وما قاله اولى من وجوه عدة: ان القول أحمد الله او نحمد الله مختص بفاعل معين ففاعل أحمد هو المتكلم وفاعل نحمد هم المتكلمون في حين أن عبارة "الحمد لله" مطلقة لا تختص بفاعل معين وهذا اولى فانك اذا قلت أحمد الله اخبرت عن حمدك انت وحدك ولم تفد ان غيرك حمده واذا قلت نحمد الله اخبرت عن المتكلمين ولم تفد ان غيركم حمده في حين ان عبارة "الحمد لله" لا تختص بفاعل معين فهو المحمود على وجه الاطلاق منك ومن غيرك.
وقول "احمد الله" تخبر عن فعلك انت ولا يعني ذلك ان من تحمده يستحق الحمد في حين اذا قلت " الحمد لله" افاد ذلك استحقاق الحمد لله وليس مرتبط بفاعل معين.
وقول احمد الله او نحمد الله مرتبط بزمن معين لان الفعل له دلالة زمنية معينة. فالفعل المضارع يدل على الحال او الاستقبال ومعنى ذلك ان الحمد لا يحدث في غير الزمان الذي تحمده فيه. ولا شك ان الزمن الذي يستطيع الشخص او الاشخاص الحمد فيه محدود وهكذا كل فعل يقوم به الشخص محدود الزمن فان اقصى ما يستطيع ان يفعله ان يكون مرتبطا بعمره ولا يكون قبل ذلك وبعده فعل فيكون الحمد اقل مما ينبغي فان حمد الله لا ينبغي ان ينقطع ولا يحد بفاعل او بزمان في حين ان عبارة "الحمد لله" مطلقة غير مقيدة بزمن معين ولا بفاعل معين فالحمد فيها مستمر غير منقطع.
جاء في تفسير الرازي أنه لو قال "احمد الله" افاد ذلك كون القائل قادرا على حمده اما لما قال "الحمد لله" فقد افاد ذلك، انه كان محمودا قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين فهؤلاء سواء حمدوا ام لم يحمدوا فهو تعالى محمود من الازل الى الابد بحمده القديم وكلامه القديم.
وقول "احمد الله" جملة فعلية و"الحمد لله" جملة اسمية والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد في حين ان الجملة الاسمية دالة على الثبوت وهي اقوى وادوم من الجملة الفعلية. فاختيار الجملة الاسمية اولى من اختيار الجملة الفعلية ههنا اذ هو ادل على ثبات الحمد واستمراره.
o قصة قوم يونس (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) آية ٩٨.
وقد يتبادر الى الذهن لماذا أغرق الله تعالى فرعون بعدما قال أنه آمن ونجّا قوم يونس والحالتان متشابهتان نوعاً ما؟ نقول أن الله تعالى علم وهو علاّم الغيوب أن فرعون إنما قال آمنت أضطراراً لا إختياراً ولو عاد إلى الدنيا لضلّ وأضل ولم يكن كلماته صادقة بأنه آمن (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) آية ٩٠ و٩١. وقال الإمام الفخر: آمن فرعون ثلاث مرات أولها قوله (آمنت) وثانيها (لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل) وثالثها (وأنا من المسلمين) فما السبب في عدم قبول إيمانه؟ والجواب أنه إنما آمن عند نزول العذاب والإيمان في هذا الوقت غير مقبول لأنه يصير الحال حال إلجاء فلا تنفع التوبة ولا الإيمان قال تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا).
· قصة نوح - عليه السلام - أبو البشر الثاني وقد وردت قصة نوح في هذه السورة بتفصيل لم تذكره أية سورة أخرى من السور حتى سورة نوح نفسها. وتشرح كيف صبر نوح على قومه فقد لبث فيهم عمراً طويلاً أطول من أي نبي آخر ٩٥٠ عاماً يدعوهم وهم على تعنتهم ويسخرون منه ولمّا طلب الله منه أن يصنع الفلك استمرت هذه العملية سنوات عديدة حتى زرع الشجر ثم أخذ منها الخشب وصنع السفينة وكان يمكن لله تعالى ان يهلك قوم نوح من غير انتظار هذه المدة الطويلة لكن حكمته أرادت أن يظهر طول معاناة نوح وصبره كل هذه السنوات على الأذى حتى نتعلم منه الصبر مهما طال الأذى وعدم اليأس والاستمرار بالدعوة. ولم يكن رد نوح - عليه السلام - على قومه انفعالياً ولا غاضباً إنما قال: (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) آية ٣٣. فكأنه استقام كما أمره الله وصبر على الدعوة واستمر فيها ولم يتهور في ردة فعله وإنما كان ينصح لهم (الآيات٢٨، ٢٩، ٣٠، ٣١، ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥ ) ولم يركن حتى الى ابنه الذي كان من المغرقين ولم ترد قصة ابن نوح - عليه السلام - إلا في هذه السورة لمناسبة ورودها لهدف السورة وتحقيق معنى لا تركن ولو كان الكافر الظالم من أهله (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) آية ٤٥ وآية ٤٧ (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) وتأتي العبرة في نهاية قصة نوح - عليه السلام - (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) آية ٤٩.
*ما الفرق بين أنزلناه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) يوسف) وجعلناه (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) الزخرف)؟
د. فاضل السامرائى:
في سورة يوسف ذكر ما يتعلق بالإنزال، قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)) هذا إنزال، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) أنزل هذا الخبر، أنزل هذه القصة لأنها كانت مجهولة عند العرب أصلاً لذلك رب العالمين عقّب عليها (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (١٠٢) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) ما كان معلوماً وقد أُثير سؤال (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (٧)) وكان سؤال اليهود: ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟ هذا سؤالهم للرسول - ﷺ - وهذا إختبار وهم يعلمون أنه - ﷺ - أميّ ليس عنده علم بالتوراة فسألوه وهو في مكة لكن بعثوا من يسأله من باب التحدي "ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟" فتنزل سورة كاملة للإجابة على التحدي فيبيّن لليهود أنه - ﷺ - يعلم دقائق الأمور وفصّلها أوفى مما في التوراة. ليس هذا فقط وإنما إختار عبارات إعجازية ليست في التوراة وحتى لو كان مطلعاً على التوراة وحفظها لكان ما ذكره في القرآن أوفى. التوراة لم تذكر العزيز أبداً وإنما تذكر رئيس الشُرَط أو تذكر إسمه. القرآن سماه العزيز ثم عرفنا مؤخراً أن هذه أدق ترجمة لما كان يُطلق على صاحب هذا المنصب في ذلك الوقت. كان يسمى "عزيز الإله شمس" إسم صاحب هذا المنصب مؤخراً عرفناه، ربنا لم يقل "عزيز إله شمس" لأن هذا يكون إقراراً بأن الشمس إله.
؟ ختام السورة تشهد للرسول بالنبوة والرسالة وأنه مرسل من عند الله. (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) آية ٤٣.
***من اللمسات البيانية فى سورة الرعد***
آية (٢):
* على ماذا يعود الضمير في ترونها في آية سورة الرعد (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)؟(د. فاضل السامرائى)
القدامى جعلوا فيها احتمالين:
١. قالوا أنه يجوز أن تعود على العمد بمعنى (بغير عمد مرئية).
٢. ويجوز أن تعود على السماء بمعنى رفع السموات بغير عمد وهاأنتم ترونها مرفوعة بغير عمد.
فمن حيث التعبير يحتمل الاثنين وهذا جائز من حيث اللغة والفرّاء كان من اللغويين وليس من المفسرين ومع هذا وضع الاحتمالين فهي تجوز نحوياً وتُسمّى بالتعبيرات الاحتمالية وقد يكون هناك غرض للاحتمال كما هناك غرض للتحديد.
نأتي الآن إلى الناحية العلمية ونسأل هل هناك عمد غير مرئية كالجاذبية أو غيرها؟ أو هناك أمور أخرى يمكن أن يذكرها لنا العلماء؟ أنا شخصياً لا أفضّل رأياً على رأي إلا بعد أن يقول العلماء كلمتهم ويقطع العلم بأحد الشيئين فالآية تحتمل المعنيين فإذا قطع العلم بأحدهما آخذ به. والله تعالى أعلم إن كان هناك عمد غير مرئية فهو سبحانه يفعل ما يشاء (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) سورة الحج آية ٦٥. وقد يضع أسباباً في خلقه وإذا أراد خلق السبب وقد يكون أمسكها بدون عمد والله أعلم.
*قال تعالى في سورة لقمان (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) وفي سورة الرعد قال (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) فما الفرق بين رفع وخلق؟(د. فاضل السامرائى)
وهناك أمر آخر وهو أن كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة ابراهيم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)).
والآن نسأل لماذ استعمل صيغة صبّار على وزن (فعّال) وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.
صيغ المبالغة : مِفعال، فعّال وفعول كل منها لها دلالة خاصة.
مِفعال: (معطاء ومنحار ومعطار) هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء، وقولنا امرأة معطار بمعنى زجاجة عطر أي أنها آلة لذلك.
والدليل على ذلك أن صيغة المبالغة هذه (مِفعال) تُجمع جمع الآلة ولا تُجمع جمع المذكر السالم ولا جمع المؤنث السالم، فنقول مثلاً مفتاح مفاتيح، ومنشار مناشير، ومحراث محاريث، ورجل مهذار ورجال مهاذير، فيجمع جمع الآلة، ولذلك لا يؤنث كالآلة
يا موقد النار بالهندي والغار هيجتني حزناً يا موقد النار
بين الرصافة والميدان أرقبها شبّت لغانية بيضاء معطار
فلا نقول معطارات وإنما نجمع معطار على معاطير، فنقول نساء معاطير ورجال معاطير، وامرأة مهذار رجال مهاذير.. فهي من الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ولا تجمع جمعا سالما، فلا نقول امرأة معطارة وإنما نقول امرأة معطار ورجل معطار، ونجمعها جمع الآلة (معاطير) للرجال والنساء. هذه هي القاعدة
أولاً رُبّ ليست للشك وإنما هي للتقليل أو التكثير وهذا مقرر في علم النحو واللغة. النحاة يذكرون هذا الأمر ابتداء من سيبويه الذي يقول هي للتكثير وكثير من النحويين يقول هي للتكثير. هم اختلفوا بين التكثير والتقليل وليس في مسألة الشك لا أحد يقول هي للشك ولكن يقولون هي للتكثير أو التقليل وفي الحديث (رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، رب أخ لم تلده لأمك، قيل أنها للتقليل (ألا رب مولود وليس له أب) وقيل هي بحسب السياق وهو أرجح الأقوال السياق هو الذي يقضي بها مثل (قد) التي تدخل على المضارع قد تكون للتقليل (قد يصدق الكذوب) أو التكثير (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (١٤٤) البقرة) للتكثير، (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ (٦٤) النور) تكثير. فإذن قسم قالوا (رُبّ) للتكثير وقسم قالوا للتقليل وقسم وقفوا وقالوا هي بحسب سياقها وقد ترد للتكثير وقد ترد للتقليل وهي ليست في الشك. (ربما) هي (رُبّ) حرف جر زائد و (ما) قد تكون زائدة. يبقى أن فيها قراءتان متواترتان (ربَما) و(ربّما). المشددة آكد من المخففة التشديد آكد (ربّ) آكد من (رُبَ) مثل إنّ المخففة وإنّ الثقيلة الثقيلة آكد من المخففة ومثل نون التوكيد الثقيلة والخفيفة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) يوسف) لما أرادت السجن أكّدت على السجن وخففت في الثانية. ربّما آكد من ربَما فكيف نفهمها؟ قيل هذا في الدنيا عندما يرى الكفرة الغلبة للمسلمين والغنائم التي يحصلون عليها يتمنون أن لو كانوا مسلمين هذا بحسب رغبة الناس فيها، قسم رغبته فيها شديدة تأتي (ربّما) وقسم رغبته أقل (ربَما) فقراءتان تشمل كل الراغبين في الدنيا من له رغبة شديدة ومن له رغبة قليلة القراءتان تشملهم كلهم من له رغبة شديدة ومن رغبته دون ذلك.
قال تعالى في بداية سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾). الفعل الماضي في اللغة العربية ليس بالضرورة أن يكون لما قد حصل فقد يكون لما شارف الوقوع وقد يكون للمستقبل الذي سيقع بعد قرون كذكر أحداث يوم القيامة في القرآن، وأحياناً يُستعمل الفعل المضارع للماضي البعيد كقوله تعالى (فلم تقتلون أنبياء الله). الزمن في اللغة العربية ليس بالبساطة التي نتصورها فالفعل الماضي له ١٦ زمناً في اللغة. فما المقصود بقوله تعالى (أتى أمر الله)؟ هو ليس بالضرورة يوم القيامة فقد يكون النصر الذي أشرف على المجيء فلا تستعجلوه ولكنه تأكيد بأنه سيقع. يذكر الماضي للدلالة على التيقن من وقوعها كما يصف أحداث يوم القيامة فالأحداث المستقبلية هي بدرجة تحققها مثل الأحداث التي حصلت فليس في الفعل الماضي شك فهي بمنزلة ما مضى من الأحداث وهو حاصل وآتٍ آت قد يكون اقترب أو شارف على الوقوع وقد يحتمل أن يكون النصر وقد يحتمل القيامة. كما نقول قد قامت الصلاة في أذان الإقامة.
