وحطوا لي أباجاد وقالوا تعلّم سعفصاً وقريّشات
وما أنا والقراءة والتهجّي وما حظ البنين من البنات.
معناه الأمة صارت قارئة. لما الأمة صارت قارئة حافظة عند ذلك عمر بثاقب بصره وجد أنه ينبغي أن يجتمعوا على حرف قريش لأن القرآن نزل بلغة قريش وعلى حرف قريش والأحرف الأخرى كانت رُخصاً من الله سبحانه وتعالى هذا نستفيد منه الآن. نحن قلنا الترخيص معناه في كتاب الله يمكن أن أقرأ أنا مالك يوم الدين وتقرأ أنت ملك يوم الدين ويكون ما قرأت أنا صحيحاً ويكون ما قرأته أنت صحيحاً من غير تشنج ومخاصمة. لكن الحاكم الذي يريد أن يوحّد الأمة كان له رأي آخر. تبقى هذه إذا قرأت مما هو ثابت على السبعة أو العشرة فقراءتك صحيحة عند الجمهور الأغلبية يقول في السبعة فقط. لكن نرى لماذا صنع عثمان الصنيع الذي قال عنه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: لو كنت أنا لفعلت مثل ما فعل عثمان. الذي فعله عثمان هو أنه جمع الناس على حرف قريش أراد للناس أن تجتمع على حرف واحد. الصحابة كانوا انتشروا في الآفاق (وهذا كلام موجز لفكرة الحروف والقراءات حتى يفهمها المشاهدون من غير أهل الإختصاص ولماذا جاءت ملك ومالك ورُخّص لكليهما) كان الصحابة قد انتشروا في الآفاق وكلٌ أقرأ بما أُقريء وفقاً لقبيلته وما أجازه - ﷺ - عن ربه وليس من عنده - ﷺ -. لما جاءت نسخ المصاحف التي كتبت في زمن عثمان بإجماع الصحابة. مكي ابن أبي طالب القيسي يقول في كتابه الإبانة عن القراءات يقول أجمع ما يزيد على اثني عشر ألف صحابي على صحة ما فعل عثمان.
عندما يأتي الفعل يريد وبعده أن وفعل آخر هذا إعلان الإرادة أريد أن أعلمك فقط أعلن نيتي أنا ما علمتك بعد، عندما أريد أن أعلمك أريد أن أعاقبك أريد أن أجزيك كل هذا إعلان للفعل أنا سأفعل هذا هذا وعدٌ سواء كان وعداً أو تهديداً أو تكريماً أو ما شاكل ذلك أريد أن أفعل كذا. إذا أقول أريد لأفعل كذا باللام المضمرة معناها إني قد اتخذت الأسباب وباشرت الفعل لما أقول أريد أن أعلمك هذا بعد ما بدأنا وعد أريد لأعلمك يعني أنا أحضرت الدفاتر والأوراق والكتب وفرشتها تعال اجلس، قلت ماذا تريد مني؟ أريد أن أعلمك أريد لأعلمك هذا في كل الآيات (يريد الله ليتوب) اتخذ الأسباب وهذه الأسباب وما أكثرها في هذا الدين. كذلك تقول الآية (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٧٢﴾ يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٢﴾ الزمر) هذا فرق وهذا فرق يعني على هذا الأساس هناك فقط إعلان الأمر (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) اتخذ الأسباب كاملة وطبعاً نحن تعلمنا أنه الآن كل فعل أراد ويريد إذا جاء بالأن والفعل معناها إعلان إذا جاء باللام لام التعليل المضمرة بعدها قل ليتوب، ليعفو، ليضلوا، معناها اتخذوا الأسباب وطبقوا ما وعدوا به وما هددوا به.
آية (٧٣):
*ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة عاقبة مرة وتأنيثها مرة أخرى ؟(د. فاضل السامرائى)
هذا أمر نحوي لأن الفعل هو عاند وهو فعل يتعدّى بنفسه والمتعدي بنفسه هذا عندنا أمرين يمكن أن يوصل المفعول باللام وتسمى لام المقوية في حالتين: يُدخل اللام على المفعول به يعني فيما هو لو حذفناها يرجع مفعول به نأتي باللام إن شئنا (لام المقوية) : الحالة الأولى أن يتقدم المفعول به على فعله كما في قوله تعالى (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) الأعراف) والمقصود يرهبون ربهم (لربّهم) مفعول به مقدّم، والثاني إذا كان العامل فرعاً على الفعل كأن يكون إسم فاعل أو صيغة مبالغة كما في قوله تعالى (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) فاطر) فعل صدّق يتعدى بنفسه والأصل هو مصدقاً ما معه ويصح قوله لكن جاء باللام المقوية لأن العامل فرع على الفعل كقوله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) هود) جاء باللام المقوية لأن العامل هو صيغة مبالغة.
* ما دلالة الإستثناء في قوله تعالى في سورة هود (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨))؟(د. حسام النعيمى)
هي وردت في مكانين (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)) (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يأتي من أتى - يأتي هي في الأصل بمعنى جاء مع فارق بين المجيء والإتيان يتناسب مع الجيم. لاحظ هذه الجيم والألف والهمزة، أتى: الهمزة والتاء والألف الذي يقابل التاء والجيم. الجيم انفجاري، مجهور، قوي. التاء انفجاري، مهموس. فالإتيان أخف من المجيء، المجيء يحتاج إلى قوة، إلى جهد (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي) والقميص قميص يوسف وليس قميصاً توارثه عن الأنبياء من قبله كما يقول بعض الناس فهو قميصه لأن عادة بعض الناس ملبسه يكون له رائحة معينة، رائحة جسمه فممكن أن تعرف من أولادك هذا القميص لفلان أو لفلان من رائحته، ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) إذا ألقوه على وجهه سيكون بصيراً وسيأتي إلي في هيئة مبصرة سيأتي بشكل هادئ. يقوّي هذا المعنى أنه يراد به المجيء إليه بأنه يأتي وهو مبصر لأنه قال بعد ذلك (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) فعطف عليه أتوني وعناه أنه سيأتي إلي مبصراً.
لماذا استخدام لفظ الشيطان بدل ابليس مثلاً؟
يقولون ابليس من البَلَس الذي هو نوع من الخنس والاختباء وهذا المعنى لا ينسجم مع المعنى في الآية أما كلمة الشيطان فهي من الشطن والامتداد فكأنه يمتد اليكم وليس خائفاً خانعاً مبلساً ولهذا نقول دائماً كل كلمة في كتاب الله تعالى مرادة مقصودة لذاتها.
لماذا جاء الوصف هنا بالرجيم؟
التخويف من الشيطان يجعل قلب المسلم في هيبة كبيرة من هذا المخلوق فأنت لجأت الى الله وعُذت به لكن لا تتصور أن الشيطان بهذا الجبروت تُرِك على جبروته فهو ذليل مرجوم. وبالعودة الى اوصاف الشيطان في القرآن كلها لا تنسجم مع معنى آية الاستعاذة. فنجد صفة الكفور ولم تستعمل هنا لأن الكفور قد يكون متجبراً وكافراً لكن ليس فيه اذلال وجاءت صفة أنه عدو مبين وللرحمن عصياً (صفة العاصي) وللانسان خذولا (مارك متمرد ومريد) وكل هذه الصفات لا تعطي صورة الإذلال والضرب بالحجارة من السماء أي الرجم (وجعلناها رجوماً للشياطين) فاختيار كلمة الرجيم لتقليل شأن الشيطان وإذلاله حتى لا تكون للشيطان منزلة مخيفة وأكذّ على ذلك قوله تعالى في الآية التي تلت (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)).
وأكّد على ضعف الشيطان في الآية بعدها حيث يعود للجمع (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) فالمناوبة بين الإفراد والجماعة هي مناوبة والتفات لغاية وحكمة أن الحياة الطيبة يريدها الانسان وجزاء الجنة جزاء جماعي لا فردي والاستعاذة من الشيطان أمر فردي لكن جعلك جزءاً من مجموع لا يقدر عليهم الشيطان (الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون).
أو واقع ضمن مشهد يحسن السؤال أو يتناسب السؤال مثل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) طه) هذه واقعة ضمن مشاهد القيامة قبلها قال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (١٠٧ طه) السياق هو هكذا (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (١٠٨) طه) هي وقعت في أمر يتناسب فيه السؤال. إذن إما أن تكون ضمن أسئلة متعددة فيبدأ بالأول بلا واو والأخرى عاطفة أو هو ضمن متعاطفات كما ذكرنا أو الموقف يحسُن فيه السؤال.
آية (٨٨):
*ما الفرق بين (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (٢٣) البقرة) و(مثله)فى كل القرآن؟ (د. حسام النعيمى)
*ما دلالة تكرار كلمة الأهل في الآية (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ؟
حتى يكرر ذكر الأهل تشنيعاً بهم. وينفر من ثقل توالي الضمائر في هذه الكلمة التي تطول لو قال (إستطعماهم). الكلام صار على إثنين معناه فتى موسى لم يعد معهم.
(فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه) الكلام أن الذي وجده هو الخِضر لكن يصير الكلام على الإثنين لأن المتبوع هو الأصل والتابع لاحق. (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض) نسب الإرادة إلى الجدار معناه كأنه يوشك ويرغب، هو يريد أن يبين لنا أنه قارب الإنهيار، الإنسان إذا أراد شيئاً يحاول أن يفعله فأضفى الحياة على هذا الجدار وأعطاه إرادة حتى يصوّر لنا كيف أنه متهاوٍ، يكاد يسقط، يريد أن ينقض. (فأقامه) هذه الإقامة والتعديل هل هدّمه وأعاده. هل مسح عليه ورجع؟ هو بذل جهداً في شيء، أصلحه. أُناس لم يكرموهم ولم يطعموهم جاء إعتراض موسى خفيفاً رقيقاً.
(لو شئت لاتخذت عليه أجرا) هو إعتراض ضمني: أنت ضيّعت علينا فرصة الطعام (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) فأنت لم تتخذ أجراً لأنك ما شئت. وكان يمكن أن تشاء وتأخذ أجراً فنأكل. (لو شئت) إعتراض.
فقال الخِضر (هذا فراق بيني وبينك) : تكلمنا على كلمة بين (مجمع بينِهما). هنا لو قال هذا فراقٌ بيننا أو فراقٌ بيني وبينك ينصب على الظرفية، ينوّن وينصب، لكن تكون البينية عندئذ للفراق غير ملازمة ويمكن أن يعودا مرة أخرى للقاء. (هذا فراقُ بيننا بيننا) كأن الفراق صار فاصلاً بيننا.
**والأمر الآخر أننا نلاحظ أن الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟ لو لاحظنا المفسرين نجد أنهم وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال من مثله أي من مثل القرآن وآخرون قالوا أن من مثله أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول - ﷺ -. وعليه فإن (من مثله) أعمّ لأنه تحتمل المعنيين أم (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. الإحتمال الأول أظهر في القرآن ولكن اللغة تحتمل المعنيين. وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فاتوا بسورة مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الإفتراء و(من مثله) أعمّ من (مثله).
***ثم هناك أمر آخر وهو أنه حذف مفعولين الفعلين المتعديين (تفعلوا) في قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والحذف قد يكون للإطلاق في اللغة كأن نقول: "(قد كان منك ما يؤذيني" هذا خاص و" قد كان منك ما يُؤذي" وهذا عام. وإن كان المعنى في الآية هنا محدد واضح لكن الحذف قد يعني الإطلاق عموماً (سياق التحديد ظاهر جداً والحذف قد يأتي في مواطن الإطلاق فحذف هنا).
*د. أحمد الكبيسى :
إذاً هناك نوعين من الكتب هناك لكل شيءٍ كتاب (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴿١٠٣﴾ النساء) كل ما في هذا الدين أجزاء متكاملة في كتاب (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴿١٤٥﴾ آل عمران) كتاب الموت، هذه الكتب جميعاً وهي بالمئات بل بالآلاف التي تحوي أمر الله وقدرته وعلمه المتعلق بذلك الشيء بالكامل هذه كلها مجموعة في كتاب واحد سماه الإسلام اللوح المحفوظ. هذا اللوح المحفوظ كتاب الكتب، كل الكتب فيه. كل واحد من الناس قد يعرف كتاباً من الكتب وهذا في كل البشرية سواء كان يهوداً أو نصارى أو مسلمين كل من له نبيٌ ورسولٌ من السماء وله كتاب من الكتب المقدسة تجد فيهم واحد اثنين ثلاثة يسمونهم الأحبار، يسمونهم الرهبان، يسمونهم العلماء، يسمونهم العارفون بالله أنواع من التسميات أن هذا الإنسان له إلمام بالله عز وجل من حيث قدرته ومخلوقاته عندما يتأمل ويتفكر أصبح رجلاً يستطيع أن يشرح لك ما في كتاب هذا الكون والكون فيه كتاب كامل، دليل كامل. إذا كان دليل السيارة جزئي فاللوح المحفوظ هو الكتاب الكامل الذي فيه هذا الكون. من هو الذي يعرف بعض الكتاب والكتاب؟ آراء المفسرين كثيرة ناس قالوا هو سليمان نفسه وناس قالوا أحد وزرائه وناس قالوا لقمان الخ أشكال.
لا بد أن ننظر في السياق وسنقف عند (فلما جاءها) و (فلما أتاها) المجيء والإتيان معناه أنه وصل للمكان، لمِ استعمل هنا كلمة جاء وهنا كلمة أتى؟ هذه لمسة بيانية. الآية في القرآن تُفهم لوحدها لكن إذا أردنا دقائق أسرارها حتى نتبين سموّها فينبغي أن ننظر في عموم السياق وفي الجو العام. كيف سكت العربي ولم يحاول أن يحاكي القرآن وينتهي الإسلام؟ لا تكرار في القرآن وحينما نتأمل في القرآن الكريم نجد أن كل كلمة في موضعها. إذا قال في النمل (فلما أتاها) وفي القصص (فلما جاءها) هو المعنى واحد ولكن يكون هناك خلل. لا تتناسب جاءها مع جو الخوف الذي هنا تتناسب مع جو القوة، أتاها هي التي تتناسب مع جو الضعف.
إذا استعرضنا الآيات في كلتا السورتين نجد فروقات منها: ثلاث ليال وثلاثة أيام، وسبحوا بكرة وعشيا (نكرة) واذكر اسم ربك وسبح بالعشي والإبكار (معرّفة)، وتقديم مانع الذرية من جهة زكريا على جهة زوجته في آية وتأخيرها في الثانية، وذكر الكبر مرة أنه بلغه ومرة أن زكريا بلغه، وتقديم العشي على الإبكار مرة وتأخيرها مرة، وطلب الله تعالى من زكريا التسبيح له مرة وطلب زكريا من قومه التسبيح لله، وسياق الآيات في السورتين يدل على أمور أخرى، وهنالك أكثر من مسألة تجعل المشهدين متقابلين تقابل الليل والنهار وسنستعرض كل منها على حدة فيما سيتقدم:
لا قال بوالديه لكن أيهما أولى بحسن الصحبة؟ قال بوالديه ولم يقل بأمه وهي أولى بحسن الصحبة كما في الحديث. ذكرنا في الحلقة الماضية أن أبوين ووالدين كلاهما من حيث اللغة تغليب المذكر، الوالدان هما الوالد والوالدة تثنية الوالد والوالدة لكن غُلِّب فيها لفظ المذكر وهو الوالد والأبوان هما الأب والأم لكن غُلِّب بلفظ المذكر الذي هو الأب إذن كلاهما تغليب المذكر وهذا ورد في اللغة يقولون القمران أي الشمس والقمر لكن قلنا في الخط القرآني العام يذكر مع الوصية والدعاء البر يذكر الوالدين أما في المال فيذكر لفظ الأبوين لأن لفظ الأب له نصيبه في الميراث أكثر. الذَكَر عموماً أكثر من الإناث (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (١١) النساء) (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا (١١) النساء). في أمور الدين والطاعات يقول يوصّي وفي غير ذلك يقول يوصي والوالدان يستعملها في البر والدعاء لهما ولم يأت في القرآن في الدعاء والبر بلفظ الأبوين وقلنا ويستعمل الأبوين للجد (كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ (٦) يوسف) واستخدم أبويكم في الجنة لآدم وحواء (كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ (٢٧) الأعراف). وذكرنا قصة يوسف وقلنا فيها ما قلنا وهناك سؤال قد يثار في الذهن: لماذا لم تذكر أم يوسف مع أنها كانت حزينة على يوسف؟ في القصة كلها الأب هو مثار الحزن وفقد بصره ثم هناك حقيقة أن هذا من حسن التقدير لأم أم يوسف لأنها أم يوسف وأم أخيه وليست أم الأبناء الآخرين فلا تستطيع أن تواجههم بالكلام وقد يُسمعونها كلاماً لا يرضيها لأنها ليست أمهم وبمثابة الغريبة بينما هو أبوهم يستطيع أن يقرّعهم وهذا من حسن التقدير لها فقد تكتم في نفسها ولا تستطيع أن تقول.
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( ٢٠) القصص) هذه الآية لو تأملناها: لما يأتي النظام على صورته الطبيعية المفروض أن لا يرد السؤال فالنظام طبيعي هو أن يأتي الفعل، الفاعل ثم المتممات للفعل مثل المفعول به أو المفعول معه أو الحال أو التمييز أو غيره. هذا نظام الجملة العربية فعل وفاعل ومتممات فلما يأتي نظام (جاء رجل) هذا على النظام طبيعي المفروض لا يُسأل عنه. مع ذلك لأنه ورد في مكان آخر (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) يس) يرد السؤال لِمَ لم يحدث تغيير هنا كما حدث في الآية الأخرى؟ نحن سنشرح لماذا حدث التغيير في الآية الثانية؟ السؤال لم لم يحدث فيه تغيير كما هو حدث في الآية الثانية يعني أن يقول في غير القرآن: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك) هذا الرجل مقصود من الآية أن إنساناً حذّر موسى وكان لإهتمامه أنه جاء يسعى من أقصى المدينة فللإهتمام بالرجل الذي عرّض نفسه للمخاطرة لما يأتي ويحذّر موسى أن هناك من يأتمر بك ويُعرّض نفسه للخطورة ولذلك كان الإهتمام به فقدّم (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) لأنه جاء محذّراً ثم ذكر المكان الذي جاء منه والهيئة التي جاء بها على أن الأصل أن يأتي بعد الفعل مباشرة لكن مع ذلك حتى هذا الأصل حوفظ عليه لأن هناك إهتمام بهذا الإنسان الذي عرّض نفسه للخطر، يعني ليس هناك إهتمام بأقصى المدينة.
إتصال من الأخ الفهيقي من السعودية: هل يعتبر العلم أمانة وإذا كان يعتبر العلم أمانة ما هو الواجب نحو هذا العلم؟ الإجابة: ما من أمانة أثقل من أمانة العلم يوم القيامة ولهذا الذي يشتغل بالعلم إما أن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وإما أن يكون أول من تسعر به النار يوم القيامة. يقول النبي ﷺ (يوم القيامة يدخل بعض القراء) القراء يعني العلماء (النار قبل عبدة الأوثان فيقولون أيبدأ بنا قبل عبدة الأوثان؟ فتقول لهم زبانية النار: نعم ليس من يعلم كمن لا يعلم) هذه نعرفها، هذه مصيبة ولهذا كان الصحابة لا يفتون كما نفعل نحن أنا ونجيب ما في فتوة لكن نسأل الله تعالى أن يغفر لنا عثراتنا ما دمنا بحسن نية.
وفى إجابة أخرى للدكتور الكبيسى :
قال تعالى في سورة المائدة (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿٣٢﴾) أو فساد معطوفة على بغير نفس بمعنى (أو بغير فساد) أي قتل النفس بغير أن تُفسد في الأرض لا يجوز.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) المائدة) قدّم (فِي الأَرْضِ) على قوله (لَمُسْرِفُونَ) ليلفت نظرنا إلى عِظَم الفساد فهم يفسدون في الأرض التي بها حياتنا والنفس تنفر من إفساد ما به صلاحها.
آية (٣٣):
* ما سبب تقديم وتأخير خزي في آية سورة المائدة (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣)) (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١))؟(د. حسام النعيمى)
هذا مرتبط بالمعنى هنا الإرتباط بالمعنى. غيّر نظام الجملة لأجل المعنى. لذلك نحن قلنا حتى عند الشعراء لما يغير نظام الجملة يقدم ويؤخر يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه المفروض العطف والمعطوف عليه يكونان ملتصقان. لاحظ الآية ٣٣ في سورة المائدة فيها ذكر عقوبات والعقوبات منظورة فهي مُخزية: يعني هم يحملون خزيهم ظاهراً أمام الناس فقدّم الخزي. الآية ٤١ أجّلت عقوباتهم فتأخرت كلمة الخزي.
*(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)) عبّر الله عن الإعطاء بالوكالة فقط (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا) فلِم قال (وَكَّلْنَا) ولم يقل فقد آتيناها؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إذا رجعنا إلى معنى التوميل رأيناه أن تسند تدبير أمر لك إلى شخص يتولى تدبيره ورعايته والحفاظ عليه ولذلك خصّ الله إيتاء الإيمان بالوكالة لأنها تقتضي الأخذ للإيمان مع الحفظ والرعاية ففيها أخذ وصون وأما الإيتاء فيقتضي الأخذ ولكن ليس بالضرورة أن يحفظ ما أخذه.
آية (٩٠):
* (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠) الأنعام) تتكرر في القرآن وتأتي (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (١٠٤)يوسف) فمتى تأتي (من أجر) ومتى تأتي (أجراً)؟(د. فاضل السامرائى)
*(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (٩٧) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٩٩)) الكلام في الآيات مسوق للتعجب من حال أهل الكفر في أمنهم لمجيء البأس. ولكنه يطالعك تقييد هذا التعجب بوقتي البيات والضحى وبحالي النوم والتعب هل يعني ذلك أن عذاب الله وبأسه لا يجيء في غيرهما من الأوقات؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
في الواقع أن الوقتين أجدر بأن يحذر حلول العذاب فيهما لأنهما وقتان للدعة والراحة. فالانسان يكره أن ينغِّص عليه وقت راحته فكيف إذا علم مسبقاً أن هذا الوقت هو مدعاة للعذاب والغضب؟ لا شك أنه سيجعله وقت راحة ولكنه خالٍ من المعصية.
*قال تعالى (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (١٠٠)) ألا تجد أن الأولى ظاهراً أن يكون الزمن بصيغة الماضي فيكون وطبعنا على قلوبهم بدل (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ)؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
بَيْد أن البيان الإلهي جاء بالفعل المضارع وما ذاك إلا ليدل على استمرار هذا الطبع وازدياده آناً فآناً. ثم داء بالفعل (لاَ يَسْمَعُونَ) وكان السامع ينتظر أن يقال لا يعقلون فعدل القرآن عن المنتظَر وعبّر عن عدم تعقل الآيات وتدبرها بعدم السمع وهو أول درجات تلقي الآيات. فشبّه حال إعراضهم عن تدبر ما ينزل من الآيات بحال من لا يسمع فالآيات لا تصل إلى أسماعهم وبالتالي فلن تصل إلى قلوبهم من باب أولى.
آية (١٠١):
* ما الفرق بين نسبة الرسل إلى الله تعالى في الآية (وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ (٣٢) المائدة) ونسبتهم إليهم في الآية (وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ (١٠١) الأعراف)؟(د. فاضل السامرائى)
*(ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١٩﴾ المائدة) - (وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٣﴾ النساء) - (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٧٢﴾التوبة) - (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾ التوبة) - (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٠﴾الصافات) الفرق ما هو؟(د. أحمد الكبيسى)
عندما قال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر، رب العالمين يقول هؤلاء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه قال (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) كما قال عن الجنة عيسى عندما دعا لقومه (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١١٨﴾ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١٩﴾ المائدة) (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر أنت ناجح (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر فقط.
الكبد له أكثر من دلالتين فهو يعني:
١. الشدة والمشقة: يكابد مشاق الدنيا والآخرة ولم يقل خلقنا الإنسان مكابداً. (في كبد) تعني أنه مغمور في الشدائد والمشقات منذ قطع سرّته والمشاق تحيط به وهو منغمر فيها إلى أن يقتحم العقبة فأما أن ينجو أو أن يكون في النار.
٢. للقوة والصلابة والشدة: والكبدة هي القطعة من الأرض الصلبة يقال (أرض كبداء) لأن الذي خُلق للمشاقّ ينبغي أن يكون متحملاً للشدائد فهي من لوازم المعنى الأول.
أما ارتباط الجواب بالقسم: السورة كلها مبنية على هذا الأمر أي الكبد وكل تعبير مبني على ذلك. لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد وقد ذكرنا عدة معاني لكلمة (حِل)
فإذا كان المعنى الأول أي بمعنى (حالّ) فهو يلقى من قومه ما يلقاه من العنت فهو في كبد مم يلاقيه من المشقة وهو يلقاها بقوة وثبات وتحمّل.
وإذا كان بمعنى (مستحل) لا تراعى حرمته فهو دليل على أنه في كبد يُحارب من قومه ويحاولون قتله.
وإذا كان المقصود المعنى الثالث وهو (حلال في البلد) أي ضد الحرام فهو - ﷺ - يحلّ له أن يقتل ويأسر إذن فالكفار هم في كبد ومشقة وعنت أما المسلمون ففي قوة، وهكذا ارتبط الجواب بالقسم فمن كل ناحية وفي كل معنى من المعاني.
وكذلك ارتباط (ووالد وما ولد) فالولادة مشقة وعنت وتحتاج إلى مثابرة وقوة للتربية، كما هي مرتبطة بما بعدها من اقتحام العقبة ومشاقّ الجوع في يوم ذي مسغبة.
آية (٥)-(٦):(أيحسب أن لن يقدر عليه أحد (٤) يقول أهلكت مالاً لبدا(٥))
نضرب أمقلة حتى تتضح الصورة: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) البقرة) هذا عمل فختم الآية (والله بما تعملون خبير)، (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) الحديد) الكلام على الانفاق والقتال فقدم العمل، (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) البقرة) الكلام على العمل (فعلن)، (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (٨) التغابن) ذكر العمل فقدمه لأنه ذكر ما يتعلق بالإنسان وعمله فقدم العمل.
وهنالك فرق آخر: قال في سورة الجن (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) وفي مريم قال (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) جاء بـ (هو). يعني الآن هو سيصير أوسع. (مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا) (من) تحتمل أمرين إما أن تكون إسم استفهام أو إسم موصول بمعنى الذي وليس هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً والأمران مرادان. إذا كانت (من) إسم موصول بمعنى الذي أضعف ناصراً فستصير أضعف خبر لمبتدأ محذوف يعني من هو أضعف. (أضعف) إذا كانت (من) إسم استفهام (من) مبتدأ و(أضعف) خبر وإذا كانت (من) إسم موصول (من) مفعول به لفعل (فسيعلمون) و(أضعف) خبر لمبتدأ محذوف و(هو أضعف) جملة صلة. إذن هنالك خبر لمبتدأ محذوف وفي سورة مريم المبتدأ مذكور (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) والذكر أقوى وآكد من الحذف. فهنالك أمرين يحسن ذكر (هو) الأول تفصيل الذي في مريم من العذاب وما إلى ذلك وهنا ذكر وتفصيل وهناك إيجاز أوجب الحذف، هذا أمر. والأمر الآخر أنهم تبجحوا بمكانهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) لم يقولوا هذا الشيء في آية الجن، هم تبجحوا في مقامهم وفي مكانتهم فربنا أكّد ضعف هذا المجلس فجاء بـ (هو) (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) للتأكيد على ضعفه. ثم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)) فإذن هم تبجحوا بمقامهم وربنا رد عليهم (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)) أحسن من هؤلاء فأكّد أن (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا) تبجحوا بالمكان فصاروا شر مكاناً فصار تأكيد من ناحيتين من ناحية التفصيل ومن ناحية أنهم شر مكاناً.
آية (٢٥):


الصفحة التالية
Icon