ننظر في سياق الآيات: (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) القصص) نلاحظ السياق هنا سياق حصر والكلام على الآخرة وسنجد أنه حينما يكون الشيء منحصراً يعني سياق الآية فيه قصر أشياء على ذات الله سبحانه وتعالى لا يصلح لغيره تأتي له الحمد بتقدم الجار والمجرور يقول له الحمد لا يقول الحمد لله الحمد يرفض لغيره لكن في هذه المواضع في مثل هذا السياق لما قال (وهو الله لا إله إلا هو) حصر بالنفي وبـ (إلاّ) الموضع موضع حصر لذلك قال له الحمد ما قال الحمد لله لأنه لا يستقيم مع الحصر. ثم فيه ذكر الآخرة وفي الآخرة لا يُحمد سوى الله تعالى. من تحمده في الآخرة في يوم القيامة؟ ما يوجد مخلوق يُحمد يوم القيامة ولا يحمد إلا الله تعالى. إذا ذُكِرت الآخرة إنحصر الحمد بالله سبحانه وتعالى. له الحمد وله الحكم أيضاً حصر (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) القصص) الجو العام في الآية هو حصر لذا لا يصح هنا أن يقال في غير القرآن: (لا إله إلا هو الحمد له وله الحكم) لا يستقيم. التقديم فيه معنى الحصر له الحمد وليس لغيره لأنه عندما يقدم الضمير أو المفعول لا تستطيع أن تعطف لكن حينما يقدم غير الضمير يعني الجار والمجرور إذا قدّم عند ذلك ما كان مرتبطاً بالله تعالى يصح أن يعطف وما عداه لا يجوز أن يعطف.
تستعمل للتابع والمتبوع والناصر، الوليّ التابع المحب الذي يتولى أمره والولي الناصر، يعني الله ولينا ونحن أولياء الله (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (٢٥٧) البقرة) يتولى أمرهم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) يونس) فالولي تستعمل للفاعل والمفعول وتسمى من الأضاد. يقال مولى رسول الله والله مولانا، كلمات كثيرة في اللغة العربية تستعمل في هذا وهي واضحة في اللغة وفي الاستعمال القرآني.
*ما الفرق بين الإيمان والتقوى؟(د. أحمد الكبيسى)
مراجعة الآيات توصلنا إلى شيء أنه حيثما ذُكِرت الرسالة وأن شعيباً مرسل إلى قومه يقول أخوهم. يذكر الأخوّة عندما يتحدث عن الرسالة كأنما فيها إشارة إلى أن واجبه معهم ورعايته لهم هو أخوهم يريد لهم الخير. وإذا لم يذكر الرسالة لا يقل أخوهم. لاحظ الآيات هذه القاعدة العامة حيثما ذكر الإرسال قال (أخاهم) وفي غير ذلك ذكر الإسم مجرّداً.
الإرسال ذُكِر في ثلاثة مواضع كما ذكره محمد فؤاد عبد الباقي (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم):
١. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) الأعراف)
٢. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) هود)
٣. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) العنكبوت)
وفي ثمانية مواضع لم يُذكر الإرسال فذكر الإسم مجرّداً:
١. (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) الأعراف)
٢. (وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٩٠) الأعراف)
في سورة يوسف قال تعالى على لسان إخوة يوسف مخاطبين أباهم يعقوب (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴿٨٥﴾). استخدمت كلمة (تفتأ) هنا بمعنى لا يزال وهي من أخوات كان (ما انفك، ما برح، ما زال، ما فتيء) ما زال تدل على الإستمرار والدوام (نقول ما زال المطر نازلاً) لكن يبقى السؤال لماذا اختار تعالى كلمة (تفتأ) دون غيرها من أخواتها التي قد تعطي نفس المعنى من الإستمرار والدوام؟ ونستعرض معنى كلمة فتيء في اللغة: من معانيها (سكّن) بمعنى مستمر لأنه عندما لا يسكن فهو مستمر، ومعناها أطفأ النار (يقال فتيء النار) ومن معانيها أيضاً نسي (فتئت الأمر أي نسيته). إذن كلمة (فتأ) لها ثلاثة معاني سكّن وأطفأ النار ونسي. وفاقد العزيز سكن بمجرد مرور الزمن فمن مات له ميت يسكن بعد فترة لكن الله تعالى أراد أن يعقوب لا ينسى ولا يكفّ بدليل قوله تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾)، وفاقد العزيز كأنما هناك ناراً تحرق جنبيه ويقال (حرق قلبي) والنار التي بين جنبي يعقوب - عليه السلام - لم تنطفئ مع مرور الأيام ولم تزل النار ملتهبة مستعرة في قلب يعقوب - عليه السلام -، وهو لم ينسى وفاقد العزيز ينسى بعد فترة ولذا يدعو له المعزّون بالصبر والسلوان. إذن تفتأ جمعت كل هذه المعاني المرادة هنا في الآية ولا يؤدي أي لفظ آخر هذه المعاني مجتمعة غير هذه الكلمة. والقرآن الكريم لم يستعمل هذه الكلمة إلا في هذا الموضع في سورة يوسف واستعمل (يزال ولا يزال) كثيراً في آيات عديدة (ولا تزال تطّلع على خائنة منهم).