*لم بدأت السورة بالفعل أتى و ليس جاء؟
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً ولا صيغة فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.
وكأن السورة كلها تدعو لعدم التخلي عن القرآن كما فعلت الأمم السابقة، لمّا تخلوا عن الكتاب استبدلهم الله بأمم أخرى تحافظ على الكتاب. وهذا القرآن هو الذي يخرج من الظلمات إلى النور وعلينا أن نتمسك به كما وصّانا - ﷺ - :"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" والحرف فيه بحسنة لا أقول ألم حرف وإنما أقول ألف حرف، لام حرف وميم حرف.
وهذه السورة تقع في وسط القرآن وكأنما هي تذكير أن القرآن هو كتاب هذه الأمة التي جعلها تعالى أمة وسطا. وآخر السورة فيها سجدة حتى نسجد ونستشعر قيمة هذا القرآن العظيم الذي كان الذين أوتوه من قبلنا إذا سمعوه يخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وفي هذا توجيه للمسلمين أن يحافظوا على هذا القرآن ويستشعروا عظمته ويحرصوا على تطبيق تعاليمه حتى لا ينزع من هذه الأمة كما نزع ممن سبقها.
سورة الإسراء تحدثت عن القرآن وتبدأ سوة الكهف مباشرة بعدها بقوله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فسبحان الله العلي القدير.
***من اللمسات البيانية فى سورة الإسراء***
*أسئلة عامة :
*لماذا جاء الخطاب في سورة الإسراء لـ (بني إسرائيل) وليس لليهود؟(د. فاضل السامرائى)
لأن بني إسرائيل هم أبناء يعقوب(وهوإسرائيل)وهم المعنيّون بالأمر وليس اليهود عموماً هم المقصودون في الآية.
* ذكر أن الأنبياء لا يتكلمون اللغة العربية وفي رحلة الإسراء والمعراج قال الأنبياء للرسول ﷺ أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح؟(د. حسام النعيمى)
١. الحركة في السورة كثيرة (فانطلقا، فآووا، قاموا فقالوا، فابعثوا، ابنوا، بلغا، جاوزا، فوجدا، آتنا،) وكأن المعنى أن المطلوب من الناس الحركة في الأرض لأنها تعصم من الفتن ولهذا قال ذو القرنين: (فأعينوني بقوة) أي دعاهم للتحرك ومساعدته ولهذا فضل قراءتها في يوم الجمعة الذي هو يوم إجازة للمسلمين حتى تعصمنا من فتن الدنيا.
٢. وهي السورة التي ابتدأت بالقرآن وختمت بالقرآن: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) آية ١ و (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) آية ١٠٩. وكأن حكمة الله تعالى في هذا القرآن لا تنتهي وكأن العصمة من الفتن تكون بهذا القرآن والتمسك به.
٣. الدعوة إلى الله موجودة بكل مستوياتها: فتية يدعون الملك وصاحب يدعو صاحبه ومعلّم يدعو تلميذه وحاكم يدعو رعيته.
٤. ذكر الغيبيات كثيرة في السورة: في كل القصص: عدد الفتية غيب وكم لبثوا غيب وكيف بقوا في الكهف غيب والفجوة في الكهف غيب، وقصة الخضر مع موسى - عليه السلام - كلها غيب، وذو القرنين غيب. وفي هذا دلالة على أن في الكون أشياء لا ندركها بالعين المجردة ولا نفهمها ولكن الله تعالى يدبّر بقدرته في الكون وعلينا أن نؤمن بها حتى لو لم نراها أو نفهمها وإنما نسلّم بغيب الله تعالى.
*السور التي فيها أحرف مقطعة ولم يرد بعدها ذكر كلمة الكتاب ولا القرآن:( د. حسام النعيمى)
هذه الظاهرة موجودة في خمس سور تبدأ بالأحرف المقطعة وليس وراءها مباشرة لا ذكر قرآن ولا ذكر كتاب. لكن لما تتلو السورة كاملة ستجد في داخلها ذكراً للكتاب والقرآن أو الكتاب وحده أو القرآن وحده أو الذكر، هذه مسألة. والمسألة الثانية هي جميعاً في نهايتها كلام على القرآن فكأنها تأخذ الأول والآخر، في البداية (ألم) وفي الآخر كلام على القرآن أو الذكر أو حديث عن هذا الذي أُنزل على الرسول - ﷺ - فيكون جمعاً بين الاثنتين، والنقطة الثالثة لكا يكون عندنا ٢٩ موضعاً، ٢٤ منها بهيئة معينة، الخمسة الباقية تكون محولة على الكثير تُفهم من خلال الكثير. لما عندي مجموعة من الطلبة يقرأون القرآن تقول للأول إبدأ فيقرأ فتلتفت إلى شخص تقول له يا زيد أكمل فيُكمِل ثم تلتفت لآخر وتقول يا عمرو أكمل فيُكمِل فلو استعملت يا فلان أكمِل ٢٤ مرة ألا يسعك بعد ذلك أن تقول يا فلان ويفهم أنه أكمِل؟! لا تقول له يا فلان أكمِل لأنك قلتها ٢٤ مرة فتكتفي أن تقول يا فلان فيعلم من ذلك. لما يكون ٢٤ موضعاً فيها بعد الأحرف المقطعة القرآن أو الكتاب، هذه الخمسة تابعة لها ولا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن أو الكتاب ذُكِر في داخل السورة وأنه جاء في الآخر.
النماذج:
سورة مريم (كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) قد يقول قائل أن الآية ليس فيها ذكر الكتاب وإنما ذكر الرحمة لكن لما نمضي في السورة نجد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦)) ذكر الكتاب وفي نهاية السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)) ما الذي يسّره بلسانه؟ واضح أنه القرآن فإذن ختمت السورة بكلام على القرآن.
تنتهي سورة الفاتحة بذكر المنعَم عليهم والمغضوب عليهم والضالين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (٧)) والبقرة تبدأ بذكر هؤلاء أجمعين، تبدأ بذكر المتقين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (٢)) وهؤلاء منعَم عليهم ثم تقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٦)) تجمع الكافرين من المغضوب عليهم والضالين وتذكر المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (٨)) إذن اتفقت خاتمة سورة الفاتحة مع افتتاح سورة البقرة. ذكر في خواتيم الفاتحة أصناف الخلق المكلفين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (٧)) وذكرهم في بداية البقرة.
المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه والضالون لم يعلموا الحق وإنما ضلوا الطريق ويضربون مثلاً اليهود والنصارى، المغضوب عليهم منهم اليهود والنصارى. وفواتح البقرة تحدثت عن هذه الأصناف المتقين والكفار والمنافقين جمعت المغضوب عليهم والضالين يجمعهم الكفار.
*سؤال: هل هذا الأمر مقصود في حد ذاته من قِبل الله سبحانه وتعالى يعني هذه التوأمة بين خواتيم السور وبداية السور التي تليها؟
قال عز وجل:(إنني أنا الله)خاطب موسى بالإفراد لم يقل نحن لأنه لا ينسجم هنا فالمقام توحيد وليس مقام خلق.
د. أحمد الكبيسى :
كلمة أتى تعني من بعيد وسيدنا موسى لما رأى النار وتوجه إليها ووضع قدمه على أول الوادي في جبل الطور قال (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾ طه) هو من بعيد كلمة أتى في اللغة الذي يأتي من بعيد إذا كنت تنتظر زائراً ولاح لك من بعيد يقال أتى، سيدنا موسى قال (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ﴿١١﴾ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٢﴾ طه) سيدنا موسى خلع نعليه ثم مشى مشى مشى إلى أن وصل إلى النار قال (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴿١٤﴾ طه).
آية (١٢):
* الكلام لموسى ؟ في سورة طه (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ (١٢) طه) ثم قال بعدها (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا (١٤)) وفي سورة النمل (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)) فما الفرق بينها؟ (د. فاضل السامرائى)
*ما دلالة ذكر وحذف (من) في قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك رجالاً) وقوله (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً)؟ (د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿١٠٩﴾) وذكر (من) تفيد الإبتداء أي ابتداء الغاية وهو امتداد من الزمن الذي قبل الرسول - ﷺ - مباشرة. وليس هناك فاصل كما جاء في قوله تعالى (يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم). أما في سورة الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴿٧﴾) وهي تحتمل البعيد والقريب.
وهذا الذكر او الحذف يعتمد على سياق الآيات ففي سورة الأنبياء (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾) فهي قائمة على التبليغ فناسب حذف (من).
آية (٨):
* (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (٨) الأنبياء) هل هناك جسد لا يأكل الطعام ولماذا الجسد مفرد ويأكلون جمع؟ (د. فاضل السامرائى)
قد يكون هناك جسد لا يأكل الطعام كما قال تعالى عن العجل الذي صنعه السامري (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ (٨٨) طه) ليس بالضرورة أن الجسد يأكل الطعام ثم أصلاً العرب يقولون أن الجن والملائكة جسد لا تأكل الطعام فإذن كلمة جسد في العربية لا تعني أنه يأكل الطعام. الجسد في اللغة لا ينحصر فينا قطعاً وإنما أي شيء مجسد فهو جسد حتى قالوا الجن جسد والملائكة جسد. (جسداً) أي مستغنين عن الطعام لأنه ملك.
قال تعالى في سورة النحل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠)) وقال في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)). أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني هو كما ذكرنا سابقاً عن الفرق بين من بعد علم وبعد علم وقلنا أن (من) هي ابتداء الغاية أما بعد علم فقد يكون هناك فاصل بين هذا وذاك وذكرنا أمثلة (من فوقها) أي مباشرة وملامسة لها أما فوقها فلا تقتضي الملامسة بالضرورة. لكي لا يعلم بعد علم تحتمل الزمن الطويل والوصل أما قوله لكي لا يعلم من بعد علم فهي مباشرة بعد العلم فلمّا احتمل الفاصل فصل (لكي لا) وعندما وصل بينهما وصل (لكيلا).
*ما الفرق بين قوله تعالى (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)؟(د. أحمد الكبيسى)
وقال في ذم الكفار: (فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) فلم يخشوا لأن الخاشع مستكين لربه متضرع متذلل إليه.
وقال: (فاستكبروا وكانوا عالين) والاستكبار والعلو مناقضان للخشوع، إذ الخشوع، تطامن وتذلل وخضوع لله رب العالمين.
فبدء السورة بالخشوع، هو المناسب لجو السورة.
ثم إن البدء به له دلالة أخرى، ذلك أنه ورد في الآثار، أن الخشوع أول ما يرفع من الناس، وقد جاء عن عبادة بن الصامت أنه قال: "يوشك أن تدخل المسجد، فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً" وعن حذيفة أنه قال: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، وتنقض عرى الإسلام عروة عروة".
فبدأ بما يرفع أولاً، وختم بما يرفع آخراً، وهو الصلاة، فقال: (والذين هم على صلاتهم يحافظون).
ثم انظر كيف جاء بالخشوع بالصيغة الاسمية الدالة على الثبات ولم يقل: (يخشون) للدلالة على أنه وصف لهم دائم في الصلاة غير عارض، فإنه وصف لهم دائم في الصلاة غير عارض، فإن الصلاة إذا ذهب منها الخشوع كانت ميتة بلا روح.
ثم انظر كيف أنه لما وصفهم بالإيمان على جهة الثبوت، وصفهم بالخشوع في الصلاة على جهة الثبوت والدوام أيضاً فإنه لو قال: (يخشون) لصح الوصف لهم وإن حصل لحظة في القلب أو الجارحة في حين أنه يريد أن يكون لهم الاتصاف في القلب والجوارح ما داموا في الصلاة.
وتقديم الجار والمجرور (في صلاتهم) على (خاشعون) له دلالته أيضاً، ذلك أن التقديم يفيد العناية والاهتمام، فقدم الصلاة لأنها أهم ركن في الإسلام حتى أنه جاء في الأثر الصحيح، أن تاركها كافر هادم للدين، وحتى أن الفقهاء اختلفوا في كفر تاركها فمنهم من قال: إن تاركها كافر، وإن نطق بالشهادتين.
في حين أنه لو قدم الخشوع، لكان المعنى أن الخشوع أهم، وليس كذلك فإن الصلاة أهم. والصلاة من غير خشوع أكبر وأعظم عند الله من خشوع بلا صلاة، فإن المصلي، وإن لم يكن خاشعاً أسقط فرضه وقام بركنه بخلاف من لم يصل.
١. الإستئذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(٢٧) تعلمنا الآيات ضرورة الإستئذان لدخول البيوت وحتى داخل البيت الواحد للأطفال والخدم في ساعات الراحة التي قد يكون الأب والأم في خلوة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(٥٨) ومن آداب الإسلام أن لا يدخل الأبناء على والديهم بدون استئذان.
٢. غضّ البصر وحفظ الفرج: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(٣٠) وهذا توجيه للرجال والنساء معاً فهم جميعاً مطالبون بغض البصر.
بعد كل الآيات التي عرضت للتكذيب بالقرآن، تأتي آيات إثبات قدرة الله تعالى في الكون وقد نتساءل لماذا تأتي هذه الآيات الكونية هنا في معرض الحديث عن التكذيب؟ نقول إنه أسلوب القرآن الكريم عندما يشتّد الأذى على الرسول - ﷺ - وعلى المسلمين تأتي الآيات الكونية تطمئنهم أن الله الذي أبدع في خلقه ما أبدع وخلق الخلق والأكوان كلها قادر على نصرتهم فكما مدّ الله تعالى الظل للأرض سيمدّ تعالى الظلّ للمؤمنين ويذهب عنهم ضيقهم والأذى الذي يلحقهم من تكذيب المكذبين فسبحان الله الحكيم القدير (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) آية ٤٥. وفي استعراض هذه الإشارات الكونية تبدأ الآيات بجوّ السكينة أولاً (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا) آية ٤٧ و٤٨. فاختيار الآيات مناسب لمعنى الطمأنة التي أرادها تعالى لرسوله - ﷺ - وهي تخدم هدف السورة تماماً.
ومرة قال (فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٦) الزخرف). السؤال أثير عدة مرات وأجبنا عنه ونحيب عنه الآن. أولاً كلمة رسول في اللغة تأتي للمفرد والمثنى والجمع والمصدر، عندنا كلمات مثل خصم تأتي مفرد وتأتي جمع (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ (٢١) ص)، ضيف تأتي مفرد وتأتي جمع (قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ (٦٨) الحجر)، طفل تأتي مفرد وتأتي جمع (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء (٣١) النور). إذن كلمة رسول في اللغة تأتي للمفرد والجمع والمثنى. هنالك كلمات تأتي للمفرد والجمع مثل كلمة بشر تأتي للمفرد والجمع (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ (٢٤) القمر) (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا (٤٧) المؤمنون) (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ (١٨) المائدة). كلمة رسول تأتي مفرد ومثنى وجمع ومصدر يمكن أن نقول هذا رسول وهذان رسول وهؤلاء رسول فهي من الكلمات التي في اللغة قد تكون للمفرد والمثنى والجمع والمصدر بمعنى رسالة إذن من حيث اللغة لا اشكال في السؤال. لكن يبقى السؤال لماذا الاختلاف؟ في الشعراء قال (إنا رسول)، في طه (إنا رسولا)، في الزخرف (إني رسول). في الشعراء ورد ذكر لهارون مع موسى لكن أكثر الشيء مبني على الوحدة لا على التثنية.
تتحدث الآيات بعد هذا التفصيل عن عناصر التفوق الحضاري عن قدرة الله في الكون من الآية ٥٩ إاى آية ٦٤ (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) وكأن هذا الإنتقال يحذّر من أن يلهينا التفوق الحضاري عن تذكر الله تعالى وقدرته في الخلق والكون وفي ملكه فهو الذي سبب الأسباب لكل عناصر التفوق فلا يجب أن ننشغل بالأسباب عن المسبب، فنلاحظ تكرر كلمة (ءإله مع الله) بمعنى إياكم أن تنسوا رب الكون أو أن تجعلوا له شركاء في تفوقكم.
لمن تتحقق الوعود؟ تأتي الآية ٨٣ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) في نهاية السورة تخبرنا أن وعد الله تعالى يتحقق لعباده المتقين والذين لا يريدون الإستعلاء في الأرض. وهذه هي الآية التي قالها عمر بن عبد العزيز وهو يسلم الروح. إن وعد الله تعالى يتحقق للمؤمنين من عباده.
سميّت السورة بـ (القصص): قصّ لغة هو اتباع الأثر حتى نهايته (وقالت لأخته قصّيه) (ولمّا جاءه وقصّ عليه القصص) فلو تتبعنا القصص في هذه السورة سنجد أن وعد الله يتحقق دائماً.
ملحوظة: السورة تؤكد على أن الملك كله لله، وبين هذه السورة وقصة موسى مع الخضر في سورة الكهف تشابه فكل القصص التي استنكرها موسى واعترض عليها وهو بصحبة الخضر حصلت له في حياته في سورة القصص: اعترض على خرق السفينة وهو رمي في البحر، واعترض على قتل الغلام وهو قتل رجلاً، واعترض على عدم استضافة أهل القرية لهم وموسى استضافه شعيب وأهله.
توجيه: إذا كانت الدنيا صعبة والظروف قاسية فثقوا في وعد الله إذا كنتم مؤمنين وإذا كان الله تعالى وعد أمة الإسلام أنه سيستخلفهم في الأرض ويمكن لهم دينهم فثقوا أن هذا الوعد سيتحقق بإذن الله وقد قال - ﷺ - في الحديث الشريف: "إن الله زوى الأرض لي فوجدت أن ملك أمتي سيبلغ ما زوى الله لي من الأرض". فصدق الله تعالى بوعده وصدق رسوله الكريم - ﷺ -. فهما كان حال الأمة المسلمة هذا الزمان فلا بد لنا من الثقة بوعد الله لكن علينا أن نكون مؤمنين حقاً ليتحقق لنا وعده جلّ وعلا.
***من اللمسات البيانية فى سورة القصص***
آية (٤):
سورة العنكبوت (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)) لم تذكر الكتاب والقرآن مباشرة لكن لما نمضي نجد أنه يقول (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (٤٧) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)) وفي نهاية السورة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٦٨)) ما الحق الذي جاء به الناس؟ القرآن إذن إشارة إلى القرآن.
سورة الروم (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)) لا يوجد قرآن ولا كتاب ولما نمضي نجد فيها (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)) وفي الختام (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨)).
سورة الشورى (حم (١) عسق (٢)) بعدها مباشرة (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣))) ماذا يوحي؟ يوحي القرآن. مع ذلك يقولون لم يذكر قرآن ولا كتاب وإذا جئنا إلى نهاية السورة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)) ذكر الكتاب.
في نهاية البقرة ذكر من آمن بالله والملائكة والكتب والرسل (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (٢٨٥)) وذكر في أول آل عمران الكتب (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (٣)) هذه كتب، والمنزَل عليهم هم الرسل إذن من آمن بهذه آمن بتلك فإذن ذكر الكتب وما في آخر البقرة وذكرها في أول آل عمران. ثم قال في خاتمة البقرة (أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦)) وفي بداية آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (٤)) (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)) قال فانصرنا على القوم الكافرين ثم قال قل للذين كفروا ستغلوبن وكأنها استجابة لهم، استجاب لهم دعاءهم، كأنها استجابة. ثم ذكر (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦)) ثم ذكر في أوائل آل عمران نصر المسلمين في معركة بدر (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا (١٣)) فكأنها استجابة للدعاء الذي دعوا به (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، قل لهم وفعل، قل لهم موجهة للكفار، قال للرسول ؟ قل لهم ستغلبون، هم قالوا فانصرنا على القوم الكافرين فقال تعالى قل لهم ستغلوبن وفعل إذن استجابة بالقول وبالفعل، إذن هي مترابطة.
هذه الظاهرة موجودة في خمس سور تبدأ بالأحرف المقطعة وليس وراءها مباشرة لا ذكر قرآن ولا ذكر كتاب. لكن لما تتلو السورة كاملة ستجد في داخلها ذكراً للكتاب والقرآن أو الكتاب وحده أو القرآن وحده أو الذكر، هذه مسألة. والمسألة الثانية هي جميعاً في نهايتها كلام على القرآن فكأنها تأخذ الأول والآخر، في البداية (ألم) وفي الآخر كلام على القرآن أو الذكر أو حديث عن هذا الذي أُنزل على الرسول - ﷺ - فيكون جمعاً بين الاثنتين، والنقطة الثالثة لكا يكون عندنا ٢٩ موضعاً، ٢٤ منها بهيئة معينة، الخمسة الباقية تكون محولة على الكثير تُفهم من خلال الكثير. لما عندي مجموعة من الطلبة يقرأون القرآن تقول للأول إبدأ فيقرأ فتلتفت إلى شخص تقول له يا زيد أكمل فيُكمِل ثم تلتفت لآخر وتقول يا عمرو أكمل فيُكمِل فلو استعملت يا فلان أكمِل ٢٤ مرة ألا يسعك بعد ذلك أن تقول يا فلان ويفهم أنه أكمِل؟! لا تقول له يا فلان أكمِل لأنك قلتها ٢٤ مرة فتكتفي أن تقول يا فلان فيعلم من ذلك. لما يكون ٢٤ موضعاً فيها بعد الأحرف المقطعة القرآن أو الكتاب، هذه الخمسة تابعة لها ولا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن أو الكتاب ذُكِر في داخل السورة وأنه جاء في الآخر.
النماذج:
سورة مريم (كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) قد يقول قائل أن الآية ليس فيها ذكر الكتاب وإنما ذكر الرحمة لكن لما نمضي في السورة نجد (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦)) ذكر الكتاب وفي نهاية السورة (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)) ما الذي يسّره بلسانه؟ واضح أنه القرآن فإذن ختمت السورة بكلام على القرآن.
مثل سورة ق تردد فيها الكلمات التي فيها قاف (ق والقرآن المجيد، إذ يتلقى المتلقيان، قعيد، سائق، تشقق)، في ص ذكر الخصومات، الخصم، يختصمون، مناص، صيحة، اصبروا، صيحة، إصبر، الكلمات فيها صاد. ثم استدلوا إلى الإحصاء قالوا ضربوا مثالاً في سورة يونس تبدأ بـ ألر وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيراً وأقرب السور إليها سورة النمل والنحل وهي أطول منها لكنها لم تتردد الراء فيها كما في يونس ففيها (فيها ٢٢٠ راء) هكذا أحصوا. ثم الملاحظة أن كل السور التي تبدأ بالطاء (طه، طس، طسم) كلها تبدأ بقصة موسى أولاً، كلها بلا استثناء. سورة الشعراء والقصص وطه تبدأ أول ما تبدأ بالقصص تبدأ بقصة موسى - عليه السلام - وقد يذكر بعدها قصصاً أخرى ففي الشعراء يذكر قصة نوح بعد قصة موسى. يبدو كما يقولون أن اللمسة البيانية إذا كان أنه هذه تشير إلى أن الحروف المذكورة أولاً تطبع طابع السورة فيكون من باب السمة التعبيرية. نحن نقول هناك سمة تعبيرية للسورة وسمة تعبيرية للسياق أي سورة تكثر فيها كلمات معينة مثل كلمة الله في سورة البقرة وكلمة الرب في سورة آل عمران والرحمن والرحمة في سورة مريم أكثر سورة في القرآن تردد فيها الرحمة والرحمن. قد تكون سمة تعبيرية. ليس هذا فقط ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس أخرج كتاباً عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني عملها على الكمبيوتر وهو يقول أنه لاحظ أن الأحرف المذكورة في بداية السور تتناسب في السور تناسباً طبيعياً فالتي تبدأ بـ (ألم) يكون الألف أكثر تكراراً في السورة ثم اللام ثم الميم وليس هذا فقط وإنما نسبة الألف إلى اللام مثل نسبة اللام إلى الميم، هذه معادلة رياضية حتى أنني ناقشته وسألته هل راجعت الصحف وتكبقها عليه فقال نعم طبقتها على الصحف لكنه وجد القرآن متفرداً بها.
ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. ذكرنا في أكثر من مناسبة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (٤) القدر) هذه في ليلة و (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) فصلت) هذا في كل لحظة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ) هذه في ليلة فحذف التاء للدلالة على أن الحدث أقل. وذكرنا توفاهم وتتوفاهم قال (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ (٩٧) النساء) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) النحل) أولئك كانوا مستضعفين وظالمي أنفسهم صاروا أقل قال توفاهم والآخرون فقط ظالمي أنفسهم لم يكونوا مستضعفين فلما كثر هؤلاء قال تتوفاهم ولما قل هؤلاء قال توفاهم، هذه قاعدة مثل تفرقوا وتتفرقوا وفي القرآن هذا كثير وهو أمر عام.
وتأتي ختام السورة (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) آية ٧٢ عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فرفضت حملها لأنها أرادت أن تبقى مستسلمة لله بدون أن تكون مخيّرة وخافوا من حمل الأمانة أم الإنسان فحملها لأنه كان جاهلاً ثقلها والعواقب الوخيمة التي تقع على من يفرّط بها.
سميّت السورة بـ (الأحزاب) لأن غزوة الأحزاب هي رمز لأصعب موقف مرّ به الصحابة (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) آية ١١ بعد أن تحزّب عليهم المشركين من كل جهة ولكن الله ردّهم وكفى المؤمنين المستسلمين له الخاضعين له القتال.
***من اللمسات البيانية فى سورة الأحزاب***
آية (٤):
*وردت كلمة السبيل مرة وست مرات سبيلاً فى القرآن الكريم ما دلالة اختلاف الفاصلة؟(د. حسام النعيمى)
يقول تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧)).
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩)).
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧)).
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٣٤)).
(إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٢)).
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)).
؟ في الدراسات القرآنية السياق يوضح كثيراً من الإجابات عن الأسئلة. عندما نرى آيتين تختلفان في كلمة أو في ذِكر أو عدم ذِكر فالرجوع إلى السياق يوضح هذا الأمر كثيراً. لو لاحظنا هذه الآية في سورة الحديد (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) قال تعالى قبلها (وهو بكل شيء عليم) هذا يدل على علمه وإحاطته بكل شيء، (وهو معكم أينما كنتم) هذا مناسب للعلم ويترابط معه. وبعدها قال تعالى (وهو عليم بذات الصدور) فهذه الآية متناسبة مع السياق التي وردت فيه وهو العِلم قبلها وبعدها (وهو معكم أينما كنتم) (والله بما تعلمون بصير) متناسب مع ما قبله (وهو بكل شيء عليم) ومتناسب مع ما بعده (وهو عليم بذات الصدور). هذا الموقع غير موجود في سورة سبأ، هذا أمر.
؟ الأمر الآخر قال تعالى (وهو معكم أينما كنتم) في سورة الحديد وهذا يدل على المراقبة ولذا جاء بعدها بما يدل على معرفته بعَمَلنا قال (والله بما تعملون بصير). وفي سورة سبأ قال في ختام الآية (وهو الرحيم الغفور) وفي الحديد قال (والله بما تعملون بصير) هذا متناسب مع المراقبة (وهو معكم أينما كنتم). إذن في سبأ ختمها (وهو الرحيم الغفور) فأراد تعالى أن يرحم الناس بالرحمة والمغفرة فرفع ذِكر المراقبة، أليس من رحمته أن يرفع ذكر المراقبة؟ عدم ذكر المراقبة أنسب مع الرحمة والمغفرة، أن تراقب الإنسان في كل شيء هذا ليس من الرحمة إذن ختام الآية (وهو الرحيم الغفور) أراد الله تعالى أن يرحم الناس فرفع ذِكر المراقبة في آية سبأ بخلاف آية سورة الحديد التي فيها العِلم (وهو معكم أينما كنتم)، هذا أمر.
وقد هلكوا، الشاهد (يهلك) مضارع بعد أداة الشرط ويراد به الماضي.
سؤال: إذن ليست القضية بالنسبة لكم كعلماء في اللغة النظر إلى مدلول الكلمة لكن داخل السياق هو الذي يحدد.
نعم المضارع قد يأتي بمعنى الماضي والماضي يأتي بمعنى المستقبل وهذا اسمه حكاية الحال.
آية (١٢):
*(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) فاطر) (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ (١٢) فاطر) (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ (١٤) فاطر) ما دلالة استعمال أداة النفي (ما) و(لا)؟ (د. فاضل السامرائى)
ثم قالوا قسم يبدأ بحرف واحد (ن، ق، ص) وقسم حرفين (يس، طه) وقسم ثلاثة (ألم، ألر) وقسم أربعة (ألمص، ألمر) وقسم خمسة (كهيعص، حم عسق) وتنتهي لأن التأليف خمسة، الأسماء الأصلية لا تزيد على خمسة، وحروف المعاني حرف واحد مثل الباء والواو وحروف الجر وعندنا حرفين سواء كان مبيناً أو معرباً مثل أب ومع وغيرها وعندنا حروف وأسماء وعندنا ثلاثة وهي من أكثر الأنواع وعندنا أربعة وعندنا خمسة. ثم نظروا نظرة أخرى وانتبهوا لأمور أخرى قالوا مثلاً (ألم) الألف حرف حلقي واللام لساني (وسطي) والميم شفوي، كل سورة تبدأ بـ (ألم) تذكر أول الخلق ووسط الخلق ونهاية الخلق، تدرجت كل سورة بتدرج الحروف قالوا كل سورة تبدأ بهذه الأحرف يجب أن تتعرض لبداية الخلق ووسط الخلق ونهاية الخلق، سورة لقمان، سورة البقرة من خلق آم إلى التشريعات إلى القيامة. ليس فقط هذا ثم انتبهوا فلاحظوا أن كل السور التي تبدأ بحرف الطاء (طس، طسم، طه) كلها أول ما تبدأ بقصة موسى. (حم) كل السور التي تبدأ بـ (حم) إما تبدأ بتنزيل الكتاب أو القسم به تحديداً (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافر) (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) فصلت) (حم (١) عسق (٢) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) الشورى) (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) الدخان) (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) الزخرف) بين التنزيل والقسم (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) الأحقاف)، كلها ملاحظات حاولوا أن ينتبهوا إليها.
هذه مسألة والمسألة الأخرى نرى ماذا ذكر تعالى في لوط في الصافات نفسها لم يذكر أنه دعا قومه إلى شيء ولا حمل رسالة إليهم بخلاف الذين ذكر فيهم ذلك، كل ما قال في لوط (وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (١٣٧)) لم يذكر أنه دعا قومه إلى شيء بينما الآخرين ذكر دعوتهم، إبراهيم دعا قومه وحاولوا حرقه لكن ما ذكر هذا مع لوط (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)، ما ذكره في لوط ليس مثل الأنبياء الآخرين. (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (١٢٥) َاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦)) ذكر دعوته فقال (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (١٣٠)). يقال أيضاً نوح لم يذكر معه هذا وإنما قال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (٧٧)) جعل ذريته هم الباقون والذرية تذكره فقال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) إضافة إلى أنه قال (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥)) نادانا يعني دعانا، ولم يذكر مع لوط انه دعا، من هو نعم المجيب؟ ربنا سبحانه وتعالى فمن نعمة الإجابة أن يترك عليه في الآخرين. ليس فقط أجبنا وإنما نعم المجيب، دعا وربنا أجاب ونعم المجيب فقال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ).
د. حسام النعيمى :
لو عدنا إلى الآيات في الأولى (بلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢)) عجبوا أن جاءهم منذر منهم فجاء بلفظ (عجيب) والثانية أن امرأة عقيماً وعجوز وبعلها شيخ فكيف تلِد والعقيم أصلاً لا تلِد ولو كان رجُلُها فتى فهي عقيم وعجوز وفي الآية من دواعي العجب ما هو أكثر من الآية الأولى لذا دخل التوكيد بـ (إنّ واللام) تأكيدا العجب ناتج عن أن مُثير العجب أكثر. أما في سورة ص (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)) هم عجبوا أن جاءهم منذر منهم أولاً ثم عجبوا أن جعل الآلهة إلهاً واحداً فصارت دواعي العجب أكثر من سورة ق التي تعجبوا فيها من أن جاءهم منذر منهم فقط. إضافة إلى ذلك في سورة ص هناك أمر آخر هو جعل الآلهة إلهاً واحداً وهو مشركون عريقون في الشرك فقاتلوه بسبب كلمة التوحيد فالعجب أكثر بعد وصفه بأنه ساحر وكذّاب فجاء بلام التوكيد وجاء بالصفة المشبهة المبالغة عُجاب.
*ما الفرق بين عجباً (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١)الجن) وعجاب(إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) ص) ؟ (د. فاضل السامرائى)
أولاً ينبغي أن نعلم ما الفرق بين إلى وعلى في اللغة؟. (إلى) تفيد الإنتهاء و(على) للإستعلاء لذلك يقول أهل اللغة (على) تأتي للأمور المستثقلة الشاقة والمستكرهة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (٢١٦) البقرة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (١٨٣) البقرة) لأنه شاق، (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (١٠٣) النساء) والنحاة يقولون سرنا عشرة وبقيت علينا ليلتان، وقد حفظت القرآن وبقيت عليّ منه سورتان، هذا لك وهذا عليك، بخلاف كتب لكم (وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ (١٨٧) البقرة) (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ (٢١) المائدة). عرفنا أنه (على) لما هو أشق في اللغة. نقرأ الآيتين ونرى في الآية الأولى (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (٢)) والثانية (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (٤١)) نسأل: أيها الأشق وأثقل أن تعبد الله وحدك أو تبلِّغ الناس؟ أن تبلغ الناس أشدّ. الآية الأولى ليس فيها تبليغ وإنما خطاب للنبي - ﷺ - والثانية (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (٤١)) قال للناس وهذا تبليغ، الأولى ليس فيها تبليغ والثانية فيها تبليغ وهي الأشق والأشد فيضع (على) مع التبليغ، الأولى فيها نبوة والثانية فيها رسالة (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ) هذه رسالة.
سورة آل عمران مهّدت لتكريم المرأة في قصة زوجة عمران ومريم عليها السلام اللتان هما رمز الثبات في الأرض ولأن النساء هن مصانع الرجال والأجيال، فالأم هي التي تربي أطفال الأمة حتى يصبحوا رجالاً. وسميت السورة بـ(النساء) تكريمأً لهن ولدورهن في الأمة الأسلامية.
ونستعرض آيات سورة النساء ومعانيها وكل آيات هذه السورة فيها عدل ورحمة:
· وتبدأ من أول آية التي يذكرنا الله تعالى فيها أنه خلقنا من نفس واحدة وأصل واحد فكيف يظلم بعضنا بعضا.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
· ذكر انواع الضعفاء من اليتامى والنساء والسفهاء وغيرهم والحث على العدل والرحمة بهم.
١. ( وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ).
٢. ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ).
٣. ( وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا).
٤. ( وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا).
٤. كلها ركّزت على الوحدة وحذّرت من خطورة الفرقة. سورة فصّلت:( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) آية ٤٥، سورة الشورى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) آية ١٠، سورة الزخرف: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية ٦٣، سورة الجاثية: (وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) آية ١٧.
٥. كلها تحدثت عن انتقال الرسالة من بني اسرائيل إلى أمة محمد - ﷺ -.: سورة الشورى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية ١٣، سورة الجاثية (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) آية ١٨، سورة الأحقاف (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) آية ١٢.
سورة فصّلت: سميّت بهذا الإسم لأن الله تعالى فصّل بها الآيات ووضح فيها الدلائل على قدرته ووحدانيته وأقام البراهين القاطعة على وجوده وعظمته وخلقه لهذا الكون البديع الذي ينطق بجلال الله وعظيم سلطانه. وفيها وعد الله تعالى للبشرية بأن يطلعهم على بعض أسرار هذا الكون في آخر الزمان ليستدلوا على صدق ما أخبر عنه القرآن وهذا لا يتحقق إلا إذا تدبّروا وتفكروا في عظيم خلق الله تعالى في كونه بعد أن أرشدهم إلى آيات الخلق الباهرة في الكون الفسيح.
خلاصة الحواميم: إياكم والكبر والفرقة والإنخداع بالمظاهر المادية واحرصوا على الشورى حتى تقودوا الأرض بما عليها وتطبقوا منهج الله تعالى كما أراده في كونه حتى تنعموا في الدنيا والآخرة.
***من اللمسات البيانية فى سورة فصلت***
آية (١):
*من سورة فصلت إلى سورة الأحقاف تبدأ بـ (حم) ثم تنزيل الكتاب من الله واختلفت الصفات (صفات الله سبحانه وتعالى) المرتبطة بتنزيل الكتاب فمرة تأتي الرحمن الرحيم ومرة العزيز الحكيم، فما دلالة هذا؟(د. فاضل السامرائى)
هي ليست مختصة بـ (حم) فقط وإنما تبدأ من سورة البقرة (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه) آل عمران (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزّل عليك الكتاب) الأعراف (ألمص كتاب أنزل إليك)، (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)، (يس والقرآن الحكيم) (ق والقرآن المجيد) (ص والقرآن ذي الذكر) فهي ليست مختصة بـ (حم) فقط وإنما في غالب الأحرف المقطعة. وأشهر ما قيل في ذلك أن هذا الكتاب الذي تحداكم به وأنزله رب العالمين هو من مفردات كلامكم فافعلوا مثله. يأتي من هذه المفردات بكلام معجز، هذا أشهر ما قيل في هذا. وقسم قال أنه يجمع بين الأحرف لكن أشهر ما قيل أنه من مفرداتكم لذلك عقّب في أغلبها بالكلام عن القرآن والذكر.
آية (٥):
*ما دلالة (من) في الآية؟(د. فاضل السامرائى)
هي الشمس مسكنُها في السماء فعزِّ الفؤاد عزاءً جميلاً
فلن تستطيع إليها الصعود ولن تستطيع إليك النزولا
هذا أعلى شيء ودونه هي كالبدر أو هي مثل البدر وهم يعتقدون أن (مثل) أعلى في التشبيه من الكاف لأن فيها معنى الموازنة، إذا جئت بأداة التشبيه ستكون دون الحذف فإن جئت بأداتي التشبيه سيكون دون ذلك أبعد، أداة تشبيه، أداتين ستكون أبعد في التشبيه. فربنا جاء بأداتي التشبيه يعني ليس كمثله شيء ولو من وجه بعيد. أداتي التشبيه أبعد وجاء بأداتي التشبيه الكاف ومثل إذن ليس له مثيل ولو من وجه بعيد فهي إذن ليست زائدة وإنما تؤدي معنى. الكاف حرف جر أبرز معنى لها وأظهر معنى هو التشبيه ولها معاني أخرى وبالتالي لا زيادة فيها وإنما جيء بها لأداء معنى. فإذن (ليس كمثله شيء) نفي المشابه ولو من وجه بعيد، لا يتبادر إلى الذهن أدنى شبه ولو من بعيد فجاء بأداتين ليس هناك شبه قريب فجاء بالكاف. لو قال خارج القرآن ليس مثله شيء تكون أقرب وليس فيها هذه الدلالة للتأكيد على نفي المثلية.
آية (١٣):
*ما الفرق بين استعمال (ما) و(الذي) في الآية (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (١٣) الشورى)؟ (د. فاضل السامرائى)
جعلناه): لم يذكر أموراً تتعلق بالإنزال، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) الزخرف) (أُمّ الكتاب) أين؟ في السماء، (لدينا) أين؟ عند الله عز وجل، (لعلي حكيم) أين؟ في العلو، إذن هذا ليس إنزالاً. ما يتعلق بالإنزال لأنه يتكلم وهو في السماء، في العلوّ، في الارتفاع قبل النزول: (أمّ الكتاب) أي اللوح المحفوظ، (لدينا) أي عند الله، (لعلي حكيم) مرتفع فيه سمو، فكيف يقول إنزال؟. أما الآية الأخرى فإنزال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣) يوسف) الوحي إنزال. (لدينا) ليست إنزالاً، أمّ الكتاب ليست إنزالاً فتحتاج لـ (جعلناه) وليس أنزلناه. نسأل: أيّ الأنسب أنه في مقام الإنزال يستعمل أنزلناه أو جعلناه؟ الأنسب أن يستعمل أنزلناه وفي مقام عدم الإنزال يستعمل (جعلناه). نضع الإنزال مع الوحي والإنزال (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ما كنت تعلمها أنت وقومك) يعني أنزلها إليك، هذه لا علاقة لها بأم الكتاب ولدينا وكلها إنزال.
هل العرب كانت تفهم وضع كلمة في مكانها هكذا وتعلم أن كل كلمة عاشقة لمكانها؟
البلغاء يعلمون ويعرفون في مظانّ الكلام ما لا نعرفه نحن إلا فيما يتعلق بالأمور العلمية التي استجدت فيما بعد هذه لا يعلمونها لكن فيما عدا ذلك يعلمون من مرامي الكلام ما لا نعلمه نحن ولذلك عندما تحداهم بسورة والسورة قد تكون قصيرة جداً لم يأتوا بشيء، لم يتحداهم بآية لأن الآية قد تكون كلمة (ألم) و(مدهامتان) آية، لكن تحداهم بسورة أو بما هو مقدار السورة. كل تعبير في القرآن بمقدار (إنا أعطيناك الكوثر) فهو معجز. أقصر سورة الكوثر هذه معجزة لأنه تحداهم بها أو الإخلاص. فأي كلام في القرآن بمقدار هذ فهو معجز.
هذا من باب السخرية منهم (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) الدخان) العزيز الكريم يصب فوق رأسه من عذاب الحميم، هذا استهزاء وسخرية (اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) البقرة) (سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٩) التوبة). هذا الأسلوب أسلوب سخرية أنت تسخر من واحد هو لا يعرف أن يتكلم تقول له أنت أفصح من أكثم بن صيفي أو قس بن ساعدة، شخص قال شعراً لا وزن له ولا قافية ولا يعلم اللغة العربية فتقول له أنت أشعر من المتنبي هذا أسلوب سخرية.
****تناسب فواتح سورة الدخان مع خواتيمها****
في أولها (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥)) وفي آخرها (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)) الكلام في البداية عن القرآن (حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣)) وآخرها (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)) أيضاً عن القرآن. وفي أولها (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩)) وفي آخرها (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)) صاحب الشك يترقب ماذا سيحصل له. ارتقب بمعنى انتظر. هم في شك فارتقب إنهم مرتقبون، الشك يترقب ماذا سيحصل؟. هم وهو، أخبر عنهم ثم أمره، هم في شك أنت ارتقب ماذا سوف يحصل في شكهم ما نتيجة هذا الشك؟ ما مآله؟ هم في شك فارتقب أنت.
مثلاً نوح وهو يصنع الفلك هذا عمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) هود) هذا فعل وهم سخروا من فعل يفعله، (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ (٧٩) التوبة) هذا فعل. إذن صار عندنا أمرين على الأقل في القرآن أولاً أن الاستهزاء عام للأشخاص وغير الأشخاص والاستهزاء لا يستوجب وقوع فعل بينما السخرية تقتضي فعلاً إذن هنالك أمران متغايران.
آية (١٧):
*كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة ما كُنه الاختلاف؟(د. فاضل السامرائى)
سورة المائدة هي أول سورة ابتدأت بـ (يا أيها الذين آمنوا) وتكرر فيها هذا النداء ١٦ مرة من أصل ٨٨ مرة وردت في القرآن كله. وهي آخر ما نزل على رسول الله - ﷺ - في المدينة بعد حجة الوداع. وقد اشتملت على العديد من الأحكام : أحكام العقود، الذبائح، الصيد، الإحرام، نكاح الكتابيات، الردة، أحكام الطهارة، حد السرقة، حد البغي والإفساد في الأرض، أحكام الميسر والخمر، كفارة اليمين، قتل الصيد في الإحرام، الوصية عند الموت، البحيرة والسائبة، الحكم على من ترك العمل بشريعة الله وغيرها. وقد ورد عن النبي - ﷺ - أنه قال:" علّموا رجالكم سورة المائدة" لما فيها من أحكام ووفاء بالعهود والمواثيق.
والخطاب من الله تعالى للمؤمنين بـ (يا أيها الذين آمنوا) بمعنى يا من آمنتم بي ورضيتم أن تدخلوا في ديني عليكم أن تنفذوا أوامري لتفلحوا وتكونوا من المؤمنين حقاً.
*سميت السورة بـ (المائدة) لورود قصة المائدة في نهاية السورة في قصة سيدنا عيسى - عليه السلام - والحواريين. لكن التسمية لا تتعلق فقط بذكر المائدة في السورة ولكن العبرة من القصة هي الهدف وتسميتها تتناسب مع هدف السورة، لأن الله تعالى حذر الحواريين أنه سينزل عليهم المائدة ولكن من كفر بعدها ولم يؤمن سيعذبه الله عذاباً شديداً وهذا توجيه وتحذير للمسلمين بأن عليهم الوفاء بالعهود والمواثيق وإلا سيكون العذاب جزاؤهم كما في قصة المائدة.
والسورة شددت في معظم آياتها على العهود والمواثيق باختلافها وكل نداء (يا أيها الذين آمنوا) ينص على عهد مختلف، والآيات تذكر باستمرار بأهمية الوفاء بالعهود والالتزام بها.
سورة الأنعام هي اول سورة مكية في ترتيب المصحف بعد ما سبقها من سور مدنية، وهي أول سورة ابتدأت بالحمد (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض)، ومن مميزاتها أنها نزلت ليلاً دفعة واحدة وأنه شيّعها سبعون ألف ملك والسبب في هذا الامتياز أنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين ويقول الإمام القرطبي إن هذه السورة أصلُ في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذّب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة. ونزولها ليلاً لما في الليل من سكينة للقلب ومدعاة للتأمل والتفكر في قدرة الله تعالى وعظمته. وتناولت سورة الأنعام القضايا الأساسية الكبرى لأصول العقيدة والإيمان وهذه القضايا يمكن تلخيصها فيما يلي:
قضية الألوهية قضية الوحي والرسالة قضية البعث والجزاء
والحديث في هذه السورة يدور بشدة حول هذه الأصول الأساسية للدعوة ونجد سلاحها في ذلك الحجة والبرهان والدلائل القاطعة للإقناع لأنها نزلت في مكة على قوم مشركين، ومما يلفت النظر في السورة الكريمة أنها عرضت لأسلوبين بارزين لا نكاد نجدهما بهذه الكثرة في غيرها من السور وهما: أسلوب التقرير وأسلوب التلقين. ونرى هذين الأسلوبين يأتيان بالتتابع في السورة فتأتي الآيات التي يذكر الله تعالى لنا البراهين على عظمته وقدرته في الكون ثم تنتقل الآيات للحجة مع المشركين والملحدين والبعيدين عن التوحيد.
سورة الأعراف من أطول السور المكية وهي أول سورة عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء من بداية خلق آدم - عليه السلام - إلى نهاية الخلق مروراً بنوح، هود، صالح، لوط، شعيب، موسى عليهم وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام. والسورة تجسد الصراع الدائم بين الحق والباطل وكيف أن الباطل يؤدي إلى الفساد في الأرض، وفي قصص كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في السورة تظهر لنا الصراع بين الخير والشر وبيان كيد إبليس لآدم وذريته لذا وجه الله تعالى أربعة نداءات متتالية لأبناء آدم بـ (يابني آدم) ليحذرهم من عدوهم الذي وسوس لأبيهم آدم حتى أوقعه في المخالفة لأمر الله تعالى. كما تعرضت السورة الكريمة إلى أصناف البشر فهم على مرّ العصور ثلاثة أصناف: المؤمنون الطائعون، العصاة، والسلبيون الذين هم مقتنعون لكنهم لا ينفذون إما بدافع الخجل أو الامبالاة وعدم الإكتراث. والسلبية هي من أهم المشاكل التي تواجه الفرد والمجتمع والأمة. وجاءت الآية لتحذرنا أنه علينا ان نحسم مواقفنا في هذه الحياة ونكون من المؤمنين الناجين يوم القيامة ولا نكون كأصحاب الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم وينتظرون أن يحكم الله فيهم.
وسميت السورة (الأعراف) لورود ذكر اسم الأعراف فيها وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما وروى جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله تعالى فيهم.
· أهمية التخطيط (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) آية ٦٠
· موازين القوى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ* الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) آية ٦٥ – ٦٦، الأسباب المادية مهمة أيضاً حتى أن هزيمة الكفار تعود إلى الأسباب المادية لأنهم لم يكونوا يفهمون الحرب جيداً ولم يعرفوا عدوهم.
ثم تنتقل السورة إلى المحور الثاني وتوجيه الخطاب للمؤمنين: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) آية ٢٤ في هذه الآية يبيّن لنا تعالى ثمانية أشياء حلال في أصلها (آباؤكم، أبناؤكم، إخوانكم، أزواجكم، عشيرتكم، أموال، تجارة، مساكن) ولكن إذا أحببناها أكثر من رسول الله - ﷺ - والجهاد في سبيل الله إعتبرنا فاسقين. ثم تحدثت الآيات عن غزوة حنين (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) آية ٢٥. ثم يتوب الله تعالى من بعد ذلك وقد تردد ذكر غفور رحيم كثيراً في هذه السورة مع آيات التوبة.
تحريض المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) آية ٣٨، وتحريض المؤمنين واجب من أول ما بدأ الجهاد إلى يومنا هذا وإلى آخر الدنيا. (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ) آية ٤٠.
القرآن استعمل صيغة الجمع وصيغة الإفراد وفي صيغة الجمع يؤتى بما يسمى ضمير التعظيم ويستعمل إذا كان المقام مقام تعظيم وتكثير ويستعمل الإفراد إذا كان المقام مقام توحيد أو مقام آخر كالعقوبة المنفردة. لكن من المهم أن نذكر أمراً وهو أنه سبحانه وتعالى في كل موطن في القرآن الكريم وبلا استثناء إذا استعمل ضمير التعظيم لا بد من أن يأتي بعده بما يدل على الإفراد حتى يزيل أي شك من شائبة الشرك لأنه من نزل عليهم القرآن كانوا عريقين في الشرك فضمير التعظيم لا يمكن أن يستمر إلى نهاية الآيات فلا بد من وجود شيء يدل على الإفراد ومثال آخر ما جاء في سورة النبأ معظم الآيات فيها ضمير التعظيم (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً ﴿٨﴾ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴿٩﴾ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً ﴿١٠﴾ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ﴿١١﴾ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴿١٢﴾ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً ﴿١٣﴾ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً ﴿١٤﴾) إلى أن جاء في أواخر السورة (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ﴿٣٧﴾ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ﴿٣٨﴾).
آية (١١):
*(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)) لماذا لم يتكرر فعل (جعلنا) كما في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١) النبأ)؟ (د. فاضل السامرائى)
عندنا في مزايا اللغة العربية التي لا يمكن التعبير عنها في اللغات الأخرى تعدد أدوات النفي. تقول أنا ما أذهب، أنا لا أذهب، أنا إن أذهب، أنا لست أذهب، كلها تقولها في الإنجليزية I don’t go. (إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (١٠٩) الأنبياء) بمعنى نفي (ما). في القرآن قال (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (٩) الأحقاف) نفاها بـ (ما)، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (٣٤) لقمان) قال (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١) الطلاق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال لا أدري، نفاها كلها. الفرق من حيث الدلالة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) دلّ على الحال يعني ما أدري الآن، لا أدري أكثر النحاة يخصصوها للإستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والاستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالإستقبال والزمخشري يقول لا ولن أختان في نفي المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والاستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (٢٠) النمل) حال، (أنا لا أفهم ما تقول) حال، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (٤٨) البقرة) للإستقبال فهي إذن مطلقة. خاصة هي منتهية بالألأف والألف حرف مطلق لا يمتد به الصوت فهي ممتدة. (إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة. (لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة. (
كلمة (ميت) بتسمين الياء تقال لمن مات فعلاً مثال ما جاء في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿١٢﴾) ولذا جاء في القرآن الكريم تحريم أكل لحم الميتة بتسكين الياء وقد تكون حقيقة أو مجازاً. أما الميّت فقد يكون لمن مات أو من سيموت بمعنى من مآله إلى الموت حتماً كما في قوله تعالى في سورة الزمر (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴿٣٠﴾).
آية (١٤):
*ما دلالة التذكير والتأنيث في قوله تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠) يوسف)و(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) الحجرات)؟ (د. فاضل السامرائى)
١٠. بشرى فتح مكة (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) آية ٢٧.
١١. إظهار الدين (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) آية ٢٨.
١٢. الوعد بالمغفرة والنصر العظيم.
١٣. أكبر عدد دخل الإسلام بعد صلح الحديبية.
١٤. آية الرضوان (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) آية ١٨.
فلماذا استحق المسلمون هذا الفتح كلّه؟ لأنهم ببساطة صدقوا الله في العبادة وعلم الله صدقهم (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) آية ١٨.
التنويع ليس مع لفظة لوط فقط وإنما مع أنبياء آخرين مثل مع هود عندنا قوم هود وأخاهم هود وأخوهم هود، قوم صالح وأخاهم صالح وأخوهم صالح بحسب مواضعها.
لكن لما نأتي إلى الآية (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) ق) هناك نوع من التناسق في هذه الآية تناسق المواضع: عندنا كلمة قوم تكررت مرتين وكلمة أصحاب تكررت مرتين وجاءت كلمة إخوان كأنها مرحلة وسط بين هذه وهذه بمعنى لو قيل في هذا المكان (وقوم لوط) ستكون قوم تكررت ثلاث مرات وأصحاب تكررت مرتين، الآية ١٢ فيها قوم وأصحاب والآية ١٤ فيها قوم وأصحاب والآية ١٣ في الوسط جاءت إخوان كأنها توازن من حيث الموازنة اللفظية، فإذن هي نوع من الموازنة وإخوان لوط هم قوم لوط، هذه واحدة.
الهداية تتعلق في الحالين الذين قاتلوا والذين قتلوا: هم قاتلوا وقتلوا والمقتول كان قد قاتل فالذين قاتلوا سيهديهم لكن نوع الهداية: الهداية هنا للمقتولين للجنة ويصلح بالهم ويرتاحون عندما يدخلون الجنة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) الأعراف) هذا في الجنة، فالهداية إلى الجنة والهداية في الجنة يتحدثون عن الهداية فالشهيد يهديه الله سبحانه وتعالى إلى الجنة ويصلح باله ويرتاح فيها، وغير الشهيد المقاتل أيضاً يهديه الله في الدنيا والآخرة لأنه قاتل في سبيل الله فكأن الله سبحانه وتعالى يبشّره بالجنة فألمران سواء والقراءتان تؤديان إلى معنى واحد. قراءة قُتِلوا لم يتفرد بها حفص وإنما أبو عمرو يعني أهل البصرة جميعاً قرأوا (قُتِلوا) وقبائل في الكوفة قرأوا قُتِلوا وكثير من قبائل العرب وسائر السبعة كانوا يقرأون (قاتلوا) القراءة لأبي عمرو وحفص عن عاصم والنتيجة كما قلنا واحدة.
سؤال: لماذا نصب كلمة (ضرب) وما إعراب ضربَ في قوله تعالى (فضربَ الرقاب)؟
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١))
*(سبّح) ما معنى كلمة التسبيح؟ وهل له أنواع؟
التسبيح هو التنزيه عما لا يليق، أصل التسبيح هو التنزيه (سبّح لله) أي نزّهه هؤلاء كلهم بما نفقه وبما لا نفقه من تسبيحهم (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤) الإسراء) الطير تسبّح والأشجار تسبّح وكل شيء يسبح (وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (١٥) الرعد) لا نفقه تسبيحها. التسبيح هو التنزيه عن كل ما لا يليق، عن كل نقص، أن تقول لله ولد أو تشبهه بخلقه أو أي شيء لا يليق بذاته. التسبيح ورد في صور شتّى: ورد التسبيح بالفعل الماضي (سبّح) وورد بالفعل المضارع (يسبح) وورد بفعل الأمر (فسبِّح) (سبِّح اسم ربك) وورد بإسم المصدر (سبحان الذي أسرى بعبده) كل هذا ورد فيه، لماذا؟ سبّح للزمن الماضي، يسبح مضارع للحال والاستقبال (المضارع للاستقبال كما في قوله تعالى (إن الله يفصل بينهم) هذا في يوم القيامة) حتى أن بعض النحاة قالوا هو للإستقبال أولاً ثم للحال. (سبِّح) الأمر وهو يدل على أن تبدأ به وتستمر، سبحان إسم مصدر. إسم المصدر قريب من المصدر، سبحان معناه علمٌ على التنزيه. نلاحظ أن الفعل مرتبط بزمن وبفاعل حتى يكون فعلاً، المصدر هو الحدث المجرّد الذي ليس له زمن ولا فاعل. إذن صار التنزيه إستغراق الزمن الماضي (سبح) والحال والمستقبل (يسبح) والأمر بالتسبيح ومداومته (سبّح) وسبحان التسبيح وإن لم يكن هناك من لم يسبح في السموات والأرض قبل الزمان وبعد الزمان إن كان أحد أو لم يكن فهو يستحق التنزيه سبحانه سواء كان هناك من يسبح بفاعل أو بدون فاعل فاستغرق جميع الأزمنة وقبل الأزمنة وبعد الأزمنة واستغرق الخلق وما قبل الخلق وما بعد الخلق.
وقد سبق أن تكلمنا عن الفصل والوصل في (لكيلا) و (لكي لا) في إجابتنا عن سؤال سابق.
(ما) الموصولة هنا تختلف عن (إنما المؤمنون إخوة) التي هي ما الكافة والمكفوفة التي توصل مع (إن).
آية (٢٢):
*ما المقصود بـ (توعدون) في الآية (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) الذاريات) هل هي تعني الجنة والنار في السماء؟(د. فاضل السامرائى)
(وما توعدون) قسم قال ما توعدون من خير وشر أي المقدرات هي في السماء باعتبارها كتبت كلها في السماء (في اللوح المحفوظ) كل ما كان وما سيكون إلى يوم الدين فهي في السماء إذن فهي ما توعدون من خير وشر وكله مدوّن في السماء. قسم قال الجنة والنار وقسم جعلها جملة جديدة (وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (٢٣)) أي كل ما توعدونه وكل ما وعدتم به ووعدكم الرسل وكل ما جاء على ألسنة الرسل ورب السماء والأرض إنه لحق فأقسم على أنه حق، على ما وعدوا به فجعل (ما توعدون إنه لحق) وأقسم على ذلك. فإذن فيها احتمالات وكلها مقبولة. أليس ما نوعد به مدون في السماء؟ بلى، إذن يحتمل هذا الشيء والجنة في السماء والرسول - ﷺ - رأى الجنة والنار عندما عُرِج به وهو أيضاً هو حق ولكن يبدو لي أنه الجنة والنار أي ما توعدون من جنة أو نار والله أعلم وإن كانت كل الاحتمالات مقبولة. أليست الجنة والنار من الرزق؟ (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ) إما يكون مدوناً في السماء أو المطر الذي ينزل من السماء ويعتبر من الرزق. "لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها" إذن هي مدونة.
آية (٢٤):
*في سورة الذاريات (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)) كلمة ضيف جاءت بالمفرد مع أن الملائكة مكرمين يعني جمع؟ (د. فاضل السامرائى)
هذا ترتيب زمني أولاً ترتيب العِلّة لأن الغرض أسبق من العمل فإذا كان الغرض العبادة فالقرآن هو كتاب العبادة أسبق ووجوداً وواقعاً هو أسبق فقدّم، وهو أفضل أيضاً. إذا كان على الفضل هو أسبق وإذا كان على الزمن هو أسبق وإذا كان على العِلّة والغرض هو أسبق. القرآن ليس بالضرورة أن يراعي الترتيب الزمني وإنما بحسب الضرورة أو حسب السياق، حسب الأسبق أو حسب الأفضل وأحياناً يقدم المتأخر.
ما دلالة الفعل (علّم) بتشديد اللام؟ هناك علِم وعلّم، هنالك من علّم الرحمن برحمته علّم القرآن أراد أن يرحم خلقه فعلّمهم القرآن. عندنا علّم أو أعلَم الفرق بينهما أن أعلم في مرة واحدة أما علّم يحتاج لوقت أطول (علّمته الحساب) للتكثير والمبالغة يقتضي وقتاً أطول وممارسة أكثر أما أعلم فيكون في لحظة واحدة تقول مثلاً أأعلمته مسألة هذا يحدث في لحظة واحدة مثل نبّأ وأنبأ، ما يقتضي ممارسة أكثر وحدث أكثر يستعمل له التضعيف (فعّل).
*ما العلاقة بين علم القرآن وعلم البيان (الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤))؟(د. حسام النعيمى)
الولدان هم الصغار أما الغلمان أي الغلام الشاب الذي أوشك على البلوغ. الوليد منذ أن يولد إلى أن يصل إلى سن البلوغ الغُلمة يسمى ولداً ثم يقال غلام. في الجنة لما يذكر غلمان يقول غلمان لهم أي مختص بهم (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ (٢٤) الطور) أما ولدان فعامّة (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (١٧) الواقعة) لا يقول ولدان لهم لأنهم صغار أما الكبير يكون مثل الأسرة خاص بالبيت. الغلام أقل من الشاب سنّاً أو بداية الشباب إذا طال شاربه.
*ما الفرق بين الآيتين (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩)الإنسان) و(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤)الطور) ؟(د. فاضل السامرائى)
هذا الفرق في الدلالة، يبقى سبب الإختيار لماذا هنا قال خُشّعاً وهنا خاشعة؟ نقرأ الآية في سورة القمر (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)) أولاً قال (شيء نكر) نُكُر أي شديد النكارة غير مألوف ولا معروف صيغة فُعُل من صيغ المبالغة الدالة على شدة النكارة غير المألوفة وغير المعروفة، هذا واحد ثم تقديم الحال (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ) وفي الآية الثانية كلها مؤخرة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)) الحال متأخرة بينما في القمر الحالة المتقدمة لشدة الأمر (خشعاً) حال دالة على الكثرة وشيء نكر ومتقدمة. (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) القلم) مهطعين أي مسرعين مادّي أعناقهم خائفين ولم يذكر في الآية الثانية مثل هذه الأشياء. (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) كلها تدل على الموقف والهول وشدة النكارة فقال (خشعاً أبصارهم) فجاء بالصيغة التي تدل على الكثرة والمبالغة وقدّمها.
إن) هي أقوى ما في النفي وأقوى من ذلك أن تأتي (إن) و (إلاّ) معاً. مسألة الوحي هي المسألة الأساسية التي بين الإيمان والكفر فجاء سبحانه بأقوى حالات الإثبات لأن الوحي كان سبب المسألة الخلافية بين الكفّار والرسول ؟. والإنسان قد ينطق غير صادق عن هوى لكن ليس بالضرورة أن يكون كلامه كله حقاً وصدقاً حتى ولو كان دافعه دافع إخلاص. فبعد أن زكّى سبحانه الدافع (ما ينطق عن الهوى) ثبّته أنه وحي (إن هو إلا وحي يوحى). واستخدام الضمير (هو) يعود على النطق معناه ما نُطقه إلا وحي يوحى.
(علّمه شديد القوى (٥) ذو مِرّة فاستوى(٦)):
فأنا لما أقرأ هذه وأقرأ هذه أحرص على الأفضل فأحاول أن أقدم الخير. لكن الذي سيدخل جهنم هو سيشتوي بمجرد دخولها لا مجال للتمايز، حتى الدركات هم نازلون فيها ليس هناك مجال للتنافس في أخذ الأفضل، لما كان في الجنة مجال منافسة للأفضل كان عندنا ميمنة وسابقون لكن هؤلاء إذا كان سيشتوي سواء كان في الدركة الأولى أو الثانية فهو مشوي مشوي ولا مجال لتشجيعه على التنافس، هم في داخلها ويصطرخون نسأل الله السلامة والعافية.
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) كلمة بعض في اللغة تعني الواحد أو الواحدة إلا إذا تكررت (بضع من ثلاث إلى تسعة) (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (٩٩) الكهف) بعضهم لبعض تكون جماعة لجماعة أما إذا جاءت مفردة فالغالب في لغة العرب، هناك شاهد أو شاهدان استعملها للجماعة للقِسم لكن الراجح في كلام العرب وهذا الذي عليه القرآن الكريم أنه إذا إستعمل بعض تعني واحداً وهنا جاء بمعنى واحد (بعض أزواجه). (فلما نبّأت به) فهي كانت إحدى زوجاته - ﷺ - ورضي الله عنهن جميعاً أسِرّ إليها حديثاً، ما هذا الحديث؟ نحن منهجنا في فهم القرآن أنه ما سكت عنه القرآن نسكت عنه. عندنا أحاديث توضح الصورة لكن هذه الأحاديث متفاوتة الدرجات: حديث يتكلم على شرب العسل وحديث يتكلم على مواقعة ماريا القبطية في بيت حفصة رضي الله عنها. هذا الأمر ليس مهماً ولو كان مهماً لأشار إليه القرآن الكريم لكن هو قال (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) ما قال لنا ما هو فنقول سرّاً أخبر الرسول - ﷺ - به إحدى زوجاته والروايات تقول أنها عائشة رضي الله عنها وعن أبيها. هي لم تحفظ هذا السر يعني ضاق به صدرها فإتجهت إلى أقرب الناس إليها (زوجة ثانية من زوجات الرسول - ﷺ - ) وبدأت تحدثها بسِرّ رسول الله - ﷺ - أن الرسول - ﷺ - قال لي كذا وقال لي كذا ولا شك أنها في بداية الأمر ترددت قبل أن تتحدث فهذا أخذ زمناً، الحديث أخذ زمناً والتردد أخذ زمناً هذا يناسب صيغة فعّل لأن فعّل في اللغة تحتاج إلى وقت أطول من أفعل. نبّأ (فعّل) غير أنبأ (أفعل).
أولاً من الذين كان يسبح سابقاً أهل السماء أو أهل الأرض؟ أهل السماء لأن أهل الأرض لم يكونوا موجودين أصلاً، قبل أن خلق آدم فبدأ بمن هو أسبق تسبيحاً، بمن هو أدوم تسبيحاً (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠) الأنبياء) (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨) فصلت) فبدأ بأهل السماء لأنهم أسبق في التسبيح قبل خلق آدم ولأنهم أدوم تسبيحاً، أدوم في هذه العبادة.
آية (٨):
*ما الفرق بين قوله تعالى (والله بما تعملون خبير) و (خبير بما تعملون)؟(د. فاضل السامرائى)
إذا كان السياق في غير العمل ويتكلم عن الإنسان في غير عمل كالقلب أو السياق في أمور قلبية أو في صفات الله عز وجل يقدم صفة الخبير على العمل، هذا خط عام. إذا كان السياق في عمل الإنسان يقدم العمل (والله بما تعملون خبير) يقدم العمل على الخبرة وإذا كان السياق في أمور قلبية أو عن الله سبحانه وتعالى يقول (خبير بما تعملون). نضرب أمثلة حتى تتضح الصورة:
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (٨) التغابن) ذكر العمل فقدمه لأنه ذكر ما يتعلق بالإنسان وعمله فقدم العمل. في حين قال تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٥٣) النور) النفاق أمر قلبي وليست عملاً فقدم الخبرة.
حتى لما يتكلم عن الرسول - ﷺ - (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٢) الجمعة) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) التوبة) لم يذكر شيئاً آخر الله تعالى يظهر على الدين كله، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٢٨) الفتح) انتهت، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) الصف) أما (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٢) الجمعة) فيها عمل للرسول - ﷺ -. فالبعث هو أشد وفيه حركة أما الإرسال فلا، فالبعث هو الإرسال وزيادة ولهذا قال تعالى (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (٥) الإسراء)) فيه قوة وقسوة وعمل.
وفي السورة آية هي من أجمل الآيات وتصوّر لنا عظمة هذا القرآن (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) آية ٢١ ووجود هذه الآية في موقعها في السورة إثبات لليهود الذين ظنوا أن حصونهم مانعتهم من الله فإذا كان الجبل الصلب العظيم يخشع إذا أنزل عليه القرآن فكيف بالحصون والقلاع؟ ومن أشدّ الجبل العظيم أم القلاع والحصون؟ فلا ناصر ولا معين إلا الله تعالى. وقد ختمت السورة بآيات (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) آية ٢٢، ٢٣، ٢٤. اشتملت على العديد من أسماء الله الحسنى وهي كلها أسماء تدل على العظمة والقوة، فكيف أيها المؤمن لا تنتمي لله الذي هذه بعض من صفاته والذي له الأسماء الحسنى سبحانه؟! ولا ننسى أن السورة ابتدأت ايضاً بتنزيه الله وتمجيده فالكون كله وما فيه من متناقضات وإنسان وحيوان ونبات وجماد كله شاهد على وحدانية الله وقدرته ناطق بعظمته وسلطانه سبحانه (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). آية ١.
***من اللمسات البيانية فى سورة الحشر***
آية (١):
الرابط بين القتال والتسبيح: التنزيه عما لا يليق والقتال لا يليق كما قالت الملائكة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٣٠) البقرة).
د. حسام النعيمى :
القاعدة عامة ثم نعود إلى الآيات حقيقة لتثبيت هذه القاعدة العامة. هو العطف ممكن أن يكرر المعطوف عليه ويمكن أن يحذف يعني مثلاً يمكن أن تقول: يعجبني ما في إذاعتكم وفضائيتكم ويمكن أن تقول: يعجبني ما في إذاعتكم وما في فضائيتكم. لكن لو نظرت الى الجملتين ستجد أنه في الإعادة هناك نوع من التمييز لما يقول الانسان لشخص: ستحاسب على ما قلت وفعلت، لاحظ الجمع هما شيئان لكن ضمهما إلى بعضهما غير لما يقول: ستحاسب على ما قلت وما فعلت، ميّزهما تمييزاً. هذا قول الباري عز وجل :(سبح لله ما في السموات والأرض) جمع الكلمتين ضمّهما إلى بعضهما لكن لما يقول (سبح لله ما في السموات وما في الأرض) فصلها وخصصها.
لكن يبقى السؤال لِمَ جمع هنا وفصّل هاهنا؟ القاعدة هنا وهذه تنطبق حيثما وردت في كتاب الله عندما يقول (وما في الأرض) لا بد أن سيتحدث عمن في الأرض. لمّا يقول (ما في السموات والأرض) لا يتحدث عمن في الأرض. لمّا يذكر التمييز يبدأ يتكلم عليهم لكن لما يكون التسبيح هو مجرد تمجيد لله سبحانه وتعالى فيضم السموات والأرض ممجدة لله سبحانه وتعالى بما فيهما.
لاحظ في سورة الصف (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)) ذكر ما في الأرض (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)) يعني لا تنقطع المسألة حيثما وردت. في الجمعة الكلام على أهل الأرض.
لعدتهن): اللام هنا كأنها لام الزمن، تسمى اللام التي للزمن. لما يقول الكاتب: "انتهيت من كتابة هذا الكتاب لثلاث خلون من رجب" أي لهذا الوقت. فطلقوهن لوقت عدتهن، للوقت الذي يمكن أن يعتدّدن فيه فهي في الحيض لا تعتدّ، فلا يجوز أن تطلق وهي في هذا الحيض. هذه الآية وتبقى الأحكام الفقهية المستنبطة من الآية ومن بعض الأحاديث والواقع هذه شأنها لأهل الفقه ونحن نتكلم على جانب الآية كما هي وفتاوى العلماء تؤخذ من أصحابها من أهل العلم. ولذلك نقول هدم البيت لا يكون بسهولة، يغضب الإنسان ويقول أنت طالق، لا ولكن يجب أن ينظر في حالها، ينظر في وضعها، أنها ليست حائضاً، أنها في طهر لم يمسها فيه، كانت حاضت وانتهى حيضها وهي طاهر فإذا كان قد واقعها فلا يجوز له أن يطلقها حتى تأتي الحيضة وتنتهي وتعود طاهر في طهرها لم يمسها فيه عند ذلك يطلق. لاحظ المدة لأن الإسلام يريد أن يبقى البيت مبنياً ليست مسألة فورية لعل النفوس تهدأ وسنجد في نهاية الآية (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).
(وأحصوا العدة): أي إضبطوا العدد وكان العدد يضبط بالحصى إذا أراد أن يعد شيئاً يعده بالحصى (حصاتين، ثلاث، أربع) وأصل الإحصاء مأخوذ من الحصى كانوا يعدون بالحصى. هذا الذي كان جالساً في المسجد كان يسبح ٣٣ ويحمد٣٣ ويكبر ٣٣ فواضع أمامه حصيات ينقلها من مكان لمكان فأنكر عليه إبن عباس رضي الله عنهما وقال لو أن كل المسلمين أحصوا بالحصى يمتلئ المسجد بالحصى فالتسبيح يكون على السُلامى واستنبط منه بعض العلماء إنكار التسبيح بالمسبحة، هذا اجتهاد إبن عباس قد لا يلزم الآخرين لكن إجراؤه سليم. فإذن أصل الإحصاء من الحصى. أحصوا العدة: أي أتقنوا إحصاء وقتها.
الزوج هو للمواكبة ولذلك تطلق على الرجل والمرأة هي زوجه وهو زوجها (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (٣٥) البقرة) الزوج يأتي من المماثلة سواء كانت النساء وغير النساء (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) الصافات) أي أمثالهم نظراءهم، (وآخر من شكله أزواج) أي ما يماثله. البعل لا يقال للمرأة وإنما يقال لها زوج. (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ (٣١) النور) يُنظر به الشخص ولا ينظر به المماثلة ولذلك هم يقولون أنه لا يقال في القرآن زوجه إلا إذا كانت مماثلة له قال (اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ (١١) التحريم) لم يقل زوج فرعون لأنها ليست مماثلة له، امرأة لوط وامرأة نوح لأنها مخالفة له، هو مسلم وهي كافرة. لم يقل زوج وإنما ذكر الجنس (امرأة). لو قال زوج يكون فيها مماثلة حتى في سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لما المسألة تتعلق بالإنجاب قال (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ (٧١) هود) هذا يراد به الجنس وليس المماثلة، الزوج للماثلة والمرأة للجنس الرجل كرجل والمرأة كامرأة.
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (٦) الأحزاب) فيهن مماثلة لأنهن على طريقه وهنّ جميعاً مؤمنات وأزواجه في الدنيا أزواجه في الآخرة.
آية (٣):
*ما الفرق بين فك رقبة وتحرير رقبة؟(د. فاضل السامرائى)
هذه الآية الأولى في سورة الممتحنة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١) الممتحنة) قلنا في مرة ماضية إن العلامات التي في المصحف هي من إجتهاد اللجان التي تولت طباعته. فقد يجد المسلم إشارة بمنع الوقف. هنا عندنا إشارة عند قوله تعالى (يخرجون الرسول وإياكملا) بعد كلمة (وإياكم) هناك إشارة (لا) يعني تقترح اللجنة أنه لا يستحسن الوقف هاهنا (يخرجون الرسول وإياكم) ثم يأتي قوله تعالى (أن تؤمنوا) لأن معنى الآية هو يخرجون الرسول ويخرجونكم لأنكم تؤمنون بالله ربكم، هذا هو المعنى. لكن إذا أحس القارئ أنه لو وقف هنا يتبيّن له المعنى أكثر (وإياكم) ثم يقول (أن تؤمنوا بالله ربكم ) معناه لأن تؤمنوا بالله ربكم أو يصِلها. نحن عندما نقول: أكرمت زيداً وأكرمت خالداً هذا فيه تكرار والتكرار لا يكون إلا لغرض بلاغي إذا أراده المتكلم أن يخصّ خالداً بإكرام منفرد به فيقول أكرمت زيداً وأكرمت خالداً. لكن عادة العرب أنها تحذف الفعل وتستغني بحرف العطف (أكرمت زيداً وخالداً) يعني وأكرمت خالداً ولذلك يأخذ الحركة الإعرابية. إذا كان خالداً مخاطباً يعني إذا قال أكرمت زيداً وأكرمت : لا يقول له خالداً ويشير إليه وإنما يستعمل الضمير فيقول له أكرمت زيداً وأكرمتكَ.
والجواب: أن من الشغل ما هو محمود فقد يكون شغلاً في حق كما جاء في الحديث: "إن الصلاة لشغلاً" وكما قال تعالى: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) [يس]أما الإلهاء فمما لا خير فيه وهو مذموم على وجه العموم، فاختار ما هو أحق بالنهي.
٢ـ لقد أسند الإلهاء إلى الأموال والأولاد فقال: ( لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم) فقد نهى الأموال عن إلهاء المؤمن، والمراد في الحقيقة نهي المؤمن عن الالتهاء بما ذكر والمعنى لا تلتهوا بالمال والأولاد عن ذكر الله وهذا من باب النهي عن الشيء والمراد غيره، وهو كقوله تعالى: (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم الله الغرور) [لقمان] فقد نهى الحياة الدنيا عن غير المؤمن والمراد نهي المؤمن عن الاغترار بالدنيا
إن المنهي في اللغة: هو الفاعل نحو قولك: (لا يضرب محمود خالداً) فـ (محمود) هو المنهي عن أن يضرب خالداً، ونحو قولك: (لا يسافر إبراهيم اليوم) فإبراهيم منهي عنة السفر. ونحو قوله تعالى: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن) [الحجرات] فالقوم هم المنهيون وكذلك النساء وكما تقول: (لا تضرب خالداً) و (لا تضربي هند) فالفاعل هو المنهي وليس المفعول به. والفاعل في الآية هو الأموال والأولاد أما المخاطبون فمفعول به فالمنهي إذن هي الأموال والأولاد، وهي منهية عن إلهاء المؤمن.
وقد تقول: ولم لم يعبر بالتعبير الطبيعي فيقول: لا تلتهوا بالأموال والأولاد، على أصل المعنى؟
والجواب: أن في هذا العدول عدة فوائد:
منها: أنه نهى الأموال عن التعرض للمؤمن وإلهائه عن ذكر الله فكأنه قال: أيها الأموال لا تهلي المؤمن عن ذكري. فكأن الله يريد حماية المؤمن وذلك بنهي السبب عن أن يتعرض له فكيف عن التعرض.
قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان) وهنا نسأل من هو الإنسان الذي ورد ذكره في الآية؟ في الآية الأولى (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) اختلف في مدلول كلمة الإنسان أهو آدم - عليه السلام - أم ذريته؟ أما في هذه الآية فالمقصود قطعاً هم ذرية آدم لأنه تعالى ذكر أنه خلقه من نطفة أمشاج وهذا لا يكون لآدم الذي خلقه من تراب. المرجّح في الآية الأولى أن المقصود بالإنسان المذكور في الآية هو آدم - عليه السلام - وفي الآية الثانية ذرية آدم - عليه السلام - فذكر الإنسان الأول ومن بعده وهذا يدل على القدرة وعلى الإيجاد والإستمرار ولذلك لم يذكر الضمير في الآية الثانية التي تدل على الإنسان فلم يقل مثلاً إنا خلقناه من نطفة أمشاج باستعمال الضمير بل قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) وهذا يدل على أن المقصود قطعاً ذرية آدم. وهذا كله يرجّح أن الإنسان في الآية الأولى يقصد بها آدم - عليه السلام - والإنسان في الآية الثانية يقصد بها ذرية آدم - عليه السلام -.
(نطفة أمشاج):
المسلم قابله بالقاسط ثم تأتي (فمن أسلم)، قابل المسلم بالقاسط ذكر (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ) ما قال تحروا غيّاً أو ضلالاً وإنما قال (فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
مثال آخر (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)) لم يقل لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، هذا خط تعبيري في السورة وفي مواطن كثيرة في القرآن يقابل الضر بالنفع (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ (٤٩) يونس) (وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٣) الفرقان) هذا هو الموطن الوحيد الذي يقابل الضر بالرَشَد. وقال (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥)) القريب يقابله البعيد وفي آية أخرى قال (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (١٠٩) الأنبياء) هذا خط ظاهر في السورة حتى إذا قرأ أحدهم السورة يلاحظ أن هذا خط ظاهر فيها أنه يقابل الأمر لا بمقابله وإنما بما يتضمنه أو بما يتضمن جزءاً منه.
* بما أن هذا الخط بارز في السورة فماذا عن ارتباط سورة الجن بالسورة التي قبلها؟
قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (١٩) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (٢٠)) وقال في يوم واحد بينما في سورة الحاقة قال (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧)) أيها الأكثر سبع أيام بلياليها أم يوم؟ سبع أيام فجاء بالتأنيث للدلالة على المبالغة والتكثير ثم قال في الحاقة قال (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦)) وفي القمر قال (رِيحًا صَرْصَرًا) لم يقل عاتية فزاد العتو وزاد الأيام في الحاقة فيكون الدمار أكبر فقال خاوية لأن الخاوية أكثر من منقعر لأن كل منقعر هو خاوي والخاوي عام يشمل المنقعر وغير المنقعر فجاء بكلمة خاوية التي هي أعم من منقعر وجاء بالتأنيث للمبالغة والتكثير وصفة الرياح أقل ريح صرصر لذا قال بعدها (فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ).
*تعقيباً على إجابة الدكتور السامرائي :
في الحلقة السابقة عن الآية (أعجاز نخل خاوية) (منقعر) فهل يمكن أن نفهمها على أنه خاوية تعود على الأعجاز وفي حالة منقعر تعود على النخل؟ لا يصح لأننا إذا رجعنا إلى تشكيل خاوية ومنقعر في الحالتين هي مجرورة (خاويةٍ) (منقعرٍ) وهي وصف للنخل وليس للأعجاز ولو كانت تعود على أعجاز لكانت تكون مرفوعة (أعجاز نخل خاويةٌ).
آية (١٣):
* قال تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) الحاقة) لماذا جاء الفعل (نفخ) مذكراً ولم يقل نفخت مع أن الفاعل مؤنث (نفخة)؟(د. فاضل السامرائى)
٢- ومنها أنه ذكر في سورة الطور قوله :(أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين) والاستماع مما تدعيه الكهنة لتابعيهم من الجنِّ، فناسب ذلك ذكر الكهنة فيها.
٣- ومنها أنه ذكر السحر في سورة الطور فقال :(أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ). فناسب ذكر السحر ذكرَ الكهنة.
٤- ومما حسن ذلك أيضاً أنه توسع في القَسَم في أول سورة الطور بخلاف سورة القلم، فقد قال :(والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع* والبحر المسجور).
في حين لم يقسم في سورة القلم إلا بالقلم وما يسطرون. فناسب التوسع في الطور هذه الزيادة.
٥- ذكر في سورة القلم في آخر السورة قول الكفرة، إنه لمجنون ولم يزد على هذا القول، فقال :(وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون) فرد عليهم في أول السورة بنفي الجنون عنه فقال:(ما أنت بنعمة ربك بمجنون). فناسب آخر السورة أولها.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف ناسب التأكيد بالباء الزائدة في النفي (بمجنون) التوكيد باللام في الإثبات (لمجنون) لأن الباء لتوكيد النفي واللام لتوكيد الإثبات. والله أعلم.
آية (١١):
*ما الفرق بين هُمَزة وهمّاز؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الهمزة (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴿١﴾) وقال تعالى في سورة القلم (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ﴿١١﴾)الفروق بين الآيتين في الصيغ فصيغة همّاز هي صيغة مبالغة على وزن فعّال تدل على الحرفة والصنعة والمداولة في الأصل مثل نجّار وحدّاد وخيّاط. وعندما نصف شخصاً ما بـ (كذّاب) فكأنما نقول أن صَنعَتُه الكذب. أما صيغة هُمَزة فهي مبالغة بالتاء وهناك أكثر من نوع للمبالغة بالتاء:
ومن الملاحظ أننا لا نجد جواباً للقسم الذي ابتدأت به السورة، وإنما نجد ما يدل عليه وهو هذه الآية. فجواب القسم محذوف ويقدره النحاة (لتبعثن).
وهذا الحذف يتناسب هو والعجلة التي دلت عليه النفس اللوامة وجوها ـ أعني جو العجلة ـ الذي طبعت به السورة.
ومن الملاحظات الأخرى في هذه الآية، أنها مرتبطة بما ورد في آخر السورة وهو قوله: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) أجمل ارتباط حتى كأنهما آيتان متتابعتان تأخذ إحداهما بحجز الأخرى.
آية (٤):
ثم قال بعدها:
(بلى قادرين على أن نسوى بنانه).
إن هذه الآية تتناسب هي ما ورد في آخر السورة من قوله تعالى: (فخلق فسوى) إلا أن هذه تسوية مخصوصة بالبنان وتلك تسوية عامة. وكل آية موضوعة في مكانها المناسب فآية (نسوى بنانه) مرتبطة بقوله: (نجمع عظامه) فإن البنان عظام، فناسب ذلك بأن يكون بجنب (نجمع عظامه) أما الآية الأخر وهي (فخلق فسوى) فهي مرتبطة بالخلق العام للإنسان، فناسب ذلك الإطلاق والعموم فناسب كل آية موضعها.
وملاحظة أخرى في هذا التعبير، وهي أنه حذف منه عامل الحال، فقال: (بلى قادرين) ولم يذكر عامله، ولم يذكر عامله، ويقدره النحاة بقولهم: (بلى نجمعها قادرين وهذا الحذف يتناسب أيضاً والعجلة التي دلت عليها النفس اللوامة.
آية (٥):
ثم قال بعد ذلك: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه).
ومعنى الآية أن الإنسان يريد المداومة على شهواته ومعاصيه، ويقدم الذنب ويؤخر التوبة.
جاء في (الكشاف) في تفسير قوله تعالى: (ليفجر أمامه) "ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات، وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه. وعن سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ يقدم الذنب ويؤخر التوبة، يقول: سوف أتوب، سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله"http://www. ٥٥a.net/firas/admin_firas_section/control.php؟addnews=١ - _ftn١٠.
هذه في سورة المدثر (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ) هذه فيها رأيان أو تفسيران قسم يقول البلايا التي تصيب أهل النار كثيرة وسقر واحدة منها، هذه التي ذكرها وذكر ما فيها في سورة المدثر (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥)) هذه إحدى الكبر وهنالك من الأشياء الكبيرة جداً. الكُبر جمع كُُبرى فُعلى وهذة ليس فقط إسم تفضيل وإنما هي أعلى درجات التفضيل لأن الكُبرى هي تأنيث الأكبر بالألف واللام بالتعريف، الأكبر أقوى من أكبر، تقول هذا أكبر من هذا وهذا الأكبر لا كبير فوقه. الكُبرى للمؤنث (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) الأعلى) جمع الكُبرى كُبر الفُعلى الفُعل، الصُغرى الصُغر، العظمى العُظم، فالكبرى هي مؤنث الأكبر وهي أعلى درجات التفضيل إذن لما يتكلم عن سقر يقول إحدى الكُبر يعني هنالك من الأمور والبلايا هذه إحداها ليست هذه أكبر الأشياء الموجودة وإنما واحدة منها. وقسم يقول هي دركات النار هي سبعة يذكرها جهنم ولظى وسعير الحطمة وسقر والجحيم والهاوية، سقر إحداها.
ابتداء يعود الأمر إلى خط المصحف سواء وصل أم فصل لكن المُلاحظ الغريب في هذه الآيات كأنما نحس أن للفصل والوصل غرض بياني. لو لاحظنا في آية سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ) فصل وفي الذاريات وصل(إِنَّمَا تُوعَدُونَ) وفي المرسلات وصل(إِنَّمَا تُوعَدُونَ) فلو لاحظنا الآيات نجد أنه تعالى لم يذكر في سورة الأنعام شيء يتعلّق بالآخرة أو متصلاً بها وإنما تكلم بعد الآية موضع السؤال عن الدنيا (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (١٣٦)) ففصل ما يوعدون عن واقع الآخرة. بينما في سورة الذاريات وصل الأمر بأحداث الآخرة (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)) والكلام في السورة جاء عن أحداث الآخرة فوصل (ما توعدون) بأحداث الآخرة فكأنما الفصل لفصل بين ما يوعدون وأحداث الآخرة وكذلك في سورة المرسلات دخل في أحداث الآخرة. فلمّا فصل الأحداث الآخرة عن ما يوعدون فصل (إن ما) ولمّا وصل الأحداث مع ما يوعدون وصل (إنما) وكذلك ما جاء في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) طه) السحرة صنعوا وانتهى الأمر، وكذلك قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (الأنفال) هم غنموا وانتهى الأمر فوصل وتكلم عن شيء فعلوه. فكأنها ظاهرة غريبة وكأن الكاتب الذي كتب المصحف لحظ هذا وما في الفصل والوصل هذا والله أعلم.
نلاحظ الآية الأولى في الطور تبدأ السورة بقسم والقسم توكيد، لما تقسم على شيء فأنت تؤكده فإذن فالجو جو تأكيد (وَالطُّورِ (١) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (٨)) قسم لتذكير بيوم القيامة (إن عذاب ربك لواقع) و(إنّ) تأكيد مشددة واللام (لواقع) مؤكدة، لاحظ المؤكدات فالجو جو توكيد فجاء (ماله من دافع) فجاءت منسجمة مع الجو العام للسورة التي هي تعيش في توكيدات.
أمر آخر أنه تعالى ذكر في سورة الإنسان شيئاً من ابتلاء الأعمال ما لم يذكره في سورة الملك. فذكر في سورة الملك آية في المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿١٢﴾ ) وآية في الكافرين (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿٦﴾) لكن في سورة الإنسان ذكر الإبتلاء في الأعمال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴿٧﴾ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴿٨﴾) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴿٢٤﴾ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴿٢٥﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴿٢٦﴾) وأفاض في ذكر النعيم في الآخرة مما لم يذكره في الملك (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴿٥﴾) فذكر ما يستدعي الإبتلاء وذكر الكافرين (إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴿٢٧﴾) وذكر الظالمين (يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴿٣١﴾ ) والظلم من نتائج الأعمال. إذن السياق والوسائل وما ذكر من الأعمال جعل ذكر الإبتلاء أنسب من كل ناحية من حيث الوسائل وجو السورة والسياق والأعمال هذا من حيث الصيغة.
آية (٣):
*(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (٣) الملك) ما معنى طباقاً وما الفرق بين طباقاً وطبقات؟ وهل الأرض مثل السموات سبع طباق أو طبقات؟(د. حسام النعيمى)


الصفحة التالية
Icon