كل الرؤوساء حتى شيخ العشيرة (لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطو والفضول) يعني لما تغزو القبيلة وتأخذ الغنائم: أولاً ربع الغنيمة له من غير تقسيم وما يصطفيه لنفسه وما هو غير قابل للقسمة ومن يختاره له أو لغيره هو لا شك يعطي هكذا كان التصرف. فهذا المِلك التصرف العام ينبغي أن نفهمه من قولنا مالك يوم الدين أو ملك يوم الدين أي أن الله تعالى هو المتصرف في كل شيء تصرفاً مباشراً وليس لأحد أن يتصرف في هذا الملك فضلاً عما يحتاج هذا من تفصيل ولا نريد أن نطيل في هذه المسألة.
الدين من الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم فهي تأتي بمعنى الطاعة والإسلام والحساب والجزاء فما اللمسة البيانية في إختيار الدين؟
اختيار كلمة (مالك يوم الدين) لم يقل القيامة أو الجزاء. هذه اللفظة لها معاني كثيرة كلها مرادة لو قال مالك يوم القيامة يكون التصور هو قيام الناس من قبورهم لا يكون فيه معنى المحاسبة، معنى الجزاء، معنى إدخال الجنة، معنى إدخال النار ولا يكون فيه معنى الطاعة والإلتزام ولا يكون فيه معنى الإعتقاد أن الدين الذي هو الإعتقاد ويعني هذا يوم الإعتقاد السليم. هذا يومكم هذا يوم الدين الذي يبرز فيه الدين ويتعالى فيه الدين. كل هذه المعاني مرادة ولو ذكر أي لفظ منها تغيب معاني الألفاظ الأخرى.
مالك يوم الدين:
نأتي الآن بعد كل الآيتين قال في الأعراف (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣)) وفي يونس قال (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (٧٥)) زاد هارون كما زاد (به) هناك لم يذكر هارون فلم يذكر به، هذه مناسبة أخرى لاحظ تخصيص السياق قبلها وبعدها. نلاحظ أمراً آخر قال في الأعراف (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (١٠١) الأعراف) وفي يونس قال (كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) يونس) المعتدي قال (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ) يعني هم كفروا واعتدوا وهناك كفروا، أيُّ الأعمّ كفروا واعتدوا أو كفروا؟ كفروا أكثر لأن كفروا جزء من أولئك إذن الأعم والأكثر كفروا فلما قال كافرين وهو الأعم عمم وقال (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ (١٠١) الأعراف) لم يذكر بماذا كذبوا، ناسب العموم. الآخرون كذبوا ورغم الكفر اعتدوا إذن صاروا أخص قسم من أولئك ليس كلهم كفروا واعتدوا، لم يعطف (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) يونس) وهناك (كفروا واعتدوا) هم أنفسهم كفروا واعتدوا وأولئك كفروا أي الأكثر؟ كفروا، أي الأشكل والأعم؟ كفروا، إذن اعتدوا أخص فلما قال (بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ) خصص (به) جاء بالتخصيص لما أطلق التكذيب به أو بغيره (بِمَا كَذَّبُواْ) قال (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (١٠١) الأعراف) وهي أعمّ فناسب الكافرين (بِمَا كَذَّبُواْ) وناسب المعتدين (بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ)، فإذن من كل ناحية السياق وخاتمة الآية.
آية (٧٥):
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) فصلت) هذا في القرآن كله إذا كان الكلام ليس على العمل أو على الله تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٩٦) البقرة) ليس فيها عمل، (وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٧١) المائدة) لا يوجد عمل، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) الحجرات) يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.
أن) هذه عند النُحاة زائدة إذا وقعت (أن) بعد لما فهي زائدة أي لا تؤثر على المعنى العام إذا حُذفت.
لكن الملاحظ هو قوله تعالى (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩)) فصل بين الفعل وبين (لمّا) (ومعنى لمّا أي في الوقت الذي قرر فيه وقسم يرى أنها حرف وقسم يرى أنها ظرف لكن هي زمنية وتُسمى حينية أي حينما) نلاحظ أنه فصل بين بين لمّا والفعل وهذه الظاهرة موجودة في القرآن وهي في الآية في سورة القصص تدل على أن موسى - عليه السلام - لم يكن مُندفعاً للبطش فجاءت (أن) للدلالة على أنه لم يكن مندفعاً وللدلالة على الفاصل في الزمن وهي ليست كالحالة الأولى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥)) استخدم الفاء للدلالة على الترتيب والتعقيب أما في هذه الآية فدلّت على التمهل والتريث..
في قصة يوسف:
قال في آية أخرى (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (٤) قريش) هذا من باب ذكر النعم وليس من باب كفران النعم. ثم قال (بما كانوا يصنعون) قال يصنعون ولم يقل يعملون أو يكسبون لأن الصنع هو إحسان العمل فهم كانوا يصنعون السوء صناعة وراسخون في هذه الصنعة ولذلك لم يقل يعملون ولكن شملهم العذاب كما يشملهم الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. الفرق بين العمل والصنع أن الصنع هو إحسان العمل. و (بما) تحتمل أمرين المصدرية والموصولة (بما) لم يقل بما كانوا يصنعونه لو قال بما كانوا يصنعونه لكانت إسم موصول (بالذي كانوا يصنعونه) يذكر العائد لكن لما قال (بما كانوا يصنعون) تحتمل أمرين: بصنعهم وبالذي يصنعونه، بعموم الصنع وبالأشياء التي يصنعونها. إذن ذكر جملة أمور أدت إلى ما هم فيه.
في الاية قبلها قلنا أن الكسب منوط بالمال في الغالب ولهذا يقول تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ (١٣٤) البقرة) جعلها كالأموال وككسب الإنسان.
*ما دلالة تأنيث الفعل فى قوله تعالى(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا (١١١) النحل)؟(د. فاضل السامرائى)
في التركيب الإضافي يجوز التذكير والتأنيث لكن بشرط في مواطن، بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الاستغناء عنه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا (١١١) النحل) كلّ مذكر ونفس مؤنث فقال تأتي.
*قال تعالى في سورة النحل (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)) هل لهذا الترتيب وجه بلاغي؟(د. حسام النعيمى)
جاء في الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)) الخطاب للرسول - ﷺ - (أنزلنا عليك) و (عليهم) إذن (عليك، عليهم) فناسب أن يقدّم (بيني وبينكم) لأن الخطاب للرسول - ﷺ - : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) وإلا كان يمكن أن يقول (كفى بالله بينك وبينهم شهيداً) هذا شيء.
الأهم من هذا أنه عندنا كلمة (يعلم) هذه جملة فعلية هي وصف لكلمة (شهيداً) (شهيداً يعلم) يعني شهيداً عالماً فلما كان يعلم وصفاً لشهيدا فلو قدم شهيداً وجعله (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم) يكون هناك فاصلاً بين الصفة والموصوف يطول الكلام ويضعف. حينما تفصل الصفة وموصوفها يضعف الكلام من حيث التركيب سيتبعد الوصف عن صفته ويكون (بيني وبينكم) فاصلاً. فتفادياً لهذا الضعف - ولغة القرآن اللغة الأعلى والأسمى والأرقى- فتفادياً لهذا الضعف وإتّكاء على ذكر المخاطب والغائبين (عليك، عليهم) نوع من التنسيق، والأصل أن يتفادى الفصل بين الصفة والموصوف بكلام (بيني وبينكم) تطيل الفاصل والأصل في اللغة العليا أن لا يُفصل بين النعت ومنعوته. وهو قد يجوز أن تفصل لكن ليس هو الأفضل في اللغة العليا. لذلك جاء (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم) لأن (يعلم) نعت لـ(شهيداً) فلا بد أن تتصل بها.
فخشينا أن يرهقهما) هناك قال: فأردت وهنا قال: فخشينا البعض يقول : إشتراك الخضر مع الأبوين في الخشية والإرادة أي (الخِضر) والأبوين، يحتمل هذا المعنى: كانا يخشيان ذلك ومن معهما المنفّذ الذي سينفّذ القتل (فأردنا) إرادة دعاء أنا وأبويه كأنما أطلعه الله عز وجل على ما كان يدعو به أبوا هذا الغلام، هذا وجه. والوجه الثاني يمكن أن يكون قوله (فخشينا) إدخال موسى - عليه السلام - معه بإعتباره تابعاً هنا. هذه واحدة ثم لأنه لم يأخذ على يده فيمنعه من القتل. موسى - عليه السلام - إعترض بعد القتل. جاء رجل لشخص يقتله تكفّه وموسى - عليه السلام - قوي (فوكزه موسى فقضى عليه) (فسقى لهما) وحمل الصخرة فكان يستطيع أن يمسك بالرجل لكن هو إنتظر لما ينهي الموضوع ثم قال لِمَ قتلته؟ فكأنه أشركه معه. والحالة الثالثة التي أميل إليها أن القتل أمر عظيم فيحتاج إلى معظّم لنفسه أن يفعل هذا الفعل (فأردنا). قلنا هناك صغّر نفسه لأن فيه عيب (فأردت) لكن هذا قتل نفس وإنتظارودعاء من الله سبحانه وتعالى أن يعوضهما خيراً منه فاستعمل صيغة المعظّم لنفسه (فخشينا): لم يقل أنا تجرأت على القتل ولكن قال نحن تجرأنا بتعظيم نفسه (فأردنا أن يبدلهما ربهما) عظّم نفسه لعظمة الحدث. هذا الفساد المحتمل (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) جعله الخِضر واقعاً وهو واقع لأنه تعالى أعلمه بشأن هذا الغلام وهذا في الغيب وأطلعه على غيب هذا الغلام. هذا من الخير لأن الله سبحانه وتعالى حاشاه أن يختار لعبده المتوكل عليه ما هو غير خير.
- (((((( وهناك رأى آخر فى الفرق بين (أردت) و (أردنا)و(أراد ربك ): (د. فاضل السامرائى)
خمس وثلاثون آية في القرآن تقول من تحتها الأنهار الجنات في الدنيا والآخرة يتكلم رب العالمين عن جنات في الدنيا فرعون وغيره (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴿٥١﴾ الزخرف) كثير في الدنيا والآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار لكن مرة واحدة في سورة التوبة جاءت (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ﴿١٠٠﴾ التوبة) تحتها الأنهار من غير (من)، ما الفرق؟ تجري من تحتها الأنهار يعني على الكورنيش يعني أنت بيتك على الكورنيش على النهر على فرات على دجلة وهي في الحقيقة من أعذب السكن أن يكون بيتك على شاطئ نهرٍ عذب، الفرات والنيل ودجلة وكثير هذه تجري من تحتها كما قال فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) يعني أنا أطلع من بيتي على النهر على طول على النيل هذا من تحتك فأنت بيتك منذ أن تخرج من باب البيت على النهر على طول هذا من تحتك لو فرضنا أن لك قصر داخل الماء تصور ماذا يعني أن يكون لك قصر في الماء؟! هذا قصر مشيد فقط لهذه الزمرة الأنصار والمهاجرون والذين اتبعهم بإحسان هؤلاء يوم القيامة الذين قال عنهم الله (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ثمن هذا الرضى ونتائجه أن الله يجعل بيوتهم وجناتهم داخل الماء وطبعاً الملوك أحياناً يعمل القصر داخل الماء هذا بحاجة إلى تكاليف هائلة لكي ترسي قواعده وهذا في العالم كله موجود. فالذي بيته داخل الماء يقال تجري تحته الأنهار، إذا كان على الكورنيش يعني هو على اليابسة لكن مباشر على الماء يقال تجري من تحته الأنهار.
والذي أريد أن أخلص إليه أن المبالغة في الفعل والوصف لا تقتضي التوكيد دائماً وإنما ذلك بحسب الغرض والمقام فلك أن تؤكد أيّ فعل أو وصف أو لا تؤكده ولك أن تؤكد ما هو أقل مبالغة ولا تؤكد الأقوى وبالعكس فكل ذلك إنما يكون بحسب ما يقتضيه الكلام. وإيضاح ذلك أنك قد تذكر شخصاً هو موضع ثقة كبيرة عند من تخاطبه فتقول له (هو كاذب) فينكر ذلك عليك فتؤكد ذلك بقولك (إنه كاذب) ثم ينكر عليك قولك إنكاراً أشد ن الأول فتقول له (إنه لكاذب). وتقول عن شخص آخر معروف بكثرة الكذب (هو كذاب) فلا تحتاج إلى توكيد لأن مخاطبك لا ينكر ذلك عليك. فأنت احتجت إلى أن تؤكد إسم الفاعل دون المبالغة.
ونعود إلأى الآيتين فنقول إن قوم صالح أخبروه بتطيرهم الشديد وأما أصحاب القرية فإنهم أكدوا تطيرهم وهو نظير قولنا (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) أو (هو مكتسب وإن زيداً كاسب) فيؤكد الأقل دون الأقوى.
إنه في آية يس قوله (قالوا اطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) أكد التطير بـ (إنّ) وفي آية النمل وهي قوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) لم يؤكده ذلك أن كل موطن يقتضي ما ذكر فيه.
ربما يدفع بعض المشككين أن هناك بعض التناقض في القرآن:
نحن بيّنا الحقيقة أنه قال أنا ذاهب إلى النار إما أن أجد إنساناً يرشدنا الطريق وإما آتيكم بجزء من النار. لو كنا نعرف لغة موسى - عليه السلام - كنا قلنا ما قاله. هذه الحكاية بلغته لما نقلها القرآن الكريم نقلها في هذا الموضع الذي يهمين عليه سياق القوة بالجزم والتصميم لأن فيه كلمة اليقين وكلمة البشارة وفيه هذا الإيجاز وفي السورة ملك سليمان سُخّر له الجن والطير، السورة فيها جو ملك، جو قوة فتعرض الألفاظ بصورة القوة. السورة التي فيها جو الخوف المهيمن عليها تعرض هذا الجانب.
إستخدم الفعل (آنست) في السورتين لأنه هو كان خائفاً من الطريق فلما رأى النار استأنس بها. تخيّل نفسك في ظلمة الصحراء لا تدري أين تتجه وقفت في مكان ضللت فيه وإذا بك تنظر والنار أمامك قطعاً تأنس بها لأن النار لا تكون لوحدها ولا بد أن هناك من أوقدها. (اني آنست ناراً) رأيت ناراً فآنستني هذه النار. آنس هذا الشيء أي أدخل هذا الشيء في نفسه هذا الإطمئنان في الظلمة. آنست أي رأيت وأدخل في نفسي الأنس من الأُنس. فيها معنى الإطمئنان.
(أو آتيكم بشهاب قبس) لاحظ السياق: الخبر ممن يتوقع أن يكون عن النار (خبر من أين نمشي؟ من أين نمر؟) (أو أجد على النار هدى) كما جاء في سورة طه أي طريق (إهدني الطريق) والجو في سورة طه مختلف. هنا قال (شهاب قبس) وهناك قال (جذوة) أي الجمرة الصغيرة يتناسب مع حاله. أما هنا مع حال القوة (بشهاب قبس) كتلة كبيرة من النار قبس أي مأخوذ من النار. (لعلكم تصطلون) أي تتدفأون. صلِيَ يصلي بمعنى تدفّأ أو اقترب من جو النار أو من دفء النار. هذه بحسب السياق أحياناً يكون الإصطلاء معقولاً مقبولاً يكون دافئاً وأحياناً يكون الصلي أو الإصطلاء في داخل النار فيكون يشوي والعياذ بالله، فالسياق هو الذي يبيّن.
(لعلكم تصطلون) أي تتدفأون، تقتربون من دفء النار.
قال تعالى في سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠)) في تبشير زكريا - عليه السلام - بيحيى - عليه السلام -.
وقال تعالى في سورة آل عمران (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧)) في تبشير مريم بعيسى - عليه السلام -.
*وإذا سألنا أيهما أيسر أن يفعل أوأن يخلق؟ الجواب أن يفعل ونسأل أحدهم لم تقعل هذا فيقول أنا أفعل ما أشاء لكن لا يقول أنا أخلق ما أشاء. فالفعل أيسرمن الخلق.
*ثم نسأل سؤالاً آخر أيهما أسهل الإيجاد من أبوين أو الإيجاد من أم بلا أبّ؟ يكون الجواب بالتأكيد الإيجاد من أبوين وعليه جعل تعالى الفعل الأيسر (يفعل) مع الأمر الأيسر وهو الإيجاد من أبوين، وجعل الفعل الأصعب (يخلق) مع الأمر الأصعب وهو الإيجاد من أم بلا أبّ.
ـ وقد يكون محمودا غير غني، ولو كان غنيا لما كان محمودا، فإن اجتمع الأمران فكان غنيا محمودا فذلك منتهى الكمال
وفي آية أخرى في السورة نفسها قال: " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)
نقول: فلان غني أي هو من جملة الأغنياء، وقد يكون ملكا معه أغنياء فإذا قلت هو الغني فكأن الآخرين ليسوا شيئا بالنسبة إلى غناه وهو صاحب الغنى وحده.
فلماذا قال ها هنا فإن الله غني حميد وهناك في السورة نفسها هو الغني الحميد؟
نلاحظ أن في هذه الآية لم يذكر له ملكا ولا شيئا وهذا حتى في حياتنا اليومية نستعمله نقول أنا غني عنك كما قال الخليل:
أبلغ سليمان أني عنه في جو وفي غنى غير أني لست ذا مال
فقد تقول: أنا غني عنك، ولكن ليس بالضرورة أن تكون ذا ثروة ومال فهنا لم يذكر الله سبحانه لنفسه ملكا المعنى أن الله غني عن الشكر وعن الكفر لا ينفعه شكر ولا يضره كفر.
أما في الآية الأخرى فقد ذكر له ملكا " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)
فعندما ذكر له ملك السموات والأرض المتسع، فمن أغنى منه؟ فقال (هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)
أهمية الحكمة في الوعظ
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(١٣))
من هنا بدأت الوصية، فلماذا صدر بقوله: "ولقد آتينا.." وكان يمكن مثلا أن يحذفها؟
الحكمة لها جانبان : جانب قولي وجانب عملي، وحكمة لقمان ليست فيما ذكره من أحاديث وأقوال وما قاله لابنه من الوصية، وإنما أيضا في العمل الذي فعله وهو تعهده لابنه وعدم تركه بلا وعظ أو إرشاد، وفي هذا توجيه للآباء أن يتعهدوا أبناءهم ولا يتركوهم لمعلمي سوء ولا للطرقات.
بعد أن نصح لهم باتباع المرسلين لأنهم على الهدى ذكر أنه بدأ بنفسه فآمن بدعوتهم واتبعهم فقال (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) لقد اختار من الدواعي الموجبة لعبادة ربه أنه هو المبديء والمعيد فهو الذي فطرهم وأوجدهم وأنهم إليه يرجعون فلا يتركهم بعد موتهم بل سيحشرهم إليه ويحاسبهم على ما قدموا فأنا أن يعاقبهم أو يكرمهم وفي هذا تخويف وإطماع. لقد اختار هذين الأمرين من موجبات العبادة وهما البدء والإعادة لعلمهم جميعاً أن آلهتهم لا تفعلها ولا تستطيعها وبهذا سقط كل موجب لعبادة غيره وثبت كل موجب لعبادته. وقد قدم الجار والمجرور (إليه) على (ترجعون) لشدة الاختصاص والمعنى الرجوع إليه حصراً لا إلى غيره وهو نظير قوله تعالى (وإليه المصير) و (وأن إلى ربك المنتهى) و (وإليه تحشرون). لقد ذكر الموجب لأن يعبده وأن يعبدوه هم فإنه قال (وما لي لا أعبد الذي فطرني) وهذا داعٍ لأن يعبده هو فكيف لا يعبد الذي فطره؟ وفيه دعوة لهم أيضاً ليعبدوه لأن الذي فطره فطرهم أيضاً.
وقال (وإليه ترجعون) وهذا داع لأن يعبدوه هم فإنهم رادعون إليه فيحاسبهم وهو مثلهم رادع إليه أيضاً لأنه فطره. فقوله (الذي فطرني) يقتضي أنه فطرهم أيضاً. وقوله (وإليه ترجعون) يقتضي أنه يردع إليه أيضاً. وبذلك أشار بأوجز تعبير إلى أنه فطره وفطرهم وأنه إليه يرجع وأنهم إليه يرجعون. فما له لا يعبده وما لهم لا يعبدونه؟ وهذا تعبير موجز عن القول (وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون).
على كل حال الأحاديث في هذا معروفة ولكن ليس هذا موضوع الباب ولهذا نقف عند هذا الحد. ومن حسن التعامل أن يعين أباه وأمه على أداء الصلوات وعلى أداء الفرائض ويحادثهم أوقات الفراغ لكي لا يسأموا وأن يبرّ أصدقاءهم وأن يكرم ضيوفهم إذا جاءوا ومن الحُسن الشديد للأبوين إذا مات أحدهما أو كلاهما أن تبرّ أصدقائهما، من كان أبوك وأمك يبروهم؟ بِرَّهم أنت بعد موتهم وهذه فيها نماذج في غاية الروعة في التاريخ.
عندما كان الرجال رجالاً وكان الناس صلحاء ولم يكن هنالك فضائيات ولا أمريكا ولا إسرائيل الخ المسلمون من المشرق إلى المغرب ومع هذا قتل بعضهم قتلاً بقسوة غير متناهية كما يفعلون اليوم في العراق وفي غزة وفي الشيشان وأفغانستان بعضهم يذبح بعضاً يتهمه بالشرك والكفر وهذا قتلٌ لا يُغفر (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا (٩٣) النساء) يقتله على دينه (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿٩٣﴾ النساء) إذاً الذنوب التي لا تغفر الشرك أو أن تقتل أحداً يقول لا إله إلا الله متهماً إياه بالشرك هذان الذنبان لا يغفران.
*في سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴿٣٦﴾ النساء) وفي لقمان (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿١٨﴾ لقمان) لماذا في النساء (مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) وفي لقمان (كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ما الفرق بينهما؟(د. أحمد الكبيسى)
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ (٣٨)) الجزاء المكافأة على العمل بما يناسب ذلك العمل من خير أو شر. والنكال العقاب الشديد الذي من شأنه أن يصد المعاقَب عن العود إلى مثل عمله الذي عوقب به.
حكمة: إن حكمة مشروعية القطع هي الردع وعدم العود. فهو قصاص وجزاء للاستصلاح لا للانتقام والتعويض عن المسروق خلافاً لما نُسب إلى المعرّي وهو قوله: يدٌ بخمس مئين عسجدِ ودية ما بالها قُطعت في ربع دينار
فرد عليه علم الدين السخوي: عِزُّ الأمانة أعلاها وأرخصها
آية (٤٠):
*ورتل القرآن ترتيلاً :
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (٤٠)) هذا جواب لمن يسأل عن انقلاب حال السارق من العقاب إلى المغفرة بعد التوبة مع عظم جرمه ليحيطنا علماً بأن الله هو المتصرِّف في السموات والأرض وما فيهما فهو العليم بمواضع العقاب ومواضع العفو.
* ما دلالة تقديم وتأخير (يغفر) في قوله تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) البقرة) (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) المائدة) ؟
د. حسام النعيمى :
وأما سورة الأنعام فإنها يشيع فيها التحذير والتهديد والتوعد وليس فيها مشهد من مشاهد الجنة وإنما فيها صور غير قليلة من مشاهد النار. كما أن السورة لم يرد فيها إسم (الرحمن) على طولها في حين ورد فيها إسم (الله) تعالى (٨٧) سبعاً وثماني مرة فناسب كل تعبير مكانه.
آية (٩٢):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى (٩٢)) أم القرى مكة المكرمة وسميت بهذا الإسم لأن الأم هي مرجع الطفل وحولها يلتف. ومكة هي أقدم القرى وأشهرها وما تقرت القرى في بلاد العرب إلا بعدها وإليها يؤوب الناس ويتجهون وحول كعبتها يطوفون فهي أم لكل القرى.
آية (٩٣):
*ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟(د. فاضل السامرائى)
نكّر الكذب ليشمل كل كذب عام لأن المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (٦٩) يونس) إذن هذا الكذب معرّف لأنه في مسألة معينة.
نلاحظ في آية الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون وملئه يعني ماذا فعل قال (قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩)) ثم ذكر إلقاء العصى أمام السحرة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (١١٧))، في يونس لم يذكر أنه ألقى العصى قال (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦)) ولم يذكر تفصيلاً لما حدث. حتى أمام السحرة هناك ذكر (فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (١١٧)) أما في يونس فلم يقل وإنما قال (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١)) إذن لم يذكر آيات ولم يفصلها أما في الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون وأمام السحرة فأيّ الأهم؟ عندما يذكر الآيات قدّمها في الأعراف بينما في يونس أخّرها لأنه لم يذكرها حتى تلاءم السياق العام هذا قانون البلاغة فناسبت ما واحدة، لا يقال الكلام تغير أو الأسلوب اختلف، هذا كلام عام لكن ضعها في سياقها يتضح الأمر. في الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون والسحرة بينما في يونس لم يذكر الآيات.
سؤال: عندما نزل القرآن عندما تحداهم الله تعالى هل كان المقصود أن يُعمِلوا عقلهم في فهم النص القرآني ويأتوا بمثله؟ وهل مطلوب منا أن نُعمِل عقولنا ونفهم الآيات والتراكيب أو أن نفهم نظم القرآن؟
لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من هذا الدين أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً) لما تقرأ التاريخ هذا ما حصل إلا في القرن العشرين الماضي من بدايات القرن إلى اليوم هناك هذه الظاهرة جماعة حزب طائفة مذهب وإذا بها بقائدها بزعيمها برئيسها تعلن أنها يعني سلكت درباً آخر ولها عنوان آخر كيف تعرف أن هذا الفوج الجماعة منظمة سواء كان تنظيماً عشائرياً أو طائفياً أو فئوياً أو حزبياً أو مهنياً أو ما شاكل ذلك كيف تعرف أن هذه الطائفة فعلاً كفرت بعد إيمانها؟ أولاً منظمة لها قيادة، اثنين لها شعار ناس شعارها وطن حر وشعب سعيد فانضم إليهم آلاف الناس بل ملايين الناس هدفهم ترك الدين طيب واستمرت هكذا ذهب هؤلاء وجاء بعدهم آخرون أيضاًَ لهم نفس الشعار وهكذا يوم بعد يوم كل عشرين ثلاثين سنة من القرن العشرين إلى الآن تطلع جماعة حزب فئة لها شعار جديد برّاق يعني يجذب الناس الشباب ويكون لهم ميزة واحد شاربه كثيف جداً هذا شعاره أو علامته الآخر شاربه صغير أو نازل على الشفة هذا شيوعي وهذا نازي وهذا بعثي والخ القاسم المشترك اولاً كل واحد منهم من هذه الجماعات له شعار، اثنين الكل له ميزة معروف بشكله بلباسه أو شعره إما بلحيته أو شاربه الصغير أو المفتول أو المتدلي، ثلاثة الكل يرفض الآخر الكل يشتركون في أن الآخر كل من عداهم مرفوض بالمائة مائة.
نظرة عامّة على هذه الآيات: هذه الآية هي بعد قوله تعالى (وهديناه النجدين) والنجدين كما أسلفنا هو الطريق المرتفع في الأرض ثم قال بعدها (فلا اقتحم العقبة) والعقبة هي طريق في الجبل وعِر أو الجبل الطويل بعرض الطريق (طويل صعب شديد) هذا في العقبة أما الإقتحام فهو الدخول والمجاوزة بشدة ومشقّة (والقحمة هي الشدة والمهلكة). فلو لاحظنا اختيار العقبة مع اقتحم وبعد النجدين لوجدنا أن النجد وهو الطريق المرتفع يؤدي إلى العقبة من حيث سلوك الطريق، والعقبة تقع عادة بعد النِجاد أو في المرتفعات من الأرض إذن وضع العقبة بعد النجدين ومع كلمة اقتحم هو وضع طبيعي حداً وهو من الناحية البلاغية البيانية الفنية ذروة البلاغة من حيث الإختيار. ثم إن الله تعالى فسّر العقبة بما يتبعها من آيات (فك رقبة، إطعام في يوم ذي مسغبة) فكلمة اقتحم هي من أنسب الألفاظ لهذا الوصف لأن الإقتحام يتناسب مع العقبة والشّدة ولو قال اجتاز أو عبر مثلاً لما أعطى المعنى المطلوب واختيار كلمة اقتحم هو للدلالة على أن الأمر مخيف وشديد ومُهلك وليس سهلاً يسيراً وليس من العقبات التي تُجتاز بسهولة ويسر وإنما تحتاج إلى اقتحام وفيها شدة وصعوبة. فلو لاحظنا (فلا اقتحم العقبة) ومن قبلها (وهديناه النجدين) لوجدناها متناسبة ومرتبطة بقوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد) وقد قلنا أن من معاني الكبد المشقة والقوة واقتحام العقبة فيه مشقة ووتعب ويحتاج إلى قوة وفيها ارتباط بمعنيي الكِبِد (المشقة والقوة). (لقد خلقنا الإنسان في كبد) يتناسب مع ما سيأتي من آيات في تفصيل معنى العقبة من المشقات (فك رقبة، إطعام في يوم ذي مسغبة).
قال تعالى (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠) الملك) وقال (من ذا الذي). (من ذا) في هذه الآية فيها احتمالان: إما (ذا) إسم إشارة (هذا) أو (من ذا) كلها واحدة إسم استفهام بمعنى (من) لكن قالوا أنها أقوى من (من) لأنه زاد في المبنى وزيادة المبنى في الغالب تدل على زيادة المعنى. (من ذا الذي يقرض الله قرضاً) تحتمل أن يكون من هذا الذي ويحتمل من الذي. وهناك فرق بين من ذا ومن هذا: الهاء للتنبيه (هذا: الهاء للتنبيه وذا إسم إشارة). لما يقتضي الكلام الشدة وما إلى ذلك يأتي بـ (هذا) (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) الملك). فرق بينها وبين (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ (٢٥٥) البقرة) هذا شفيع والشفيع يترجّى، تذهب إلى من بيده الأمر وتشفع لفلان يعني يعلم أن هذا الذي تذهب إليه هو الذي يقضي في الحاجة ويفصل فيها فما قال من ذا الذي. (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) الملك) من هو هذا الذي هو ندٌ لله تعالى؟ الله تعالى يمسك الرزق وهذا يرزق؟! من هذا؟ فجاء بهاء التنبيه لأنها أشد. من هذا الذي هو ندٌ لله تعالى؟ (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠) الملك) من هو؟ هذه أشد وأقوى من (من ذا) لأن فيها تنبيه. فالتي فيها تنبيه يقول (أمن هذا) وإذا لم يكن فيها تنبيه يقول (من ذا) وهذا ميزان عجيب في التعبير.
فرق بين أن يقول الملك لوزيره أفعل هذا مرة هذا فوضه مرة واحدة وآخر يقول له تصرف في صلاحياتي كما تشاء هذا إظهار. لو تتبعنا الأحاديث النبوية عما أخبر النبي - ﷺ - من غيبيات تقول فعلاً إن الله تعالى أظهر محمداً - ﷺ - على غيبه (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) الجن) هذا هو الفرق بين اطلع الغيب مرة وبين أظهره (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) الجن) كلهم رسل. النبي - ﷺ - كان له النصيب الأوفى ممن أظهرهم الله تعالى على غيبه.
آية (٢٧):
(إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧))
يستثني، الرصد هو الحافظ، يحفظه من الشياطين أو الجن.
* ما دلالة (من) في الآية؟


الصفحة التالية
Icon