واستخدام كلمة حرضاً في الآية تدل على الذي يمرض مرضاً شديداً ويهلك.
أصل القسط الحظ والنصيب، القسط نصيب ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع الوزن إلا القسط (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ (٩) الرحمن) (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (٨٥) هود). العدل معناه المساواة في الأحكام. (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (٣٥) الإسراء) القسطاس هو ميزان العدل أصل كلمة قسطاس عدل فسموا الميزان قسطاس لأنه عدل. عندنا عَدل وعِدل العِدل فيما يُبصر من الأشياء هذا عِدل هذا مثل حملين متساويين يقال هذا عِدل هذا أما العَدل فهو أحكام ومساواة في الحكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ (٩٥) المائدة) ذوا قسط (أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا (٩٥) المائدة) الصيام لا يُبصر (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا (٧٠) الأنعام) لم يقل كل قسط، (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ (١٢٣) البقرة). إذن القسط هو الحظ والنصيب والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين وهذا من خصوصية الاستعمال القرآني والقسط يستعمل مع غير الميزان لكن القرآن يستعمله مع الميزان ولا يستعمل العدل مع الميزان. القسط قد يكون في القسمة وفيه ارتباط بالآلة (قسطاس).
* قال أحد العلماء لو أن الله تعالى لم ينزل سوى هذه الآية لكفى وهي قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) النحل)؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى:(فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (١٠) المنافقون) وإبليس قال (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (٦٢) الإسراء) بدون ياء. مَنْ من هذين الذين يطلبون التأخير هو في مصلحة نفسه؟ الأول لأنه قال (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) أما الثاني أي إبليس فليس في مصلحة نفسه وإنما (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) فلما كان الأمر لنفسه أظهر نفسه (أخرتني). إضافة إلى أن (لولا) من أدوات الطلب والتحضيض، طلب صريح، (لولا وألا) من أدوات الطلب والتحضيض. (لئن) طلب ضمني، هذا شرط مسبوق بقسم، هذا طلب ضمني وليس طلباً صريحاً. أما لولا فهو طلب صريح (لولا أخرتني). فلما كان الطلب صريحاً أظهر الياء صراحة ولما كان في الثانية إشارة إلى الطلب هو أشار إلى ضمير المتكلم (أخرتنِ). إذن عند التصريح صرّح وعند الإشارة أشار. إذن إظهار الياء في المواطن الجلل.
* فعل أرى المضارع يتعدى بمفعول أو مفعولين وأرى بصيغة الماضي يتعدى بمفعولين أو ثلاث، وفي صيغة الإستفهام أأرأيت، كيف تم تركيبة الصيغة (أرأيتك) في سورة الإسراء (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (٦٢)) ؟(د. حسام النعيمى)
على أن تعلمنِ) هذا الذي أريده لنفسي وإشترطه لنفسي، إذن موسى - عليه السلام - يعلم أن هذا الرجل معلَّم قد عُلِّم شيئاً لم يعلمه موسى - عليه السلام - فأريد أن أتعلم ما ُعِّلمت. (أن تعلمنِ مما علمت رشدا) ما يؤدي بي إلى الرشاد وقدّم الجار والمجرور للإهتمام به وللعناية بهذا الذي عُلِّمه لأنه حريص على العلم ويعلم أنه سيكون رشداً. هنا كلمة (تعلمنِ) هذه قراءة وعندنا قراءات أخرى (تعلمني) بالإشباع. نسأل أيضاً لمَ إختلس وقال: تعلمنِ؟ ليس هنا موضع سرعةولكن حتى يعطي صورة لمحاولة تضاؤل التلميذ أمام شيخه فما قال تعلمني أنا. قابل هذا الأدب أدب من المعلِّم في قوله تعالى (معيَ صبرا) ما قال معي بالمدّ لأنه وجده مهذباً مؤدباً يصغّر من نفسه فتواضع معه أيضاً. فضمير المتكلم هنا جاء مقتضباً لأن (معي) فيها مدّ، الياء مدية أما (معيَ) الياء ليست مدّية وإنما قيمتها قيمة حرف صامت ولذلك تحملت الحركة (معيَ) مثل الباء والكاف ومثل أي حرف فليس فيه ذاك المدّ. فهو إذن ناسب (تعلمنِ) (معيَ). هم يقولون الفتحة لتخفيف المدّ بدل أن يمدّ يخفف مدتها هكذا فيقول: معيَ. والقبائل تتصرف بما يناسب المعنى والصوت. والقرآن جاء بلسان القبائل تيسيراً من الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بدعاء رحمة الأمة - ﷺ - دعا ربه وطلب أن يخفف عن أمته فلا يلزمهم بحرف واحد. وجاء هذا البيان من القبائل.
*من أين علِم الخِضر أن موسى لن يستطيع صبرا بحيث قال له (إنك لن تستطيع معيَ صبرا)؟
قال في خواتيم سورة مريم (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)) هذا القرآن وقال في بداية طه (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (٢)) أنزلناه لتبشر به المتقين لا لتشقى. الكلام في القرآن وكأن الرسول ؟ كان يحمِّل نفسه الكثير. قال في خواتيم سورة مريم (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)) وفي طه قال (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (٦)) فما فيهما ومن فيهما له سبحانه، ما في السموات ومما في الأرض له ومن فيهما عباده ولهذا قال (إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) الكل سوف يأتي الله سبحانه وتعالى له ما في السموات والأرض يعني ملكية ومن في السموات عباده. في ختام مريم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨)) وفي بداية طه ذكر قصة فرعون إلى أن قال (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨)) كم أهلكنا، خذوا مثلاً فرعون. السورة وحدة واحدة كل سورة تسلم لما بعدها.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
قال تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا (١٨) البقرة) وفي آية أخرى (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (١٧١) البقرة) الأول مثل المنافقين (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)) هذا عن الذي أمام ومعك ينافقك يجاملك ويفعل هذا الأمر مع كل الناس لا تعرف له حقيقة له وجهان، تعِب قلق يحاول إرضاء الجميع هذا الإنسان هو الذي يفسد الحياة ورب العالمين ضرب له مثل في غاية الدقة، قال مثل الذي استوقد ناراً هو ليس عنده هو في ظلام وإنما طلب من الآخرين أن يضيؤا له نوراً ففعلوا أعطوه ضوءاً أعطوه نوراً صار عنده شيء من الرؤية الواضحة (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)) في قمة الإضاءة وهو في غاية السعادة وفي غاية النور ويظن أنه فعل الصواب وأنه هو الأفضل والأحسن على حين غرة ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون. برغم كل هذا الذي جرى له لا يعود إلى الحق أو النور الذي كان عليه.
الآيات الواردة في هذا، السؤال عندنا (أولم يهد) فيها واو، (ألم يروا) ليس فيها هذه الواو. هذه الواو هي واو العطف وواو العطف لا تتقدم على الهمزة لأن الهمزة لها الصدارة كأنما في غير القرآن قال: كذا وكذا وألم يروا؟، لكن (وألم يروا) (وألم يهد لهم). إذن لما نجد أولم معناه هناك سياق عطف، تعطف جملة على جملة، جملة على ما قبلها، العاطف هو الواو والهمزة لا تحيل العطف أي لا تحول بين المعطوف والمعطوف عليه. الهمزة إستفهام إنكاري فيه معنى التوبيخ يُنكر عليهم عدم رؤيتهم وينكر عليهم عدم إهتدائهم،. فلما نجد الواو أو نجد الفاء نحس أن هناك ربط هذه الجملة بالجملة التي قبلها هناك إرتباط عن طريق هذا العطف أو جاءت في سياق عطف.
