هذا فيما يتعلق بلفظة (الحمد لله) وقبل أن ننتقل إلى كلمة رب العالمين لنا فيها وقفة. ننظر إين وردت الحمد لله رب العالمين كاملة.
الحمد لله رب العالمين في بداية الفاتحة بعد البسملة معناه بداية عمل.
في نهاية سورة الصافات بعد الحديث عن الكون وما يضم إلى قيام الساعة إنتهاء الحياة (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)) النهاية.
ثم) في غالب معناها يكون الترتيب والتراخي لكنها لا تنحصر بهذا المعنى. قد تكون (ثم) للتفاوت بالرتبة هي ليست دائماً للترتيب والتراخي يعني ما بعدها أكبر وأعظم مما قبلها في رتبته وحتى النحاة ضربوا مثلاً أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، ما صنعت أمس هذا قبله استعمل (ثمّ) وهي مفترض أن يكون للترتيب والتراخي هو استعملها لما قبلها ليس المقصود الترتيب الزمني ولكن في الرتبة والمرتبة ليس الزمن الأصل فيها للترتيب والتراخي والمهلة لكنها ليست منحصرة في هذا الشيء قد تكون للترتيب الذكري للتفاوت في الرتبة والمنزلة. نضرب مثالاً من القرآن (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) البلد) أيها الأكبر؟ ما بعد (ثم) أكبر، فإذن تفاوت في الرتبة سيكون هذا الشيء أعلى. (فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) يونس) ربنا سبحانه وتعالى عالم دائماً، إذن (ثم) تفيد أن ما بعده هو أكبر مما قبلها. مثال النحاة أعجبني ما صنعتَ اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، هذا للتفاوت. دخل محمد ثم خالد هذا للترتيب والتراخي حتى في الفاء قد تكون للترتيب الذِكري فقط للذكر وليس للترتيب والتعقيب ليس مثل جاء أحمد فخالد (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (٤) الأعراف) هل جاءها البأس قبل الإهلاك؟ ربنا قدّم الإهلاك هذا يسمى الترتيب الذكري، توضأ رسول الله ﷺ فغسل يديه رجليه، هوغسل أولاً حتى يصير وضوءاً.
إذن نلاحظ أنه ذكر الخزي والخزي مذكر وذكر ربنا تعالى وصف القوة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) ثم ذكر أمر آخر سيء في قوم صالح وهو (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) أما في شعيب ما قال كفروا ربهم قال (ألا بعداً لمدين) إذن هنالك صفات في قوم صالح أشد فإذن تذكير الفعل مع قوم صالح أشد وهو أنسب مع قوله (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ). من حيث اللغة يجوز تذكير وتأنيث الفعل أولاً لأن الصحة مؤنث مجازي والمؤنث المجازي يجوز تذكيره وتأنيثه هذا من حيث اللغة ليس فبها إشكال لكن السؤال لماذا اختار التذكير في موضع والتأنيث في موضع؟ هذا السؤال أما من حيث اللغة ليس فيه إشكال وحتى الفواصل واحدة (الذين ظلموا) هذه التي تفصل بين الفعل والفاعل حتى لو كان مؤنثاً حقيقياً يجوز تذكيره.
*ما الفرق بين كلمتي (دارهم) و(ديارهم) من الناحية البيانية في القرآن الكريم ؟ (د. فاضل السامرائى)
عندنا مبدأ عام في تعاملنا مع كتاب الله سبحانه وتعالى: أيما قضية لم يفصّل فيها القرآن ولم يرد فيها خبر صحيح عن رسول الله - ﷺ - الخوض فيها من التكلّف الذي لا يصل إلى نتيجة. فلما قال لنا القرآن الكريم (إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) أنت ماذا تتخيل الحاجة تخيّلها. البحث فيها تهويمات ليست قاطعة: أنه خاف عليهم من الحسد، خاف عليهم أن الملك يخشى من جمعهم فيدبر لهم شيئاً أحد عشر أخ عصبة هؤلاء، أنهم إذا إجتمعوا يدبرون شيئاً، لا يهم. هذا كلام ليس عليه دليل ولذلك نقول لا ندري ما هي الحاجة. تتخيل ما شئت من هذا الأمر لكن كن واثقاً أن الله عز وجل ما أخبرك عن هذه الحاجة ما هي فتكتفي بهذا القدر. وهذا في أمور كثيرة وعندما يحدثنا علماؤنا عن الصفات كان السلف يمرونها كانوا يمرونها هكذا لا يتحدثون عنها بالتفصيل.
آية (٧٠):
* ما توجيه الآيتين في سورة يوسف (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ (٧٠) يوسف) (قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (٧٢) يوسف) وما الفرق بين السقاية والصواع؟(د. فاضل السامرائى)
لما قال صواع الملك أراد أن يبين السقاية لأم الممتارون الذي يكال لهم يعلمون أن هذا مكيال لكنهم لا يعلمون أنه صواع الملك. السقاية والصواع بمعنى وهو جعل السقاية مكيال فأراد أن يبين أن هذه السقاية ليس مجرد سقاية وإنما هذا صواع الملك لبيان أهميته. الصواع هو ما يكال به عموماً. السقاية في الأصل هو ما يُسقى به الملك يشرب به خمراً وكان يستعمل صواعاً للكيل. فهو ليس مجرد سقاية عادية ولو كان عادياًً نأتي بغيره لكن هذا صواع الملك وكما يقولون كان يسقى بها الملك والصواع والصاع يستعمل الآن للكيل الصواع والصاع فهي لها حالتان حالة سقاية وحالة مكيال، حالة سقاية لأنه يسقى بها وحالة صواع وهو ما يكال به.
