ومن أهل اللغة والتفسير من حاولوا توجيهاً لاشتقاقه اشتقاقاً عربياً، فقالوا: إنه مشتق من الوَرْي وهو الوقد، بوزن تَفعَلة أو فَوْعَلَة، وربما أقدمهم على ذلك أمران: أحدهما: دخول حرف التعريف عليه، وهو لا يدخل على الأسماء العجمية، وأجيب بأن لا مانع من دخولها على المعرب كما قالوا: الإسكندرية، وهذا جواب غير صحيح؛ لأن الإسكندرية وزن عربي؛ إذ هو نسب إلى إسكندر، فالوجه في الجواب أنه إنما ألزم التعريف؛ لأنه معرب عن اسم بمعنى الوصف اسم علم فلما عربوه ألزموه اللام لذلك.
الثاني: أنها كتبت في المصحف بالياء، وهذا لم يذكروه في توجيه كونه عربياً، وسبب كتابته كذلك الإشارة إلى لغة إمالته. ٣/١٤٨_١٤٩
٤_ وأما الإنجيل: فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى _عليه السلام_ فجمعه أصحابه.
وهو اسم معرب قيل من الرومية وأصله (إثانجيليوم) أي الخبر الطيب؛ فمدلوله مدلول اسم الجنس، ولذلك أدخلوا عليه كلمة التعريف في اللغة الرومية، فلما عربه العرب أدخلوا عليه حرف التعريف.
وذكر القرطبي عن الثعلبي أن الإنجيل في السريانية وهي الآرامية (أنكليون).
ولعل الثعلبي اشتبه عليه الرومية بالسريانية؛ لأن هذه الكلمة ليست سريانية وإنما لما نطق بها نصارى العراق وظنها سريانية، أو لعل في العبارة تحريفاً وصوابها اليونانية وهو في اليونانية (أووانيليون) أي اللفظ الفصيح.
وقد حاول بعض أهل اللغة والتفسير جعله مشتقاً من النجل وهو الماء الذي يخرج من الأرض، وذلك تعسف _أيضاً_.
وهمزة الإنجيل مكسورة في الأَشْهَرِ؛ ليجري على وزن الأسماء العربية؛ لأن إفعيلاً موجود بقلة مثل: إبزيم.
وربما نُطق به بفتح الهمزة، وذلك لا نظير له في العربية. ٣/١٤٩
٥_ وقد اختلف علماء الإسلام في تعيين المقصود من المحكمات والمتشابهات على أقوال: مرجعها إلى تعيين مقدار الوضوح والخفاء.
وفي هذه الآية طرف من الإعجاز بالإخبار عن الغيب؛ إذ أخبرت بالوعد بحصول النصر له، ولدينه، وذلك بما يسَّر الله لرسوله"ولخلفائه من بعده في آفاق الدنيا والمشرق والمغرب عامة، وفي باحة العرب خاصة من الفتوح، وثباتها، وانطباع الأمم بها ما لم تتيسر أمثالُها لأحد من ملوك الأرض والقياصرة والأكاسرة على قلة المسلمين إن نسب عددهم إلى عدد الأمم التي فتحوا آفاقها بنشر دعوة الإسلام في أقطار الأرض.
والتاريخُ شاهدٌ بأن ما تهيأ للمسلمين من عجائب الانتشار والسلطان على الأمم أمرٌ خارقٌ للعادة؛ فيتبين أن دين الإسلام هو الحق، وأن المسلمين كلما تمسكوا بعرى الإسلام لقوا من نصر الله أمراً عجيباً يشهد بذلك السابق واللاحق، وقد تحداهم الله بذلك في قوله: [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ].
ثم قال: [وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ].
ولم يقفْ ظهور الإسلام عند فتح الممالك والغلب على الملوك والجبابرة، بل تجاوز ذلك إلى التغلغل في نفوس الأمم المختلفة، فَتَقَلَّدوه ديناً، وانبثت آدابه وأخلاقه فيهم، فأصلحت عوائدهم ونظمهم المدنية المختلفة التي كانوا عليها، فأصبحوا على حضارة متماثلة متناسقة، وأوجدوا حضارةً جديدةً سالمة من الرعونة، وتفشت لغةَ القرآن فتخاطبت بها الأمم المختلفة الألسن، وتعارفت بواسطتها.
ونبغت فيهم فطاحل من علماء الدين، وعلماء العربية، وأئمة الأدب العربي، وفحول الشعراء، ومشاهير الملوك الذين نشروا الإسلام في الممالك بفتوحهم. ٢٥/١٨_١٩
١_ اشتهرت تسميتها عند السلف (حم عسق) وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير، والترمذي في جامعه، وكذلك سميت في عدة من كتب التفسير وكثير من المصاحف.