لما ننظر في آيات السجدة نجد من آية (١٩) الى (٢٦) (٢٧) كله عطف لكن لأنه جاءت الهمزة وفيها معنى هذا الإنكار عليهم إنهم لم يستعملوا عقولهم، لم يهتدوا، لم ينظروا فيم أهدي إليهم من معانٍ فجاء العطف.
يجب أن نعرف ما هي (لا) في الآية. يعتقد أن (لا) هذه نافية لكنها هي ناهية. مثل (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ (٢٧) الأعراف) أي لا تفتتنوا بالشيطان. (لكي) تدخل على (لا النافية). (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣) لقمان) هذه لا الناهية وفي الآية (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ) لا هنا ناهية وليست نافية.
سؤال: ما الفرق بين التحطيم والتهشيم؟
التحطيم كسر الشيء اليابس تحديداً واختلفوا في التهشيم. التهشيم يقولون في كل شيء وليس في اليابس وحده حتى الرطب يمكن أن يهشَّم. هشم أي كسر قسم جعله في اليابس وقسم في اللغة قالوا هو عام. لكن السؤال هو (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨)) في سورة النمل هم يقولون أن النمل وقسم من الحشرات فيها مادة السليكون ما يُصنع منه الزجاج وهو قابل للتحطيم فيقول تحطيم إذن التحطيم أخص والتهشيم أعم.
*ما دلالة (لا) في آية سورة النمل (لا يحطمنكم سليمان وجنوده)؟ (د. فاضل السامرائى)
لا هنا من باب النهي وليس النفي مثل قوله تعالى (لا تغرنّكم الحياة الدنيا) على رأي أكثر المفسرين بمعنى لا تتعرضوا لأن يحطمكم سليمان وجنوده. وهذ على خلاف ما جاء في قوله تعالى (لا تخاف دركاً ولا تخشى) حيث أن (لا) هنا للنفي. حتى في آية سورة النمل يمكن أن تكون (لا) للنفي أيضاً والله أعلم.
آية (١٩):
*ما إعراب كلمة ضاحكاًفي قوله تعالى (تبسّم ضاحكاً من قولها)؟ (د. فاضل السامرائى)
(فتبسّم ضاحكاً): حال مؤكدة (إسم فاعل).
*ما الفرق بين الحال المؤكّدة والحال المؤسسة؟ (د. فاضل السامرائى)
إذن حالة الخوف واضحة في قصة موسى في سورة القصص أما في سورة النمل فمطلقة، السلوك أيسر من الدخول (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (٦٩) النحل)أيسر، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ (٢١) الزمر) أيسر. أين نضع اليسر مع الخوف أو مع الشدة؟ اليسر مع الخوف أن ييسر عليه المسألة. ففي حالة الخوف ذكر أخفّ الفعلين (اسلك) مع حالة الخوف ذكر أخف الفعلين، مناسبة ومناسبة أيضاً لسلوك الطرق فمن كل ناحية أنسب والمعنى لا يختلف كلاهما يقال لكن اختيار بياني.
لقد استعمل في سورة القصص أمر الفعل (سلك) الذي يستعمل كثيرا في سلوك السبل فيقال: سلك الطريق والمكان سلكا، قا تعالى: "والله جَعَلَ لَكُم الأرْضَ بِساطا ١٩ لتَسْلُكوا مِنها سُبُلا فِجاجا ٢٠" نوح، ذلك لأنه تردد سلوك الأمكنة والسبل في قصة موسى في القصص، بخلاف ما ورد في النمل. فقد ورد فيها، أي: في سورة القصص سلوك الصندوق بموسى وهو ملقى في اليم إلى قصر فرعون، وسلوك أخته وهي تقص أثره. وسلوك موسى الطريق إلى مدين بعد فراره من مصر، وسلوكه السبيل إلى العبد الصالح في مدي، وسير موسى بأهله وسلوكه الطريقَ إلى مصر، حتى إنه لم يذكر في النمل سيرَه بأهله بعد قضاء الأجل بل إنه طوى كل ذكر للسير والسلوك في القصة فقال مبتدئا: "إذْ قالَ موسَى لأهْلِهِ إنّي آنَسْتُ نارا سآتيكُمْ مِنها بِخَبر" بخلاف ما ورد في القصص، فإنه قال: "فلمّا قّضى موسى الأجَلَ وسارَ بأهلِهِ آنَسَ منْ جانِبِ الطورِ نارا" فحسن ذكر السلوك في القصص دون النمل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الفعل (دخل) ومشتقاته تكرر خمس مرات ( انظر الآيات ١٢، ١٨، ١٩، ٣٤، ٤٤ ) في النمل في حين لم يرد هذا الفعل ولا شيء من مشتقاته في القصص، فناسب ذكره في النمل دون القصص.