آية (٧٢):
والتعريض بالضدّ في اللغة فهذا سكران فهل يعقل؟ هذا للسخرية وأحياناً نعرّض الشيء بعكسه على سنن العربية والسياق هو القرينة التي تُعين على الفهم لأن أهل البلاغة واللغة والذيت يتكلمون في علوم القرآن يجعلون السياق من أهم وأعظم القرائن للتعبير كما جاء في قوله تعالى (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) هود) فالتعبير (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هو في الأصل مدح لكن إن وضعناه في سياق الآيات فهي استهزاء. وكذلك قوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) الدخان) فالتعريض بهذه الأشياء يمثّل خطّاً في القرآن الكريم.
آية (٦٩):
*ما معنى (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (٦٩) النحل)؟(د. فاضل السامرائى)
القرآن الكريم لم يستعمل الفعل سلك في الآخرة إلا في النار ولم يستعمله في دخول الجنة. سلك بمعنى دخل وأدخل لكن القرآن لم يستعمل سلك أو يسلك في دخول الجنة مطلقاً وإنما استعملها فقط في النار. هذه من خصوصيات الاستعمال القرآني لأن سلك يعني دخل (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) المدثر) لم يستعمل سلك في دخول الجنة لكن ربما - والله أعلم - السلوك هو أيسر "حُفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات" فكأن الدخول إليها أيسر فاستعمل سلك التي هي أيسر، سلك فيها سهولة ويُسر (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (٦٩) النحل) أي مذللة. (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧) الجن) يعني يدخل العذاب بما كان يصنعه لأنها حفت بالشهوات فارتكبها فيسّر الدخول لها، هذا والله أعلم.
آية (٧٠):
*ما الفرق بين جعل وخلق ؟ (د. حسام النعيمى)
نحن نسمع التسبيح لكن لا نفقهه. الطيور طبعاً تسبّح وأنت تسمعها ولكن لا تفقهها والله تعالى قال (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ (١٣) الرعد) نحن نسمع الرعد لكن لا نفقهه، الضفدع تنقّ ونحن نسمع نقيق الضفدع لكن لا نفقه إذا كانت تسبح. الفقه أن تعلم ماذا يقول وماذا يريد. أنت تسمع متكلماً يتكلم بلغة أجنبية أنت تسمعه لكن لا تفهم ما يقول ولا تفقهه. فالسمع ليس شرطاً في الفقه فالمهم أن نفقه ما يقال وليس مجرد السماع.
* قال تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)) لماذا جاءت تفقهون وليس تسمعون؟ وهل لأننا حتى لو سمعناهم لن نفهم ؟وما دلالة (تسبيحهم) بصيغة الجمع؟(د. حسام النعيمى)
فلما جاوزا ) مضيا ويبدو أنهم مشيا مسافة وظهر عليهما التعب في أوائل شروق الشمس لأن الغداة في اللغة هو غير ما نستعمله نحن الآن(وقت الظهيرة) ولكن ما بين الفجر وشروق الشمس. الغداء أول وجبة يتناولها العربي في وقت الغدوة بين الفجر وشروق الشمس (بالغدو والآصال). الغداء قبل أومع شروق الشمس. الإفطار يكون بعد الصيام. فقال (آتنا غداءنا) معناه هو خرج بعد الفجر أو قبيل الفجر لا ندري المهم ناما وقتاً أو بعضاً من الليل ثم سارا إلى أن أُنهِكا فقال نأكل هذا الأكل. (آتنا غداءنا) تذكر الفتى. أُنظر كيف يعلمنا القرآن الرقة مع الناس مع أنه متعب لم يفقد أسلوب الرقة والمجاملة مع فتاه: كما يقول له يا ولدي إتنا بالطعام. فالفرق بين آتنا وأعطنا: العين والألف والألف هو مجرد هواء يهتز معه الوتران فيكون ألفاً، العين حرف حلقي ومجهور يهتز معه الوتران وله مخرج معيّن فأقوى. فالعين أقوى من اللام ولذلك لما تكلم عن شيء قوي قال (إنا أعطيناك الكوثر) الكوثر شيء عظيم فاحتاج الحرف القوي لكن آتنا فيها نوع من الرقة واللين. (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) هذا مؤكد أنه ظهر عليه التعب الشديد بوجود اللام و(قد): (قد للتحقيق واللام للتأكيد) كأنه قَسَمٌ محذوف: والله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا). (نصبا) النصب هو أشد التعب. هذا كلام موسى - عليه السلام - أنه تعب.
يبقى هنالك (إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ (٧٥) مريم) هذا ما يوعدون به، العذاب محتمل العذاب الدنيوي بغلبة المؤمنين كما ذكرنا في آية الجن فيكون هذا مناسباً لما تقدم الآية أيضاً (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)) هذه في الدنيا ومناسب لما ختمت به السورة (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨) مريم). إذن إذا كان عذاب الدنيا فله أيضاً في السياق ما يؤيده وإذا كان الساعة الستعة مذكورة فله في السياق أيضاً ما يؤيده. إذن التعبير في هذا التفصيل له ما يدعو إليه ويناسبه في السياق ولم يكن مثلما ذكر في سورة الجن الذي هو جزء من آية. هذا من حيث التفصيل يبقى من حيث الاختلاف في العلم.
