فعن ابن عباس: أن المحكم مالا تختلف فيه الشرائع كتوحيد الله _تعالى_ وتحريم الفواحش، وذلك ما تضمنته الآيات الثلاث من أواخر سورة الأنعام [قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ] والآيات من سورة الإسراء [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ] وأن المتشابهَ المجملاتُ التي لم تُبَيَّن كحروف أوائل السور.
وعن ابن مسعود، وابن عباس _أيضاً_: أن المحكم ما لم ينسخ، والمتشابه المنسوخ وهذا بعيد عن أن يكون مراداً هنا؛ لعدم مناسبته للوصفين ولا لبقية الآية.
وعن الأصم: المحكم ما اتضح دليله، والمتشابه ما يحتاج إلى التدبر، وذلك كقوله _تعالى_:[وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ] فأولها محكم، وآخرها متشابه.
وللجمهور مذهبان: أولهما: أن المحكم ما اتضحت دلالته، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، ونسب هذا القول لمالك، في رواية أشهب من جامع العتبيَّة، ونسبه الخفاجي إلى الحنفية، وإليه مال الشاطبي في الموافقات.
وثانيهما: أن المحكمَ الواضحُ الدلالةِ، والمتشابهَ الخفيُّها، وإليه مال الفخر؛ فالنص والظاهر هما المحكم؛ لاتضاح دلالتهما، وإن كان أحدهما أي الظاهر يتطرقه احتمال ضعيف، والمجمل والمؤول هما المتشابه؛ لاشتراكهما في خفاء الدلالة وإن كان أحدهما _أي المؤول_ دالاًّ على معنى مرجوح، يقابله معنى راجح، والمجمل دالاًّ على معنى مرجوح يقابله مرجوح آخر، ونسبت هذه الطريقة إلى الشافعية.
قال الشاطبي: فالتشابه: حقيقي، وإضافي؛ فالحقيقي: مالا سبيل إلى فهم معناه، وهو المراد من الآية، والإضافي: ما اشتبه معناه؛ لاحتياجه إلى مراعاة دليل آخر.
فإذا تقصَّى المجتهدُ أدلةَ الشريعةِ وجد فيها ما يبين معناه، والتشابه بالمعنى الحقيقي قليل جداً في الشريعة، وبالمعنى الإضافي كثير. ٣/١٥٥_١٥٦
وتسمى (سورة الشورى) بالألف واللام كما قالوا: (سورة المؤمن).
وبذلك سميت في كثير من المصاحف والتفاسير، وربما قالوا: (سورة شورى) بدون ألف ولام؛ حكايةً للفظ القرآن.
وتسمى سورة عسق بدون لفظ (حم) لقصد الاختصار.
ولم يعدها في الإتقان في عداد السور ذات الاسمين فأكثر، ولم يثبت عن النبي"شيء في تسميتها.
وهي مكية كلها عند الجمهور، وعدها في الإتقان في عداد السور المكية، وقد سبقه إلى ذلك الحسن بن الحصار في كتابه في الناسخ والمنسوخ _كما عزاه إليه في الإتقان_.
وعن ابن عباس وقتادة استثناء أربع آيات أولاها قوله: [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] إلى آخر الأربع الآيات.
وعن مقاتل استثناء قوله _تعالى_: [ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا] إلى قوله: [إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ] رؤي أنها نزلت في الأنصار وهي داخلة في الآيات الأربع التي ذكرها ابن عباس.
وفي أحكام القرآن لابن الفرس عن مقاتل: أن قوله _تعالى_: [وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ] الآيةَ، نزل في أهل الصفة فتكون مدنية، وفيه عنه أن قوله _تعالى_: [وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ] إلى قوله: [مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ] نزل بالمدينة.
نزلت بعد سورة الكهف وقبل سورة إبراهيم وعدت التاسعة والستين في ترتيب نزول السور عند الجعبري المروي عن جابر بن زيد.


الصفحة التالية
Icon