وإن رجع لمانع قهره على الرجوع ففي المؤاخذة به قولان: أي إن قوله _تعالى_ [يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ] محمول على معنى يجازيكم، وأنه مجمل تبيِّنه موارد الثواب والعقاب في أدلة شرعية كثيرة. ٣/١٣٠_١٣١
١_ ووجه تسميتها بسورة آل عمران أنها ذكرت فيها فضائل آل عمران وهو عمران بن ماتان أبو مريم، وآله هم زوجه حنة وأختها زوجة زكريا النبي، وزكريا كافل مريم؛ إذ كان أبوها عمران توفي وتركها حملاً؛ فكفلها زوج خالتها.
ووصفها رسول الله " بالزهراء في حديث أبي أمامة المتقدم.
وذكر الآلوسي أنها تسمى: الأمان، والكنز، والمجادلة، وسورة الاستغفار. ولم أره لغيره، ولعله اقتبس ذلك من أوصاف وصفت بها هذه السورة مما ساقه القرطبي في المسألة الثالثة والرابعة من تفسير أول السورة.
وهذه السورة نزلت بالمدينة بالاتفاق بعد سورة البقرة، فقيل: إنها ثانية لسورة البقرة على أن البقرة أول سورة نزلت بالمدينة.
وقيل: نزلت بالمدينة سورة المطففين أولاً، ثم البقرة، ثم نزلت سورة آل عمران، ثم نزلت الأنفال في وقعة بدر.
وهذا يقتضي: أن سورة آل عمران نزلت قبل وقعة بدر؛ للاتفاق على أن الأنفال نزلت في وقعة بدر، ويبعد ذلك أن سورة آل عمران اشتملت على التذكير بنصر المسلمين يوم بدر، وأن فيها ذكر يوم أحد، ويجوز أن يكون بعضها نزل متأخراً. ٣/١٤٣_١٤٤
٥_ و[الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]: هي الحسنة، وإنما صيغت بصيغة التفضيل ترغيباً في دفع السيئة بها؛ لأن ذلك يشق على النفس؛ فإن الغضب من سوء المعاملة من طباع النفس، وهو يبعث على حب الانتقام من المسيء، فلما أُمر الرسول"بأن يجازي السيئة بالحسنة أشير إلى فضل ذلك.
وقد ورد في صفة رسول الله": =ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح+.
وقد قيل: إن ذلك وصفه في التوراة.
وفرع على هذا الأمر قوله: [فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] لبيان ما في ذلك الأمر من الصلاح؛ ترويضاً على التخلق بذلك الخُلق الكريم، وهو أن تكون النفس مصدراً للإحسان.
ولما كانت الآثار الصالحة تدل على صلاح مثارها، وأَمَرَ اللهُ رسولَه"بالدفع بالتي هي أحسن _ أردفه بذكر بعض محاسنه، وهو أن يصير العدو كالصديق، وحُسنُ ذلك ظاهرٌ مقبول؛ فلا جرم أن يدل حُسنه على حسن سببه.
ولذكر المُثُل والنتائجِ عَقِبَ الإرشادِ شأنٌ ظاهرٌ في تقرير الحقائق، وخاصة التي قد لا تقبلها النفوس؛ لأنها شاقة عليها، والعداوة مكروهة، والصداقة والولاية مرغوبة؛ فلما كان الإحسان لمن أساء يدنيه من الصداقة، أو يُكسبه إياها كان ذلك من شواهد مصلحة الأمر بالدفع بالتي هي أحسن.
و(إذا) للمفاجأة، وهي كناية عن سرعة ظهور أثر الدفع بالتي هي أحسن في انقلاب العدو صديقاً.
وعدل ذكر العدو معرفاً بلام الجنس إلى ذكره باسم الموصول ليتأتى تنكير عداوة للنوعية، وهو أصل التنكير، فيصدُقُ بالعداوة القوية ودونها، كما أن ظرف (بينك وبينه) يصدُق بالبين القريب والبين البعيد، أعني ملازمةَ العداوةِ، أو طُرُوَّها.