نحن نعرف حالات من حالاتها أما النور مطلق ولذلك ربنا قال (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أولاً النور عام والضياء حالة من حالاته، هناك أمور نعلمها وأمور لا نعلمها، هنالك نور البصر ونور البصيرة. فإذن النور هو مبدأ والإضاءة فرط الإنارة. عندما قال تعالى (فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) لم يقل ذهب الله بضوئهم، ربنا شبه المنافقين كالذي استوقد ناراً ورجع تعالى للمنافقين ذهب الله بنورهم ولم يقل بضوئهم لأنه لو قال ذهب الله بضوئهم لاحتمل أن يبقى نور لأن الضياء فرط الإنارة كان يبقى نور فأراد أن يجتثّ المعنى كله فلما قال (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ) إذن لا يبقى نور ولا ضياء وإنما ظلمة. ثم قال (فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ) ما قال ما حولها، (مَا حَوْلَهُ) يعني حول المستوقد. ثم قال (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ) جمع الظلمة لتعدد أسبابها وهي في القرآن حيث وردت مجموعة. ثم قال (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) والأبكم الذي يولد أخرس. ولم يقل صم وبكم وعمي لأن صم وبكم وعمي محتمل أن يكون هناك جماعة بكم وهنالك جماعة صم وهنالك جماعة عمي لو قلت هؤلاء فقهاء وكُتّاب يعني محتمل أن يكون فيهم فقهاء ويحتمل أن يكون فيهم كُتّاب لكن لو قلت هؤلاء فقهاء كُتّاب شعراء يعني هم جمعوا الصفات كلها، هذا فقيه كاتب شاعر يجمع الصفات، لكن لو قلت هؤلاء فقهاء وكتاب وشعراء فيها احتمالين إحتمال أن يكونوا جمعوا واحتمال أن يكون قسم فقهاء وقسم كتاب وقسم شعراء. صم بكم عمي هذا تعبير قطعي جمعوا كل هذه الأوصاف يعني كل واحد فيهم أبكم وأصم وأعمى. (فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) تركهم متحيرين لا يرجعون إلى المكان الذي بدأوا منه والأعمى لا يبصر والأبكم لا يسأل والأصم لا يسمع كيف يرجع؟ فقدوا أشكال التواصل.
حينئذٍ من أجل هذا نقول الفرق بين تبِع واتّبع في القرآن الكريم تبِع أنت كظل الشيء وأنت لا تكون ظل النبي إلا في التوحيد لا إله إلا الله لابد أن تكون مثل ظله، لكن إتّباع لا أين أنت وأين هو؟! كل ابن آدم خطاء وهذا معصوم وطبعاً النبي ﷺ تعرفونه لا داعي أن نشرح من أجل ذلك عليك أن تفهم لما رب العالمين مرة قال تبع ومرة اتبع هذا ليس عبثاً ولهذا المفسرون لا يقولون هذا يقولون اتّبع وتبِع وأتبع (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ﴿٧٨﴾ طه) أتبعهم كان متخلفاً فلحق بهم سبقوه ( أتبع السيئة الحسنة تمحها) يعني السيئة سبقت أسبوع أسبوعين شهر شهرين فأنت أتبعها بحسنة لو كن معها بالضبط أنت ما أن أذنبت حتى تبت وأنت على الذنب يقال تبِع لكن أنت الآن لا أتبعتها هذه من زمان سبقتك وحينئذٍ (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ) وحينئذٍ نقول بأن كلمة تبِع واتّبع وأتبع في القرآن الكريم كل واحدة تعطي معنىً دقيقاً وترسم جزءاً من الصورة لا ترسمه الكلمة الأخرى فعليك أن تعلم أن هذا المتشابه من أول ما ينبغي الانتباه إليه من قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴿٨٢﴾ النساء). وحينئذٍ هذا الذي نتدبره تتبين أن هذا القرآن لا يمكن أن يفعله مخلوق (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾ النساء) كيف يمكن بهذه الدقة في كل كلمة في كل تصريف في كل فعل في كل حركة في كل صيغة ترسم صورة ثانية هذا لا يقوله إلا رب العالمين على لسان نبي. (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴿١٠٨﴾ يوسف) يتكلم هذا يتكلم عن الأمة نحن من أمة محمد ﷺ لكن أين أعمالنا وأين النبي؟ نحن نتّبع.
لما يقول هو الغني الحميد فيها حصر وفيها توكيد، حصر الغنى بالله تعالى عندما تقول فلان غني وفلان هو الغني، فلان هو الغني يعني هو الأغنى. السؤال الذي أثير أنه سبحانه وتعالى قال في آيات إن الله غني حميد، إن الله هو الغني الحميد، إن الله لهو الغني الحميد هذه بعضها فيها توكيد أكثر. قال تعالى في لقمان (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)) لم يعرّف ولم يأت بـ (هو)، أكّد بـ (إنّ) فقط. في آية لقمان لم يذكر له ملك (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) من الغني في عُرف الخَلق، الذي يملك أو الذي لا يملك؟ الذي يملك هو الغني الغني لكنه لم يذكر ملك. لو واحد قال أعطني فأمدحك تقول له أنا غني عن مدحك لا أحتاج إليك. الخليل بن أحمد لما أرسل له أمير الأهواز سليمان بغالاً محملة بأشياء وقال لو جئت إلينا والخليل ليس عنده إلا الخبز اليابس فقال: أبلِغ سليمان أني عنه في غنى غير أني لست ذا مال، هو غني بنفسه قانع بما حصل. في آية لقمان لم يذكر ملك وإنما قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) الله تعالى غني عن شكره وعن كفره بينما فى سورة الحديد قال (ولا تفرحوا بما آتاكم) الله آتانا به فالله هو الغني إذن أنتم أيها الخلق الأغنياء ما غناكم والله تعالى هو الذي آتاكم؟ فإذن الله هو الغني الحميد وليست مثل تلك الذي لم يذكر معه شيء لأنه ذكر (ولا تفرحوا بما آتاكم) لما آتى الخلق ما عندهم أصبحا ليسا بمنزلة واحدة فإذن (فإن الله هو الغني الحميد).
