حينما نقول الحمد (هذا كلام علمائنا في كتبهم) الحمد يقتضي أن يكون الحامد يحمد من هو مستحق للحمد أما المدح فقد يكون الكادح يمدح من هو مستحق ومن هو غير مستحق طمعاً في جائزة أو طمعاً في شيء كما كان يصنع الشعراء فيقولون هذا الشاعر مدح ولا يقولون حمد. فالحمد لمستحق الحمد فإذن بهذا الجانب لا تصلح كلمة المدح هنا لأن الله سبحانه وتعالى مستحق للحمد بذاته وصفاته جلّت قدرته. الممدوح قد يكون يستحق أن يُمدح وقد لا يستحق لكن لغاية في نفس الشاعر يمدح. لا تصلح كلمة المدح لأنها ستحتمل هذين المعنيين لا تصلح هنا. هنا ينبغي أن تكون الحمد. الأمر الثاني : الحمد لله كما لمسه العلماء في اللغة يتضمن نوعاً من الإجلال والتعظيم والمحبة فأنت لا تحمد إلا من تُجلّه وتعظّمه وتحبه أما المدح فليس فيه هذا الشيء. هذا سبب ثان يرجح كلمة الحمد عن المدح. الأمر الآخر أن الحمد إنما يكون بعد النِعمة أما المدح فيمكن أن يكون بعدها ويمكن أن يكون قبلها. فلما نبدأ بكلمة الحمد لله فمعناه أننا علمنا نِعَم الله عز وجل علينا. لذلك نحمده سبحانه ففيه إشارة إلى معرفة النِعم. عندما نقول الحمد لله يعني أننا نعترف يا ربنا بما أنعمت علينا من نِعَم (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) هذا فرق آخر بين الحمد والمدح. المدح لم يرد في القرآن الكريم لا بالمصدر ولا بالمشتقات ليس في القرآن الكريم مدح ولا أي صيغة من صيغ المدح لما في المدح مما ذكرناه إحتمال الصدق والكذب وإحتمال أن يكون كارهاً عندما يمدح قد يكون فيه صدق أحياناً لكن ليس غالباً. هل يكون الحمد باللسان؟ الحمد باللسان وبالجنان لكن لا بد أن تنطق بالحمد ولا بد أن تترجم ما في الجنان على اللسان وهذا لا يختلف فيه العلماء.
الحمد والشكر:
*هل يمكن أن نضع الشكر مكان الحمد؟
في قول الله سبحانه وتعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) أولاً كلمة (من) الموصولة لفظها - يقول العلماء - لفظ مفرد، صوتها (من) مثل صوت كلمة (يد) أو (أخ) أو (أب) مكونة من حرفين. (من) إسم موصول بمعنى الذي، اللتين، اللذين، الذين، اللواتي لأنك تقول هي لفظها لفظ مفرد (من) مثل يد، يد مفرد وأخ مفرد لكن (من) مبني لفظها لفظ مفرد معناها العرب تقول: جاءني من أحترمه وجاءني من أحترمها وجاءني من أحترمهم وجاءني من أحترمهنّ وجاءني من أحترمهما، (من) تؤدي كل هذا عند العرب. فهنا لما يكون اللفظ لفظ مفرد والمعنى للجمع أنت تستطيع أن تراعي جانب اللفظ أو أن تراعي جانب المعنى فيمكن أن تقول: جاءني من أحترمه والقادم عدد من الرجال أو من النساء (من أحترمه) يعني هؤلاء الذين جاءوا. جاءني من أحترمه فأجلست كل واحد منهم في موقعه، لا بد من وجود قرينة سياقية. لكن السؤال الذي يرد أنه إذا نظرت إلى اللفظ ونظرت إلى المعنى فنجد أنه في لغة العرب - والقرآن الكريم إلتزم هذا - إذا نظر إلى اللفظ والمعنى في آن واحد يقدِّم اللفظ على المعنى يعني يستعمل إذا قال (من) (ومن الناس من يقول) مفرد (آمنا بالله) جمع (وما هم بمؤمنين) جمع، أعطى اللفظ حقه وأعطى المعنى حقه. لكن أحياناً أنت تعطي المعنى حقه فقط ولا تريد أن تشير إلى اللفظ ومن حقك ذلك كما قلنا (جاءني من أحترمهم). في قوله تعالى (ومنهم من يستمعون إليك) راعى المعنى مباشرة ما راعى اللفظ والمعنى. لو راعى اللفظ والمعنى يقدِّم اللفظ على مراعاة المعنى. هنا راعى المعنى مباشرة قال (ومنهم من يستمعون إليك) ولو قال في غير القرآن ذلك لصح (منهم من يستمع إليك) من هؤلاء يمكن أن يكون واحد منهم جماعة لكن لما جاء (من) يحتمل الواحد والجمع، هنا قال (ومنهم من يستمعون) ولو قال في غير القرآن ومنهم من يستمع لجاز. (أفأنت تسمع الصم) على الجمع.
ننتقل إلى موضوع آخر إلى قوله تعالى (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴿٤٤﴾ آل عمران) وفي سورة أخرى (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴿٤٩﴾ هود) لماذا مرة نوحيه ومرة نوحيها؟ قصة سيدنا نوح قال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ) ما هي إلا قصة واحدة هذه القصة يا محمد نحن أوحيناها إليك من أنباء الغيب تلك قصة نوح التي قرأتها أوحيناها لكن عند قصة مريم قال (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) نوحيه لماذا؟ لأن قبل قصة آدم وخلق آدم وبعدين قصة قابيل وهابيل وقصة إسماعيل وإدريس وإسحاق عدة قصص كثيرة يعني غيوبات كثيرة فإذا اسم الإشارة كان يشير إلى قصص سابقة كثيرة قال (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) قصص كثيرة إذا كان لا واحدة قال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ) والله أعلم.
آية (٥١):
*انظر آية (٢٩). ؟؟؟
آية (٥٦):
* (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (٦) هود) (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٥٦) هود) ما دلالة الإستشهاد بالدابة وليس بالإنسان مثلاً؟ (د. فاضل السامرائى)
الدابة كل ما يدبّ على الأرض من إنسان أو غيره يسمى دابة، الإنسان دابة والدواب الأخرى دابّة كل ما يدب على الأرض يسمى دابة هذه عامة. كل ما يدبّ على الأرض من إنسان أو غيره يسمى دابة.
* ما معنى قوله تعالى (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) هود)؟(د. حسام النعيمى)
كما في قوله تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ (٢٦١) البقرة) و(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ (٤٣) يوسف) رأى الملك رؤيا سبع سنبلات وحدها في الصحراء في حديقة وحدها يعني هي واحدة اثنتان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة في حديقة في صحراء رآها وحدها، أما في قوله تعالى (سنابل) سبع سنابل في حقل من السنبل، سبع سنابل محددة معينة لها ميزة في حقل كبير من السنبل وهي ليست منفردة أو منقطعة وهذا الفرق بين واحد لا يعمل عملاً صالحاً إطلاقاً في حياته كلها عمل سبع عملات هذا سبع سنبلات وواحد من الصالحين يصوم ويصلي وهو ملتزم لذلك حسناته لا حصر لها لكن فيها سبعة في غاية الروعة والرسول - ﷺ - يقول :" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" معناها هؤلاء جزء من كل. حينئذ هذا الكتاب العزيز فيه عجائب وفيه إعجاز لا يمكن لك أن تتصورها إلا أن نبدأ بها واحدة واحدة كما انتيهنا من الكلمة وأخواتها وبدأنا في هذا البرنامج " وأُخر متشابهات" والله سبحانه وتعالى إذا مدّ في أعمارنا يكون لنا شأناً آخر.
آية (٤٥):
* ما دلالة استعمال كلمة (مدّكر) و(ادكر) ولم يستعمل متذكر مثلاً من الذِكر كما يُفهم من المعنى؟(د. فاضل السامرائى)
خطر ببالي خاطر قلت إذاً لماذا اليهود ادّعوا أن أرضهم الموعودة من الفرات إلى النيل وهؤلاء في كتبهم المقدسة أن الفرات من أنهار الجنة أما كيف ينبع من الجنة هذه قضية لو تأملت فيها تبدو صعبة هذه كل الكرة الأرضية لا توازي أنملة في عالم الجنة حينئذٍ ليس من الصعب ورب العالمين أنزل الكثير أنزل الحجر الأسود وأنزل العلوم وأنزل رسل وأنزل رسالات وأنزل خيرات وأنزل ملائكة إلى هذه الأرض هذه قضية تأمل فيها تراها سهلة عند الله عز وجل حينئذٍ كون اليهود يدعون أن بلادهم من الفرات إلى النيل هذا يعني أنهم يريدون أن يقولوا إننا نحن أي اليهود أو اليهودية مصدر كل الحضارات والأفكار الصحيحة وكل ما عداها باطل والجنة مخصوصة بنا والجنة يوم القيامة لنا وحدنا وأن كل الناس في النار الخ هذا معروف عنهم. في حين أن الله عز وجل يقول أنه أحيا بهذين الواديين الكرة الأرضية كلها، كل الكرة الأرضية التي كانت ميتة من أي قيمة من القيم أو دين من الأديان أو حضارة من الحضارات كلها تغرف من هذين الواديين كل حضاراتها وأديانها وفلسفاتها وقيمها وعدلها وسلامها والتاريخ كله شاهدٌ على ذلك. كل الأنبياء حركتهم ما بين وادي الرافدين وما بين وادي النيل، بداية الخلق ابتداءً من العراق وهي بابل فهذه المنطقة المأهولة كلها، جميع المنطقة المأهولة أول ما خلق الله الأرض هذه المنطقة نينوى إلى الكوفة وإلى أربيل هذا مثلث عراقي معروف هناك هبط سيدنا آدم وهناك نوح وطوفان نوح والشلالات والتنور وكل ما جاء في كتاب الله عز وجل تلك هي الحركة ثم يتحرك الرسل من هناك إلى هذا الطريق إلى مكة إلى الشام إلى فلسطين إلى النيل. إذاً هذان الرافدين أو النهرين (وادي النيل ووادي الفرات) هما أساس الحياة في هذه الكرة الأرضية كلها قرون طويلة وآلاف السنين وليس في الأرض حضارة ولا علمٌ ولا دينٌ ولا رسلٌ ولا أنبياء إلا بعد أن فعل الله ذلك كله في هذين الواديين حصراً.
القسط يكون أولاً في الوزن وغيره وله معنيان العدل والحِصّة والنصيب ولذلك كلمة القسط تستعمل في القرآن في الوزن وفي غيره (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (٤٢) المائدة) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (١٣٥) النساء) لكن هنا استعمال القسط أنسب في هذا الموضع. أولاً لم يستعمل العدل مع الميزان مطلقاً في القرآن كله لم يستعمل إلا القسط لأن القسط هو الحصة والنصيب والغرض من الميزان أن يأخذ الإنسان نصيبه ولذلك لم ترد في القرآن كلمة العدل مع الوزن (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (١٥٢) الأنعام) (ونضع الموازين القسط) (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩) الرحمن) ومن أسماء الميزان القسطاس (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (٣٥) الإسراء) باعتبار يأخذ حقه. القسط عامة لكن مع الميزان لم تستعمل إلا كلمة القسط لأن من معاني القسط الحصة والنصيب والغرض من الميزان الحصة والنصيب. وللعلم كلمة يقوم لم ترد في القرآن مع العدل (قوامين بالقسط) فقط (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (٢٥) الحديد) (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ (١٢٧) النساء) (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ (١٨) آل عمران ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (١٣٥) النساء) (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩) الرحمن) (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (٨٥) هود). إذن هنالك أمران: الأول أنه ذكر الوزن ولم يستعمل القرآن مع الوزن إلا القسط وقال ليقوم ولم يستعمل مع يقوم في الوزن وغير الوزن إلا القسط.
وحسن الإعتذار والأدب إذا أخلّ التلميذ بشيء فعليه أن يعتذر (وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣)). ثم القصة تدل على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب وإلا فلماذا خفيت على موسى - عليه السلام - مما كان يتعجب؟ هناك أموراً علمها الله تعالى بعض الناس. ثم لا ينبغي للمعلم أن يهجر تلميذه ويتركه لأنه عصاه مرة واحدة وإنما يضع له فرصة أخرى لتدارك الأمر والالتزام بالتوجيه. هذا الالتزام كان فيه حدة بعض الشيء وتدرّج بعدما نبهه أولاً. ثم كل أفعاله سبحانه إنما هي لحكمة وهي لصالح المؤمن على العموم. ثم فيها توجيه للأبوين أن لا يجزعا إن أصابهم أو أصاب أولادهم بالسوء حتى الموت أو نحو ذلك لعل في ذلك خيراً خفياً لهم لأنه عندما قتل الغلام كان لمصلحة الأبوين (فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠)) قتل الغلام من قِبَل الرجل الصالح كان فيه رحمة للأبوين. يجب أن نفهم الأمر من وجهة نظر حكمة إلهية عامة فعليه أن يصبر ويقول لعل في ذلك حكمة أو لعل في ذلك أمر. ثم هنالك فعل الخير حتى مع من لم يحسن إليك ما استطعت (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ (٧٧)) إذن قد يأتي الإنسان إلى مكان فلا يحصل ما كان يتوقعه ويرجوه من الإعانة (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا (٧٧)). ثم يحسن تبين ما خفي على المتعلِّم ثم أن يتأدب في التعبير فينسب السوء إلى نفسه الفضل إلى الله (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، فَأَرَدْنَا، فَأَرَادَ رَبُّكَ). ثم النسيان يرفع المؤاخذة (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ (٧٣)).
الصورة كانت الكل يجثو على ركبتيه حتى المؤمن يكون في حدود النار حول جهنم الكل يراها لكن من الذي سيصلاها؟ الله أعلم يقول تعالى (ثم لنحن أعلم) بهذه اللام المؤكدة. فالذين سيصلون النار هم المنكرون للآخرة والبعث أما المؤمنون فسوف يكونون جاثون على ركبهم لكن كم سيستغرق هذا وهم يرون النار قد يدخلون فيها؟
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١): أنت تقول عليّ كذا يعني أنا ملتزم به قضاء لازماً لا يرد الكل يرد جهنم أي يصل إليها حتى يراها فالله سبحانه وتعالى ألزم نفسه بذلك. و(كان) هنا للتقرير والإثبات والله أعلم.
آية (٦٩):
*(ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩) مريم) ما هو إعراب (أشد)؟(د. فاضل السامرائى)
الوجه المشهور عن (أيُّهم) أنها إسم موصول مبني على الضم: أيٌ كما وأعرِبَت ما لم تُضَف وصدرُ وَصلِها ضميرٌ انحَذف
على هذا تصير (أيهم) مفعول به لفعل (لننزعن) مبني على الضم وهو مضاف إليه، وأشد خبر لمبتدأ محذوف هو صدر الصلة يعني أيهم هو أشد لو ذكر صدر الصلة لأعربت ولكان لقال أيَهم أشد، لكن لما حذف صدر الصلة بُنيت فقال أيُهم. فإذن أشهر إعراب هذا (أي) مفعول به لفعل (لننزعن) مبني على الضم، (هم) مضاف إليه، (أشد) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو صدر الصلة هذا، وهنالك من يجيز أن تكون (أيّ) استفهام. هذه هنا انطبقت عليها القاعدة هنا أضيفت وحذف صدر صورتها وهو الهاء فيبنى على الضم. إذا كان إسم موصول فهي مبنية على الضم وإذا إسم استفهام فهي مرفوعة.
آية (٧١-٧٢):
*انظر آية (٦٨). ؟؟؟
الضلال هو نقيض الهداية (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى (١٦) البقرة) لكن الفرق بين الفسق والضلال أن الضلال قد يكون عن غير قصد وعن غير علم. الضلال هو عدم تبيّن الأمر تقول ضلّ الطريق قال تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤) الكهف) هذا من دون معرفة ضلّ ولا يعلم، ضل عن غير قصد. وقد يُضلّ بغير علم (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ (١١٩) الأنعام) أما الفسق فهو بعد العلم تحديداً وحتى يكون فاسقاً ينبغي أن يكون مبلَّغاً حتى يكون فسق عن أمر ربه. إذن هنا زيادة أنهم مبلّغون ثم خرجوا فإذن هم فاسقون لو قال ضالون قد يعطيهم بعض العذر أنهم عن غير قصد لكنهم فاسقون بعد المعرفة وبعد التبليغ فسقوا. في قوله (ولا الضالين) ولا الضالين عامة لأن الضلال عام واليهود والنصارى منهم وليس حصراً عليهم. (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) النجم) نفى عنه الضلال بعلم أو بغير علم أما الفسق فلا يكون إلا بعد علم، ينبغي أن يعلم أولاً حتى يقال عنه فاسق (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) هذا بعد التبليغ (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) تنكّبوا الصراط بعد المعرفة. أصل الفسق هو الخروج عن الطريق يقال فسقت الرطبة أي خرجت من قشرتها.
آية (١٧):
*ما دلالة المثل في قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) البقرة) لماذا ذهب بنورهم وليس بنارهم؟ وما الفرق بين ذهب به وأذهب؟(د. حسام النعيمى)
الذي يوضح قراءة الآيات. في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)) ننظر ماذا قال في طه الخطاب لآدم (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣)) (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)) في البقرة (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا) أما في طه (فَأَكَلَا مِنْهَا) في طه الكلام موجه لآدم وفي البقرة موجه لآدم وحواء إذن اهبطوا في البقرة أي آدم وحواء وإبليس، في طه آدم وإبليس وحواء تابعة.
* في سورة لقمان قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ) في آية الحج قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)) بضمير الفصل (هو) فلماذا هذا الفرق؟
*د. فاضل السامرائى :
في سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩)) قد يقول قائل هم يتكلم ما أدركه الموت، كلا. الكافر يقول رب ارجعون بعد قبض روحه، الرجوع إلى الدنيا يريد أن يرجع إلى الدنيا بعد أن يخرج من الدنيا فإذن هنا معناه (جاء أحدهم الموت) أي اقترب منه وتاله وفارقته الروح. عند ذلك لما يرى ما يرى من هول الحساب يبدأ يقول رب ارجعون. طلب الرجوع إنما يكون لمن فارق الحياة وليس لمن هو في هذه الدنيا. موضعان في القرآن ورد فيهما (جاء) فيهما معنى المفارقة، مفارقة الروح. وفي سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (٦١)) مجيء الموت هنا معناه وصول عمر الحيّ إلى نهايته فكأن الموت يخبر بهذه النهاية وتقدير الكلام: إذا جاء قضاء الموت على الحيّ توفت روحه الملائكة أي أخذتها وافية غير منقوصة.
*ما الفرق بين هذه الكلمات؟ (د. فاضل السامرائى)
سِخرياً وسُخرياً: سخرياً بكسر السين هي من الإستهزاء والسخرية أما سُخرياً بضم السين فهي من باب الإستغلال والتسخير.
آية (١٠٩):
*قال تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) الأعراف) و(فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (١٥٥) الأعراف)و(إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) المؤمنون) ما الفرق بين الخواتيم؟ (د. فاضل السامرائى)
في المائدة طاعتين مستقلة طاعة خاصة لله وطاعة خاصة للرسول ﷺ و فيها كلمة زيادة ما جاءت إلا هنا هي واحذروا هذا الأمر المهم إلا في هذا المكان في سورة المائدة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أضاف كلمة واحذروا، قلنا الأولى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما يبلغ به عن القرآن الكريم مجرد تبليغ هذا واحد (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) بإضافات النبي ﷺ شرحاً وبياناً وإجمالاً وما إلى ذلك، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) لا هنا طاعة خاصة بالنبي ﷺ فيما شرعه عليه من سنن يعني النبي ﷺ كما تعرفون له صلاحيات التحليل والتحريم وحرام محمد وحلال محمد حرام وحلال إلى يوم القيامة وحينئذٍ كما أن الله أمر النبي أن يبلغكم بكلامه حرفياً ثم سمح له أن يشرح بعض أو يبين بعض معضلاته ثم في هذه الآية الثالثة النبي ﷺ له تصريف تصريف في الكتاب من حيث معناه وأسباب نزوله ومناحيه وبياناته وهذا علم أصول التفسير مليء في هذا الباب هذه (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) قال (واحذروا) لأن هذه قمة الجهد المبيَّن والمبيِّن في هذه الفقرة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وحده أطيعوا الله فيما أمركم به من كتابه وأطيعوا الرسول باعتباره مشرعاً مشرعاً للسُنّة نحن من أين أتى علمنا؟ كتاب وسنة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧) الحشر) هنا أضاف (واحذروا) هناك (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) نفس المعنى أيضاً فيها سنة هناك لكن هنا أضاف (واحذروا) لماذا أضافها؟ هنا القرآن الكريم بكلمة احذروا يلفت أنظارنا إلى أهمية الانتباه إلى منظومة الشهوات التي ينزلق إليها الإنسان متى ما غفل عن ذكر الله.
هذا خاص بموسى - عليه السلام - ثم إن المكان بعيد والله تعالى عندما يخاطب رسوله لا يسمعه الآخرون، الخطاب يكون للرسول على وجه التعيين ثم قلنا هذا الخطاب لا نستطيع أن نقول هو صوت من أصوات الناس. كيف نودي؟ الله أعلم. هذا أمر خاصٌ بالله سبحانه وتعالى. ناداه الله عز وجل بكلامه الذي هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى، ميف هو؟ الخوض فيه لا يؤدي إلى نتيجة، نؤمن به (يؤمنون بالغيب) كلام الله عز وجل غيب. تكلّم الله تعالى وخاطب موسى وسمع موسى لكن كيف تكلّم وكيف سمع موسى هذا لا يستطيع أحد أن يصل فيه إلى نتيجة لذلك نقول هذا غيب نؤمن به كما ورد في كتاب ربنا سبحانه وتعالى لكن أن نقول ما تكلم الله عز وجلّ، تكلّمت شجرة، تكلمت حجرة هذا لا يجوز وإنما تكلم الله سبحانه وتعالى وسمع موسى ووعى ما يقال له ولذلك نفّذ لما قال (ألق عصاك) ألقاها.
قال (إنه أنا العزيز الحكيم) وهناك قال (أني أنا الله رب العالمين) يمكن قيل له أنني أنا الله رب العالمين العزيز الحكيم القادر المتصرّف، يمكن قال له كل هذا الكلام لكن هنا إختار هذا الكلام وهنا إختار هذا الكلام لأن العزة والحكمة تتناسب مع القوة التي هي في سورة النمل. ورب العالمين عامة ذُكِرت هناك أيضاً فخصّص النمل بكلمة العزيز الحكيم لما فيها من قوة.
(إنه أنا الله رب العالمين) لما يعرّف بمن هذا الذي يكلمه إستعمل ضمير الشأن (إنه) للتفخيم والتعظيم، إنّ الشأن، إنّ الأمر، إن هذا الذي يخاطبك يسمى ضمير الشأن أو ضمير القصة يعني أن الشأن والقصة والموضوع الذي أنت معرّض له (أنا الله العزيز الحكيم) بالعزة والحكمة. في القصص لأن فيها تفصيل شرح لنا النداء من أي جهة كان أما في النمل لم يشرح. في القصص قال (نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) من جهة الشجرة (أن يا موسى) تفصيل. هناك أن التفسيرية أو التفصيلية.
وقوله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) الأنعام) وقوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) يوسف) أتاهم نصرنا في الأنعام وجاءهم نصرنا في يوسف، نضعها في مكانها (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) يوسف) و (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) الأنعام) نلاحظ استيأس الرسل فصبروا على ما كذبوا، أيها الأكثر استيأس الرسل أو صبروا على ما كذبوا؟ استيأس الرسل وصلوا لمرحلة الاستيئاس. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) يوسف) وقال في الأنعام (حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا). أي الموقفين أشد؟ موقف الإستيئاس.
*ما دلالة تقديم وتأخير كلمة (تخفوا) في آية سورة البقرة وسورة آل عمران؟
د. فاضل السامرائى :
قال تعالى في سورة البقرة (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿ ٢٨٤ ﴾ ) وقال في آل عمران (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿ ٢٩ ﴾ ). المحاسبة في سورة البقرة هي على ما يُبدي الإنسان وليس ما يُخفي ففي سياق المحاسبة قدّم الإبداء أما في سورة آل عمران فالآية في سياق العلم لذا قدّم الإخفاء لأنه سبحانه يعلم السر وأخفى.
د. أحمد الكبيسى :
آية لقمان فيمن هو في الدنيا (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)) هذه كلها في الدنيا، آية الروم في الآخرة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)) يومئذ يصدعون ومن كفر بعد هذا اليوم أي يوم القيامة ليس هنالك عمل انتهى، ذهب وسيأتي ما قدّم عاقبة من كفر ومن عمل. أما في آية لقمان في الدنيا قال (وَمَن يَشْكُرْ) هو يمكن أن يشكر طالما هو في الدنيا. لكن آية الروم وقعت بعد قوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)) انتهى هذا ليس هنالك عمل، انقطع العمل. في الروم يتحدث باعتبار ما كان وما مضى أما في لقمان فيتحدث في الدنيا ولهذا جاءت (يشكر) في لقمان بالمضارع. الكفر ينبغي أن يُقطع وليس مظنّة التكرار والكفر ليس كالشكر لأن الشكر يتكرر.
الآيات لا تقول لنا مم برّأه ولا ما الذي قالوه لكنها تدعوا المسلمين أن لا يكونوا كهؤلاء الذين آذوا نبيّهم. أي يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا محمداً - ﷺ - بشيء، أي نوع من الإيذاء، وذكّرهم أن موسى - عليه السلام - آذاه قومه فبرّأه الله من هذا الأذى فهو نهي عن إيذاء محمد - ﷺ -. لم يحدثنا ما هو. عندنا روايات في الكتب: يمكن أنهم قالوا له "اذهب أنت وربك فقاتلا"، أو عندما عبروا وقالوا "اجعل لنا إلهاً: وهذا أشد إيذاءً. هم مشوا على أرض وكانت الأرض مغطاة بماء بأمر الله سبحانه وتعالى وبمجرد أن خرجتم يا بني إسرائيل رأيتم أناساً يعكفون على أصنام لهم أردتم صنماً تعبدونه؟!، هذا أذى. هناك روايات أخرى بعضها يذكر أربع صور من الأذى مختلفة قيل كذا وقيل كذا، أشاعوا عنه شيئاً يتعلق ببدنه وهذا كلام لا ينفعنا لكن المهم أن المؤمنين منادون بأحب الأسماء إليهم (يا أيها الذين آمنوا) أن لا يرتكبوا ما يؤذي رسول الله - ﷺ - فالمسلم يتفكر إلى قيام الساعة أنه هل كلامي هذا أو فعلي هذا يؤذي رسول الله - ﷺ - ؟ لأن الرسول - ﷺ - يقول: إني مباهٍ بكم الأمم، مفاخرٌ بكم الأمم، هل هذا العمل يؤدي إلى إيذائه - ﷺ - ؟ إن كان يؤدي إلى ذلك يفترض أن لا أفعله.
وقوله (فكذبوهما) يدل على أنهما أنذرا أصحاب القرية وبلغاهم دعوة ربهم إلا أنهم كذبوهما وهذه الفاء تسمى فاء الفصيحة وهي التي أفصحت عن المحذوف وهو التبليغ لأن التكذيب لا يكون إلا مع التبليغ فحذف ما هو مفهوم من الكلام وما لا داعي له لأن العناية ههنا بموقف أهلها منهما. وهو الموقف المشابه لموقف أهل مكة. جاء في روح المعاني " وقيل (أرسلنا إليهم) دون (ارسلنا إليها) ليطابق (إذ جاءها) لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضاً التعقيب بقوله تعالى (فكذبوهما) عليه أظهر، وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت)".
*في سورة الزمر (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (٧٠)) العمل جاء بصيغة الفعل الماضي وجاء فعل يفعلون بصيغة المضارع وهو يفيد الاستمرار والمستقبل فما الفرق بين العمل والفعل؟ ولماذا جاء العمل بصيغة الماضي بينما الفعل بصيغة المضارع؟(د. فاضل السامرائى)
الفعل والعمل سبق أن جاءت مناسبات وتعرضنا وقلنا العمل الأصل فيه أن يكون بقصد والفعل عام يصدر بقصد أو بغير قصد يصدر عن العاقل وغير العاقل عن الجماد والحيوان والإنسان، الفعل عام فعل الرياح، فعل الأنهار. العمل الأصل فيه أن يكون عن قصد فأكثر ما يكون للإنسان وقلما ينسب إلى حيوان، عموم العمل. إذن الفعل أعم والعمل أخص. (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (٧٠)) هذا حساب، هو ختم الآية بالفعل ليدل على أنه سبحانه يعلم الفعل والعمل يعني يعلم ما فُعِل بقصد وما فُعل بغير قصد وعلمه ليس مختصاً بالعمل وإنما علمه يشمل العمل ويشمل الفعل ما فُعِل بقصد وما فُعِل بغير قصد يعلمهما جيمعاً. الفعل بقصد و بغير قصد والعمل بقصد والتوفية الحساب يكون عليه فلو قال (أعلم بما يعملون) سيكون العلم فقط يشمل الذي بقصد لكن لما قال (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) يعني ما فُعل بقصد أو بغير قصد يعلمهما معاً يعلم دواعي النفس هل هذا فُعِل بقصد أو فُعِل بغير قصد ولهذا قال (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) فجمع العلم ما وُفّي بعمله وما عُمل بغير قصد هذا صار أشمل يشمل العمل وغير العمل.
أعتد فيها حضور وقرب والعتيد هو الحاضر (هذا ما لدي عتيد) أي حاضر وقوله (وأعتدت لهن متكئاً بمعنى حضّرت أما الإعداد فهو التهيئة وليس بالضرورة الحضور كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم) بمعنى هيّأوا وليس حضروا وقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة) أما في سورة النساء فقال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴿١٨﴾) لأنهم ماتوا فأصبح الحال حاضراً وليس مهيأ فقط، وكذلك ما ورد في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً ﴿٣٧﴾) قوم نوح أُغرقوا وماتوا أصلاً فجاءت أعتدنا. أما في سورة النساء (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴿٩٣﴾) هؤلاء لا يزالون أحياء وليسوا أمواتاً فجاءت أعد بمعنى هيّأ. ومما سبق نقول أنه في آية سورة الإنسان بما أن جزاء أهل الجنة بالحضور بصيغة الوقوع لا بصيغة المستقبل كذلك يقتضي أن يكون عقاب الكافرين حاضراً كما أن جزاء المؤمنين حاضر فقال تعالى في أهل الجنة (يشربون من كأس، ولقّاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا) وجاء عقاب الكافرين حاضراً بصيغة الوقوع فقال تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا).
آية (١٩):
* ما الفرق بين كلمة الكَره بفتح الكاف والكُره بضمها؟(د. فاضل السامرائى)
سؤال: ماذا يسمى هذا الأسلوب؟ هل هو أسلوب تقرير (له ما في السموات ما في الأرض) (له) بمعنى الملكية على القطع؟ يعني يقرر في أول السورة ونفس الشيء في آخرها فهل لهذا التكرار والتأكيد على أنه العلي العظيم وأنه له ما في السموات وما في الأرض دلالة بيانية؟
هو يوضح (ألا إلى الله تصير الأمور) والحقيقة أنه من صفات العليّ العظيم أنه تصير إليه الأمور فهو توضيح للمسألأة ذكراً لنا أمراً آخر يبين لنا صفات العلي العظيم أنه إليه تصير الأمور لا إلى غيره، هو العلي العظيم تحديداً، يعني لكونه العليّ العظيم باعتبار الحصر المبتدأ معرّف والخبر معرّف، هو العليّ العظيم ليس غيره وليس عليّ عظيم. المبتدأ معرّف والخبر معرّف يكون للحصر، هو العلي العظيم. (ألا إلى الله تصير الأمور) أيضاً حصر لأنه قدّم الجار والمجرور على عامله أصلها تصير الأمور إلى الله، وحصراً: ألا إلى الله تصير الأمور جاء بـ ألا الاستفتاحية وقدّم (إلى الله) الجار والمجرور، فهذا حصراً يعني كما حصر العلو والعظمة عليه سبحانه في الأول حصر المصير إليه في الآخر.
سؤال: في خارج القرآن لو قلنا تصير الأمور إلى الله فما الفرق بينهما؟
الفرق بين إلى الله تصير والأمور وتصير الأمور إلى الله أن الثانية ليس فيها حصر وإنما إخبار. لله المثل الأعلى نقول: تأتي إليك هذه الأمور وقد تمر على غيرك، أنت في الطريق لكن إليك فهي حصراً. هو العلي العظيم حصراً.
فأغرينا) للنصارى و(ألقينا) لليهود. وهذا التاريخ يشهد فأنت لا تجد بين اليهود من الحروب ما وقع بين النصارى. فالحرب العالمية الأولى والثانية كانتا بين النصارى والآن ما يجري في إقليم الباسك وإيرلندا الشمالية وغيرها خلافاتهم إعتقادية فهناك الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذوكس والأرمن وكلٌ له إعتقاده في ذات المسيح عليه السلام. خلافهم في ذات المسيح عليه السلام. الإنجليكان الكنيسة البريطانية تؤمن بأن المسيح عليه السلام رجل من الناس لكنهم يخالفوننا أنهم يعتقدون أنه جاء من زواج شرعي بين مريم وأحد رجال يهود بني إسرائيل وولد المسيح عليه السلام. الحروب والخلافات بين المسيحيين أشد وأدهى مما هو بين اليهود لأن جرمهم صار أعظم أنهم أخذوا تحريفين. تبنّي التوراة في الوقت الذي نجد في الإنجيل أموراً فيها نسخ للتوراة (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) هذه شرعتكم غير شرعة اليهود لكن وُضع فيها من الكلام ما يقول: ما جئت لأنقض الناموس، جئت لأتمم الناموس يعني التوراة. بينما فيه قيل لكم كذا وكذا وأنا أقول لكم يذكر كلاماً مخالفاً لما في التوراة. معناه هناك نسخ.
أولاً الجو التعبيري لسورة مريم تفيض بالرحمة من أولها لآخرها تبدأ بالرحمة (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) وفي آخرها (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)) من أولها إلى آخرها هي في الرحمة أصلاً تكرر فيه لفظ الرحمن ١٦ مرة أكثر سورة في القرآن تردد فيها هذا الإسم وفي البقرة كلها تردد مرة واحدة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)). أولاً نعلم أن جو لسورة لا تدانيها أية سورة في إشاعة جو الرحمن إذن اختيار الرحمن مناسب لجو السورة. تقول (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥)) قال (مس) والمس خفيف هذا ناسب الرحمة بينما نلاحظ في سورة الأنعام قال (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧)) قال أتاكم وليس المسّ، وقال عذاب الله. أولاً أتاكم ثم عذاب اللهه بالإضافة بينما في سورة مريم (عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) (من هنا للإبتداء) عذاب نكرة يعني شيء من العذاب من الرحمن، أما تلك قال عذاب الله. إذن عذاب الله أقوى في التعبير من عذاب من الرحمن، فناسب ذاك المس عذاب من الرحمن. ثم قال (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) كلها فيها قوة وشدة فقال (عذاب الله) بينما في مريم قال (أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) هذا إضافة أنه لم يرد لفظ الرحمن في الأنعام. ثم من ناحية الرحمة لا تنافي العقوبة إذا أساء أحدهم فعاقبته قد يكون من الرحمة. الرحمة لا يعني أنه لا يعاقب عندما يقول الرحمن ليس معناه أنه لا يعاقب، الرحمن إذا أساء أحد لا بد أن يعاقبه.
هذا يستدعي أن ننظر في الفرق بين أنزل ونزل وبين إليك وعليك. أنزل ونزّل قسم غير قليل يفرق بينهما أنه نزّل تفيد التدرج والتكرار وأنزل عامة ويستدلون بقوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (٣) آل عمران) وقالوا لأن القرآن نزل منجماً مفرقاً والتوراة والانجيل أنزلتا جملة واحدة فقال أنزل. ردوا التدرج بقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (٣٢) الفرقان)لأن أنزل عامة سواء كان متدرجاً أو غير متدرجاً، كلمة أنزل لا تختص بالتدرج ولا بدون تدرج. السؤال يقولون الإنزال عام لا يخص التدرج أو غير التدرج لكن التنزيل هو الذي يخص التدرج، نزّل الذي فيه التدرج (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) القدر) أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة، هناك مراحل لنزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل منجماً. ردوا التدرج في نزّل التدرج في نزّل وقالوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (٣٢) الفرقان) هذا ليس فيه تدريج (لولا هنا من حروف التحضيض). لكن الذي يبدو أن الفرق بين نزّل وأنزل أنه نزّل تفيد الاهتمام نظير وصى وأوصى وكرّم وأكرم ففي المواطن التي فيها توكيد واهتمام بالسياق يأتي بـ (نزّل) والتي دونها يأتي بـ (أنزل).
وقد سبق أن تكلمنا عن الفصل والوصل في (لكيلا) و (لكي لا) في إجابتنا عن سؤال سابق.
(ما) الموصولة هنا تختلف عن (إنما المؤمنون إخوة) التي هي ما الكافة والمكفوفة التي توصل مع (إن).
آية (٥٠):
* ما اللمسة البيانية في عدم ذكرجواب الشرط فى قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ..(٥٠)؟(د. فاضل السامرائى)
قد يُحذف للتعظيم وهذا ورد كثيراً في القرآن كما حذف جواب القسم في أوائل سورة ق (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (١)). جواب الشرط يُحذف في القرآن كثيراُ كما في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) سبأ) وقوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) الانشقاق) (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠) الأنفال) وذلك حتى يذهب الذهن كل مذهب وهذا أمر عظيم فهناك من يستدعي العقوبات.
آية (٥١):
* ما الفرق بين بما قدمت أيديكم وبما كسبت أيديكم ؟(د. فاضل السامرائى)
ما دخل (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم) بالنهي (ولا تصل ولا تقم)؟ هي أيضاً نهي عن الإعجاب، لا يحق لك أن تستعظم أمرهم لأنه إذا استعظم أمرهم قد يلين ويحاول أن يقرّبهم قد أحتاج إليهم. المال أحتاجه في الجهاد والنفوس أحتاجها في الجهاد والأموال أحتاجها في الإنفاق والأولاد أحتاج إليهم في الأعمال فنُهيَ عن ذلك. وكما قلنا الكلام لما يكون مع الرسول - ﷺ - تشمل به أمته إلا إذا دلّ صارفٌ عن هذا. إذن هذه مسألة الواو والفاء أولاً، وهذه التفصيلات:
هناك قال (إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ) بينما هنا قال (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) الآيات الأولى كان فيها تفصيل (وبرسوله) أما الثانية فليس فيها تفصيل وإنما فيها نوع من الجمع (ورسوله).
أموالهم ولا أولادهم، أموالهم وأولادهم:
(فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ) قلنا الآيات الأولى فيها تفصيل فكما فصل في قوله (كفروا بالله وبرسوله) قد يحمل هذا على التفصيل. لكن لأن الكلام في الآية الأولى على الأموال كأنه من أسرار الفصل الإهتمام والعناية بالأموال، لأن الكلام على النفقة. إذن ما داموا هكذا يترتب على هذا يُنهى عن الإعجاب واستعظام أموالهم ثم عطف عليها (ولا أولادهم) حتى أولادهم لأن عادة المال والولد مرتبط. بينما في الآية ٨٥ الكلام على الجهاد، والرسول - ﷺ - عندما يجاهد يحتاج إلى المال ويحتاج إلى الإبل ويحتاج إلى الخيل، هذه التجهيزات ويحتاج إلى الرجال في الجهاد. المال دائماً مقدّم على الأولاد لأنه أسهل أن يعطى من أن يعطى الولد (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) لأن المال زينته ظاهرة أظهر من الأولاد والأولاد قد لا يكونون زينة وقد يكونون سُبّة.
المكر سر في الإنسان عن طريقه يعني تضعه في مكان معين يفرح به وظيفة عالية تجعله غنياً بعد فقر، تعطيه رتبة هائلة مثلاً كان جندياً بسيطاً تجعله لواء، يعني تكرمه إكراماً زائداً ولكن هذا ليس لمصلحته وإنما تريد أن تقلب به الأرض، هذا المكر (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا). مثلاً قارون أعطاه الله مالاً (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (٧٦) القصص) ولما رب العاليمن أعطاه هذا المال ليسعده به وإنما أراد أن يمكر به (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ (٨١) القصص) هكذا شأن الذين يتعاونون مع الطغتة في كل التاريخ، هذا الطاغية سواء كان استعماراً أو محتلاً يأتي بعملاء يعطيهم فلوس ومناصب وقصور وأرصدة في الخارج يسعدهم سعادة وهمية وهم فرحون بذلك ولكن هو لا يعني هذا هو يمكر بهم وفي النهاية سوف يأخذ كل شيء منهم ثم يلقيهم في التهلكة وهذا يحصل كل يوم ناس تتعاون مع محتلين وعصابات وجماعات وقتلة كثير في التاريخ ثم بعد ذلك يقلبونهم قلبة هائلة. قبل سنتين قرأت في جريدة البيان في دبي عن واحد فلسطيني نظموه اليهود جاسوساً لهم وتكلم في مذكراته كيف أعطوه شقة في القدس وشقة في حيفا وشقة في إيطاليا وأرصدة هائلة إلى أن صار أسعد الناس ثم لما انتهى عمله نكبوه نكبة هائلة وتحدث كيف فعلوا به. هذا الجيش في لبنان الذي خدم إسرائيل ثلاثين سنة وأعطوه دبابات وفلوس ثم لما صارت المشكلة وهربوا إلى إسرائيل انتقموا منهم إنتقاماً أمام شاشات التلفزيون في العالم مزقوهم مزقاً، هذا هو المكر.
مع لغتها لكن القرآن يخصص. من لم يؤمن بالقرآن كان يفهم حينها أكثر مما نقول بدليل أنه عندما تحداهم (والتحدي في الجاهلية كان موجوداً يقول أحدهم للآخر أنا أشعر منك ويقول الآخر أنا أشعر منك فيتنافران ويذهبان إلى محكِّم) قال لهم تعالى (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (٢٣) البقرة) لإيلاف قريش سورة وأبو جهل وغيره سمعوا هذا الكلام ولم يأتوا بسورة مثله (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) الإسراء) تحداهم بسورة قصيرة مثل الكوثر، الإخلاص، العصر، وهم كان لديهم من الفصاحة ما هو معروف ولم يكن أحدهم يرضى أن يقول له أحدهم أنا أشعر منك!.
*إذا كانت الكلمات هي الكلمات فما سر الإعجاز في القرآن؟ ولم لم يأتوا بمثله؟
هي ليست مسألة رصف كلمات. أذكر في الكلية كان هناك أستاذ يدرِّس الأدب فقال العرب يفهمون الكلام وهو كلامهم فلماذا لا يأتون بقرآن مثله؟ الكلام كلامهم وهم يفهمونه فردّ عليه أستاذ آخر فقال له أنت استاذ أدب تشرح الشعر وتفهم كلام المتنبي فاتِ بمثله! تفهم مفرداته وتعلم مقاصده فإتِ بمثله وأنت أستاذ أدب تشرح للطلبة فاصنع قصيدة مثل المتنبي. فهي ليست مسألة مفردات وكلمات تجمعها وتعرضها لكن فكرة نظم تحدث عنها الجرجاني.
*لماذا جهلنا اللغة العربية ونحن أبناء العرب؟
نحن الآن نتعلم اللغة ونحن لا نتكلمها سليقة ولا نعرفها ونتعلمها وتعلمناها تعلماً مبتوراً، لا نعرف اللغة والناس تجهل اللغة وأذكر طالبة في الصف الرابع تدرس النحو تقول (أوكي) فقلت لها نحو وفي الصف الرابع وتقولين أوكي؟! نحن لا نعلم اللغة والطلبة أصلاً لا يعرفون شيئاً عن اللغة.
*يقولون أن اللغة العربية صعبة جداً في التعلم؟
هذا الأمر في سورة المزمل جاء في أوائل الرسالة ثم لمّا اشتد الأمر أصبح فيه مشقة ويحتاج إلى صبر كما في سورة الإنسان وهذا في مرحلة متقدمة من الرسالة. والقرآن يبدأ شيئاً فشيئاً وكلمة تبتّل يفيد التدرج في العبادة وتبتّل تبتيلا، وتبتيل مصدر الفعل بتّل وهو دلالة على التكثير مثل جرّح تجريح وتجرّع فأمر الله تعالى رسوله - ﷺ - أن يبدأ بالتدرج وينتهي بالكثرة.
آية (٢٧):
(إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (٢٧))
ما هي العاجلة؟ ولم قال ويذرون وراءهم مع أن اليوم أمامهم؟
العاجلة هي الدنيا كما هو معروف يعيشون فيها ويتعجّلون أمرها. ويذرون وراءهم لأنهم نبذوه وراءهم لو عناه أمرهم لجعلوه أمامهم لكنهم تركوه وراءهم هكذا يقول قسم. وفي استعمال العرب لكلمة وراءهم يذكرون أنها تأتي بمعنى أمامهم كما في قوله تعالى (من ورائه جهنم) بمعنى أمامهم، وقوله تعالى (وكان وراءهم ملك) الخرق كان بعد أن ركبوا في السفينة ولو تركوه وراءهم لكانوا نجوا منه. وراءهم تستعمل لمن كان طالباً لك وهو أمامك كما نقول باللغة العامية (وراءك امتحان) ليست بمعنى خلفك لكنه يطلبك. إذن العرب تستعمل وراءك بمعنى أمامك إذا كان يطلبه.
فقوله تعالى (ويذرون وراءهم) بمعنى تركوه وهو يطلبهم وليسوا بفارّين منه. واللمسة البيانية في النعبير بوراء بمعنى أمام لأن كلمة وراء فيها معنى الطلب كما يطلب الغريم غريمه (لا مفر منه طالباً له).
في سورة القيامة قال تعالى (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (٢١) القيامة) فذكر العاجلة وذكر (وتذرون الآخرة) فلماذا قال في سورة الإنسان يوماً ثقيلاً وفي القيامة قال الأخرة؟
الذكر في الغالب (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (١٧) الجن) يعني عن عبادته أو عن وحيه لكن الذِكر هو عام، (عَن ذِكْرِ رَبِّهِ) عن الوحي ولاحظنا أنه يذكر أحياناً (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (١٢٤) طه) وأحياناً يذكر الآيات لكن من الملاحظ أنه لما يذكر الإعراض عن الذكر تكون العقوبة أشد، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الذكر بمعنى الوحي، عن ذكري أي عن وحيي. الآيات ليست هي القرآن كله لو هنالك ثلاث آيات هي جمع لما يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (٥٧) الكهف) لا يشمل كل القرآن فالذكر أعمّ من الآيات (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) ص) و(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (٤٤) الزخرف) الذكر أعم والآيات جزء من الذكر. الذكر له معاني لكن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (١٢٤) طه) يعني إما عن العبادة أو عن الوحي الذي جاء به الرسول والآيات قد تكون قسم من الذِكر والذي لاحظناه أنه لما يتكلم عن الإعراض عن الذِكر تكون العقوبة أشد يعني قال في الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧) الكهف) ما عقوبة هؤلاء؟ لم يذكر العقوبة، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (٢٢) السجدة) ما نوع هذا الإنتقام؟ لم يذكر.


الصفحة التالية
Icon