ولم نر جوابهم عن حديث الشفاعة، وأحسب أنهم يجيبون عنه بأن أخبار الآحاد لا تنقض أصول الدين، ولذلك احتاج القاضي أبو بكر إلى الاستدلال بالتواتر المعنوي.
والحق أن المسألة أعلقُ بالفروع منها بالأصول؛ لأنها لا تتعلق بذات الله، ولا بصفاته، ولو جاريناهم في القول بوجوب إثابة المطيع، وتعذيب العاصي فإن الحكمة تظهر بدون الخلود، وبحصول الشفاعة بعد المكث في العذاب، فلما لم نجد في إثبات الشفاعة ما ينقض أصولهم فنحن نقول لهم: لم يبقَ إلا أن هذا حكم شرعي في تقدير صاحب الكبيرة غير التائب، وهو يُتَلَقَّى من قبل الشارع، وعليه فيكون تحديد العذاب بمدة معينة، أو إلى حصول عفو الله، أو مع الشفاعة، ولعل الشفاعة تحصل عند إرادة الله _تعالى_ إنهاء مدة التعذيب.
وبعد: فمن حق الحكمة أن لا يستوي الكافرون والعصاة في مدة العذاب، ولا في مقداره؛ فهذه قولة ضعيفة من أقوالهم حتى على مراعاة أصولهم.
وقد حكى القاضي أبو بكر الباقلاني إجماع الأمة قبل حدوث البدع على ثبوت الشفاعة في الآخرة، وهو حق؛ فقد قال سواد بن قارب يخاطب رسول الله ":
فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة | بمغنٍ فتيلاً عن سواد بن قارب |
٥٢_ جاء في التاريخ أن مبدأ استقرار بني إسرائيل بمصر كان سببه دخول يوسف _عليه السلام_ في تربية العزيز طيفار كبير شرط فرعون، وكانت مصر منقسمة إلى قسمين مصر العليا الجنوبية المعروفة اليوم بالصعيد لحكم فراعنة من القبط وقاعدتها طيوة، ومصر السفلى وهي الشمالية وقاعدتها منفيس وهي القاعدة الكبرى التي هي مقر الفراعنة.
والمراد بالعلماء: العلماء بالله وبالشريعة، وعلى حسب مقدار العلم في ذلك تقوى الخشيةُ، فأما العلماء بعلوم لا تتعلق بمعرفة الله وثوابه وعقابه معرفة على وجهها فليست علومهم بمقربة لهم من خشية الله؛ ذلك لأن العالم بالشريعة لا تلتبس عليه حقائق الأسماء الشرعية؛ فهو يفهم مواقعها حق الفهم، ويرعاها في مواقعها، ويعلم عواقبها من خير أو شر؛ فهو يأتي ويدَعُ من الأعمال ما فيه مراد الله ومَقْصِدُ شرعِه، فإن هو خالف ما دعت إليه الشريعة في بعض الأحوال أو في بعض الأوقات؛ لداعي شهوةٍ أو هوىً أو تعجلِ نفعٍ دنيوي كان في حال المخالفة موقناً أنه مُوَرَّط فيما لا تحمد عقباه؛ فذلك الإيقان لا يلبث أن ينصرف به عن الاسترسال في المخالفة بالإقلاع أو الإقلال.
وغير العالم إن اهتدى بالعلماء فسعيه مثل سعي العلماء، وخشيته متولدة عن خشية العلماء.
قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: =والعلم دليل على الخيرات وقائد إليها، وأقرب العلماء إلى الله أولاهم به، وأكثرهم له خشية، وفيما عنده رغبة+. ٢٢/٣٠٤_٣٠٥
٦_ والظالمون لأنفسهم هم الذين يجرون أَنْفُسَهم إلى ارتكاب المعصية؛ فإن معصيةَ المرءِ رَبَّه ظُلْمٌ لنفسه؛ لأنه يورطها في العقوبة المعينة للمعاصي على تفصيلها، وذلك ظُلْمٌ للنفس، لأنه اعتداء عليها؛ إذ قَصَّر بها عن شيء من الخيرات قليل أو كثير، وورطها فيما تجد جزاء ذميماً عليه.