فإذن سورة أنزلناها وفرضناها هذه أنزلنها الملك الحق (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧)) هو الذي أنزل وفرض الأحكام، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى في أواخر سورة المؤمنون ذكر عذاب الكافرين (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (١٠٥)) وفي بداية النور ذكر عذاب من استحق العذاب من المسلمين في الدنيا والآخرة حينما ذكر حد الزاني والزانية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) ثم الإفك والقذف (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١)) عذاب الكافر في الدنيا وعذاب العاصي من المسلمين في الدنيا والآخرة.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة المؤمنون للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء.. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
آياته مضافة إلى لفظ الجلالة لتشريفها وتعظيمها. الآيات عامة. كلمة الآيات عامة من حيث اللغة (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) يوسف) أما (آياته) فخاصة إذن الإضافة إلى ضمير الله سبحانه وتعالى فيها تشريف وتعظيم. الآيات عامة من هذا يبدو لنا أنه في المواطن التي تضاف فيها إلى ضميره معناها أنها أهمّ وآكد، يعني المواطن التي يقول فيها (آياته) بالاضافة إلى ضميره سبحانه معناها أهم وآكد مما لم يضاف. إذن الآيات أعم أولاً والأمر الآخر أن آياته تكون في محل أهمّ وآكد لتشريفها. الأحكام المختصة بالحلال والحرام يقول آياته والتي الأقل منها يقول الآيات. (.... وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧) البقرة) هذه أحكام، حلال وحرام قال آياته. (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ...
لهذا قال (إنني براء) حولها إلى ما هو أوكد وأبلغ من بريء (إنني براء) لأنه في مقام تبليغ وقوة في الكلام فقال إنني.
أما (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) النمل) هذا ضمير الشأن الذي فيه التفخيم والتعظيم. (إنه) الهاء ضمير الشأن. ضمير الشأن هو أو هي فقط لأنه يعود على الشأن والشأن يعبر عنه بـ هو أو هي. يأتي بإن وأخواتها أي النواسخ (ظننته، إنه، إنها) يسموه ضمير القصة والشأن لكن لما يكون مؤنثاً يسمونه ضمير القصة لأنه يعود على القصة مؤنث كلمة الشأن مذكر والقصة مؤنث (هي الدنيا تُغرّر تابعيها) هي ضمير الشأن لأن الشأن هو القصة يقال ضمير القصة عندما يفسر في جملة فيها مؤنث ولما يفسر في جملة فيها مذكر يقال ضمير الشأن. (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هذا في مقام التفخيم والتعظيم. (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) النمل) هذا تعظيم وتنزيه، هذا يسمونه ضمير التعظيم.
آية (١٠):
*ورد في القرآن الكريم ذكر عصى موسى ؟ بأوصاف مختلفة مرة جان ومرة ثعبان ومرة حية فما الفرق بينها؟ (د. فاضل السامرائى)
المعنى اللغوي للكلمات: الجان هي الحية السريعة الحركة تتلوى بسرعة، الثعبان هو الحية الطويلة الضخمة الذَّكَر، الحية عامة تشمل الصغيرة والكبيرة فالثعبان حية والجان حية. الحية عامة تطلق على الجميع أما الثعبان فهو الذكر الضخم الطويل والجان هو الحية سريعة الحركة. ننظر كيف استعملها؟
كلمة ثعبان لم يستعملها إلا أمام فرعون في مكانين (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (١٠٧) الأعراف) (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (٣٢) الشعراء) وذلك لإخافة فرعون ثعبان ضخم يُدخل الرهبة في قلبه فذكر الثعبان فقط أمام فرعون.
ويمضي في ذكر منته عليه ولم يرد مثل ذلك في النمل، ولا في القصص. فإنه لم يذكر توجيها له أو إرشادا لعبادته في النمل، ولا في القصص فلم يأمره بعبادة أو صلاة أو تكليف خاص بشأنه. ثم إنه في سورة القصص وإن كان قد فصّل في ذكر ولادته ونشأته وما إلى ذلك فقد ذكرها في حالة الغيبة لا في حالة الخطاب: "وأوحينا إلى أمّ موسَى أَنْ أَرْضِعيهِ" "إنْ كادَتْ لَتُبدي به.. فرددناه إلى أمه.. ولمّا بلَغَ أشُدّه.. ودَخَل المَدينةَ.. "
في حين كان الكلام في سورة طه بصورة الخطاب. فناسب أن يقول له في طه: "أنا ربّك" بخلاف ما في النمل والقصص، والله أعلم.
