وذِكْرُ الذين آمنوا به حقاً، وإبطالُ إلهية عيسى، ومِنْ ثَمَّ أفضى إلى قضية وفد نجران ولجَاجتهم، ثم محاجةِ أهل الكتابين في حقيقة الحنيفية، وأنهم بُعَدَاءُ عنها، وما أَخَذَ اللهُ مِنَ العهد على الرسل كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسولِ الخاتَم، وأن الله جعل الكعبةَ أولَ بيتٍ وُضِعَ للناس، وقد أعاد إليه الدينَ الحنيفَ كما ابتدأه فيه، وأوجب حَجَّهَ على المؤمنين، وأظهر ضلالاتِ اليهودِ، وسوءَ مقالتِهم، وافتراءَهم في دينهم، وكتمانَهم ما أنزل إليهم، وذَكَّر المسلمين بنعمته عليهم بدين الإسلام، وأَمَرهم بالاتحاد والوِفاق، وذكَّرهم بسابق سوءِ حالهم في الجاهلية، وهَوَّنَ عليهم تظاهرَ معانديهم من أهل الكتاب والمشركين، وذكَّرهم بالحذر من كيدهم وكيدِ الذين أظهروا الإسلامَ ثم عادوا إلى الكفر؛ فكانوا مثلاً لتمييز الخبيث مِنَ الطيب، وأَمَرهم بالاعتزاز بأنفسهم، والصبرِ على تلقي الشدائد، والبلاء، وأذى العدو، ووعدهم على ذلك بالنصر والتأييد وإلقاء الرعب منهم في نفوس عدوهم، ثم ذكَّرهم بيوم أحد، ويوم بدر، وضرب لهم الأمثال بما حصل فيهما، ونوَّه بشأن الشهداء من المسلمين، وأمر المسلمين بفضائل الأعمال: من بذل المال في مواساة الأمة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وترك البخل، ومذمة الربا، وختمت السورة بآيات التفكير في ملكوت الله. ٣/١٤٤_١٤٥
٣_ والتوراة: اسم للكتاب المنزل على موسى _عليه السلام_.
وهو اسم عبراني أصله طورا بمعنى الهدي، والظاهر أنه اسم للألواح التي فيها الكلمات العشر التي نزلت على موسى _عليه السلام_ في جبل الطور؛ لأنها أصل الشريعة التي جاءت في كتب موسى؛ فأطلق ذلك الاسم على جميع كتب موسى.
واليهود يقولون: سفر طورا؛ فلما دخل هذا الاسم إلى العربية أدخلوا عليه لام التعريف التي تدخل على الأوصاف والنكرات؛ لتصير أعلاماً بالغلبة: مثل العقبة.
عطفٌ على جملة: [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا] فبعد أن أُرشد إلى ما هو عونٌ على تحصيل هذا الخلقِ المأمورِ به _ وهو دفع السيئة بالتي هي أحسن _ وبعد أن شُرِحَتْ فائدةُ العمل بها بقوله: [فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] صُرِف العِنان هنا إلى التحذير من عوائقها التي تجتمع كثرتها في حقيقة نزغ الشيطان، فأُمر بأنه إن وجد في نفسه خواطر تَصْرِفه عن ذلك، وتدعوه إلى دفع السيئة بمثلها؛ فإن ذلك نزغٌ من الشيطان دواؤه أن تستعيذ بالله منه؛ فقد ضمن الله له أن يعيذه إذا استعاذ؛ لأنه أمره بذلك، والخطاب للنبي".
وفائدة هذه الاستعاذة تجديدُ داعيةِ العصمة المركوزة في نفس النبي"لأن الاستعاذة بالله من الشيطان استمداد للعصمة وصقل لزكاء النفس مما قد يقترب منها من الكدرات.
وهذا سرٌّ من الاتصال بين النبي"وربه وقد أشار إليه قول النبي": =إنه لَيُغانَ على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة+(١).
فبذلك تسلم نفسه من أن يغشاها شيءٌ من الكُدُرات، ويلحق به في ذلك صالحو المؤمنين. ٢٤/٢٩٦
٨_ والمعنى: فإن سوّل لك الشيطان أن لا تعامل أعداءك بالحسنة، وزيَّن لك الانتقام، وقال لك: كيف تحسن إلى أعداء الدين، وفي الانتقام منهم قطع كيدهم للدين؟ فلا تأخذ بنزغه، وخذْ بما أمرناكَ واستعذ بالله من أن يزلّك الشيطان؛ فإن الله لا يخفى عليه أمر أعدائك، وهو يتولى جزاءهم. ٢٤/٢٩٨
٩_ [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ].