نحن ما زلنا في سورة الفاتحة ووقفتنا هذا اليوم عند قوله تعالى (مالك يوم الدين). كلمة مالك هي في قراءة سبعية وملك في قراءة سبعية. المشرق العربي والإسلامي وباكستان وتركيا وهذه البلاد تقرأ مالك يوم الدين وفي شمال إفريقيا والمغرب العربي يقرأون ملك يوم الدين بقراءة نافع برواية قالون. هذا يستدعي أن نبين بشيء موجز مسألة القراءات وكيف جاز أن يقرأ بعضهم مالك وبعضهم يقرأ ملك. أولاً هي رسمها في المصحف ٧I=»tB من غير ألف. هذا الرسوم سوّغ للعرب من القديم أن يقرأها بالألف لماذا؟ نحن عندنا الحركات لا تُرسم حتى بعد أن وُضعت لها رموزاً. لا نرسم الحركات نقول كتب لا نضع فتحة على الكاف لا نفعل هذا وكذلك الضمة والكسرة لا نضعها. الألف هي فتحة طويلة عندما تمد الصوت بالفتحة في (كتب) مع الكاف تصبح ألفاً (كاتب). علماؤنا يقولون لو مددت الصوت بالفتحة نشأ من بعدها ألفاً لكن الدرس الصوتي يقول تصبح ألفاً وهذا ليس من شأننا. نحن إذن لا نضع الحركات. هذه الفتحة في (كَتَب) كما أننا لا نكتبها ولكن نقرأها كَتب وفرق بينها وبين كُتب وكتاب وكلها غير مرسومة. يبدو أن الكاتب العربي قديماً كان ينظر إلى صوت المدّ في الألف كما ينظر إلى الفتحة فكما أنه لا يكتب الفتحة أو يكن له صوت للفتحة كان لا يكتب الألف في كثير من المواضع. وأحياناً كان يكتبها متقصداً حتى لا يكون هناك إغفال لصورة الألف. أما الواو والياء فكانوا في الغالب يرسمونها لأنه لها صورتان: الواو التي تشبه الألف في كونها حرف مدّ مثل الواو في (نقول) علماؤنا يقولون الواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء في (نبيع) الياء الساكنة المكسور ما قبلها والواو التي قبلها حركة أو بعدها حركة ليست من جنسها هذه تختلف. واو (وجد) وواو (لون) غير واو (نقول) من حيث الصوت.
الابتدائية في الإسلام (لا إله إلا الله) إذا قلتها بلسانك تكتسب جميع الحقوق وما من حق أحد أن يقول أنت كاذب أبداً والنبي ﷺ رأى واحداً قتل واحداً بالقتال وكان ذلك المشرك يقاتل قتال المستبسلين فلما صرعه المسلم وأوشك أن يهوي عليه بالسيف قال لا إله إلا الله لكن هذا السيف سبق وقتله فغضب عليه النبي غضباً شديداً قال له( أقتلته وقد قالها؟!) وكررها حتى خاف المسلم فقال (يا رسول الله إنما قالها فرقاً من السيف) خوفاً من السيف قال (أشققت عن قلبه؟) يا الله! دستور ما يقبل خطأ هذا ما فيه احتمال ولا شبهة ولا اشتباه ولا اجتهاد إذا قال لا إله إلا الله كُفّ عنه (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ﴿٩٤﴾ النساء) هذا الخطوة الأولى الإسلام القولي. بعدها تأتي الخطوة الثانية وهي الإيمان وهو إيمان عام (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ﴿١٤﴾ الجن) إسلام قولي (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) ماذا قال فرعون وهو يغرق؟ (قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٩٠﴾ يونس) (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿٢﴾ الحجر) هذا الإسلام القولي مقابل الكفر، كفر وإسلام كفر وإسلام، كفر يعني يقول لك أنا لا أعبد الله وإسلام يقول - وليس يعتقد - يقول فنحن لا يعنينا ماذا في قلبه يقول أنا أعبد الله وحده لا شريك له إذا صار هذا القول تصديقاً صار إيماناً.
الرجفة هي اهتزاز الأرض والصاعقة هي فعلاً الصاعقة التي تنزل عليهم (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣) الرعد) لكن لا يمنع أن تجتمع الحالات هذه في وضع واحد في أمر واحد.
آية (٩٨):
* ما هو إعراب كلمة نِعْمَ و بِئْسَ؟(د. فاضل السامرائى)
نِعْمَ فعل ماضي جامد وهذا أشهر إعراب وإن كان هناك خلاف بين الكوفيين والبصريين هل هي إسم أو فعل لكن على أشهر الأقوال أنه فعل ماضي جامد. (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) ص)، نعم الرجل زيد، ويضرب في باب النحو نِعم وبئس (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) الأنفال)، (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) هود) بعدها فاعل لأنه يأتي بعدها المقصود بالمدح والذم. لما تقول: نِعْمَ الرجل محمود، نعربها على أشهر الأوجه: نِعْمَ فعل ماضي على أشهر الأوجه، الرجل فاعل، محمود فيها أوجه متعددة منها أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف أي الممدوح محمود أو مبتدأ والخبر محذوف مع محمود الممدوح ورأي آخر يترجح في ظني أن محمود مبتدأ مؤخر وجملة (نعم الرجل) خبر مقدم يعني محمود نِعم الرجل وهو الذي يترجح في ظني. (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) المخصوص محذوف نتكلم عن داوود - عليه السلام -. تقول محمود نِعْم الرجل هذا جائز لكن هو على الإعراب الذي رجحناه يجوز التقديم والتأخير وعلى الإعراب الآخر يكون خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف لكن لماذا يرجح هذا أو هذا هذا أمر يتعلق بالنحو. أنا يترجح عندي أن فيها خمسة أوجه، قسم يقول بدل وقسم يقول عطف بيان وفيها أوجه كثيرة وأنا يترجح عندي أنه مبتدأ لأنه يمكن أن ندخل عليه (كان) نِعَم الرجل كان محمود و(كان) تدخل على المبتدأ والجملة قبلها خبر لأنه لو كان خبراً لنُصِب لكنه ورد مرفوعاً نِ‘ْم الرجل محمودٌ.
آية (١٠٧):
ثم نلاحظ هناك خط بياني في المعاني، محمدٌ يحضر، لمحمدٌ يحضر (آكد قليلاً)، إن محمد ليحضر (آكد أكثر لأن جئت بـ (إن) واللام، إنّ محمداً يحضر (هذه آكد لأنك جئت بإنّ المشددة)، إنّ محمداً ليحضر، إنّ محمداً ليحضرنُ (أكد الإسم والفعل بالنون الخفيفة)، إن محمداً ليحضرنّ (آكد بالنون الثقيلة)، إنه محمد ليحضرن (هذا ضمير الشأن)، هذا خط بياني في الدلالة على المعاني واللغة تعبير عن المعاني. ربنا تعالى قال (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٥) الحجرات) وقال (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٤) الحجرات) وقال (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٦٥) الأنعام)، وقال (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١) يوسف) وقال (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧) يوسف) لأن المخاطب ليس بمنزلة واحدة، يخاطبون شخصاً متأثر أكثر من الآخر فكل واحد خاطبوه بمقدار لما كان أبوهم في حالة فقد بصره وحزن أكدوا (إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) أما يوسف فصار العزيز فقالوا له (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ).
آية (٩٢):
*ما الفرق بين استغفار يوسف لإخوته واستغفار يعقوب لأبنائه في سورة يوسف؟(د. فاضل السامرائى)
لو كان أنعم الناس ولكنه يعلم أنه سيفارقها وأنها تزول منه يعيش في ضنك، الحرص على الدنيا فهي مناسبة من حيث ما ذكرنا أنها جاءت بعد ذكر الجنة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)) فناسب فيها المعيشة. أما الآية الأخرى قال لم يذكر فيها أسباب المعيشة وإنما ذكر الإيمان والعمل الصالح (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (٩٧) النحل) قسم قال الحياة هي حياة الجنة. (فلنحيينه) الفاء هنا جواب الشرط لأن نون التوكيد تفيد الاستقبال. فقسم قالوا هي الجنة وقسم قالوا هي الرضى بقضاء الله وقدره يعني يستقبل كل ما يقع وما يأتي عليه بنفس راضية مطمئنة خاصة إذا علم أن هذا سيكون في ميزان حسناته.
* لو قلنا أن (فلنحيينه)متعلقة بالدنياوالمعيشة الضنك متعلقة بالدنيا أيضاً هل يكون هنالك وجه خصوصية أو عموم استعمال بين الكلمات؟(د. فاضل السامرائى)
(فلنحيينه) هذه عامة لأن الله تعالى يستعمل الحياة للهدى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ (١٢٢) الأنعام) هو لم يذكر الآن ما يعاش به وإنما قال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) حتى الإيمان اشتقاقاً من الأمن النفسي والاطمئنان وكأن هذا شرط للحياة الطيبة الإيمان والعمل الصالح في الدنيا والآخرة لا يكون قلقاً ولا شديد التأثر بما سيحصل له في المستقبل والقلق سبب كثير من الأمراض النفسية فإذا كان مؤمناً راضياً بقضاء الله وقدره ستكون حياته طيبة مستقرة آمنة وهادئة. في كلامنا الطبيعي عندما نسأل عن أحدهم كيف حاله فيقول عايش هذا خطأ تعني يأكل ويشرب فقط لأن المعيشة خاصة بالحيوان.
آية (٩٧-٩٩):
*الاستعاذة: (د. حسام النعيمى)
كل) لها قواعد في التعبير. (كل) إذا أضيفت إلى نكرة هذا يراعى معناها مثل (كل رجل حضر) (كل امرأة حضرت) (كل رجلين حضرا) إذا أضيف إلى نكرة روعي المعنى وإذا أضيفت إلى معرفة يصح مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، مثال: (كل اخوتك) اخوتك جمع يجوز أن يقال كل إخوتك ذاهب ويقال كل إخوتك ذاهبون، يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. إذن إذا أضيفت إلى نكرة روعي المعنى كل رجل حضر، كل رجلين حضرا، كل امرأة حضرت. (كل) لفظها مفرد مذكر ومعناها تكتسبه بحسب المضاف إليه. إذا أضيفت لنكرة يراعى المضاف إليه وإذا أضيفت لمعرفة يجوز مراعاة اللفظ والمعنى. نوضح القاعدة: كل الرجال حضر وكلهم حضر، إذا قطعت عن الإضافة لفظاً جاز مراعاة اللفظ والمعنى (كلٌ حضر) (كلٌ حضروا) يجوز، (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ (٢٨٥) البقرة) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) الأنبياء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) ق) مجموعة قوم نوح وعاد وفرعون قال كلٌ كذب الرسل، (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (١١٦) البقرة). إذن من حيث القاعدة النحوية أنه إذا قطعت عن الإضافة هذا سؤال (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لفظاً جاز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى يمكن أن يقال كلٌ في فلك يسبح وكلٌ في فلك يسبحون لكن هل هنالك اختلاف في المعنى في القرآن ليختار هذا أو ذاك؟ هذا هو السؤال. من حيث اللغة جائز. القرآن استخدم الاثنين (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) الأنبياء) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (٨٤) الإسراء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) ق). مما قيل في هذا الخلاف قال: الإخبار بالجمع يعني عندما يقول قانتوت حاضرون يسبحون يعني كلهم مجتمعون في هذا الحدث ولما يفرد يكون كل واحد على حدة ليسوا مجتمعين. لما يقال كلٌ حضروا يعني مجتمعون ولما يقال كلٌ حضر يعني كل واحد على حدة.
كم كان سِنُّ هذا الغلام؟ لم تحدده لنا السورة. لكن من يُرهِق أبويه طغياناً وكفراً ويُخشى أن يستمر في هذا لا شك أنه كان بالغاً أوكان قريباً من مرحلة البلوغ. هذا من خلال الجو العام (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) يعني أن يزيد في هذا.
(حتى إذا لقيا غلاماً فقتله) السؤال: هل كان بإمكان موسى - عليه السلام - أن يسكت؟هو أُريد له أن يُعلَّم أن علمه علم شريعة ظاهر، هناك مساحة فيما إختص الله عز وجل بعلمه حتى فيما ورد في بعض الأمور في القرآن في علمه. المعنى اللغوي والمعنى المفهوم وما في القرآن آية إلا وهي مفهومة، لكن ما وراءها. وسنأتي للكلام عن التأويل لاحقاً.
(قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) شيء عظيم ومن النظر في هذه العَظَمة سنجد بعض الآراء ولعل الذي نميل إليه أن الخضر لما أراد أن يحكي هذه القضية لأنها قضية عظيمة عظّم نفسه قال: (خشينا) بالتعظيم لأنها مسألة عظيمة. هنا قال موسى - عليه السلام - (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) والرسول - ﷺ - قال: رحِم الله موسى لو صبر لتعلّمنا منه الكثير من هذه الأمور. فموسى - عليه السلام - قطع على نفسه الطريق وكان في عجلة (وعجلت إليك رب لترضى). موسى - عليه السلام - هو أعطى على نفسه هذا الأمر.
(فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) لدني: أي من أعماقي كأن هذا الذي في قلبي أنت وصلت إليه ولذا لم يقل (بلغت من عندي). وصلت إلى هذا الموضع بحيث لا مجال فيه للإجتهاد بعد ذلك.
*ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة ؟
حسب التفاسير أن الخضر وموسى - عليه السلام - لم يجدا سفينة لما جاءا إلى الساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر ولهذا جاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً.
التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدي في مكة وتحدي في المدينة. السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤) الطور)، الحديث يمكن أن يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، بحديث مثله: الحديث مطلق. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) يونس) بسورة مثله، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) هود) بعشر سور، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) الإسراء) حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم. فكان أحياناً يطالبهم بحديث، أحياناً يقول لهم: فإتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة. سورة واحدة فكان يقول (مثله)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة طه للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء.. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
عندنا آيتان في كلمة "علم الكتاب". تعرفون قضية بلقيس وسيدنا سليمان والعرش (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴿٤٠﴾ النمل) الآية الثانية (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴿٤٣﴾ الرعد) آية تقول أن هؤلاء الناس عندهم علم من الكتاب وليس كل الكتاب هذه الآية تقول عنده كل علم الكتاب (كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) آيتان لا بد من البحث والتقصي عن أسباب الاختلاف بين علم الكتاب وعلم من الكتاب ولا يمكن أن يكون هذا عبثاً وكفى بالله في هذا الكتاب العزيز حُكماً. طبعاً المفسرون لو تتبعتوهم ما من رأي يشبه رأياً فالقضية من اللامعقول وكل واحد يحاول أن يستنبط وأن يضيف وأن يقيس وأن وأن ومن فضل الله أن كل ما قالوه كان صحيحاً مع اختلافهم فيما قالوه.
الحية جاءت في مكان واحد لبيان قدرة الله تعالى (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (٢١) طه) لم يقل أن موسى هرب أو فزع. ذكر ثعبان مع فرعون لأنه مخيف وذكر جان مع موسى لأنها تدخل الرعب على قلب موسى. ذكر ثعبان مرتين أمام فرعون وجان مرتين أمام موسى.
سؤال: لماذا لم يذكر جان مع فرعون؟ لأنه مع الملأ الموجودين إذا كانوا مئات وتأتي بجان واحد ماذا يؤثر؟ لذا اختار ثعبان لأنه يحتاج إلى ضخامة وقوة.
د. حسام النعيمى :
هذا السؤال يجرنا إلى قضية جوهرية نحب أن نتكلم عليها في مقدمة الحديث عن هذا الموضوع. وهو أن القصة في القرآن الكريم نجدها أحياناً مكرّرة ترد هنا وترد هنا وترد هنا. والقصة ليست للتسلية يقيناً وإنما هي للتربية والعِظة وأحياناً للإجابة عن تساؤلات: أحياناً أسئلة توجّه للرسول - ﷺ - وأحياناً سؤال في النفس الله سبحانه وتعالى يعلمه في نفوس الناس فيجيب عنه. قصة موسى - عليه السلام - من القَصص التي تتكرر بكثرة والسِرّ في ذلك هو أن حياة موسى - عليه السلام - والأحداث التي مرت بحياته متعددة ومتفرقة وطويلة تصلح أن تكون دروساً كثيرة للمجتمع المسلم سواء كان في زمن الرسول - ﷺ - أو في الأزمان المقبلة إلى قيام الساعة. القرآن الكريم يأخذ لقطة من القصة أحياناً: لاحظ مثلاً قصة إبراهيم - عليه السلام - أيضاً تكررت لكن ليس بهذه الكثرة، قصة لوط - عليه السلام - موجزة جداً ومختصرة، قصة إبراهيم فيها طول وأطول القصص قصة موسى - عليه السلام -.
هو لم يقل بغير حكمة وإنما قال بغير حساب. بغير حساب. هذه العبارة (بغير حساب) تحمل عدة معاني مهمة أولاً معناه لا يحاسبه أحد عما يفعل يرزق من يشاء ولا يسأله أحد لِمَ فعلت هذا؟ وهو لا يحاسب المرزوق على قدر الطاعة يعني هو لا يرزق الناس على قدر طاعتهم (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) الإسراء) يعني ليس الرزق دليلاً على رضى الله عن العبد وليس المنع دليلاً على سخط الله، هذا ليس في حسابه تعالى عندما يرزق، ليس في حسابه أن هذا مطيع فينبغي أن يمنع وليس في حسابه أن هذا عاصي فينبغي أن يُحرم، ربنا قال هكذا (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ) من غير تقتير ثم أمر آخر أنه لا يخشى أن تنفد خزائنه وتنتهي كما سائر الناس، الناس عندما ينفقون شيئاً يتأكدون هل عنده رصيد؟ هنالك أمور ينبغي أن يفعلها لكن ليس عنده رصيد حتى الدول عندما تنفق تحسب حساباً أما رب العالمين يرزق بغير حساب لأن خزائنه لا تنتهي. كل المعاني مقصودة وهذا الإعجاز الذي فيها. ثم من غير حساب من العبد يرزق العبد من غير أن يكون له حساباً (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (٣) الطلاق) ما كان له حساباً. إذن (بغير حساب) هو لا يُسأل عما يفعل لا يحاسبه أحد ويرزق كما يشاء ولو كان هناك مسؤول في الدولة يرزق عليه تدقيق ومحاسبة لكن ربنا تعالى لا يُسأل عما يفعل، و لايحاسب المرزوق أي لا يرزقه بحسب الطاعة من غير حساب لهذه المسألة ولا يخشى أن تنفد خزائنه ومن غير حساب من العبد يرزقه من حيث لا يحتسب، العبد يُرزق من غير أن يحسب لذلك حساباً. هذا توسع في المعنى، كل هذه المعاني في (يرزق من يشاء بغير حساب) هذه الآية من جوامع الكلم.
سؤال: ما معنى جوامع الكلِم؟
عبارة تأتي بمعانٍ كثيرة ومدلولات كثيرة.
قصة زكريا عليه السلام:
ذكرنا في الحلقة السابقة شيئاً عن هذه الآية قلنا قال (وصّينا) ولم يقل أوصينا وقلنا أسند الإيصاء إلى نفسه سبحانه للأمور المهمة قال وصّينا بضمير التعظيم وقلنا قال بوالديه ولم يقل بأبويه وذكرنا أن هذا خط عام في القرآن أن الوصية والبر والدعاء يذكر لفظ الوالدين. نلاحظ في هذه التوصية أنه ذكر الأم ولم يذكر الأب لأن الحمل والفصال هو للأم وليس للأب وهذه إشارة أنها أولى بحسن الصحبة مع أنه قال والديه وقلنا أن كلمة والديه تدل على أن الأم أولى بحسن الصحبة من الولادة وهنا قال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) ثم هو لم يقل وهناً فقط وإنما قال وهناً على وهن أي ذكر الضعف المستمر. الوهن هو الضعف يعني هو يثقل عليها دائماً وباستمرار ثم ذكر مدة الفصال ولم يذكر مدة الحمل أولاً لأن الفصال بيد المرأة تستطيع أن تفطم الرضيع متى ما تريد. حدد مدة للفصال عامين لو لم تلتزم المرأة تزيد أو تقل، بينما الحمل لم يذكر له مدة أولاً لأن الحمل ليس بيد المرأة كالفطام ثم الحمل قد يزيد وقد ينقص قد يكون مدة الحمل ستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانية أشهر (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا (١٥) الأحقاف) وابن عباس استند من هذه الآية أن الحمل قد يكون ستة أشهر لأنه قال في آية أخرى (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) إذن بقي مدة الحمل ستة أشهر معناه يصح الحمل في ستة أشهر، قد تضع المرأة حملها في ستة أشهر. لم يذكر الحمل هنا لأنه ليس بيد المرأة الفصال بيد المرأة. هنا الوهن وصف الحمل لأن كل يوم يمر عليها يكون ثقيلاً عليها يوهنها ويضعفها وهو ليس على وتيرة واحدة كلما كبر الجنين يثقل عليها إذن هو وهن على وهن.
الآية الأولى في سورة يس والأخرى في سورة القصص في قصة موسى - عليه السلام -. (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يعني هو فعلاً جاء من أقصى المدينة أي من أبعد مكان فيها. (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) ليس بالضرورة ذلك وإنما تحتمل هذا المعنى وغيره. تحتمل أنه فعلاً جاء من أقصى المدينة وتحتمل لا هو من سكان تلك الأماكن البعيدة لكن ليس مجيئه من ذلك المكان ليس بالضرورة. كما تقول جاءني من القرية رجال تعني أن المجيء من القرية، جاءني رجال من القرية أي قرويون هذا يحتمل معنيين في اللغة، هذا يسمونه التعبير الاحتمالي. هناك نوعين من التعبير تعبير قطعي وتعبير احتمالي يحتمل أكثر من دلالة والتعبير القطعي يحتمل دلالة واحدة. لما تقول جاءني رجال من القرية تحتمل أمرين الرجال جاءوا من القرية أي مجيئهم من القرية وجاءني رجال من القرية احتمالين أن المجيء من القرية وتحتمل أنهم رجال قرويون ولكن ليس بالضرورة أن يكون المجيء من القرية. كما تقول: جاءني من سوريا رجل يعني رجل سوري وجاءني رجل من سوريا ليس بالضرورة أن يكون جاء من سوريا، جاء من سوريا رجل يعني جاء من سوريا. وجاء من أقصى المدينة رجل يعني جاء من أقصى المدينة، أما جاء رجل من أقصى المدينة ليس بالضرورة فقد يكون من سكان الأماكن البعيدة، مكانه من أقصى المدينة لكن ليس بالضرورة أن المجيء الآن من ذاك المكان وقد يكون من مكان آخر..
*(وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٣٢) النساء) لاحظ كيف أتى النهي عن طلب حصول نصيب الآخرين بالتمني ولم يأت بالنهي عن الرغبة أو السؤال بينما قال (واسألوا الله من فضله) ولم يقل وتمنوا من الله فضله، فما سرُّ هذا الاستعمال؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إن التمني هو طلب الحصول على شيء أقرب ما يكون من المستحيل لذلك عبّر الله تعالى عن تطلّع النفوس إلى ما ليس لها بالتمني لأن ذلك قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد ومن ثمّ ما كان لغيرك فلا يكون لك وأما الطلب من الله تعالى فعبّر عنه بالسؤال أن ذلك مما يمنّ الله تعالى به على عباده السائلين.
آية (٣٤):
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (٣٤) النساء) انظر إلى البيان الإلهي وهذا التمثيل الرباني لحالة الرجل الذي وُكِل إليه الكسب والحفظ والدفاع عن زوجه. فقد شبه اهتمامه بحالة القائم لأن شأن القائم الذي يهتم بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره.
آية (٣٦):
*ما دلالة الشرك فى قوله تعالى(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا (٣٦) النساء)؟(د. فاضل السامرائى)
شيئاً فيها احتمالان وليست مثل (ولا يشرك به أحداً) أحداً يعني شخص. (شيئاً) فيها دلالتان إما شيئاً من الشرك لأن الشرك هو درجات هناك شرك أصغر وشرك أكبر أو شيئاً من الأشياء كل شيء سواء كان أحداً من الناس أو الأصنام أو غيره. إذن (لا تشركوا به شيئاً) فيها دلالتان: لا تشركوا به شيئاً من الشرك ولا شيئاً من الأشياء، لا شيئاً من الشرك بأن تستعين بغير الله فالشرك درجات كما أن الإيمان درجات ولا شيئاً من الأشياء.
الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أن يفعل شيئاً. والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم لما يقول (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) الملك) حسير أي منقطع، إرجع البصر كرتين، ثم ارجع البصر، الحسير المنقطع. الحسير المنقطع والحسرة هي أشد الندم بحيث ينقطع الإنسان عن أن يفعل شيئاً ويقولون يكون تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع. (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ (٣٠) يس) هذه أكبر الحسرات على الإنسان وليس هناك أكبر منها. الندم قد يندم على أمر وإن كان فواته ليس بذلك لكن الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات وحتى قالوا ينقطع تماماً. يقولون هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه (أدرك إعياء عن تدارك ما فرط منه). في قصة ابني آدم قال (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١) المائدة) الندم له درجات أيضاً ولكن الحسرة أشد الندم، هي من الندم لكن أقوى من الندم يبلغ الندم مبلغاً. (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ (١٦٧) البقرة) منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية.
* (قَالَ يَا وَيْلَتَا (٣١) المائدة) لِمَ عبّر قابيل عن فظاعة جرمه بنداء الاستغاثة (يا ويلتى) ولم يقل يا أسفاه أو واحزناه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
لأنه بفعله هذا قد استحق الويل والثبور ولن يفيده الأسف والكمد والحزن.
آية (٣٢):
قال تعالى (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦)) هو قال (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا) ذكر أنه أنعم عليهم بالهداية، ونوحاً هداه وكذلك داوود أصبح قائداً وصار ملكاً، سليمان وهبه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، أيوب آتاه الله أهله ومثله معهم وآتاه مالاً كثراً، يوسف صار عزيز مصر، موسى وهارون أكرمهم الله بالرسالة ونصرهما على فرعون أما يعقوب أبو الأسباط وهو أبو العزيز وابنه رفعه على العرش قال (وكذلك نجزي المحسنين) لأن الله تعالى جازاهم كلهم، المحسن يجزيه كما جزى هؤلاء. بعدها قال (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥)) زكريا قُتل، يحيى قُتل، عيس حاولوا قتله، إلياس طلبه الملك فهرب إلى الجبال فلا يستوي أن يختم الآية بكذلك نجزي المحسنين وإنما قال (وكل من الصالحين). (
طبعاً وأحياناً يحصل العكس مثلاً عطى وأعطى، عطى تناول، أعطى أخذ (عطوت يعني أخذت)
(لا تعطوه الأيدي) لا تتناوله. عطى تناول، أعطى أخذ ليس لها علاقة أن تكونا مادة واحدة. فقط كونها أطول أو أقل أو مبالغة أو غير مبالغة مثل كسر كسّر، فتح وفتّح، قطّعت اللحم (قطّع صغيرة).
سؤال: القرآن الكريم يراعي البناء الصرفي للحالة التي يتكلم عنها؟ هل العرب كانت تنحو هذا المنحى في كلامها؟
طبعاً. هي تفهم لكن لا تستطيع أن تتكلم هذا الكلام، هي تفهمه لكن هل تستطيع أن تفعل هذا في هذه السعة كلها؟
سؤال: إذا كانت تفهم هذا الكلام فلم لم تسطع أن تأتي بمثله؟
أنت تفهم كلام المتنبي لكن لا يمكن أن تقول شعراً مثله!.
آية (٩٦):
* ما اللمسة البيانية في قول "فتح الله لك" وليس "فتح الله عليك"؟(د. فاضل السامرائى)
يقال فتح لك وفتح عليك لكن فتح عليك يكون من فوق قد يكون في الخير والشر (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) الحجر) (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) المؤمنون) (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (٩٦) الأعراف) (قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (٧٦) البقرة) إذن فتح الله عليك تأتي في الخير والشر لكن تأتي من فوق.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
أولاً كافر جمع صفة، جمع الصفات جمع سالم يقولون يقربها من الفعلية (الحدث) وجمع التكسير يقربها إلى الإسمية. لو ضربنا مثلاً لو قلت دخلنا الدائرة فوجدنا الكُتّاب غير كاتبين، كُتّاب غير كاتبين، إذن كتاب يراد بها الأشخاص (إسمية) وكاتبين يراد بها الحدث، فالحدث عبّر عنه بجمع المذكر السالم. (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ (٣٥) الأحزاب) لم يقل والحفظة، الذين يحفظون فروجهم. مثلاً تقول "دخلنا المحكمة وجدنا الحُكّام حاكمين ومنصرفين"، الحُكّام الأشخاص وحاكمين الحدث، هكذا قرر الأولون أن الجمع السالم يقربه من الفعلية الحدث ويبعده عن الإسم وجمع التكسير يقربه للإسم، كفار جمع تكسير وكافرين جمع مذكر سالم، فلما قال (جَاهِدِ الْكُفَّارَ) يعني هؤلاء أشخاص ولو قال كافرين سيقربه للفعلية الحدث، هذا أعم. إضافة إلى أنه عندنا قاعدة جمع المذكر السالم إذا كان هنالك معه جمع تكسير فهو يدل على القِلّة يعني كُفّار أكثر من كافرين، ثم كُفّار فيها عنصر المبالغة الذين يكفرون بكثرة، إذن أقرب للمبالغة. فإذن هنالك أمران بين جمع السالم وجمع التكسير، الجمع السالم يقربه من الحدث، يقربه من الفعلية وجمع التكسير يبعده عنه ولذلك الإعمال هو يُعمله بالجمع السالم عندما يأخذ مفعولاً به في الغالب يكون الجمع السالم (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) لم يقل الحفظة مع أنه وارد هو جمع لكن ليس فيه معنى الحدث وما يود التركيز عليه هنا الحدث في الكافرين الحدث وفي الكفار يركز على الأشخاص، الحكام غير حاكمين، سواق غير سائقين سواق هم الأشخاص وسائقين الحدث، إذن كفار أشخاص وكافرين الحدث.
آية (٦٩):
فما هي (لا)؟ اختلف النحاة في دلالة (لا): كلام عام من (لا أقسم عموماً) يقولون (لا) زائدة لتوكيد القسم بمعنى (أقسم) مثال قولنا: والله لا أفعل معناها لا أفعل، ولو قلنا: لا والله لا أفعل معناها لا أفعل، لا يختلف المعنى والقسم دلالة واحدة. وقسم يقولون هي للنفي (أي نفي القسم) والغرض منه أن الأمر لا يحتاج للقسم لوضوحه فلا داعي للقسم، وقسم قال أنها تنفي لغرض الإهتمام كأن تقول لا أوصيك بفلان (بمعنى لا أحتاج لأن أوصيك). وفي السورة (لا أقسم بهذا البلد) تدور (لا) في كل هذه الأمور على أنها توكيد للقسم بمعنى (أقسم بهذا البلد)، إذن الغرض للتوكيد لأن الأمر فيه عناية واهتمام.
آية (٢):(وأنت حل بهذا البلد)
ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (حِلّ) عوضاً عن كلمة حالّ أو مقيم؟
بداية السورة (لا أقسم بهذا البلد - وأنت حلّ بهذا البلد - ووالد وما ولد - لقد خلقنا الإنسان في كبد - ) المعنى العام أنه أقسم أو لم يقسم بهذا البلد في وقت حلول الرسول في البلد أنه خلق الإنسان في الشدائد لكن يبقى السؤال (وأنت حل) ما معنى حل؟ الرأي الأشهر أنه الحالّ والمقيم أي بمعنى وأنت حالٌ في البلد تبلّغ دعوة ربك وتلقى من الأذى ما تلقى. إذا كان هذا هو المعنى فلماذا لم تأتي كلمة (حالّ) بدل (حِلّ)؟ لأن كلمة (حل) لها أكثر من دلالة ولا تقتصر على الدلالة المتبادرة للذهن:
(حل) تأتي بمعنى اسم المفعول أي بمعنى (مُستحِل) (على صيغة وزن من أوزان أسماء المفعول مثل الطحي من طحيناً والذبح، ما يعدّ للذبح، والحِمل اي الذي يُحمل). لأن صيغة فعل هي من جملة أوزان أسماء المفعول الذي له أكثر من ثمانية أوزان (فعل مثل سلب ونهب). لا أقسم بهذا البلد وأنت مستحلٌ قتلك لا تراعى حرمتك في بلد آمن يأمن فيه الطير والوحش (إذا كانت لهذا المعنى فلا تكون نافية).
أن) الناصبة تفيد الاستقبال في اللغة وهي من مخلّصات الفعل للاستقبال وعند النُحاة النصب علم الاستقبال نصب الفعل المضارع علامة الاستقبال وعندهم النواصب هي مخلصات الفعل للإستقبال. إذن حسب هذه القاعدة (أن) الناصبة تفيد الاستقبال. والفرق بينها وبين الآية التي قبلها (وما لكم لا تؤمنون) أن الإيمان لا يحتمل الاستقبال ولا بد أن تؤمن الآن فلا تدري بعد دقيقة ما الذي سيحصل. أما الإنفاق فيحتمل الاستقبال (أن لا تنفقوا) محتمل أن يكون مطلوب مني الجهاد لكنه غير واقع الآن وقد يكون نصاب الزكاة وقد لا يكون عندك نصاب الزكاة في الصدقات قد لا يكون عندك صدقة ولك أن ترجئها. فرق بين الإيمان والإنفاق فالانفاق يحتمل الإرجاء أما الإيمان فلا يحتمل الإرجاء ولذلك قال تعالى (وما لكم لا تؤمنون بالله) لكنه قال (وما لكم ألا تنفقوا).
*(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) إسم الموصول (من) جاء مع مفرد (أنفق) ثم قال تعالى (والذين أنفقوا) إسم الموصول صار جمعاً (الذين) والفعل جمع (أنفقوا) فما الفرق؟
يبقى هنالك (إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ (٧٥) مريم) هذا ما يوعدون به، العذاب محتمل العذاب الدنيوي بغلبة المؤمنين كما ذكرنا في آية الجن فيكون هذا مناسباً لما تقدم الآية أيضاً (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)) هذه في الدنيا ومناسب لما ختمت به السورة (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨) مريم). إذن إذا كان عذاب الدنيا فله أيضاً في السياق ما يؤيده وإذا كان الساعة الستعة مذكورة فله في السياق أيضاً ما يؤيده. إذن التعبير في هذا التفصيل له ما يدعو إليه ويناسبه في السياق ولم يكن مثلما ذكر في سورة الجن الذي هو جزء من آية. هذا من حيث التفصيل يبقى من حيث الاختلاف في العلم.