استعمال (عن) بدل (من): كلمة (عن) تستعمل حينما يكون الكلام هو عودة إلى الله سبحانه وتعالى والمتكلِم المباشر هو الله سبحانه وتعالى أو هو معلوم عن طريق الغيبة لما يقول (هو) يعني الله سبحانه وتعالى عبّر عنها بصيغة الغيبة لرفع الشأن والمقام من حيث اللغة.
الفرق بين (عن الشيء) و(من الشيء): عندما نقول:"فلان كان يمشي بسيارته وخرج من الطريق السريع" معناه وجد منفذاً متصل بالطريق السريع وخرج. لكن لو قيل لك: "فلان بسيارته خرج عن الطريق السريع" معناه إنحرف كأنما انقلبت سيارته. هذه الصورة الآن نحن نفهمها بعد ألف عام فكيف كان العربي يفهم الفرق بين من وعن؟.
(عن) لمجاوزة الشيء، (من) لابتداء الغاية كأنه ابتدأت غايته من الطريق. مع (من) كأنه تبقى الصِلة هناك شيء ولو صلة متخيلة أما (عن) ففيها انقطاع (يضلون عن سبيل الله) أي لا تبقى لهم صلة. فما فائدة هذه القطيعة؟ القطيعة مقصودة مرادة. التوبة ترتقي إلى الله سبحانه وتعالى ولو قيل في غير القرآن (يقبل التوبة من عباده) كأن الإثم الذي تاب عنه يبقى متصلاً به. وهذه التوبة يتخيل الإنسان صورة مادية للصلة بالله سبحانه وتعالى والصلة
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (٩٠) آل عمران) بناها للمجهول (بناها للمفعول) ولم يأت بحرف جرّ، ما قال لم يقبل الله توبتهم لأنهم لا يستحقون أن يذكر معهم إسم الله تعالى. هذه التوبة الموجودة عنهم لا تقبل لا منهم ولا عنهم ولا لهم لأنهم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً.
*هذا كلام الله تعالى مع أن لقمان لم ينتهي بعد من الوصية فلماذا هذه المداخلة؟
أراد الله سبحانه تعالى أن يتولى الأمر بالمصاحبة بالمعروف لعظيم منزلة الأبوين عند الله. ربنا هو الذي أراد أن يأمر ويوصي بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف وليس لقمان وهذه فيها أكثر من حالة: أولاً لو قال لقمان لو أوصى ابنه أنه أطع أبويك لتصور الإبن أن الأب أراد أن يستغله ويستفيد منه ويجعله تابعاً له كما الآن عندما يقدم أحد لك نصيحة تنظر هل يستفيد هو منها أو لا؟ الذي وصى هو الله وهذا الأمر لا ينفعه ولا يفيده فإذن ربنا أراد أنه هو الذي يأمر بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف لا لقمان لعظيم منزلة الأبوين عند الله فهو الذي تولى هذا الأمر، هذا أمر والأمر الآخر حتى لا يظن إبن لقمان أن أباه هو المنتفع.
فإن أصحاب القرية أطالوا في كلامهم ولم يكتفوا بذكر التطير وإنما هددوهمبالرجم والتعذيب فقالوا (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) في حين كان الكلام موجزاً في سورة النمل فقد ذكروا التطير ولم يهددوهم بشيء فناسب الإيجاز الإيجاز وناسب التفصيل التفصيل. ولا شك أن القول (تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) أطول من (اطيرنا بك وبمن معك). هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن أصحاب القرية هددوهم بالرجم والتعذيب مؤكدين ذلك بالقسم ونون التوكيد (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) فناسب ذلك توكيد التطير في حين أن قوم صالح لم يهددوهم بشيء فناسب التوكيد في آية يس دون آية النمل. وهناك أمر آخر وهو أن رهطاً من قوم صالح كانوا يدبرون له ولأهله أمراً خفياً لا يريدون إشاعته ولا أن يعلم به غيرهم وهو أن يبيتوه وأهله بليل أي أن يغيروا عليهم ليلاً ويقتلوهم من دون أن يعلم أحد ثم إنهم إن سئلوا عن ذلك أجابوا أنهم لا يعلمون ذاك وقد تعاهدوا على ذلك وأقسموا عليه (قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) وهذا يقتضي عدم التهديد والتوعد المعلن لأنه سيفتضح أمرهم بل يقتضي عدم التوكيد في الكلام ولذا ذكروا أنهم متطيرون بهم ليس غير. فاقتضى كل موطن التعبير الذي ورد فيه. هذا علاوة على تردد التوكيد بـ(إنّ) في قصة أصحاب القرية أكثر من مرة (إنا إليكم مرسلون، إنا إليكم لمرسلون، إنا تطيرنا بكم، إني إذا لفي ضلال مبين، إني آمنت بربكم فاسمعون). في حين لم يرد ذلم في قصة صالح إلا قوله (وإنا لصادقون) فناسب كل تعبير موطنه وأما قوله (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين (٥١)) وقوله (إن في ذلك لآية (٥٢)) فهذا من التعقيب على القصة وليس فيما دار فيها من كلام.
عندما تأتي يوم القيامة تحاسَب أو لا تحساب، تدخل الجنة وترى النعيم (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤) الزمر) بالفاء أي استلمنا. (فنعم) لا تقولها إلا عندما تستلم جائزتك وأجرك. فالأجر إن وُعِدت به فهم (نعم أجر العاملين) إذا كان شيئاً متميزاً لأنك أنت متميز هذه (ونعم أجر العاملين) وإذا استلمته (فنعم أجر العاملين)، هذا هو الفرق.
آية (٧٥):
*انظر آية (١٦). ؟؟؟
****تناسب فواتح سورة الزمر مع خواتيمها****
قال في أولها (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)) وفي آخرها (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)) قُضي هنا بمعنى حكم وقضاء. الفرق بين الحكم والقضاء أن الحكم قد يكون من الحِكمة أو من القضاء فالحُكم أعم (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) الشعراء) بمعنى الحكمة (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) مريم) أي الحكمة لأن الصبي ليس حاكماً فيأتي بمعنى القضاء (إن الله يحكم بينهم). ذكر الحكم في الحالتين (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) (وقضي بينهم بالحق).
*****تناسب خواتيم الزمر مع فواتح غافر*****
وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) الأنعام) هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
آية (٢٧):
*د. أحمد الكبيسى:
الحزن على شيء مؤقت فاتك شيء محبوب فاتتك وظيفة صديق سافر وسيعود كل شيء تحزن عليه حزناً مؤقتاً وسوف ينتهي قريباً إما بعودة الغائب أو بنجاح بعد رسوب أو بغنى بعد فقر، صفقة تجارية خسرت ثم بعد يومين تربح. كل شيء قريب سريع التغيير يسمى حزناً مثل فى قوله تعالى (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا ﴿١٥٤﴾ آل عمران) إلى أن قال (لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ﴿١٥٣﴾ آل عمران) الكلام في الآية على هزيمة بدر وما فاتكم من نصرٍ وما أصابكم من هزيمة وأذىً وجروح مؤقت وإن شاء الله سيزول بانتصارات قادمة وفعلاً هذا الذي حصل في العام القابل الذي تواعد فيه المشركون مع المسلمون نكس المشركون وخافوا وانتصر الإسلام نصراً عظيماً فلما كان الألم أو فوات ما تحب أو حصول ما تكره لأمر لزمنٍ محدود يقال حزناً (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾ يوسف) تصوّر بلغ من شدة الحزن إلى أن عيونه ابيضّت ومع هذا قال حزن ما قال آسى لماذا؟ لأن رب العالمين أخبر يعقوب عليه السلام بأن هذا مؤقت ويوسف سيرجع وسيصبح رئيس وزراء مصر والخ كما الله قال على سيدنا يوسف (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٥﴾ يوسف) وهو في الجُبّ فسيدنا يوسف وسيدنا يعقوب يعلمون أن هذا الكلام قريب هذا كان حزن لأنه قريب. إذا كان الشيء الذي آلمك يعني لا أمل فيه كشخص ابنه مات وراح أو إنسان مسجون أربعين سنة أشغال شاقة هذا أسى هذا ليس ليوم أو يومين فالأسى أكثر ألماً من الحزن على شيء قد فات.
*(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي (٧٦)) إن إبراهيم كان عالماً أن الكواكب ليست إلا خلقاً من مخلقوات الله فلم قال (هَذَا رَبِّي) ولم يقل بالتنكير هذا رب؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن تعريف جزئي المبتدأ والخبر (هَذَا رَبِّي) يفيد القصر بخلاف هذا رب الذي يدل على أنه ربه من بين الأرباب ولذلك استعمل إبراهيم عليه السلام أسلوب القصر (هَذَا رَبِّي) لأنه أراد استدراج قومه فابتدأه بإظهار أنه لا يرى تعدد الآلهة ليصل بهم إلى التوحيد واستغل واحداً من معبوداتهم وهو الكوكب ففرض استحقاقه الإلهية لكي لا ينفروا من الإصغاء إلى استدلاله.
آية (٧٧):
*قال تعالى (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧)) ابتدأ سيدنا إبراهيم هذا الاستدلال بنفسه فقال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) فلم قال (لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ولم يقل لأكونن ضالاً؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
تناسباً مع مبتدئه في هذا تعريض بقومه أنهم ضالون وقد هيأهم قبل المصارحة بأنهم ضالون فقوله (لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) يدخل على نفوسهم الشك في معتقدهم أن يكون ضلالاً.
آية (٧٩):
*ما دلالة اسم الإشارة فى قوله تعالى (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴿٧٩﴾ الأنعام) ؟(د. أحمد الكبيسى)
- (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) الأعراف).
- (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) هود).
- (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) العنكبوت).
وفي ثمانية مواضع لم يُذكر الإرسال فذكر الإسم مجرّداً:
- (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) الأعراف).
- (وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٩٠) الأعراف).
- (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (٩٢) الأعراف).
- (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) هود).
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم. قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) الأنفال) هذه أمور قلبية، (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم. نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (١٢٨) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) الأنعام) هذا تشريع والتشريه حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع. لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
آية (٧٢):
وكذلك في قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) التوبة) ليقولن جواب قسم وليس جواب شرط. وفي قوله تعالى (وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ).
* ما هو الفرق بين استهزأ بـ وسخر من؟(د. فاضل السامرائى)
هنالك أمران في اللغة يذكران في الاستعمال القرآني:
أولاً الاستهزاء عام سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا (٥٨) المائدة) الصلاة ليست شخصاً وإنما أقاويل وأفاعيل (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا (٢٣١) البقرة) (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (٦٥) التوبة) إذن الاستهزاء عام في الأشخاص وفي غير الأشخاص. أما السخرية ففي الأشخاص تحديداً لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) هود). إذن الاستهزاء عام ومعنى الاستهزاء هو السخرية هم يقولون المزح في خفية وهو جانب من السخرية. (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (٦٥) التوبة) الرسول شخص (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا (٩) الجاثية) ليس شخصاً.
ربما يكون معنى الأوتاد جند فرعون وقطعاً هي ليست الأهرامات ولم يقل به أحد ممن يعتدّ برأيه من علمائنا. قد تجد لبعض المفسرين رأياً قد يستهويك لكن جمهور المفسرين يخالفونه فلا يصح أن تتشبث فيه سيما أن اللغة لا تسعفك فيه.
(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) إعراب ذي الأوتاد: ممنوع من الصرف للعالمية والعُجمة. ذي الأوتاد صفة (أي صاحب الأوتاد) جاءت مجرورة وهي من الأسماء الخمسة وليس ستة كما قالوا ظلماً وعدواناً (والنقص في هذا الأخير أحسن) السادسة كما يقولون (هنو) وهي كناية عن ما يقبح ذكره كالغائط مثلاً يقولون: هذا هنو زيد أي من آثاره السيئة بوعض العرب عدّها وينبغي أن تعالج هذه المسألة أن ما يعلم الناس اللغة السائدة الشائعة.
الأوتاد إما أعوانه الذين كانوا يثبتون ملكه ويكون الكلام مجازاً وإما أن يكون الأوتاد الحقيقية الخيم. (الجبال أوتاداً) تشبيه أي الجبال كالأوتاد، أوتاد للأرض شبهها في حمايتها للأرض بالأوتاد التي تحمي الخيمة.
* ما الفرق بين دلالة استعمال كلمة بلاء و ابتلاء ؟(د. فاضل السامرائى)
أولاً لم ترد كمة ابتلاء في القرآن الكريم أصلاً وإنما وردت (ليبتليكم، مبتليكم، ابتلاه) والبلاء قد يأتي بمعنى الاختبار أو ما ينزل على الإنسان من شدّة أو ما يصيبه من خير كما في قوله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).
لو لاحظنا السياق الذي وردت فيه الآيتان يتوضح الأمر. في سورة البقرة قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (٢٠٥) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧) البقرة) السياق لا يحتمل رحمة لما يقول (فحسبه جهنم) كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة. في الآية الثانية قال تعالى (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ (٢٨) آل عمران) مقام تحذير وليس مقام رحمة ولا يتناسب التحذير مع الرحمة لأن التحذير يعني التهديد. فقط في هذين الموضعين والسياق اقتضاهم أفردت الرأفة عن الرحمة.
*ما دلالة التوكيد بـ (إنّ) واللام في هذه الآية (وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)؟
****ارتباط خاتمة السورة ببدايتها****
بدأت السورة بالإنسان وهو لم يكن شيئاً مذكورا وانتهت بخاتمة هذا الإنسان ومصيره فبدأت ببدئه قبل أن يكون شيئاً مذكوراً (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (١))وخُتمت بخاتمته ومصيره إما أن يكون مرحوماً أو معذباً (يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)) فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً.. فكأنها رحلة الإنسان ولهذا سُميّت سورة الإنسان. ويذكر الله تعالى في السورة كل ما يتعلق بالإنسان وهو في الحياة وهو يخاف من ربه ويخاف من اليوم الآخر وهذه هي رحلة الإنسان. إذن سورة الإنسان بدأ بالإنسان وقبل بدئه وانتهت بخاتمته ومصيره وكأنها تمثّل عمر الإنسان.
وأمر آخر هو أنه تعالى في أول السورة ذكر الشاكر والكفور وفي خاتمتها ذكر المرحوم (يُدخل من يشاء في رحمته) والمعذُب (والظالمين أعدّ لهم عذاباً أليما).
*****تناسب خواتيم الإنسان مع فواتح المرسلات*****
* ربما تكون (من) هنا للجمع أو للمفرد، هل (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) تعني مفرد أو جمع؟
(من) تحتمل لأن كلمة خالدين خلّصتها للجمع. وأيضاً هنالك أمر آخر بياني حسّن استخدام الجمع في آية الجن وهو ذكر اجتماع الكفرة على رسوله (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩) الجن) هذا اجتماع، هؤلاء خالدين بزمرتهم. مما حسّن الإفراد في آية سورة النساء أنهم أقل من المذكورين لأنه عصيان وتعدي الحدود فيه قلة ومن ناحية أخرى حسّن القلّة نسبياً. إذن من كل وجه صار الإفراد في آية النساء أنسب في السياق وخالدين في آية الجن أنسب في السياق.
*هل لنا أن نفهم في آية النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) يتعدى حدود من؟ الله أو الرسول؟ هل العطف يعود على الأقرب؟
العطف ليس بالضرورة يعود على الأقرب لأن ما حدّه الرسول هو ما حدّه الله، يعني يتعدى حدوده أي حدود الله.
* قال تعالى في آية النساء (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هل لنا أن نسقم العذاب بحسب الجريرة، يعني ناراً خالداً فيها بسبب العصيان وله عذاب مهين بسبب تعدي الحدود؟
الله أعلم، ليست هنالك قرينة سياقية تحدد صورة معينة للعذاب مع خطيئة محددة. ذكر مهين أنهم تعدوا الحدود، استخفوا بحدود الله فأهانهم أي أذلّهم، لأن العذاب ليس بالضرورة مهين قد يكون فيه عذاب أليم أن تضربه مثلاً. ليس العذاب مهيناً بالضرورة ولهذا هنالك في القرآن عذاب عظيم، وشديد ومهين وأليم، عذاب مُذِل يعني أمام الناس تفضحه وتجعله يفعل أشياء.
* في الجن قال (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (خَالِدًا فِيهَا) هل تضيف كلمة (أبداً) لخالدين من حيث الدلالة الزمنية على الأقل؟


الصفحة التالية
Icon