١٦_ العناية بمعالم الإصلاح العامة: فقد جاء تفسيره حافلاً بما ينهض بالأمة، ويُعلي منارها، وينزلها منزلتها اللائقة بها، ويوصلها إلى أعلى مراتب السيادة، وأقصى درجات المجادة.
ولهذا تراه يحرص على بيان أصول الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى فقه المصالح والمفاسد.
وتراه يحرص على ما يرفع من شأن الأمة كي تستقل عن غيرها في نحو الصناعة، والاقتصاد، وما جرى مجرى ذلك.
١٧_ الاهتمام بأصول التربية والتعليم: فكثيراً ما يبين السبل التي ترتقي بالتربية، والتعليم، كيف لا، وهو المربي الحكيم الذي باشر التعليم، وسبر أحواله، وخبر علله وأدواءه؟ كيف لا، وقد ألَّف كتابه العظيم (أليس الصبح بقريب) وهو في بواكير حياته؛ حيث كتبه وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ذلك الكتاب الذي لم يُؤلَّف مثله في بابه، والذي تحدث فيه عن العلم، وتاريخ العلوم، وتطورها، وأسباب الرقي بمستوى التعلم العربي والإسلامي.
ولهذا جاء تفسيراً حافلاً بالنظرات التربوية؛ حيث يقف عند الآيات التي تشير وترشد إلى معالم التربية، وأصولها، كما في قوله _تعالى_ في سورة النساء: [كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ].
١٨_ الاعتداد بالسلف الصالح، والاعتزاز بالأمة وتاريخها: فمع أنَّه ألَّف تفسيره في وقت ضعف المسلمين، وتسلط الاستعمار، وسقوط الخلافة، وتغلغل الأفكار الغربية، وحدوث الهزيمة النفسية، وتأثر الكثير من المثقفين بكل ما مضى _ إلا أن ذلك لم يَنَلْ نَيْلَه من الشيخ ابن عاشور بل كان محباً لسلفه الصالح، مفاخراً بهم، معتزاً بأمته، محتفلاً بتاريخها المجيد، نافياً عنه ما علق به من زيف وتحريف.
١٩_ التنويه بما شاده الأوائل، والحرصُ على الإفادة منه وألا يُقتصر عليه ويوقف عنده: قال × في مقدمته الرائعة ١/٧ مشيراً إلى هذا المعنى: =فإن الاقتصار على الحديث المعاد تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد.
والزجرُ عن حبِّ إشاعةِ الفواحشِ بين المؤمنين والمؤمنات، والأمرُ بالصفح عن الأذى مع الإشارة إلى قضية مِسْطَحِ بنِ أُثاثة.
وأحكامُ الاستئذانِ في الدخول إلى بيوت الناس المسكونةِ، ودخول البيوت غير المسكونة، وآدابُ المسلمين والمسلمات في المخالطة، وإفشاء السلام.
والتحريضُ على تزويج العبيد والإماء، والتحريضُ على مكاتبتهم، أي إعتاقهم على عوضٍ يدفعونه لمالكيهم.
وتحريمُ البغاءِ الذي كان شائعاً في الجاهلية، والأمرُ بالعفاف.
وذمُّ أحوال أهل النفاق، والإشارةُ إلى سوء طويتهم مع النبي".
والتحذيرُ مِنَ الوقوع في حبائل الشيطان.
وضَرْبُ المثلِ لهدي الإيمان، وضلالِ الكفر.
والتنويهُ ببيوت العبادة والقائمين فيها.
وتخلَّل ذلك وصفُ عظمةِ الله _تعالى_ وبدائعِ مصنوعاته، وما فيها من منن على الناس.
وقد أردف ذلك بوصف ما أعده الله للمؤمنين، وأن الله عَلِمَ بما يضمره كلُّ أحدٍ، وأن المرجعَ إليه، والجزاءَ بيده. ١٨/١٤٠_١٤١
٤_ ولما سمع النبي"قول سعد بن عبادة عند نزول آية القذف السالفة قال: =أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني+.
يعني أنها غيرةٌ غيرُ معتدلة الآثار؛ لأنه جعل من آثارها أن يقتل من يجده مع امرأته، والله ورسوله لما يأذنا بذلك؛ فإن الله ورسوله أغيرُ من سعد، ولم يجعلا للزوج الذي يرى زوجته تزني أن يقتل الزاني، ولا المرأة. ١٨/١٦٣
٥_ وأما قوله: [وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ] فَوَجْهُ ذِكْرِ [بِأَفْوَاهِكُم] مع أن القول لا يكون بغير الأفواه _ أنه أريد التمهيد لقوله: [مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ].
أي هو قول غير موافق لما في العلم، ولكنه عن مجرد تصور؛ لأن أدلة العلم قائمة بنقيض مدلول هذا القول، فصار الكلام مجرد ألفاظ تجري على الأفواه.


الصفحة التالية
Icon