٢_ واشتملت هذه السورة من الأغراض على: الابتداء بالتنويه بالقرآن، ومحمد"، وتقسيم آيات القرآن، ومراتبِ الأفهام في تلقِّيها، والتنويهِ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعْدِلُه دين، وأنه لا يُقْبَلُ دينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام، غير الإسلام، والتنويهِ بالتوراةِ والإنجيل، والإيماء إلى أنهما أنزلا قبل القرآن؛ تمهيداً لهذا الدين؛ فلا يَحِقُّ للناس أن يَكْفُروا به، وعلى التعريفِ بدلائل إلهية الله _تعالى_ وانفراده، وإبطالِ ضلالة الذين اتخذوا آلهة من دون الله: مَنْ جعلوا له شركاء، أو اتخذوا له أبناءً، وتهديدِ المشركين بأن أمرَهم إلى زوالٍ، وألا يغرهم ما هم فيه مِنَ البذخ، وأن ما أعد للمؤمنين خيرٌ من ذلك، وتهديدِهم بزوال سلطانهم، ثم الثناءِ على عيسى _عليه السلام_ وآل بيته، وذكرِ معجزةِ ظهورِه، وأنه مخلوق لله.
وهذا تركيب من أعلى طَرَف البلاغة؛ لأنه يجمع أحوال العداوات، فيعلم أن الإحسان ناجح في اقتلاع عداوة المحسَن إليه للمُحْسِنِ على تفاوت مراتب العداوة قوة وضعفاً، وتمكناً وبعداً، ويعلم أنه ينبغي أن يكون الإحسان للعدو قوياً بقدر تمكن عداوته؛ ليكون أنجع في اقتلاعها.
ومن الأقوال المشهورة: النفوس مجبولة على حبِّ من أحسن إليها.
والتشبيه في قوله: [كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] تشبيه في زوال العداوة، ومخالطة شوائب المحبة؛ فوجه الشبه هو المصافاةُ والمقاربةُ وهو معنى متفاوت الأحوال، أي مقول على جنسه بالتشكيك على اختلاف تأثر النفس بالإحسان، وتفاوت قوة العداوة قبل الإحسان، ولا يبلغ مبلغ المشبَّه به؛ إذ من النادر أن يصير العدو ولياً حميماً، فإن صاره فهو لعوارضَ غيرِ داخلةٍ تحت معنى الإسراع الذي آذنت به (إذا) الفجائية. ٢٤/٢٩٢_٢٩٣
٦_ [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)].
وهذا تحريض على الارتياض بهذه الخصلة بإظهار احتياجها إلى قوة عزم، وشدة مراس للصبر على ترك هوى النفس في حب الانتقام، وفي ذلك تنويه بفضلها بأنها تلازمها خصلةُ الصبر وهي في ذاتها خصلةٌ حميدة، وثوابها جزيل _كما علم من عدة آيات في القرآن_ وحسبك قوله _تعالى_: [إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ].
فالصابر مرتاض بتحميل المكاره، وتجرع الشدائد، وكظم الغيظ؛ فيهون عليه ترك الانتقام. ٢٤/٢٩٤_٢٩٥
٧_ [وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)].


الصفحة التالية
Icon