والآن ثبت علمياً وهذا من إعجاز القرآن ثبت علمياً أن الدماغ له ارتباط بالقلب فالقلب ليس فقط مجرد آلة تضخ الدم بل ثبت علمياً الآن أن القلب ليس فقط مجرد آلة تضخ الدم وإنما هناك ربط في العمل بين الدماغ وبين القلب من حيث أن عمل الدماغ مرتبط بعمل القلب من حيث أن كلٌ منهما يرسل للآخر إشارات ولهذا رب العالمين قال (تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ما قال تعمدت أدمغتكم. هذا لأول مرة في التاريخ يثبت الآن أن القلب ليس مجرد عضلة تضخ الدم وإنما فيها من عمل الدماغ شيء فلهذا الله قال (تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
آية (٣٠):
* هل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟ (د. فاضل السامرائى)
فقط في موطنين في القرآن كله قال (والله رؤوف بالعباد) في موطنين: في سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧) البقرة) وفي سورة آل عمران (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (٣٠)) ما قال تعالى رؤوف رحيم. فلماذا؟
*في لقمان قال (فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ما دلالة الجمع بين غني وحميد؟ وما دلالة حميد في اللغة؟
الحميد هو ابتداءً الذي يستحق الحمد على الدوام. (غني حميد) من ألطف الجمع في الدنيا لأن الشخص عموماً حتى في حياتنا الدنيا قد يكون غنياً غير محمود، غنياً لا يُحمد في غناه قد يكون بخيلاً ومحمود غير غني. فإذا اجتمع أنه غني وحميد في آن واحد فهذا من الكمال أن يكون غنياً وحميداً لأنه لاحظنا أناساً نعرفهم لم يكونوا أغنياء لكنهم كانوا محمودي السيرة وكانوا يُمدحون فلما اغتنوا تغيّرت طباعهم فربنا جمع بين الغنى وأنه محمود على الدوام. هو محمود وحميد لكن هناك فرق بين الصيغتين: حميد فعيل بمعنى مفعول على الأرجح مثل جريح وقتيل وكسير وأسير. لكن ما الفرق بين هاتين الصيغتين محمود وحميد؟ عندنا قاعدة أن فعيل أبلغ من مفعول. حميد ومحمود هذه إسم مفعول وليست صيغة مبالغة، حميد إسم مفعول أي الذي يُحمد كثيراً على الدوام وإن يقول البعض أنه قد تكون بمعنى حامد والأرجح في كتب اللغة أن حميد أي محمود الذي يُحمد على نِعَمه. إذن كلاهما إسم مفعول، قتيل ومقتول كلاهما إسم مفعول، جريح ومجروح كلاهما إسم مفعول. بين فعيل ومفعول فعيل أبلغ من مفعول عموماً يعني كأنما الوصف أصبح في صاحبه ملازماً له خِلقة. هناك فرق بين كفّ مخضوب (بالحنّاء) قد يكون مرة وقد يكون ليس من عادته أن يخضب كفّه بينما كفّ خضيب مستمر، فيه إستمرار. طرف كحيل وطرف مكحول يقال أين الطرف الكحيل من المكحول؟ الطرف المكحول قد يكون كُحل مرة في الأسبوع أو الشهر أما كحيل فهو يستمر صاحبه على كحله كأنه خِلقة، وطرف أكحل هذا خِلقة. إذن كحيل كأنه خِلقة من الكثرة والدوام.
السورتان الثالثة والثلاثون والرابعة والثلاثون وهما الأحزاب وسبأ. قال سبحانه في أواخر الأحزاب (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (٦٣)) وفي سبأ قال (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣)) الكلام عن الساعة. ذكر في أواخر الأحزاب عقوبة الكافرين وذكر المؤمنين قال (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٦٥)) إلى أن قال (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣)) وذكر المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)) ذكر عقوبة الكافرين وما أعد للمؤمنين من فوز، وقال في بداية سبأ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)) (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)).
وقد تقول: ولم قال ههنا (وما أنزل الرحمن من شيء) فأسند الفعل إلى الرحمن وقال في سورة الملك (وقلنا ما نزل الله من شيء (٩) الملك). وفي سورة الأنعام (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء (٩١) الأنعام) بإسناد الفعل إلى الله؟ فتقول إن كل تعبير هو الأنسب في مكانه.
ذكر ربهم مع الذين اتقوا ولم يذكرها مع الذين كفروا يتعلق بالحذف والذكر. في هذه الآية من سورة الزمر ذكر تعالى الذين كفروا عندما يساقون الى النار فهؤلاء لا يستحقون أن يرد معهم اسم الله سبحانه وتعالى فضلاً عن أن يذكر اسم الرب (ربهم) الذي يعني المربي والرحيم العطوف الذي يرعى عباده فلا تنسجم كلمة ربهم هنا مع سوق الكافرين الى جهنم وعدم ذكر كلمة ربهم مع الذين كفروا هو لسببين الأول أنهم يساقون الى النار وثانياً أنهم لا يستحقون ان تذكر كلمة ربهم معهم فلا نقول وسيق الذين كفروا ربهم الى جهنم لأن كلمة الرب هنا : ان فيها نوع من التكريم والواقع أنه كما قال تعالى (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) لكن مع المؤمنين نقول (وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة) ذكر كلمة ربهم هنا تنسجم مع الذين اتقوا. وفعل كفر يتعدّى بنفسه أو بحرف الجر وهنا لم يتعدى الفعل وهذا يدل على اطلاق الذين كفروا بدون تحديد ما الذي كفروا به لتدل على أن الكفر مطلق فهم كفروا بالله وبالايمان وبالرسل وبكل ما يستتبع الايمان.. (وسيق الذين كفروا الى جهنم زمراً) لم تذكر كلمة (ربهم) لأن الربوبية رعاية ورحمة ولا تنسجم مع السوق للعذاب ولا يراد لهم أن يكونا قريبين من ربهم لكنها منسجمة مع سوق الذين اتقوا ربهم الى الجنة فهي في هذه الحالة مطلوبة ومنسجمة. كلمة الرب فيها نوع من التكريم فلا تذكر مع الكافرين لكن مع المؤمنين تكون مطمئنة ومحببة اليهم (وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا).
أولاً: لا جناح عليكم جملة إسمية، و (لا) هنا هي لا النافية للجنس على تضمن من الاستغراقية والمؤكِّدة دخلت على المبتدأ والخبر، والنحاة يقولون أن (لا) في النفي هي بمثابة (إنّ) في الاثبات. ومن المسلمات الأولية في المعاني أن الجملة الإسمية أقوى وأثبت وأدلّ على الثبوت من الجملة الفعلية، وعليه يكون (لا جناح عليكم) مؤكّدة كونها جملة إسمية وكونها منفية بـ (لا) هذا من الناحية النحوية. أما الجملة (ليس عليكم جناح جملة) فهي جملة فعلية ولا يمنع كون ليس ناسخاً لأن المهم أصل الجملة قبل دخول الناسخ عليها. هذا من حيث الحكم النحوي أن الجملة الإسمية أقوى وأثبت وأدلّ على الثبوت من الجملة الفعلية.
أما من حيث الاستعمال القرآني فإذا استعرضنا الآيات التي وردت فيها ليس عليكم جناح ولا جناح عليكم في القرآن نجد أن لا جناح عليكم تستعمل فيما يتعلق بالعبادات وتنظيم الأسرة وشؤونها والحقوق والواجبات الزوجية والأمور المهمة، أما ليس عليكم جناح تستعمل فيما دون ذلك من أمور المعيشة اليومية كالبيع والشراء والتجارة وغيرها مما هو دون العبادات في الأهمية. ونورد الآيات القرآنية التي جاءت فيها الجملتين:
لا جناح عليه
في الآية الكريمة لما ذكر النصارى ذكر أن مشكلاتهم فيما بينهم لكن لما ذكر اليهود ذكر أنهم يوقدون الحروب والله تعالى يطفئها ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين. (فألقينا بينهم) الخلاف فيما بينهم ليس كالخلاف فيما بين المسيحيين. خلافهم أهون من الخلاف الشديد بين المسيحيين لأن اليهود خلافهم مادي في القضايا الدنيوية مع أن خطرهم أعظم فهم مختلفون. هي نوع من العقوبة لهم لأن هؤلاء حرّفوا فعوقبوا بالعداوة فيما بينهم. أولئك حرّفوا فعوقبوا بالعداوة فيما بينهم لكن أخذوا تحريف السابقين أيضاً واختلفوا ليس في القضايا المادية وإنما اختلفوا في شخص نبيّهم يعني في الإعتقاد فصار من الصعب أن تفك الخلاف. اليهود قد يسكتون على الخلافات المادية (ربحي أكثر، أقل) لكن هناك الخلاف لصيق لأنه في الإعتقاد.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى (١٤) المائدة) انظر إلى صيغة التمريض والتضعيف هذه منهم (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى) ولكن الله لم يقل عنهم إنهم نصارى وفي هذا التعبير تقريع ولوم على هذا الضعف من القوم الذين يدعون بالقول واللسان انتسابهم إلى عيسى - عليه السلام - وفعلهم يخالف قولهم ومعتقدهم.
(فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (١٤) المائدة) الإغراء هو الحث على فعل ما وتحسينه في نظر الذي يراد إغراؤه حتى لا يتأخر ولا يتكاسل عن تحصيله بأي وجه. وقد استخدم الله هذا الفعل مع كلمة العداوة والبغضاء ليدلنا على عظم العداوة بينهم ورغبتهم في إثارتها بين الحين والآخر.
آية (١٦):
* ما الفرق بين السبيل والصراط؟(د. فاضل السامرائى)
هذا تقديم الخبر إذا كان المبتدأ معرفة و(مفاتح الغيب) معرفة لأنها عُرّفت بالاضافة إلى معرفة فلا يجوز الابتداء بالنكرة. والتقديم هنا لغرض بحكم القاعدة ومثل هذا التقديم تقديم الخبر على المبتدأ وتقديم المعمول على العامل أكثر وأهمّ غرض له هو التخصيص والحصر. ومعنى الآية أن مفاتح الغيب عند الله تعالى حصراً وليس هناك ذات أخرى عندها مفاتح الغيب فهذا تقديم للحصر والقصر.
في اللغة يمكت أن تقول "عنده كتاب" وهذا يعني أن عنده كتاب وقد يكون عند غيره كتاب إما إذا قلنا "عنده الكتاب" أي ليس عند أحد آخر الكتاب إلا عنده. ومثل ذلك قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين)
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ (٥٩)) هذه الجملة من الآية فيها تقديم وتأخير وهو تقديم جائز أي لو كان السياق مفاتيح الغيب عنده لكان التركيب صحيحاً. فلِمَ قدّم الظرف (عنده)؟ هذا التقديم فيه إفادة التخصيص أي مفاتح الغيب عنده وحده لا عند غيره.
آية (٦٠):
* (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) الأنعام) فهل كلمة جرحتم هي من الجرح أو من الألم أو ما هو مدلولها في اللغة العربية؟(د. فاضل السامرائى)
من معاني الجرح الفعل. الجرح هو الشقّ بالسيف أو الآلة والجوارح هي اليدين والرجلين وسميت جوارح لأنه يجرح بهما. اجترحوا السيئات أي اكتسبوها، فعلوها، وسميت الجوارح لأنه يجرح بهما الخير والشر يكتسب بهما. الجوارح هي الأعضاء العامة. ما جرحتم أي ما عملتم، ما كسبتم.
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨)) حقيقة الأخذ تناول الشيء باليد. والرجفة اضطراب الأرض وارتجاجها. إذن هذه الآية تطرق سمعك وتُعمل خيالك بصورة حية مستعادة شاخصة تزخر بالحياة والحركة. يتحول الزلزال أو الصاعقة فيها إلى رجل يتلقف بيديه جميع المشركين من قوم صالح لتعبر في منتهاها عن شدة إلإهلاك الله لهم والإحاطة بهم إذ لا يفلت من قبضة عذابه أحد.
آية (٧٩):
*في سورة الأعراف في قصص الأنبياء ورد ومعظم الأنبياء قالوا (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي) ما عدا سيدنا صالح قال (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي (٧٩)) بالمفرد فما دلالة ذلك؟(د. فاضل السامرائى)
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٥٢) الأنفال) حالة عامة ليس فيها ذكر حالة جزئية. لما ذكر حالة جزئية وصفهم بحالة جزئية وهو التكذيب ولما ذكر حالة عامة ذكر بأمر عام وختم كل آية بما يناسبها. التكذيب جزء من الكفر بآيات الله. رب العالمين قال (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) الأنعام) إذن الجحود غير التكذيب، هناك جحود وتكذيب وكفر. لا يكذب لكن يرى أن لله ولداً! هناك فرق. (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (١٤) النمل) حالة جزئية لأن حالات الكفر ليست محددة بهذه الجزئية. التكذيب من الكفر وهو حالة جزئية من الكفر.
هل يستقيم المعنى اللغوي السليم أن يأتي بجالة عامة ثم يأتي بالتكذيب؟ هذا ليس من اللغة وإنما من البلاغة. الأحمق العربي يتكلم كلاماً صحيحاً لكن ليست بليغاً. أي جملة على السياق النحوي صحيحة لكن هل هي بليغة؟ فرق أن يأتي بالكلام صحيحاً وبين هل هو بلاغة؟ هل هذا ما يقتضيه السياق والمقام؟ وجمال القرآن يكمن في هذه الأشياء وليس في النحو.
د. أحمد الكبيسى :
عندنا مَدخل ومُدخل ومُدّخل. مَدخل من دخل يدخل هو دخل، إسم مكان مثل خرج يخرج مخرجاً. مُدخَل من أدخَل (الرباعي) وهو إسم مكان ومصدر ميمي وإسم زمان لكن مدخل من الفعل الثلاثي ومُدخل من الرباعي. (مُدّخل) من ادّخل أي المبالغة لا يستطيع الدخول إلا إذا اجتهد في الدخول ولذلك قال تعالى عن المنافقين (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) دخلوا فيه بقوة، هم يريدون أن يهربوا فقط. وأحياناً يقولون هو كنفق اليربوع يدخل فيه، هذا المُدّخل. الثلاثة إسم مكان ومصدر ميمي وإسم زمان لكن الفرق في الاشتقاق واحدة من الثلاثي (مَدخل) والثانية من الرباعي (مُدخل) والثالثة من الخماسي (مُدّخل). مَدخل ومُدخل ليستا دلالة واحدة. دخل الشخص هو يدخل، أدخل أي يُدخله شخص آخر (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ (٨٠) الإسراء) هو لا يدخل من تلقاء نفسه. دخلت مدخلاً صعباً أنت دخلت أنا أُدخلت مدخلً صعباً. أدخلني وأخرجني هو يُدخلني وهو يُخرجني، لقد ركبت مركباً صعباً، أما مُدخل شيء آخر أدخله مُدّخل في قوة وشدة.
* ما الفرق بين مغارة وغار (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) التوبة) و (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ (٤٠) التوبة)؟(د. فاضل السامرائى)
سورة مكية وهي تعالج مواضيع عدة هي: بعض صفات الله تبارك وتعالى والدلائل على قدرته ووحدانيته سبحانه (سبح اسم ربك الإعلى* الذي خلق فسوى* والذي قدر فهدى* والذي أخرج المرعى..)، وتتناول الوحي والقرآن الذي أنزل على الرسول - ﷺ - وتيسير حفظه عليه (سنقرئك فلا تنسى* إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى)، وتعالج موضوع الموعظة الحسنة التي ينتفع بها أصحاب القلوب الحيّة وأهل الإيمان والسعادة (فذكّر إن نفعت الذكرى* سيّكر من يخشى* ويتجنبها الأتقى). واختتمت السورة ببيان فوز من طهّر نفسه من الذنوب والمعاصي والآثام وزكّى نفسه بصالح الأعمال وبيان أن الأخرة هي أبقى للإنسان من الدنيا الزائلة الفانية (قد أفلح من تزكى* وذكر اسم ربه فصلى..).
سورة الغاشية
*هدف السورة*
سورة مكيّة تناولت موضوعين أساسيين: الأول: القيامة وأهوالها وما يلقاه المؤمن من النعيم (وجوه يومئذ ناعمة) والجزاء مقابل ما يلقاه الكافر من العذاب والبلاء (وجوه يومئذ خاشعة). والثاني عرض بعض الأدلة والبراهين على وحدانية الله تعالى وقدرته في الكون والخلق البديع (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت* وإلى السماء كيف رفعت* وإلى الجبال كيف نصبت* وإلى الأرض كيف سطحت). وبعد عرض دلائل القدرة والتوحيد يأمر الله تعالى رسوله - ﷺ - بتذكير المكذبين ووعظهم لأنه لا يمكنه أن يجبرهم على الإيمان (فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمسيطر) فهؤلاء عقابهم عند الله الذي يحاسبهم جزاء كفرهم وتكذيبهم (إن إلينا إيابهم* ثم إن علينا حسابهم)
*من اللمسات البيانية فى السورة**
*ما الفرق بين أتى وجاء ؟(د. فاضل السامرائى)
القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا إسم الفاعل.
إن كنتم تؤمنون أي إن كنتم تريدون الإيمان، تعتزمون الإيمان. في اللغة نقول: نحن خارجون إن كنت خارجاً أي إن كنت تنوي الخروج نخرج، هو لم يخرج. القوم راحلون إن كنت راحلاً، هو لم يرحل ولكن إن كنت عزمت على الرحيل فالقوم راحلون إن كنت نويت الرحيل معهم. فإذن إن كنت تنوي الإيمان فإذن دواعي الإيمان موجودة فلِمَ لم تؤمن؟
*ما دلالة استعمال لفظة (بربكم) ولم يقل تؤمنوا به في الآية (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ)؟
أراد أن يحبب إليهم الإيمان فجاء بلفظ (بربكم) لأن ربكم هو الذي تعهدكم وهو الذي رباكم وأرشدكم وقام عليكم فالرب هو السيد والقيّم والمرشد والمربي معناه أحسن إليكم. أراد أن يحبب الإيمان بربهم الذي يربّهم يرعاهم ويهديهم فإذن هذا أولاً من باب التحبيب. ثم مناسب للآية بعدها (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (٩)) الرب مهمته الهداية فلما قال يخرجكم من الظلمات إلى النور أي يهديكم وكثيراً ما يقترن لفظ الرب بالهداية في القرآن الكريم (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) الشعراء) (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (٦) الفاتحة).
*ما الفرق بين كلمة الله والرب من حيث اللغة والدلالة؟
جاء هنا بـ (إذا) دون (إن) وكما سبق وذكرنا في حلقات سابقة أن استعمال (إذا) يكون للقطع لكثير الوقوع وللمتيقن وقوعه بخلاف (إن) التي تستعمل إذا كان هناك احتمال للوقوع أو المشكوك في وقوعه. واستعمال (إذا) هنا يدل على أن الله تعالى سيبدّل أمثالهم ويأتي بأناس مؤمنين مكانهم فالمشيئة حاصلة وقد تمّت.
آية (٢٩):
(إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩))
باختصار هذه الآية هي نظير قوله تعالى (إنا هديناه السبيل) فالتخيير هنا كالتخيير هناك. فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا مكان شاكراً ومن لم يفعل ذلك يكون كفورا.
آية (٣٠):
(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠))
إن مشيئتكم واختياركم كان بمشيئة الله تعالى ولو لم يرد الله تعالى ذلك لما أعطى هذا الإختيار.
آية (٣١):
(يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١))
ما دلالة هذه الآية وربما يكون هناك من لا يستحق رحمة الله تعالى؟ ذكر تعالى أمرين يرفعان هذا الإحتمال: الأمر الأول أنه قال الله تعالى قبل هذه الآية (إن الله كان عليماً حكيما) يفعل ذلك لعلمٍ وحكمة ولا يفعل سبحانه إلا لحكمة. ومعناها أنه لا يُدخل في رحمته إلا من علم سبحانه أنه يستحق. والأمر الآخر قال بعدها (والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليما) استثنى سبحانه من دخول رحمته الظالمين. فقوله تعالى يُدخل من يشاء في رحمته استثنى الظالمون ولا يُدخل سبحانه إلا من يستحق واقتضاه العلم والحِكمة.
هو قال (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) في الآية السابقة و(وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) إذن هو استجاب لله قام يدعوه، يدعوه هنا بمعنى يعبده، إذن لما قال (فلا تدعوا مع الله أحداً) تدعوا يعني تعبدوه فقط وهو قام يدعوه إذن تدل على أن الرسول استجاب فقام يدعوه، قام يعبده.
*إختيار عبد الله، من هو (عبد الله) لماذا قال عبد الله ولماذا لم يقل النبي أو الرسول مع أن القرآن استخدم النبي والرسول في مواطن أخرى؟
هو قال (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) عبد الله هذه الكلمة ليس مما ينكره الكفار لا ينكر أحداً أن محمد عبد الله، لا ينكرون ذلك. لو قال الرسول أكيد ينكرونه وكذلك لو قال النبي. إذن هو عبد الله يدعو الله إذن لماذا ازدحموا عليهم ولآذوه؟ ما المبرر؟ هل آذاكم؟ هل تعرض لكم؟ هل تنطرون عليه شيء مما فعل؟ عبد الله يدعو الله إذن لماذا ازدحمتم عليه آذيتموه وكنتم عليه لبدا؟. هو يعجِّب من فعلهم لماذا ازدحمتم عليه، لم يقل الرسول هو عبد الله يعبد الله هل ينكره أحد؟ هل تنكرونه أنتم؟ إذن لماذا ازدحمتم عليه؟. ثم قال يدعوه ولم يقل يدعوهم إذن لم يتعرض لهم، لم يقل رسول لم يقل نبي لم يقل يدعوهم إذن لماذا تؤذونه؟. لبداً يعني مجتمعين مزدحمين تلبد بعضهم على بعض.
*لكن الآية القرآنية قالت (كادوا) قارب فعل الشيء ولم يفعله.
هم ازدحموا عليه لكن لم يتلبدوا عليه فعلاً هكذا وإنما اجتمعوا عليه.
* هنا نلمح مثلاً استخدام القرآن الكريم تخصيص الدلالة ببعض المفردات مثل تدعوا ويدعوه خصصها بمعنى العبادة فهل من معناني الدعاء في اللغة العربية العبادة؟


الصفحة التالية
Icon