في سورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)) هنا عندنا التسبيح أيضاً الذي هو حصر لله تعالى (له الملك) قدّم الجار والمجرور ففيه حصر وعطف ولذلك (وله الحمد) ولا يصلح هنا له الملك والحمد له لا تصلح. لغوياً يكون هناك ضعف لأنك تعطف غير محصور على محصور.
هذه الفائدة عموماً تأخر لفظ الحمد المبتدأ في خمس آيات والمعنى في جميعها للحصر.
(رب العالمين):
إذاً نتكلم عن هذه المتشابهات في هذه الآية التي يخاطب الله بها رسوله: مرة يقول لرسوله الكريم (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وراءها يقول له في الزمر (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴿١١﴾ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٢﴾) أدخل (لأن) هذه جديدة غير الآيات الأخرى (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) وهذه هي أقوى الدلالات التي تترأس جميع الآيات الأخرى كما سنشرحه بعد قليل. في الأنعام (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾) هنا أول المسلمين، وفي يونس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٠٤﴾) هذه المرة (من المؤمنين) وهذه أيضاً تعطي حلقة أو مرحلة من مراحل هذا النمو الكريم. طبعاً لا يمكن أن نصل إلى الفروق بين هذه الاختلافات اليسيرة بين كل آية وآية من حيث كونه متشابهاً ويحتمل أكثر من معنى، ما سأقوله واحد من المعاني، يتصاعد الفهم على وفق ما للقارئ من أرضية ثقافية من عصره من زمانه من مكتشفاته وكل قارئٍ في عصره بناءاً على واقعه يفهم فهماً خاصاً لكي يأتي الذي بعده يضيف على هذا الفهم فهماً آخر. هذا في المتشابه وما من رأي يلغي الرأي الآخر. في المُحكم قد يلغي فهنالك خلاف بين الفقهاء هذا يجوز وهذا حلال وهذا حرام، هذا إلغاء للآخر لأن هذه قضية أحكام إذاً كل ما نقوله هنا واحد من الاجتهادات تضيفه ما لم تثبت بأن هذا خطأ مائة بالمائة وهذا في المتشابه لا يكون أبداً.
من هذا الباب تقديم المفعول به على فعله وتقديم الحال على فعله وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهما وتقديم الخبر على المبتدأ ونحو ذلك. وهذا التقديم في الغالب يفيد الإختصاص فقولك (أنجدت خالداً) يفيد أنك أنجدت خالداً ولا يفيد أنك خصصت خالداً بالنجاة بل يجوز أنك أنجدت غيره أو لم تنجد أحداً معه. فإذا قلت: خالداً أنجدت أفاد ذلك أنك خصصت خالداً بالنجدة وأنك لم تنجد أحداً آخر.
ومثل التقديم على فعل الإستعانة قوله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) ابراهيم) وقوله ( على الله توكلنا ربنا، الأعراف) وقوله (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) هود) فقدم الجار والمجرور للدلالة على الإختصاص وذلك لأن التوكّل لا يكون إلا على الله وحده والإنابة ليست إلا إليه وحده.
آية (٩٣):
*ما وجه الإختلاف من الناحية البيانية بين قوله (فسوف تعلمون) في سورة الآنعام و(سوف تعلمون) في سورة هود؟ (د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾).
الأصل في كلمة المصّدقين هي المتصدقين وأُبدلت التاء إلى صاد مثل تزمّل ومزّمل وتدثّر ومدّثّر يجوز إبدال التاء مع الدال والصاد. كلمة المصّدّقين فيها تضعيفان تضعيف في الصاد وتضعيف في الدال أما المتصدقين ففيها تضعيف واحد في الدال والتضعيف يفيد المبالغة والتكثير مثل كسر وكسّر. إذن المصّدّقين فيها للصدقة والتكثير فيه من حيث المعنى العام.
ونأتي للسؤال لماذا ذكر (المصّدّقين) في آية سورة الحديد بينما استخدم المتصدقين في سورتي الأحزاب ويوسف؟ في سورة يوسف جاء في الآية (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) فناسب ذكر المتصدقين لأن إخوة يوسف طلبوا التصدق فقط لم يطلبوا المبالغة في الصدقة وهذا من كريم خلقهم فطلبوا الشيء القليل اليسير هذا أمر والآمر الآخر أنه قال تعالى (والله يجزي المتصدقين) فلو قال (يجزي المصّدّقين) لكان الجزاء للمبالغ في الصدقة دون غير المبالغ وهذا غير مقصود في الآية أما عندما يقول (يجزي المتصدقين) يجزي المُقِلّ والمُكثِر فيدخل فيها المصّدّقين) وهذا ينطبق أيضاً على آية سورة الأحزاب. نأتي لماذا قال تعالى (المصّدّقين) في آية سورة الحديد؟ لو لاحظنا سياق الآيات في سورة الحديد نجد أن الآيات فيها اشتملت على المضاعفة والأجر الكريم وهذا يتناسب مع المبالغة في التصدق ويتناسب مع الذي يبالغ في الصدقة. ثم إن سورة الحديد فيها خط تعبيري واضح في دفع الصدقة والحث على دفع الأموال في السورة كلها.
ألا يمكن أن يتعاور الوصف بالبخس والقليل مع بعضهم البعض؟ يمكن إذا أُريد بالبخس ما هو ليس من قدر الشيء الذي بيع، ولا يستقيم مع آيات الله. ليس هناك شيء بقدر الآيات لذلك لا يستقيم إلا القلّة.
آية (٩٧):
* (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (٩٧) النحل) هل المقصود حياة طيبة في الدنيا أو في الآخرة أو في الدنيا والآخرة معاً؟(د. فاضل السامرائى)
قسم قال هي حياة الجنة وقسم قال هي مطلقة في الدنيا والآخرة لكن يجب أن نفهم ما الحياة الطيبة؟ قد ترى مؤمناً صالحاً يعيش في ضنك فما المقصود بالحياة الطيبة؟ في الدنيا هي الرضا بقضاء الله تعالى وقدره يرضى بقضاء الله وقدره ويستقبل قضاء الله وقدره بنفس رضية خاصة إذا علم أن هذا يدخل في قائمة حسناته. إذا وقع عليه شيء مما يكره واستقبله بصبر فهذا يدخل في قائمة حسناته لذا قسم من الناس كان يدعو الله تعالى أن يمتحنه لأنه يعلم بأن الله تعالى يمتحن الناس ويعطي الممتَحنين في الآخرة أموراً يتمنى الناس أن لو امتحنوا في حياتهم كلها. ففي هذه الحالة الرضا بقضاء الله وقدره واستقبال ذلك بنفس رضية فرق عن الآخر الذي لا يؤمن بالله يكون قلقاً
ثم هو الإيمان الذي هو من الأمن النفسي والأمن مشتقة من الإيمان، الذي يؤمن بالله هو في أمن نفسي ليس قلقاً بل هو في اطمئنان وكثير من الأمراض النفسية هي نتيجة القلق. لو أخذنا بهذه الدلالة الواسعة ستكون حياة طيبة في الدنيا والآخرة. لأن الإنسان لا بد أن يصيبه شيء فإذا كان مؤمناً سيستقبله بنفس رضية وسيكتبه تعالى له في ميزان حسناته والآخر يستقبله بقلق وشدة فيقلق. إذا أخذناها في هذا المعنى ستكون حياة طيبة في الدنيا والآخرة وحياة طيبة في الجنة.
الفرق بين الحياة والمعيشة أن الحياة عامة والمعيشة رزق.
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً ﴿٦٩﴾).
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات.
آية (٧٠):
*ما اللمسة البيانية في عدم ذكر الجو في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) في سورة الإسراء؟ (د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)) ونلاحظ أنه تعالى استعمل صيغة الماضي في الآية (كرّمنا، حملناهم) وفي وقتها لم يكن هناك حملٌ في الجوّ هذا أولاً ساعة النزول. والأمر الآخر أنه لمّا ذكر الآية شملت كل بني آدم من آدم إلى قيام الساعة لكن لو قال (في الجو) لشمل التكريم من حُملوا في الجو وبذلك تكون الآية أغفلت كثيراً من بني آدم ولما شمل التكريم كل بين آدم في عهد آدم إلى قيام الساعة. ثم إن السياق يتعلّق بالبر والبحر فقال تعالى في السورة نفسها (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨)).
آية (٨٠):
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (٧١)) ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤))
الإمر الشيء العظيم الذي يأمر الناس بعضهم بعضاً بعدم فعله، بينما النُكر ما هو شيء منكر عظيم شيء تنكره الفطرة والشرائع ولهذا جاء مع القتل. ومما يأمر الناس بعضهم بعضاً أنه من أحسن إليك لا تسيء إليه ولا تعرّض الآخرين للخطر.
قد يقول قائل إغراق مَنْ في السفينة أكثر من قتل نفس لكن الإغراق غير متحقق لأنه قال (أخرقتها لتغرق أهلها) هذه اللام هنا لام العاقبة أو لام النتيجة كما قال تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا) هم ما التقطوه لهذه الغاية لكن نتيجة إلتقاطه سيكون كذا. والعبد الصالح لم يخرق السفينة ليغرق أهلها ولكنه تصور موسى - عليه السلام - أنه سينجم عن خرقها إغراق أهلها. إضافة إلى ذلك يبدو أن السفينة لم تكن في عرض البحر ولم تكن قد سارت بدليل: (حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) ولم تكن في عرض البحر، هم بمجرد ركوبهم خرقها. (إمرا): أنت عرّضت أهلها للخطر. ما غرق أحد بينما هناك وقع القتل فعلاً. لذلك إيقاع القتل جريمة كبيرة بينما هنا إفساد سفينة أو تخريب سفينة تُعرّض الركاب للخطر لكن لم يصبهم شيء. فقطعاً رأى الناس يتسابقون للخروج من السفينة لما بدأ الماء يدخل وبدأ الناس يقولون بدأت السفينة تغرق.
* لماذا موسى هو الوحيد الذي يعترض؟
الوثني اذي يكرهك ظاهراً وباطناً قال (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١) البقرة) واحد يعبد الصنم والآخر يعبد شخصاً والآخر يعبد شيخاً والآخر يعبد قبراً هذا عطّل عقله بالكامل لا يفكر في كل قضايا الكون إلا عن طريق هذا الذي يعبده هذا الكاهن أو هذا الشيخ أو هذا المرجع هو الذي يفكر نيابة عنه هذا أسلم عقله له من أجل هذا كان بلا عقل هذا لا يرجع.
*(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) طه) لماذا أجلٌ مرفوعة؟(د. فاضل السامرائى)
هذه مسألة نحوية:
أجل معطوفة على كلمة، كلمة مبتدأ، لولا الكلمة والأجل لكان العذاب لزاماً. لزاماً خبر كان. وأجلٌ: الواو عطفت جملة ولم تعطف مفرداً يعني والأمر أجلٌ مسمى كأنه خبر لمبتدأ محذوف ويكون من قبيل عطف الجمل وليس من عطف المفردات.
آية (١٣٢):
*ما دلالة (اصطبر) فى قوله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)فى سورة طه؟ (د. فاضل السامرائى)
اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر.
****تناسب بداية السورة مع خاتمتها****
هي المعنية هي صاحبة الشأن فـ (إن) تفيد التوكيد وهي صاحبة القرار. ثم هي ملكة ألقي إليها رسالة ولم يأت به رسول كريم والرسالة عادة يجب أن يأتي بها وفد يأتي رسول إلى ملك يحمل الكتاب فهذه حالة غريبة قالت (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) على غير المتوقع كيف ألقي هكذا إلقاء وهي ملكة؟! لم يأت من يحمل الكتاب لها.
آية (٣٢):
*ما دلالة نون الوقاية وما إعرابها؟( د. حسام النعيمي )
نون الوقاية ليست لها دلالة (دَلالة بفتح الدال ودِلالة بالكسر والدَلالة بالفتح أعلى لأن الدِلالة تختلط بالمهنة: الدِلالة مهنة المكاتب، مكاتب البيع والشراء مثل النِجارة والحِدادة والسِباكة، فهي مِهَنٌ والدَلالة أعلى وكلاهما لغتان فصيحتان لكن الدَلالة أعلى لأنها لا تختلط بالمهنة والدِلالة هي المهنة قطعاً).
إعراب نون الوقاية: النون للوقاية وليس لها محل من الإعراب لأنها لا تكون في محل رفع أو نصب أو جرّ. نون الوقاية نعني بها النون يؤتى بها لوقاية الحرف الذي قبلها من أن تتغير حركته أو سكونه. لا تلحق نون الوقاية الإسم لأنه يُجرّ فلا نحتاج إلى نون الوقاية (تقول هذا كتابي ولا تقول هذا كتابني) وإنما تلحق الفعل والحرف للحفاظ على الحركة لأن الحرف يكون مبنياً، والفعل لا يُكسَر حتى المضارع المتحرك لا يُكسر يمكن أن يرفع أو ينصب لكن لا يُكسر فلذلك جاءوا له بنون الوقاية وفي الغالب قالوا لوقاية الفعل.
في قوله تعالى: (أفتوني في أمري) هذا فعل أفتوا المتكلمة لا يصح أن نقول أفتوي فلا بد من أن تأتي نون الوقاية حتى تقي الفعل وتحفظه فقالت أفتوني والنون هي نون الوقاية.
* لماذا جاء الفعل المضارع على هذه الصيغة بعد حتى فى قوله تعالى (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) النمل)؟ (د. فاضل السامرائى)
قال في النمل (إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) وقال في القصص (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)، المهمة أوسع تبليغ القوم أوسع القوم، بلّغ كل القوم أما الملأ فهم خاصة الملك الحاشية فلما كان المقام ثقة كلّفه هو مكّلف بتبليغ الرسالة للإثنين العامة والخاصة لكن كل واحدة تتناسب مع الحالة لكن ذكر هنا الملأ وهناك القوم لأن السياق غير السياق والمقام غير المقام، إتسعت الآيات اتسع المبلغ، قلّت قل، وليس في هذا تعارض بالمرة الأمر له أن يبلغ الرسالة وهو مكلف بالملاً ومكلف بالقوم لكن يذكر ملمحاً خاصاً في كل سورة.
وقال في النمل (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (١٣)) معنى ذلك أن موسى قبِل المهمة ونفّذها هو قبل المهمة ولم يذكر أنه تردد، هذا الاختصار يفيد أنه نفّذ بدون مراجعة قام بالمهمة بينما في القصص فقال (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (٣٤)) مراجعة وخوف على نفسه من القتل وهذا مناسب لجو الخوف وذاك مناسب لجو الثقة والتكريم كلٌ مناسب لما وضعت له، هذا على العموم.
؟ قال في القصص: "واضْمُم إلَيْكَ جَناحَكَ مِن الرّهْب" ولم يذكر مثل ذلك في النمل. و(الرهب) هو الخوف، وهو مناسب لجو الخوف الذي تردد في القصة، ومناسب لجو التفصيل فيها بخلاف ما في النمل.
؟ قال في النمل: "في تِسْعِ آياتٍ" وقال في القصص: "فَذانِكَ بُرهانانِ"
فقد أعطاه في النمل تسع آيات إلى فرعون، وذكر في القصص برهانين، وذلك لما كان المقام في النمل مقامَ ثقة وقوة وسّع المهمة، فجعلهما إلى فرعون وقومه، ووسّع الآيات فجعلها تسعا، ولما كان المقام مقام خوف في القصص، ضيّق المهمة وقلل من ذكر الآيات. وكل تعبير وضع في مكانه المناسب.
أحياناً نأتي بالفعل ونأتي بمصدر فعل آخر كما في قوله تعالى (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧) نوح) لم يقل إنباتاً لكن هذا يكون لغرض. إذا كان الفعلان بمعنى واحد أو حتى لم يكونا بمعنى واحد يكون لغرض آخر مثل قوله تعالى (وتبتل إليه تبتيلا) المفروض تبتّلاً. تبتيل مصدر بتّل وبتل غير تبتّل تماماً والمعنى مختلف. ليجمع المعنيين يأتي بالفعل للدلالة ويأتي بالمصدر من فعل آخر من دلالة أخرى فيجمع بينهما حتى يجمع المعنيين. فبدل أن يقول: وتبتل إليه تبتلاً وبتّل نفسك إليه تبتيلاً يقول (وتبتل إليه تبتيلاً) فيجمع المعنيين وهذا من أعجب الإيجاز. هذه الآية (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (٨) المزمل) فيها أمور في غاية الغرابة في الإيجاز. في مريم قال (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (٣٧) آل عمران) لم يقل إنباتاً لأنه لو قال إنباتاً هو الله تعالى أنبتها فالمنبِت هو الله تعالى لم يجعل لها فضلاً لكن أنبتها فنبتت نباتاً حسناً جعل لها من معدنها الكريم قبول هذا النبات وأنبتها فنبتت نباتاً حسناً أي طاوعت هذا الإنبات فجعل لها قبول، فجعل لها فضل في معدنها الكريم. بينما لو قال إنباتاً لم يجعل لها فضلاً رب العالمين أنبتها يفعل ما يشاء، لكن نباتاً جعل لها فضلاً، هي نبتت وجهل لها فضلاً فنبتت نباتاً حسناً فجعل لها في معدنها قبول لهذا النبات فنبتت نباتاً حسناً.
الوالدين: هو لم يقل أبوين لأكثر من سبب: أولاً لو لاحظنا الوالدين والأبوين: الوالدين تثنية الوالد والوالدة لكن غلّب المذكر، الأبوين تثنية الأب والأم لكن غلّب الأب إذن في الحالتين غلّب المذكر الأبوين تغليب الأب وفي الوالدين تغليب الوالد. لكن لماذا اختار الوالدين؟ الولادة تقوم بها المرأة وليس الرجل أما تسمية الوالد يقول أهل اللغة على النسب والوالدة على الفعل هي التي تلد. إذن اختار لفظ الوالدين التي هي من الولادة التي تقوم بها الأم لكنه لم يختر الأبوين واختار لفظ الولادة ولم يختر لفظ الأبوة. الوالدين (الوالد والوالدة) مأخوذة من الولادة أما الأبوين فليست من الولادة من حيث اللفظ والقرآن يستعمل أبوين للجدّين (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ (٦) يوسف) ويستعمل أبوين لآدم وحواء (كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ (٢٧) الأعراف)
وليمسنكم منا عذاب أليم) : هددوهم بالعذاب الأليم إضافة إلى الرجم فإنهم لم يقولوا (أو ليمسنكم منا عذاب أليم) فيهددوهم بأحد الشيئين بل جاؤا بالواو التي تفيد الجمع قم أعادوا اللام الواقعة في جواب القسم (ليمسنكم) للدلالة على أن التهديد بالعذاب مؤكد كالمعطوف عليه لأنه أحياناً يكتفي باللام الداخلة على الفعل الأول أما الفعل الثاني فيكتفي فيه بنون التوكيد فيكون الثاني أقل توكيداً وذلك كقوله تعالى (لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم (١١) الحشر) فإنه أدخل اللام الموطئة في قوله (لئن أخرجتم) ولم يدخلها على المعطوف وإنما اكتفى بتوكيد الفعل فقال (وإن قوتلتم لننصرنكم) فكان الثاني أقل توكيداً من الأول ذلك أنهم أكدوا الفعل الأول لأنه أيسر عليهم ولم يؤكدوا الثاني لأنه أصعب عليهم وأشق.
تم بحمد الله وفضله تجميع وترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الزمر للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين والدكتور أحمد الكبيسى والخواطر القرآنية للأستاذ عمرو خالد وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاهم الله عنا خير الجزاء.. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
هنا الضعف هو الضعف النفسي (وخلق الإنسان ضعيفا) أي ضعيفاً أمام الشهوات لذلك في الحديث "حُفّت النار بالشهوات وحُفّت الجنة بالمكاره" الشيء الذي تريده النفس من الشهوات كإنسان يريد أن يكون ذا مال أو ذا منصب مثلاً ويريد أن يتوصل إلى ذلك بالمعصية والعياذ بالله. طبيعة الإنسان في فطرته هذا الضعف وهذا تثبيت من الله تعالى لخلق الإنسان أنه ضعيف أمام الشهوات لذلك ينبغي أن يحتاط ويقوي نفسه أمان شهوات الدنيا هكذا ينبغي أن يكون الضعف نقيض القوة، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) الروم) الضعف الأول الذي هو الحيوان المنوي ثم قوي الإنسان تدريجياً ثم يعود مرة أخرى ضعيفاً.
الضعف فيه لغتان: بفتح الضاد (الضَعف) وبالضم (الضُعف) جمهور القُرّاء قرأوا (من ضُعف)، رواية ورش عن نافع التي يقرأ بها أهل المغرب (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضُعف ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا وَشَيْبَةً) في المواطن الثلاثة في الآية. هما لهجتان عربيتان فصيحتان، الذي قرأ (ضَعف) حفص في أحد وجهيه وعنده وجه آخر يقرأ (ضُعف) وشُعبى يقرأ (ضَعف) وحمزة من الكوفيين يقرأ (ضَعف) والباقون يقرأونها (ضُعف) بالضمّ. نحن نقرأ بالفتح أحد وجهي حفص عن عاصم وهي لغة فصيحة لكثير من قبائل العرب أقرأهم إياها رسول الله - ﷺ - وأقرّهم عليها بأمر من ربه. لذلك لما يسمع القارئ من المغرب من يقرأ (ضَعف) يعلم أنها قراءة تصح الصلاة بها وقراءته (ضُعف) قراءة تصح الصلاة بها وكلتاهما لهجتان عربيتان فصيحتان نزل بهما جبريل - عليه السلام - على صدر رسول الله - ﷺ - حتى لا يعترض أحدٌ على أحد.
* ما الفرق بين طوعت (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠) المائدة) وسولت (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) طه) (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا (١٨) يوسف)؟(د. فاضل السامرائى)
سولت معناها زينت له، يقال سولت له نفسه أي زينت له الأمر، طوّعت أشد. نضرب مثلاً" الحديد يحتاج إلى تطويع أي يحتاج إلى جهد حتى تطوعه، تريد أن تطوع وحشاً من الوحوش تحتاج لوقت حتى تجعله يطيعك، فيها جهد ومبالغة في التطويع حتى تروضه وتذلله، المعادن تطويعها يحتاج إلى جهد وكذلك الوحوش والطيور تطويعها يحتاج إلى جهد وبذل.
التسويل لا يحتاج إلى مثل ذلك الجهد. إذن سولت أي زينت له نفسه، لذا ابني آدم قال (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) كان يفكر هل يمكن أن يقدم على قتل أخيه فاحتاج وقتاً لترويض نفسه ليفعل هذا الفعل وهو ليس كأي تسويل أو تزيين بسهولة تفعل الشيء وأنت مرتاح. التطويع يحتاج إلى جهد حتى تروض نفسه وتهيء له الأمر. وفي القرآن قال تعالى (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) في قصة السامري هنا بسهولة وهذه أسهل من أن يقتل الواحد أخاه. لا يجوز في القرآن أن تأتي طوعت مكان سولت أو العكس وفي النتيجة العمل سيكون لكن واحد أيسر من واحد. سوّل وطوع بمعنى واحد لكن طوّع فيها شدّة.
*(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ (٣٠) المائدة) لو قال الله تعالى (فقتل أخاه) لعرفنا ما صنع فلم قال (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) ولم يقتصر على فقتل أخاه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
عبر ربنا في قوله (فطوعت) عن حدوث تردد في نفس قابيل ومغالبة بين دافع الحسد ودافع الخشية فهذا الفعل (فطوعت) يدل على تردد طويل ثم إقدام على الفعل.
آية (٣١):
ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (٢٤) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلأى طول تذكر. (
ومثل هذا التقديم في القرآن كثير: فمن ذلك قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) في سورة الفاتحة، فقد قدّم المفعول به إياك على فعل العبادة وعلى فعل الإستعانة دون فعل الهداية قلم يقل إيانا اهد كما قال في الأوليين، وسبب ذلك أن العبادة والإستعانة مختصتان بالله تعالى فلا يعبد أحد غيره ولا يستعان به. وهذ نظير قوله تعالى (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) الزمر ) وقوله (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) البقرة) فقدم المفعول به على فعل العبادة في الموضعين وذلك لأن العبادة مختصة بالله تعالى.
** ومثل التقديم على فعل الإستعانة قوله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) ابراهيم) وقوله ( على الله توكلنا ربنا، الأعراف) وقوله (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) هود) قدم الجار والمجرور للدلالة على الإختصاص وذلك لأن التوكّل لا يكون إلا على الله وحده والإنابة ليست إلا إليه وحده.
ولم يقدم مفعول الهداية على فعله قلم يقل : إيانا اهد كما قال إياك نعبد وذلك لأن طلب الهداية لا يصح فيه الإختصاص إذ لا يصح أن تقول اللهم اهدني وحدي ولا تهد أحداً غيري أو خُصني بالهداية من دون الناس وهو كما تقول اللهم ارزقني واشفني وعافني. فأنت تسأل لنفسك ذلك زلم تسأله أن يخصك وحدك بالرزق والشفاء والعافية فلا يرزق احداً غيرك ولا يشفيه ولا يعافيه.
آية (٩٣):
*ما الفرق بين الحزن والأسى؟(د. أحمد الكبيسى)
في أواخر الأنفال في القتال وقسم قال هما سورة واحدة لأن موضوعهما متشابه وكلاهما في الجهاد والقتال. الأنفال قسم يقول هي الغنيمة والأموال التي تؤخذ لكنهم يفرقون بين الغنائم والأسلاب قسم يقول الغنائم في الحرب. أواخر الأنفال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ (٦٥)) وفي أول التوبة (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (٥)) شرح لكيفية التحريض: حرض المؤمنين على القتال فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. في أواخر الأنفال (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ (٧٢)) وفي أول التوبة (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا (٤)) هذا ميثاق، نفس الاستثناء. آخر الأنفال في الجهاد (وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ (٧٥)) وسورة التوبة هي عموماً في الجهاد من أولها إلى آخرها.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
وعد وأوعد: وعد تأي دائماً بالخير (وعد الله الذين آمنوا منكم) وأوعد تأتي بالشرّ.
* (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٥١) الأعراف) (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٦٧) التوبة) كيف ينساهم الله تعالى؟(د. حسام النعيمى)
إستخدام القرآن الكريم في هذا ونظائره: يتذكر ويذّكّر أيها الأطول في المقاطع؟ (يتذكر: ي/ت/ذ/ك/ر/) خمسة مقاطع، (يذّكّر: ي/ذ/ك/ر/) أربعة مقاطع. يتذكر أطول ومقاطعه أكثر هذا أمر. والأمر الآخر يتذكّر فيها تضعيف واحد ويذّكّر فيها تضعيفان. إذن عندنا أمران: أحدهما مقاطعه أكثر (يتذكر) والآخر فيه تضعيف أكثر (يذّكّر) والتضعيف يدل على المبالغة والتكثير. القرآن الكريم يستعمل يتذكر الذي هو أطول لما يحتاج إلى طول وقت ويستعمل يذّكّر لما فيه مبالغة في الفعل وهزة للقلب وإيقاظه. مثال (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (٣٥) النازعات) يتذكر أعماله وحياته كلها فيها طول، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) الفجر) يتذكر حياته الطويلة. (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ (٣٧) فاطر) العمر فيه طول. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) الأنفال) هؤلاء يحتاجون إلى هزة، ما عندهم قلب ويحتاجون إلى تشديد لتذكر الموقف، هنا موقف واحد وهناك عمر كامل. يحتاجون إلى من يوقظهم ويحتاجون إلى مبالغة في التذكر تخيفهم وترهبهم وليس تذكراً عقلياً فقط وإنما هذا تذكر فيه شدة وتكثير للتذكر ومبالغة فيه بحيث تجعله يستيقظ، هذا يسمى مبالغة في التذكر. (
الآية السابقة (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٨)) وهنا قال تعالى (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يعني لِمَ لا تنفقون في سبيل الله والله تعالى وارث أموالكم وستؤول إليه أموال الخلق كلها (وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠) آل عمران) فأنفقوا حتى تنالوا جزاء المنفقين قبل أن تنتقل رغماً عنكم وتذهب إلى الله تعالى، أنفقوا حتى تنالوا. قال تعالى (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ولم يقل ولله ميراث أموالكم. هل الإنفاق مقترن بالمال؟ الإنفاق الأصل فيه المال لكن مرة يقول تعالى أنفقوا من المال ومرة مما رزقناهم ينفقون، الرزق أعمّ من المال وهنا لم يحدد، (في سبيل الله) في الغالب أموال، جهاد، لأنه قال تعالى (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ) الذي يبدو من سياق الآية أنه على المال. عندما قال (وما لكم ألا تنفقوا) ما قال تعالى سوف يهلككم ويميتكم ويأخذ أموالكم إن لم تنفقوا وإنما جعله عاماً يدخل فيه هؤلاء وغيرهم. (
ما يوعدون) يحتمل أمرين كما يقول المفسرون: إظهار النصر عليهم ربنا تعالى ينصر نبيه ومن تبعه عليهم في بدر مثلاً كما يحتمل يوم القيامة، يحتمل أنهم يرون ما يوعدون في غلبة المسلمين عليهم وهذا حصل (حتى إذا رأوا ما يوعدون أي الكفار) فإذن يحتمل ما يوعدون من إظهار النصر عليهم ويحتمل أن يراد به يوم القيامة. هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)) يعني هم استضعفوه، رأوا قلة أتباعه فربنا توعدهم وقال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (٢٤)) بالنصر عليهم، هذا تهديد. ومرتبطة أيضاً بقوله تعالى (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (٢٣)) فإذن هذه الآية وعيد لهم في الدنيا والاخرة والله أعلم، ما يوعدون في الدنيا من نصر عليهم وما يلقونه من العذاب يوم القيامة.
* هل هناك مشكلة في اللغة العربية لدرجة أن هنالك بعض السخرية في الدراما المصرية يقولون "معه دكتوراه في (حتى) والبعض قال "أموت وفي نفسي شيء من (حتى)؟
(حتى) ليس فيها إشكال، نسمع هذه المقولة لكن (حتى) محدودة ومعروفة في كتب النحو تكون حرف جر وتكون حرف عطف وتكون حرف ابتداء وتكون ناصبة لكن هل هي ناصبة أو حرف جر هذه اختلف فيها بين البصريين والكوفيين.
* في سورة مريم قال تعالى (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (٧٥)) ما الفرق بينها وبين آية الجن؟