أتباع النبي الأول أن يتّبعوه وعند ذلك يكونون مفضلين على العالمين والذين عصوه يكونون في الدرك الأسفل من النار. هذا التفضيل مستمر مع هذا النبي إلى أن يأتي النبي الذي يليه فإذا جاء النبي الذي يليه عليهم أن يتّبعوه لأنه لماذ أرسله الله عز وجل؟ حتى لا يبقوا على النبي الأول لأنه صار هناك تحويلات وتحويرات وتغييرات فيرسل الله تعالى النبي التالي ليصحح، ألم يقل عيسى - عليه السلام - : جئت لهداية الخِراف الضالة من بني إسرائيل؟ لأنهم صلوا وحرّفوا وغيّروا فجاء بالإنجيل. عيسى - عليه السلام - جاء حتى يتبعه بنو إسرائيل فلم يتبعوه فهم في أسوأ حال والذين اتبعوا عيسى - عليه السلام - هم في أفضل حال عند ذلك. لما جاء محمد - ﷺ - فعلى الجميع أن يتبعوا دينه عند ذلك.
وأما (الجذوة) فهي الجمرة أو القبسة من النار والجمرة هي عود فيه نار بلا لهب. أيُّ الأفضل المجيء بالشهاب أو المجيء بالجمرة؟ المجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفئ أكثر من الجمرة لما فيه من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضا. فهو أحسن من الجذوة في الاتضاءة والدفء، الجذزوة ليس فيها هذا الشيء وربما يكون فيها دفء فقط. أيُّ يدل على الثبات واليقين والقوة؟ الشهاب القبس، إذن مناسبة لسورة النمل إذن شهاب مقبوس ليس مختلساً وليس محمولاً وإنما هو يذهب فيقبس يأتي بالشهاب بعود ويذهب إلى النار ويقبس منها ويأتي أما الجذوة يمكن أن يختلسها ويعود، ما وضح طريقة أخذ الجذوة وهذا يتناسب مع السمة التعبيرية لسورة القصص أيضاً مع الثبات والقوة بينما في النمل جو الخوف قال (جذوة). هو موسى - عليه السلام - قال الاثنين والقولان ليسا مختلفين، هو يقول لهم آتيكم بشهاب، بقبس، بجذوة إذن هو قطعاً قال الاثنين.
قال الراغب الأصفهاني مفرقا بين الإتيان والمجيء: الإتيان مجيءٌ بسهولة، ومنه قيل للسيلِ المارّ على وجهه أتي" (المفردات في غريب القرآن ٦). وقال: "المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيء بسهولة" (المفردات ١٠٢)
ولم يذكر أهل المعجمات ما ذكره الراغب، وإنما هم يفسرون واحا بالآخر، فيفسرون جاء بأتى، وأتى بجاء، غير أنهم يذكرون في بعض تصريفات (أتى) ما يدل على السهولة، فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من (أتى) "طريق مسلوك يسلكه كل أحد" وذلك لسهولته ويسره. ويقولون :"كل سيل سهلته الماء أتيّ" و "أتّوا جداولها: سهلوا طرق المياه إليها" يقال: (أتّيت الماء) إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه.. ويقال: أتّيت للسيل، فأنا أؤتّيه إذا سهلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه.. وأتّيت الماء تأتيةً وتأتياً، أي: سهلت سبيله ليخرج إلى موضع"( لسان العرب (أتى) ١٨ / ١٤)
أي رادع لك أشد من هذا اللفظ والله تعالى يحذرك من نفسه أي يحذرك من ذاته، فبهذا اللفظ كان المعنى أعم في الأحوال لأنه لو قيل ويحذركم الله غضبه لتُوهِم أن رضى الله لا يضر معه مخالفة أوامره.
*ما الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴿ ٢٨ ﴾ آل عمران) - (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴿ ٥٣ ﴾ الشورى) - (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿ ١٠٩ ﴾ آل عمران) - (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿ ٢٢ ﴾ لقمان)؟(د. أحمد الكبيسى)
قال تعالى (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) السؤال هو لماذا قال ومن يشكر بالمضارع ثم ومن كفر بالماضي؟ هو الشكر يتكرر وينبغي أن يتكرر لأن كل نعمة تمر بك لا بد أن تشكرها ينبغي أن تشكرها. إذن الشكر يتكرر بينما الكفر ليس كذلك يمكن للإنسان أن يكفر ويبقى على كفره ولا يضطر لأن يكفر ويكفر، يكفي أن يكفر في المعتقد أو في شيء أما الشكر فيتكرر. في حلقة سابقة ذكرنا أنه إذا ورد فعل الشرط مضارعاً فهو مظنّة التكرار وإذا ورد ماضياً فهو ليس مظنة التكرار وضربنا أمثلة من جملتها (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا (٩٢) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا (٩٣)) فرقنا بين المتعمد والخطأ (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا (١٩) الإسراء) (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا (١٤٥) آل عمران) الفرق بين الثواب وإرادة الآخرة (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ (١٩) الأنفال) (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا (٨) الإسراء)، (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي (٧٦) الكهف)، (إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (٣٧) محمد) وذكرنا في حينها دلالة أن ورود الفعل المضارع بعد أداة الشرط مظنة التكرار ووروده ماضياً ليس مظنة التكرار.
ونساء المؤمنين) لِمَ لم يقل أزواج وبنات المؤمنين؟ إختصرها بـ (نساء) لأنه إكتفى بما تقدّم لأنه قال الأزواج والبنات. والنساء تشمل الأزواج والبنات. والملاحظ أن كلمة أزواج جمع زوج وهي اللغة الفصحى. هناك لغة ضعيفة يسميها سيبويه لُغيّة أي لغة ضعيفة لبعض قبائل العرب غير المشهورة بالفصاحة المختلطة بالأعاجم يقولون هي زوجته بالتاء كما نقول الآن. الفصيح أن يقال زوج فلان تكمّل معه النصف الثاني. زوجة هي لُغيّة جمعها زوجات ولم ترد في القرآن الكريم أبداً ولا توجد كلمة زوجة بالتاء في القرآن. كلمة زوج يُقصد بها المرأة ويقصد بها الرجل.
(ونساء المؤمنين): كلمة نساء تشمل الزوجات والبنات. تُطلق على الإناث. ذكر تعالى (أزواجك وبناتك) صنفان ولأنه ذكر الصنفين جمع الإثنين مرة أخرى في كلمة (نساء) حتى لا يكرر فيقول: قل لآزواجك وبناتك وأزواج المؤمنين وبنات المؤمنين. وكلمة نساء تطلق كما قلنا على الأزواج وعل البنات كما في الآيات (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) في تقسيم المواريث (نساء) تدل على بنات المتوفّى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) يعني الزوجات (نساء المؤمنين) فتشمل هذه وتشمل تلك.
كل له دلالة (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢) يس) بالنصب (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) القمر) لم يقل وكلَ شيء فعلوه، لا يمكن أن تقول وكلَّ شيء فعلوه في الزبر المعنى خطأ لأنها تعني أنهم فعلوا كل شيء في الزبر وهم لم يفعلوا شيئاً في الزبر، أصلاً لا يصح. (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩) القمر) لا يمكن أن تقول كلُّ شيء تصير غير معنى وتعني المخلوقات على قسمين قسم خلقه ربنا وقسم خلقه واحد آخر. لا يمكن.
* في سورة يس كلمة مبين وردت سبع مرات كثيرة وكل مرة تأتي بمعنى مختلف فلماذا وجودها ٧ مرات ودلالة اختلاف معانيها؟(د. فاضل السامرائى)
مبين معناها ظاهر واضح ومُظهِر لنفسه (مبين أبان) وهذه تصلح أن تكون صفة لأشياء متعددة مختلفة: بلاغ مبين، سحر مبين، عدو مبين، ضلال مبين، ظاهر العداوة والدلالة، عدو مبين عن نفسه، ظاهر ومظهِر لنفسه، كتاب مبين، نذير مبين، يمكن أن يكون صفات لأشياء عديدة، فوز مبين مثل عظيم فوز عظيم، عذاب عظيم، قرآن عظيم هي صفة بحسب الموصوف وهنالك أشياء كثيرة يمكن أن توصف بمبين أو عظيم أو كبير.
آية (١٣):
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣))
قال (والأرض جميعاً قبضته) هذا كما قلنا وكرّرناه سابقاً : ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى، بصفاته وبما يُنسب إليه من مدلولات المسلمون فيه على قولين: منهم من يقول نُمِرّها هكذا وهم الجمهور يعني (والأرض جميعاً قبصته يوم القيامة) معناها: والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة وكفى وافهم منها ما تفهم.
وقلت أن الفريقان من أهل العلم والصلاح والتقوى والورع ويسع المسلم أن يأخذ بالقولين ونحن الآن بأمس الحاجة للرأي الآخر (قول التأويل) بسبب ترجمة هذه المعاني: العرب عندما تقول في قبضته أو تحت قبضته يعني هو تحت سيطرته. الآن نحن نستعملها يقال: صار في قبضة العدو ولا تعني القبضة أي جعله في راحته وأغلق يده عليه كلا وإنما تحت سيطرته، تحت قوته، تحت قدرته بهذا المعنى نفهم (والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة) من غير منازع ولو على سبيل المجاز ولن نجد من يقول كما قال النمرود وأنا شعبي في قبضتي عندي حرس وشعبي في قبضتي. إذا كان من يقولها في الدنيا ففي الآخرة لن تجد من يقولها.
(وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) اليمين معناها القوة والقدرة عند العرب ولذلك قالوا: (مِلك اليمين) العرب لما تقول هو ملك يمينه لا يقصدون هذه اليد اليمنى وإنما في ملكه أي في قدرته وتصرفه لا يعنون يده. نهى علماؤنا إذا تكلمنا عن صفات الله سبحانه وتعالى أن نشير بأيدينا مثلاً عندما تقول قلب الرجل بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء لا يجوز أن تشير بأصابعك حتى لا يكون هناك تجسيد وإنما تقول بلسانك شفاهاً فقط.
الآية الأخرى في سورة النساء (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (١٠٠)) هو مهاجر لما هاجر هاجر فراراً بدينه وحياته وهو خارج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله كأن الموت يسعى وراءه (ثم يدركه الموت) الخارج من بيته مهاجراً إنما خرج فراراً بدينه من أن يفتنه الكفار فهو فارٌ منهم لكن الموت يتبعه ويدركه في طريق الهجرة وهذا أجره عظيم فقد وقع أجره على الله كما قال تعالى (فإنه ملاقيكم) الموت هنا لم يأت فاعلاً وإنما إسم إنّ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (٨) الجمعة).
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨) النساء) التوبة المرفوضة هي التي تكون حين يشرف الإنسان على الموت ويدرك أنه صار قريباً منه كأن الموت لم يقع بعد بدليل أنه استطاع أن يتكلم فهو لم يمت بعد. وعلى هذا نقول أن كلمة (حضر) عندما تأتي مع الموت فيها معنى القرب والمشاهدة وكأنه فيها نوع من التجسيد للموت كأن الموت حيٌّ يحضر مع من يحضر حوله من أهل الذي ينازع فيشهد هذا الموت.
*(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ (١٧) النساء) تأمل هذا التعبير الإلهي البديع فقد قيّد الله سبحانه وتعالى عمل السوء بجهالة فقال (يعملون السوء بجهالة) فلِمَ عدل ربنا تعالى عن وصفه بالجهل فلم يقل يعملون السوء عن جهل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إلى الله المصير) فيما يتعلق بنهاية رحلتنا نحن كبشر من عباد الله من بني آدم رحلتنا طريقة وطويلة مما كنا في ظهور آدم في عالم الأمر ورب العالمين خاطبنا (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴿١٧٢﴾ الأعراف) ثم بقينا هناك إلى أن تزوج آباؤنا بأمهاتنا ثم حملوا بنا ثم ولدنا ثم مشينا في الطريق إلى أن متنا ثم ذهبنا إلى البرزخ والبرزخ عالم تحدثنا عنه طويلاً ثم سوف نبعث يوم القيامة ثم سوف نحشر مسيرة طويلة جداً إلى أن تصل أجسامنا وأجسادنا إلى ساحة المحشر هذا مصيرنا (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) تبقى الخطوة الأخيرة عندما نتوجه إما إلى الجنة وإما إلى النار ذاك ممشى آخر. إذاً صار (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿١٢٦﴾ البقرة) المصير في أجسادنا عندما نقف أمام الله وبين يديه (إلى الله المصير) انتهت الرحلة. عندما أصبحنا في المصير النهائي لمن تصير الأمور؟ في الدنيا كان الأمر لأبيك لأختك لأمك للملك للحاكم للمعلِّم للمدرس للمؤدب للأنبياء الخ، في تلك الساعة لمن تصير الأمور؟ أنت جسدك صار إلى النهاية (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) أمرك بيد من؟ مصيرك بيد من؟ بيد الله إذاً صار (إلى الله المصير) بجسدك (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) بالحكم عليك وشؤونك وأحوالك كلها إلى ما لا نهاية. هذا الفرق بين مصيرك أنت كإنسان وبين أن تصير أمورك كلها مباشرة بدون أسباب بيد الله عز وجل هذا الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) وبين (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ). نحن وقفنا أما رب العالمين فهذا المصير رب العالمين سبحانه وتعالى في تلك الساعة سوف يحاسبنا، من الذي يملك المحاكمة؟ ومن الذي يملك أن يحكم عليك بالخلود في النار أو بالخلود في الجنة؟ هذا يسمى مرجعية الحكم.
هما آيتان إحداهما تقول (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) والأخرى تقول (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). فإذن عندنا كلمتان: كلمة أغرينا وكلمة ألقينا. ننظر فيمن استعملت هذه الكلمة وفيمن استُعملت هذه الكلمة؟ نجد أن كلمة أغرينا استعملت مع النصارى (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) وكلمة ألقينا استعملت مع اليهود (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ). نحن نبحث هذا الموضوع في ضوء قوله تعالى (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) وفي ضوء قوله (وألا تزر وازرة وزر أخرى). هؤلاء الناس حينما تنزلت أوجاءت التوراة بعد مدة قصيرة أحدثوا فيها تغييراً، وحينما جاء الإنجيل بعد مدة قصيرة أحدثوا فيه تغييراً، هذه عقيدتهم. هذا التغيير أدى بهم إلى أن يتفرقوا ويختلفوا هم أنفسهم. هم أنفسهم عندما بدأوا يغيّرون اختلفوا وتفرقوا وصار عندنا الكتاب المقدس المنزل من عند الله سبحانه وتعالى دخلت فيه أيدي البشر. دخول أيدي البشر هذا جعل هذه الأمة: أمة اليهود تتفرق في وجهات نظرهم وفي آرائهم بما أدخلوه وجعل أمة النصارى يتفرقون تفرقاً مضاعفاً. لماذا تفرقاً مضاعفاً؟ لأنهم اعتمدوا التوراة المحرفة وضمّوها إلى الكتاب المقدس بحيث صار عندنا في الكتاب المقدس للمسيحيين: العهد القديم الذي هو توراة اليهود بكل تحريفاتها والعهد الجديد الذي هو أناجيل المسيحيين بما دخلها من تحريف. فهذا التحريف أدّى إلى هذه الفُرقة العظيمة بين هؤلاء وهؤلاء.
آية (٤٦):
* ما الفرق بين نصرّف ونفصّل ونبيّن الآيات في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) الأنعام) و (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) الأنعام) و (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) المائدة)؟(د. فاضل السامرائى)
التصريف هو التغيير (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤) البقرة) تغييرها من جهة لأخرى، وعندنا الصرف والنحو والصرف هو النظر في التغييرات الحاصلة في أبنية الكلام. فالتصريف التغيير يأتي للمسألة الواحدة ويذكرها بصور شتى يغيّر فيها حتى يوصلها لك. مثلاً: إثبات الحياة بعد الموت، هذه مسألة، كيف يتوصل إليها؟ يتوصل لها بإحياء الأرض بعد موتها كمثال تمهيدي (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى (٣٩) فصلت) يعطي مشهداً تمثيلياً يذكر أمثلة، وأحياناً يستدل بالحياة الآخرة على خلق الإنسان وتطوره (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠) القيامة) هذا تصريف، يعني كل مرة يأتي بشكل حتى يثبت المسألة، يصرفها أي يغيرها بصور حتى يوصلها.
لو تأملنا الآية، النظر في كلام الله سبحانه وتعالى يُظهر أو يبين عِلل الإختيار. في الآية الأولى (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (٦٠) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٦٢)) هذه مع نوح - عليه السلام - (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)) فاستعمل الفعل (أنصح) وبالاستمرارية أي بالفعل المضارع الذي فيه معنى التجدد والاستمرار لأنه مستمر في نُصحهم.
الآية الثانية في الأنفال (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (٣٩)) عندما يهاجمك ناس يدّعون بأنهم مسلمون أو يدّعون بأنهم موحدون أو يدّعون بأنهم يعرفون الله ولكن على ضلالات وعلى بِدَع وعلى غموض هذا ليس ديناً من أديان الله وإنما أديان تسمى بهذه العناوين وهي بعيدة فلا بد من توحيدها على كلمة التوحيد وأنتم تعرفون جميع الأديان السماوية انفلقت منها طوائف غير متدينة وإن ادّعت بأنها متدينة وإنما ما من طائفة انشقّت عن دين سماوي اليهودية أو المسيحية او الإسلام إلا وهي مشركة بنوع من أنواع الشرك، أو مفرِّقة أو مبتدعة أو طائفية ولهذا رب العالمين قال هؤلاء لكي (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وهذا هو الفرق بين ويكون الدين لله وبين ويكون الدين كله لله هذا واحد. اثنين رب العالمين عز وجل يختم الآية الأولى بقوله (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) البقرة) وفي الثانية يقول (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) الأنفال) من حيث أن الثاني ربما يتوسل إليكم بأساليبه مدّعياً أنه منكم أنه مسلم أنه يوحِّد الله وهذا خطير أخطر من الأول فالأول معروف أن هذا وثني لا يؤمن بالله إطلاقاً ولذلك جرت سنة الله في خلقه بناءً على هاتين النهايتين في الآيتين (فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) وكل احتلالٍ ظالم، خُذ التاريخ كله ما من دولة محتلة دولة قوية تحتل بلداً ضعيفاً إلا انتهت تلك الدولة القوية إلى لا شيء وبزمنٍ قصير غير متوقع حتى تصبح عبرة يعني جيش النمرود جيش دولة فرعون إما من مرض كما فعل في النمرود جراد وقمل وبعوض يدخل في الآذان أو موجة مياه كما فعل في فرعون أو أزمة مالية كما يحدث الآن أو أمراض قاتلة كالإيدز والسرطان.
رابعاً: قال في الأولى (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) المال هو عصب الحياة ومبعث الرفاهية والحياة والسعادة فلما كان في سياق الأموال قال الحياة الدنيا أما الثانية ففي سياق الجهاد والجهاد مظنة الموت والقتال فلم يقل الحياة وإنما هي فقد الحياة فالقتال مظنة فقد الحياة. المال هو للحياة والجهاد والقتال مظنة فقد الحياة فلم يقل الحياة وإنما قال الدنيا (فِي الدُّنْيَا) فكل تعبير في مكانه وكل آية تؤخذ في سياقها وكل كلمة موضوعة في مكانها وكل كلمة عاشقة لمكانها في القرآن الكريم.
وفى إجابة أخرى : لو نظرنا في الآيتين في سورة التوبة هناك تشابه واختلاف ففي الأولى ذكرت (لا) وزادت اللام في (ليعذّبهم) وذكر كلمة الحياة الدنيا في الآية الأولى وذكر الدنيا في الثانية (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿٥٥﴾) و(وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿٨٥﴾) ونستعرض بالتفصيل الفرق بين الآيتين:
* د. حسام النعيمى :
الكِذّاب هو مصدر معناه التكذيب المفرط كما هو مقرر في علم اللغة. الكِذّاب مصدر معناه التكذيب والكذب، كِذّاب مصدر كذب ومصدر كذّب. مصدر كذّب القياسي تكذيب على تفعيل هذا القايس مثل علم تعليم سلم تسليم، كلم تكليم، هذا القياس لكن أيضاً شاع في فصحاء العرب موجود الكِذّاب وهو التكذيب المفرط وليس فقط التكذيب وإنما الزيادة في التكذيب والمبالغة في التكذيب. لما تقول فلان يكذِّب كِذّاباً أو يقضي قضّاءاً ويفسر فساراً يعني فيها إفراط. (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨)) كذاباً يعني تكذيباً مفرطاً. عرفنا الكِذّاب أنه تكذيب مفرط إذن لِمَ قال في البروج كذابا؟ إذا كان هو تكذيب مفرط لماذا جعل هنا كذاب وهناك تكذيب؟ نقرأ السياق حتى تتضح المسألة (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (٢٢) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠) النبأ) في البروج قال (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)) نلاحظ لماذا زاد في المبالغة؟ أولاً في البروج قال فرعون وثمود ولم يذكر شيئاً آخر، في النبأ ذكر الطاغين وأنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً جاء بمفعول مطلق مؤكد وجاء بـ (كِذَّابًا)، لما زاد على ما في البروج في التفصيل في الكفر زاد في الوصف، هذا أمر ولما بالغ في الوصف (كِذَّابًا) وأكد زاد في العذاب فقال (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠) النبأ) لما زاد في الوصف زاد في العذاب.
*في سورة الحديد قال تعالى (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)) وفي سورة فاطر أضاف المغفرة فقال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)) وفي سورة الملك (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)) فما دلالة ذكر المغفرة مع الأجر وعدم ذكرها؟
دلالة كلمة (حكم): في اللغة قد يكون الحكم بمعنى الحكمة (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) الشعراء) وقوله تعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) مريم) أي الحكمة. وقد تأتي بمعنى القضاء أو الفصل (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (٤٨) غافر) وهنا أمره بالصبر لهما معاً أي أن يصبر لحكمة أرادها الله تعالى ولحكم الله وقضائه لأن قضاءه له حكمة بمعنى اصبر لحكم الله وقضائه لحكمة أرادها الله تعالى وهذا ما يُسمى التوسع في المعنى.
(وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا) ما دلالة استخدام كلمة آثم وكفور؟
الآثم هو الذي يرتكب الإثم والإثم قد يكون ظاهراً وباطناً بدليل قوله تعالى (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) الأنعام) أو من أعمال القلب أو أفعال الجوارح.
أما الكفور فهو المبالغ في الكفر وفيه دلالتان: الأولى نقيض الإيمان والثانية نقيض الشكر لذا قال تعالى في أول السورة (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)) والكفور المبالغ في الكفر بمعنى نقيض الإيمان هو الذي استعمل في القرآن (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (٦٦) الحج) و (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) الزخرف) والمبالغ في جحد النعمة والكفر قد يكون باطناً أو جحود باللسان. وكل كفور آثم وليس كل آثم كفور. ولو قال كافر لنهى عن صنف واحد وليس عن الصنفين الذين تدلان علهما كلمة كفور.
ما دلالة استعمال (أو) ولم يأتي بواو العطف مثلاً؟
هذه تحتاج لدراسة، والقدامى بحثوا تناسب الآيات كلها جميع الآيات في كل القرآن. من المؤلفات الموجودة في تناسب الآيات والسور كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور وكذلك مشهورة في كثير من كتب التفسير مثل البحر المحيط فيه ذكر لهذه المسألة وروح المعاني كذلك.
*ما الفرق بين الرُشد (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (٢٥٦) البقرة) والرَشََد (فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) الجن) والرشاد (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩) غافر)؟
الرُشد يقال في الأمور الدنيوية والأُخروية أما الرَشَد ففي الأمور الآخروية فقط، هكذا قرر علماء اللغة. (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (٦) النساء) في الدنيا، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (٢٥٦) البقرة)، (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤) الكهف) الرُشد في الأمور الدنيوية والأخروية أما الرَشد ففي الأمور الأخروية لا غير فالرُشد أعمّ ويشمل. الرشاد هو سبيل القصد والصلاح (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩) غافر) أي سبيل الصلاح عموماً، طريق الصواب. الرشاد مصدر. المادة اللغوية واحدة لهذه الكلمات وهي كلها الرُشد والرَشد والرشاد كلها مصادر. رشِد ورَشَد.
آية (١٦):
(وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧))