وقد ذكر الله الحكمة في مواضع كثيرة من كتابه مراداً بها ما فيه صلاح النفوس من النبوءة والهدى والإرشاد.
وقد كانت الحكمة تطلق عند العرب على الأقوال التي فيها إيقاظ للنفس، ووصاية بالخير، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة، وكليات جامعة لجماع الآداب.
وذكر الله _تعالى_ في كتابه حكمة لقمان ووصاياه في قوله _تعالى_: [وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ] الآيات.
وقد كانت لشعراء العرب عناية بإيداع الحكمة في شعرهم وهي إرسال الأمثال، كما فعل زهير في الأبيات التي أولها(١):
رأيت المنايا خبط عشواء.................................
والتي افتتحها بمَنْ ومَنْ في معلقته(٢).
وقد كانت بيد بعض الأحبار صحائف فيها آداب ومواعظ مثل شيء من جامعة سليمان _عليه السلام_ وأمثاله؛ فكان العرب ينقلون منها أقوالاً.
وفي صحيح البخاري في باب الحياء من كتاب الأدب أن عمران بن حصين قال: =قال رسول الله": =الحياء لا يأتي إلا بخير+.
فقال بشير بن كعب العدوي: مكتوب في الحكمة إن من الحياء وقاراً، وإن من الحياء سكينة، فقال له عمران: أحدِّثك عن رسول الله وتحدِّثني عن صحيفتك+.
والحكيم: هو النابغ في هاته العلوم أو بعضها، فبحكمته يعتصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار مبلغ حكمته، وفي الغرض الذي تتعلق به حكمته. ٣/٦٣
١٤٥_ وعلوم الحكمة: هي مجموع ما أرشد إليه هدي الهداة من أهل الوحي الإلهي الذي هو أصل إصلاح عقول البشر، فكان مبدأ ظهور الحكمة في الأديان؛ ثم ألحق بها ما أنتجه ذكاء أهل العقول من أنظارهم المتفرعة على أصول الهدى الأول.

(١) _ يشير إلى معلقة زهير بن أبي سُلمى التي مطلعها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم................................................ (م)
(٢) _ يعني افتتح أبياتها بهذه الأداة من الشرط كقوله:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه................................................. (م)

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن خليل بن مرة(١): =أن رسول الله"كان لا ينام حتى يقرأ: تبارك، وحم السجدة+(٢).
وسميت في معظم مصاحف المشرق والتفاسير (سورة السجدة) وهو اختصار قولهم (حم السجدة) وليس تمييزاً لها بذات السجدة.
وسميت هذه السورة في كثير من التفاسير (سورة فصلت).
واشتهرت تسميتها في تونس والمغرب (سورة فصلت) لوقوع كلمة: [فُصِّلَتْ آيَاتُهُ] في أولها فعُرِّفت؛ بها تمييزاً لها من السور المفتتحة بحروف (حم).
كما تميزت (سورة المؤمن) باسم (سورة غافر) عن بقية السور المفتتحة بحروف (حم).
وقال الكواشي: وتسمى (سورة المصابيح) لقوله _تعالى_ فيها: [وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ] وتسمى (سورة الأقوات) لقوله _تعالى_: [وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا].
وقال الكواشي في التبصرة: تسمى (سجدة المؤمن) ووجه هذه التسمية قصد تمييزها عن سورة (الم السجدة) المسماة (سورة المضاجع) فأضافوا هذه إلى السورة التي قبلها وهي (سورة المؤمن) كما ميزوا (سورة المضاجع) باسم (سجدة لقمان) لأنها واقعة بعد (سورة لقمان).
وهي مكية بالاتفاق نزلت بعد (سورة غافر) وقبل (سورة الزخرف) وعدت الحادية والستين في ترتيب نزول السور.
وعدت آيها عند أهل المدينة وأهل مكة ثلاثاً وخمسين، وعند أهل الشام والبصرة اثنتين وخمسين، وعند أهل الكوفة أربعاً وخمسين. ٢٤/٢٢٧_٢٢٨
٢_ أغراضُها: التنويهُ بالقرآنِ، والإشارةُ إلى عَجْزِهم عن معارضته.
(١) _ هو خليل بن مرة الضُبَعي (بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة) البصري الرقي، روى عن عطاء وقتادة، وروى عنه الليث، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، قال البخاري: هو منكر الحديث توفي سنة ستين ومائة.
(٢) _ المعروف هو حديث الترمذي عن جابر =كان رسول الله لا ينام حتى يقرأ: آلم تنزيل، وتبارك الذي بيده الملك+. ولا منافاة بين الحديثين.


الصفحة التالية
Icon