نستفيد من كل هذا شيء وهو مقترح نعرضه أنه لما كان عثمان وعمر رضي الله عنه الصحابة الكرام (١٢ ألف صحابي) أرادوا أن يجمعوا الناس على حرف نتمنى أن يجتمع الناس اليوم على قراءة واحدة نتمنى أنه إذا كان هناك طباعة جديدة للمصحف يتفقون ويطبعونه بصورة واحدة ويقرأون بحرف واحد لكن نقول في الوقت الحاضر إذا كنت في الرباط أو في مراكش فإقرأ ملك يوم الدين إذا قُدّمت إماماً حتى الناس لا تستغرب، وإذا كنت في بغداد فإقرأ مالك يوم الدين وإذا كنت في الموصل لا باس أن تقرأ (فأوردهم النير) لأنهم في الموصل يقولون على النار النير لكن في بغداد تقول النير يستغرب الناس منك. نحن لا ننفي القراءت هي على العين والرأس ونقول أنتم تعلمتم هذا. هذا علم الخاصة أما ماذا تريد؟ الله تعالى يريد أن يقول لنا إن فرعون أورد قومه النار فلماذا نقول النير؟ هذه القراءة لمن كان يميل ورخّص لهم هذا وقريش ما كانت تميل وما عندها هذه الإمالة. فنتمنى ولا نقول هذا ممنوع لو كان عندنا رجل مثل عمر قطعاً كما نهى إبن مسعود وهو الصحابي أو مثل عثمان أو مثل علي كان يحمل الناس على حرف واحد. هذه هي الغاية تقرأ بصورة واحدة. إذا أخذت بحرف واحد جمهور علمائنا لا يرتضون أن تقرأ بأكثر من قراءة في آن واحد. العلماء يقولون تمسك المصحف فتقرأ به قراءة واحدة إلى النهاية أو على الأقل في نفس الجلسة.
نقرأ الآية (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (٧٣) يونس) نلاحظ أنه هو في المغرَقين ذكر الصِلة قال (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا) يعني التي بسببها أغرِقوا، ذكر سبب الإغراق وقال من معه ولم يذكر شيئاً. هناك فريق كذّب فلما ذكر الذين كذبوا معنى من معه ليس منهم يعني صدّق، إذن ذكر علة الإغراق نفهم من قوله أنه ليس معهم وإنما من المصدقين. (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ) قال (كان) ولم يقل (كانت) إذا ذكّر العاقبة تكون بمعنى العذاب في القرآن كله هذا خط عام في القرآن (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) الزخرف) العاقبة ينظر فيها إلى المعنى والعذاب مذكّر ينظر فيها إلى المعنى (مراعاة المعنى) وحيث كانت العاقبة مؤنثة فهي بمعنى الجنة (مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ (١٣٥) الأنعام) لأن الجنة مؤنثة فأنّث الفعل. العذاب مذكر ليس معناه جهنم وإنما العذاب في الدنيا أيضاً. العذاب مذكّر يُذكّر الفعل، العاقبة لما تكون بمعنى الجنة تحديداً يؤنِّث الفعل، هذه من خصوصيات الاستعمال القرآني وهي في اللغة جائزة وإنما في القرآن يدل على أن التعبير مقصود. هنالك أمر آخر في هذه القصة نفسها في الأعراف قال (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ (٦٤) الأعراف) وليس (فنجيناه ومن معه) (من والذي) كلاهما إسم موصول. القصة واحدة والألفاظ مختلفة لكنها ليست متناقضة، نجّاه وأنجاه المعنى لا يختلف وإنما يبقى سبب الاختيار.
هذا الاختيار نضعه في سياقه من الآية فيتضح الاختيار. آية هود موضع السؤال إحداهما (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)) ذكر (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) والشك بحاجة إلى الخبرة لأنك تقطع الشك باليقين، يجب أن يعلم بواطن الأمور حتى يقطع الشك والخبير هو الذي يعلم بواطن الأمور فأتى بالخبير الذي يعرف بواطن الأمور ليزيل الشك. ثم قال (فاختلف فيه) والحكم في الاختلاف يحتاج إلى خبرة فإذن الشك والاختلاف يناسبهم الخبرة. في الآية الثانية (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)) استقم ولا تطغوا، الطغيان هو مُشاهَد في الأصل (وهو مجاوزة الحد) والاستقامة فيها جانبان وحتى الطغيان قد يكون فيه جانبان في أمر الاعتقاد (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠) الأنعام) ومُشاهد والاستقامة فيها جانبان كما قال علماء اللغة مشاهَد وجانب في الاعتقاد، في عملك وفي سلوكك يظهر أنك مستقيم أو لا والاستقامة في الاعتقاد مستقيم في الاعتقاد إذن الإستقامة تشكل العقائد والأعمال إذن أمر مشاهد وأمر غير منظور والطغيان كذلك الأصل أن يكون مشاهد وقد يكون غير منظور. البصر فيه جانبين جانب بصر وجانب بصيرة، جانب مشاهد وهو البصر وجانب غير مشاهد وهو البصيرة (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) القيامة).
تعليق الدكتور حسام: هذا كله كلام جيد نحن لا نعترض عليه لكن نقول هذا الدين يبنى على الحقائق اليقينية فهذا دين علم وليس دين تهويمات بحيث أنك إذا ذكرت أمراً تستدل به ينبغي ألا يكون هنالك مجال لنقضه لأنك تستدل بدين الله. نحن نقول هذا دين الله منهج حياة انظروا أي منهج في الدنيا يقيم حياتكم على الخير والسعادة في الدنيا والآخرة اءتونا به. إسلامنا يقيم حياتكم على الخير، ينظمها بنقاء ونظافة وسعادة في الدنيا والآخرة. وهذه أدلة لكن عندما يكون هنالك شيء فيه مجال علمي غير قابل للنقض. فهذا الكلام ممكن أي واحد وهو جالس في المقهى يقول لك يا أخي من مصر إلى سيناء هذا القميص يركض به هذا الرجل فمن أين يبقى عرق فيه؟ من أين تبقى قطرات فيه؟ ألم تجففه الشمس؟ فما دام هناك اعتراض أنا لا أحتج بهذا فديننا أسمى من هذا. في الحقيقة مع إجلالي وتقديري لكل المشتغلين بالإعجاز العلمي أنا أجلهم وأحترمهم لكن ينبغي أن نضع نصب أعيننا هذا أنه لا يكون ما نقدمه عرضة للاعتراض حتى في اللغة نحن عندما نقول هذا الحرف كذا وهذا الحرف كذا ليعترضوا علينا أنا عندما أقول هذا الصوت مجهور الدنيا كلها في كل لغات الدنيا هذا مجهور وليس مهموساً فعندما أقول مهموس يعني هذا مهموس والمجهور أميز من المهموس لأن المجهور يصحبه اهتزاز وترين. فعندما نقدم شيئاً نريد أن نقدم شيئاً لا مجال فيه للنقض وإلا نرجع إلى كونه منهج حياة هذا نظام اجتماعي ونظام أخلاقي ونظام سياسي ونظام اقتصادي ونظام ديني ونظام روحي. هذا إسلامنا هو هكذا وفيه هذه الأمور فنتجنب تجنباً كلياً حقيقة الأمور غير الحاسمة، غير القاطعة لأنه يأتي من يعترض.
أحد الفلاسفة وجد أعرابياً يصلي قال: أنت تعبد الله؟ قال الأعرابي: نعم فقال : عندك دليل على وجودالله حتى تعبده؟ فنظر الأعرابي في الكون فقال : لمذا أبحث عن دليل؟ قال: أما أنا فعندي مئة دليل على وجود الله فقال الأعرابي: لأن في قلبك مئة شك فتّشت عن مئة دليل. هذا الكون يقول لا إله إلا الله. هذا القرآن العرب الفصحاء الذين كان ينهي الاسلام عندهم أن يجدوا خطأ في لغتهم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) النحل) كانوا يقولون لا أعجمي. هذا ذكر لأبنائنا ممن لا يتعمق في اللغة العربية.
آية(١٠٩):
*ما دلالة اختلاف الفاصلة القرآنية بين(لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (٢٢) هود) (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (١٠٩) النحل) ؟(د. فاضل السامرائى)
لأن مضمون الآية هو التحدي بالإتيان بمثل القرآن، ولا شك أن مدار التحدي على لغة القرآن ونظمه وبلاغته وحسن بيانه وفصاحته.
والإنس في هذا المجال هم المقدمون، وهم أصحاب البلاغة وأعمدة الفصاحة وأساطين البيان، فإتيان ذلك من قبلهم أولى، ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلاءم مع طبيعتهم.
أما الآية الثانية فإن الحديث فيها عن النفاذ من أقطار السموات والأرض، ولا شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهم الطيفية وبلوغهم أن يتخذوا مقاعد في في السماء للاستماع، كما قال تعالى على لسانهم :" وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع " الجن ٩
فقدم الجن على الإنس لأن النفاذ مما يناسب خواصهم وماهية أجسامهم أكثر من الإنس.
آية (٨٩):
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (٨٩) الإسراء) وقوله (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤) الكهف)؟(د. فاضل السامرائى)
قدم (للناس) على (في هذا القرآن) في الإسراء وأخّرها في الكهف وذلك لأنه تقدم الكلام في الإسراء على الإنسان ونعم الله عليه ورحمته به فقال (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣) ) إلى أن يقول (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) ) فناسب تقديم الناس في سورة الإسراء.
كلمة التأويل لها معنيان: الأول بمعنى التبيين أو البيان والتفسير كأن يفسّر قوله (سأنبئك بما لم تستطع عليه صبرا) أي هذا السؤال الذي سألته تسبب في أن يفارق بعضنا بعضاً نشرحه ونبيّنه ونفسّره، هذا التبيين والتفسير. والثاني: التأويل هو معرفة حقيقة بواطن الأمور التي هي مما إختص الله تعالى بعلمه بيان حقيقة الشيء وبيان ماهيّته. هنا المراد بالتأويل بيان الحقيقة. (وما يعلم تأويله إلا الله) أي وما يعلم حقيقة أمره إلا الله سبحانه وتعالى، والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا كأوصاف الجنة على الحقيقة: ما حقيقة هذا النعيم؟
(ما لم تستطع) جاء بالفعل كاملاً لأنه مقبل على إيضاح وإعلان وشرح وعلى كمال.
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)):
(أما السفينة) بدأ من أول الأحداث. (أما) حرف تفصيل، تقول حدثت أمور أما الأمر الفلاني فكذا وأما كذا فكذا. وما بعدها مبتدأ وخبر (السفينة): مبتدأ وكانت خبر للمبتدأ. (لمساكين) كلمة مساكين دخلت عليها لام المِلك. السفينة كانت ملكهم ومن هناحاول بعض العلماء أن يفرّق بين الفقراء والمساكين. يمكن للمسكين أن يكون مالكاً لشيء لكن هذا المِلك لا يسد كل حاجته فيستحق من مال الله، من الزكاة. أما الفقير فلا يملك شيئاً، قد يكون عنده قوت يومه لكنه لا يملك مجال عمل ولا يملك شيئاً أصلاً فيقال هو فقير. الغني هو الذي لا يحس بحاجة ونحن بحمد الله أغنياء لا نحس بالحاجة لشيء والفضل لله تعالى من قبل وبعد. قد يكون لأحدهم مال كثير ولكنه يتضور إذا رأى غيره عنده شيء لا يملكه هو فيشعر بالفقر. لأن الغنى غنى النفس.
لهذا قال في البقرة لما قال هاتوا بشخص مثل محمد قال (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ) هاتوا شهود يشهدون بأننا رأينا واحداً مثل محمد ويقول كلاماً مثل محمد وفي سورة يونس قال (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ). لما تحداهم أن يقولوا كلاماً كالقرآن هناك تحداهم أن يأتوا بشخصٍ كمحمد وهنا تحداهم أن يأتوا بكلامٍ كالقرآن قال (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) روحوا استعينوا بكل من تستطيعون بكل الشعراء والأدباء والحكماء إذا استطعتم أن تقولوا سورة ولو (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿١﴾الإخلاص) نحن نقبل التحدي.
*هل يمكن أن نضيف كلمة مفتراة في آية سورة البقرة؟(د. حسام النعيمى)
فيقول مثلاً فاتوا بسورة من مثله مفتراة؟ كما قال في (مفتريات)في سورة يونس؟
هذا التعبير لا يصح من جهتين: أولاً هم لم يقولوا افتراه كما قالوا في سورة يونس وهود. والأمر الآخر وهو المهم أنه لا يُحسن أن يأتي بعد "من مثله" بكلمة مفتراة لأنه عندما قال من مثله افترض وجود مثيل له فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل إذن تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. والأمر الآخر لا يصح كذلك أن يقول في سورتي يونس وهود مع الآية (أم يقولون افتراه) أن يأتي بـ "فاتوا بسورة من مثله" بإضافة (من) وإنما الأصح كما جاء في الآية أن تأتي كما هي باستخدام "مثله" بدون "من" (فاتوا بسورة مثله) لأن استخدام "من مثله" تفترض أن له مثل إذن هو ليس بمفترى ولا يصح بعد قوله تعالى (أم يقولون افتراه) أن يقلو (فاتوا بسورة من مثله) لنفس السبب الذي ذكرناه سابقاً. إذن لا يمكن استبدال أحاهما بالأخرى أي لا يمكن قول (مثله) في البقرة كما لا يمكن قول (من مثله) في سورتي يونس وهود.
*ما دلالة قوله تعالى (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولم يقل ادعوا من استطعتم كما في سورة يونس وهود ؟(د. حسام النعيمى)
حينئذٍ نقول كثير من المفسرين قال فلان وفلان حقيقةً تقريباً كان كلهم يميلون إلى أنه "آصل البرقيه" أحد علماء سيدنا سليمان عليه السلام في زمانه وكأن الله سبحانه وتعالى علمه علم الكتاب فحينئذٍ هذا هو الذي في الحقيقة هو صح هذا الرجل يعلم علماً من الكتاب. وأبو بكر الصديق وعمر يعلمان علماً من الكتاب وكثير. مثلاً شخص دخل على سيدنا عثمان قال له: إني أرى في وجهك الزنا فذاك ذهل فقال له: أوحيٍ بعد رسول الله؟! هذا علم من الكتاب هذا علم الكتاب لا يتعلم هذا العلم لا يُتعلَّم وإلا العلم العام يتعلم العلم بالتعلم لكن هذا لا هذا يوهب من الله عز وجل بأنك ترى ما لا يرى غيرك هذا علمٌ من الكتاب أي شيءٌ من العلوم ليس كل الكتاب. وسيدنا الخضر أيضاً علمٌ من الكتاب لو كان الخضر يعلم كل علم الكتاب لكان النبي أولى النبي ﷺ أخبر بما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، كل ما يجري في هذا اليوم أحاديث صحيحة تخبر عنه (لا تقوم الساعة حتى يكون الروم أشد الناس عليكم) أي الغربيون، (لا تقوم الساعة حتى لا يدخل إلى العراق قفيزٌ ولا مدٌ..) يعني حصار كامل ويذهب وراح على سوريا وراح على فارس وأنت ترى الآن كل هذا.
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧)) مباشرة دخل بعد قوله (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠)) هناك رسالة وتبليغ رسالة والرسالة تقتضي أن تؤخذ بقوة (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (١٢)). في القصص يقول (واضمم جناحك) الخوف هنا (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)) إنتقل إلى موضوع آخر.
وَالإِبْكَارِ ﴿ ٤١ ﴾ )
الفرق بين ليال وأيام: اليوم هو من طلوع الشمس إلى غروبها (باختلاف المفهوم المستحدث السائد أن اليوم يشكل الليل والنهار)، أما اليلل هو من غروب الشمس إلى بزوغ الفجر. وقد فرّق بينها القرآن في قوله تعالى في سورة الحاقة (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴿ ٧ ﴾ ) وهذا هو التعبير الأصلي للغة. وفي آية سورة آل عمران لا يستطيع زكريا - عليه السلام - أن يكلّم الناس ثلاث أيام بلياليهن لكن جعل قسم منها في سورة آل عمران وقسم في سورة مريم.
هناك مقدمات للقصة جعله يختار الليل في سورة مريم وهي:
النداء الخفي (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً ﴿ ٣ ﴾ ) هذا النداء الخفي يذكّر بالليل لأن خفاء النداء يوحي بخفاء الليل فهناك تناسب بين الخفاء والليل.
ذكر ضعفه وبلوغ الضعف الشديد مع الليل (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) وكلمة عتيّا تعني التعب الشديد وقد ذكر في آيات سورة مريم مظاهر الشيخوخة كلها مع الليل مل لم يذكره في آل عمران لأن الشيخوخة تقابل الليل وما فيه من فضاء وسكون والتعب الشديد يظهر على الإنسان عندما يخلد للراحة في الليل، أما الشباب فيقابل النهار بما فيه من حركة.
ويذكر في سورة مريم (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يعني بعد الموت والموت عو عبارة عن ليل طويل ولم يذكر هذا الأمر في آل عمران.
والآن نأتي إلى صلب الموضوع:
"وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" ١٢
الحكمة
والحكمة هي وضع الشيء في محله قولا وعملا، أو هي توفيق العلم بالعمل، فلا بد من الأمرين معا: القول والعمل، فمن أحسن القول ولم يحسن العمل فليس بحكيم، ومن أحسن العمل ولم يحسن القول فليس بحكيم. فالحكمة لها جانبان: جانب يتعلق بالقول، وجانب يتعلق بالعمل. والحكمة خير كثير كما قال الله تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة ٢٦٩.
الله تعالى مؤتي الحكمة ولذلك نلاحظ أنه تعالى قال: " وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ".
قال (آتينا) بإسناد الفعل إلى نفسه، ولم يقل: لقد أوتي لقمان الحكمة، بل نسب الإتيان لنفسه. والله تعالى في القرآن الكريم يسند الأمور إلى ذاته العلية في الأمور المهمة وأمور الخير، ولا ينسب الشر والسوء إلى نفسه ألبتة. قال تعالى: "وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً١٠" الجن.
فعندما ذكر الشر بناه للمجهول، وعندما ذكر الخير ذكر الله تعالى نفسه. وهذا مطرد في القرآن الكريم، ونجده في نحو: "آتيناهم الكتاب" و "أوتوا الكتاب" فيقول الأولى في مقام الخير، وإن قال الثانية فهو في مقام السوء والذم. وقال تعالى: " وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً ٨٣" الاسراء فعندما ذكر النعمة قال: (أنعمنا) بإسناد النعمة إلى نفسه تعالى. وعندما ذكر الشر قال: "وإذا مسه الشر" ولم يقل: إذا مسسناه بالشر. ولم ترد في القرآن مطلقا: زينا لهم سوء أعمالهم، وقد نجد: زينا لهم أعمالهم، بدون السوء، لأن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه، ولما كانت الحكمة خيرا محضا نسبها إلى نفسه.
قال (من أقصى المدينة) ولم يقل (من أقصى القرية) وقد سماهما قرية بادئ ذي بدء فقال (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية) ذلك للدلالة على أنها واسعة. فالقرية إذا كانت متسعة تسمى مدينة أيضاً فأفاد أن هذه القرية كبيرة متسعة ولذا أطلق عليها مدينة وذلك يفيد أنه جاء من مكان بعيد وذلك يدل على اهتمامه الكبير بمعتقده الجديد.
قال (يسعى) أي يعدو ويسرع في مشيه وليس متباطئاً يقدم رِجلاً ويؤخر أخرى وهو توجيه للدعاة بعدم التواني في أمر الله.
لم يسكت عن الحق ولم يجامل أو يهادن بل دعا قومه إلى الإيمان بما جاءت به الرسل وأتباعهم وأعلن عن إيمانه هو.
إن مجيئه من أقصى المدينة يدل على وصول البلاغ إلى أبعد مكان فيها مما يدل على جديتهم في التبليغ وتوسعهم فيه وهو تصديق قولهم (وما علينا إلا البلاغ المبين).
وقال هنا (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) فقدم (من أقصى) على (رجل) وقال في سورة القصص (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين (٢٠) القصص) بتقديم (رجل) على (من أقصى المدينة). ذلك أن القصد في آية يس أن يبين أن مجيء الرجل كان من أبعد مواضعها وأما في القصص فإنه يفيد أن الرجل من أقصى المدينة أي هو من أهل المواضع البعيدة غير أنه لا يلزمأن يكون مجيئه من أقصى المدينة وهو كما تقول "جاءني من القرية رجال" أي جاؤوك من القرية، وتقول "جانء رجال من القرية" فالرجال هم من أهل القرية ولكن لا يقتضي أن مجيئهم إليك كان من القرية بل قد يكونون في المدينة ثم جاؤوك. وقد يكون المجيء من القرية فقولك "جاءني رجال من القرية" يحتمل معنيين بخلاف قولك "جاءني من القرية رجال".
وعلى أية حال فإن قوله (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يفيد أنه جاء من أبعد مكان في المدينة. وقوله (وجاء رجل من أقصى المدينة) يحتمل ذلك ويحتمل أنه من أهل الأماكن البعيدة وإن لم يكن مجيئه من هناك.
الإحسان إذا عُدّي بالباء كان متعلقاً بمعاملة الذات أي ذات الأبوين روحاً وجسداً وتوقيرهما واحترامهما والنزول عند رغبتهما وامتثال أمرهما وكأنه يقول: بِرّ بوالديك، وهذا ما نوّهت له الآية (وبالوالدين إحساناً). أما تعديته بـ (إلى) فذاك يكون عند قصد إيصضال النفع المالي ولذلك قال تعالى لقارون (وأحسن كما أحسن الله إليك).
*(وَابْنِ السَّبِيلِ (٣٦) النساء) إذا عرفت أن السبيل هو الطريق فكيف أُطلٌِ على المسافر البعيد عن منزله إبن السبيل؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
سمي المسافر البعيد عن منزله الذي ضاقت به السبل إبن السبيل لأنه لازم الطريق سائراً مسافراً فنُسب إليه وإذا ما دخل قبيلة عرفوه أنه ابن السبيل لأن الطريق رمى به إليهم.
*ما دلالة اقتران العبادة بالتوحيد (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴿٣٦﴾ النساء) والتوحيد والوالدين؟(د. أحمد الكبيسى)
الفعل المضارع له أزمنة كثيرة فقد يكون للماضي أو للحال أو الإستمرار أو الإستقبال. فهو إذن له زمن متّسع اتساعاً كبيراً. وهنا في الآية استعمل للمزاولة وليس بالضرورة ما كان في المستقبل فقط ولو قال سعوا لاحتمل أن يكون هذا الساعي تاب ولا يقام عليه هذا الأمر لكن الذي هو مستمر هو الذي يُقام عليه الأمر.
وقد ورد هذا الفعل (يسعون) بصيغة المضارع أيضاً في سورة المائدة (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٣٣﴾) والآية (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿٦٤﴾).
*(يُحَارِبُونَ اللّهَ (٣٣) المائدة) من الذي يحارب الله؟ وهل يستطيع الإنسان محاربة ربه تعالى الله عن ذلك؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
يحاربون الله أراد يحاربون شرعه ويعتدون على أحكامه وأما الله فلا قدرة لأحد على محاربته ولكن جعل الله محاربة شرعه محاربة له عزّ وعلا لتشنيع هذا الفعل منهم.
آية (٣٤):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
آية الأنعام التي ليس فيها (من) آية واحدة ليس قبلها شيء في التبليغ ولا في الدعوة أما الآية الثانية فهي في سياق التبليغ (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)) يتكلم عن هؤلاء الكفرة والآية في سياق الدعوة. في سياق الدعوة والإنكار يستوجب التوكيد، هذا أمر، الأمر الآخر (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠) الأنعام) ذكرى من التذكر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) الفجر) (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (٩) الأعلى) (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) الذاريات) هي نفسها تذكّر أو تدخل في التذكّر. الآية الثانية (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (١٠٤)) الذِكر هو الشرف والرفعة (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (٤٤) الزخرف) إذن الذكر شرف ورفعة والذكرى من التذكر. لما نقول سأرفعك وأعطيك منزلة ومكان أو تتذكر أيها التي تحتاج توكيد؟ الذي يرفع يحتاج لتوكيد، إذن (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (١٠٤) يوسف) لأن هذا يحتاج إلى أجر، (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) آكد من حيث السياق.
نقرأ الآيتين في الأعراف (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (١٠١) الأعراف) وفي يونس (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)) هناك قال (بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ) وفي يونس (بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ) واختلفت خاتمة الآيتين. أصل التركيب اللغوي خارج القرآن محتمل أن يقال كذب به أو كذبه واللغة تحتمل لكن ما سبب الاختلاف؟ لاحظنا أن الإطلاق هو سياق الآيات في الأعراف والتخصيصي سياق الآيات في يونس. قبل آية الأعراف قال (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (٩٦)) لماذا كذبوا؟ لم يذكر فأطلق التكذيب كما أطلقه في الآية التي بعدها. في يونس قال قبل الآية في الموطنين قال (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)) هنا حدد التكذيب بالآيات، إذن السياق في الأعراف هو إطلاق وفي يونس تخصيص هذا واضح.
في موقع آخر في سورة التوبة أضاف الواو والهاء يقول تعالى (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾ التوبة) هذه للشهداء (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾ التوبة) قطعاً أن فوز الشهداء أقوى من فوز الذين يتبعون الحلال والحرام الطاعة لأن هذا إضافة، الحلال والحرام أنت ملزم به ولكن هذا لم يكن ملزماً به أن ينال الشهادة فنال الشهادة قال (وَذَلِكَ) واو القسم جاء بالواو وهو معاً، الله سبحانه وتعالى يقسم بأن هذا هو الفوز الفريد المتميز جداً لماذا؟ لأن فيها شهادة. أنت لاحظ كل زيادة حركة في تغيير في المعنى فهناك الأولى خَبَر الثانية للمتقين الصادقين الثالثة لمن اتبع الحلال والحرام الرابعة للشهداء (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أهلكت: تأتي بمعنى الإنفاق فما اللمسة البيانية في استخدام كلمة أهلكت بدل أنفقت؟ هذه هي الآية الوحيدة في القرآن كله التي استعمل فيها الإهلاك مع المال، عادة تأتي الإنفاق لكن اختيار كلمة أهلكت في هذه السورة مناسب لجو السورة ومناسب لما تقدمها ولما يعانيه الرسول - ﷺ - وأصحابه في لحظات الشدائد التي أدت إلى إهلاك بعضهم ومناسب للعقبة ومناسب ليوم ذي مسغبة لأن الذين لم يطعموا في ذلك اليوم أهلكوا ومناسب مع أصحاب المشئمة الذين أهلكوا ومناسب لكل إنفاق بغير وجه مناسب لأنه يعتبر إهلاكاً للمال وليس إنفاقاً في الخير. إذن جو السورة هكذا في إهلاك المال بغير وجهه وكل السورة مشقة وإهلاك (الكبد، سلوك النجدين، اقتحام العقبة، المشئمة والمسغبة) فكان استخدام كلمة إهلاك أنسب وأفضل كلمة تؤدي المعنى المطلوب الذي يقتضيه جو السورة وسياق الآيات فيها.
كلمة لُبدا: لبد معناها الكثير المُجتمِِع. وفيها احتمالان: قد تكون مفرد صيغة مبالغة (صيغة فاعل) مثل هُمز وحُطم أو جمع (لُبدة) مثل نقطة نقط. ليس معناها الكثير فقط لكن الكثير المجتمِع وهي مناسبة لاجتماع الكفرة على الرسول - ﷺ - مثل قوله تعالى في سورة الجن (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لُبدا) وهو مناسب للإهلاك وجو الإجتماع في أكثر من موطن في جو السورة (ووالد وما ولد، العينين في آلة الإبصار، اللسان والشفتين في آلة النطق، النجدين، تفسير العقبة بجملة أمور منها اجتماع الذين آمنوا على التواصي بالحق والتواصي بالمرحمة، واجتماع الكفرة في النار واوصاد النار عليهم) لو قال تعالى (كثيرا) لا يؤدي المعنى المطلوب لجو الإجتماع في السورة. الكثرة لا تنفي الإجتماع لذلك اختيار الإهلاك واللبد متناسب جداً من الناحية البلاغية والفنية لجو السورة.
*ما الفرق بين لِبداً ولُبداً؟(د. أحمد الكبيسى)
ما) التي تدخل على المضارع هي لنفي الحال، (لا) يقولون للإستقبال وقسم من النُحاة يقولون قد تكون للحال وللاستقبال (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (٤٨) البقرة) هذا استقبال. ننظر كيف تستعمل في القرآن (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) فاطر) هذا مشاهَد في الدنيا (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ (١٢) فاطر) هذا مُشاهَد (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ (٢٢) فاطر) هذا مُشاهَد، (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ (٩٥) النساء) عدم الإستواء هذا في الآخرة غير مشاهَد فقال (لا يستوي)، (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ (١٠) الحديد) عدم الإستواء هذا في الآخرة، (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ (٢٠) الحشر) هذا في الآخرة غير مُشاهَد. (لا) تدل على النفي في الإستقبال (نفي غير مشاهد) وقسم يقولون قد تكون للحال وأكثر النحاة يقولون هي للإستقبال لكن قسم يقول قد تكون للحال والأكثر للإستقبال بدليل قوله تعالى (فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (٢٠) النمل) هذه حال وليس استقبال فقال قد تأتي للحال أيضاً وهم متفقون على أنها للإستقبال. الأصل أن تكون للإستقبال لذلك يقول الزمخشري لا ولن أُختان في نفي المستقبل إلا أنّ في لن تأكيداً.
آية (١١):
(مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١))
*نظرة عامة على الآية :
في سورة الأنبياء قابل القريب بالبعيد. في سورة الأنبياء من الوعد ما هو ظاهر القصد وهو بعيد فعلاً في سياق آية الأنبياء. مثلاً ذكر أموراً تتعلق بالآخرة هي ليست قريبة، أمور تتعلق بالآخرة يعني ذكر يأجوج ومأجوج عند اقتراب الوعد الحق (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (٩٧)) ذكر جملة وعود تتعلق بأحوال الآخرة (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (١٠٤)) هذه أمور ظاهرة البعد ليست مثل ما ذكر في سورة الجن (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (٢٤)) وجاء بعدها (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥)) قسم قال (ما توعدون) يعني ما يرونه في بدر، تحتمل الآخرة وقالوا هو ما يرونه في نصر المسلمين في بدر هذا ليس بعيداً كما ذكر في الأنبياء. في سورة الجن ليست هناك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً ولذلك قسم قال ما يوعدون من نصر ويحتمل أن يراد يوم القيامة أما في سورة الأنبياء فظاهر البُعد والمقصود يوم القيامة (ذكر يأجوج ومأجوج، يوم نطوي السماء، لا يحزنهم الفزع الأكبر، هذا يومكم، فتنة لكم ومتاع إلى حين) أمور قسم منها ظاهر في يوم القيامة فناسب ذكر البُعد في آية الأنبياء.
آية (٢٦):
(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦))